«لا أحد يريد أن يعترف بالحقيقة الأليمة المتمثلة في أن حالة الحرب – وإن كانت حربًا هجينة – موجودة بالفعل بين روسيا والعالم الديمقراطي بأسره».
بيتر ديكنسون، المجلس الأطلسي، 13 مارس (آذار) 2018
في أعقاب الأزمة الأوكرانية وتدخل روسيا في شئونها عام 2014، تبنى السياسيون ووسائل الإعلام الغربية على نطاقٍ واسع فكرة الحرب الهجينة عند وصف سلوك روسيا بالسياسة الدولية. ووصف القادة الأوروبيون، مثل أنغيلا ميركل، تصرفات موسكو، بما في ذلك هجمات القرصنة على البرلمان الألماني في عام 2015، بأنها جزء من حرب الكرملين الهجينة. وتم تقييم السياسة الخارجية الروسية بشكلٍ عام – في أوكرانيا، وأوروبا وسوريا وفنزويلا وليبيا والولايات المتحدة – على أنها تعكس عدوان موسكو العالمي ضد الدول الغربية.
نوضح في هذه الورقة أنه وبصرف النظر عن الدوائر السياسية والإعلامية، فإن الخبراء أيضًا يستغلون بشكل روتيني لغة الحرب الهجينة في تحليلهم على الرغم من أن هذه اللغة خرجت من مجتمع الخبراء، فقد انتقدها عدد من المحللين كونها غير محددة المعالم ومبنية على افتراضات غير واقعية وعرضة بشكل عام للتعتيم بدلًا من توضيح سلوك روسيا الدولي. جادل محللون آخرون أنه على الرغم من أن بعض الخبراء والمراكز البحثية توصف بأنها موضوعية وغير حزبية. إلا أنهم كثيرًا ما يصادقون على صحة المفاهيم والأفكار الشائعة داخل دوائر النخبة المهيمنة، وبالتالي يصبحون ضحايا للتفكير السياسي الجماعي. نرى أن هذه الظاهرة لها جذورها في التحيزات السياسية للمنظمات التي ينتسب إليها هؤلاء الخبراء. خاصةً، عندما يتم استخدام لغة الحرب الهجينة من قبل النخب والمؤسسات السياسية المقتنعة بأن الكرملين هو المسؤول الوحيد عن الأزمة الحالية في العلاقات مع الغرب وأن الحلول يمكن أن تنشأ فقط من خلال ممارسة ضغط قوي على الكرملين ليغير سلوكه الدولي.
لدعم هذه الحجة، ألقينا نظرة فاحصة على تحليلات المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة فكرية أمريكية لها تفضيلات واضحة للحفاظ على النظام الدولي المتمركز حول الولايات المتحدة وتوسيع حلف الناتو كأساس للأمن في أوروبا. قمنا ببناء تحليلنا على عينة من المقالات حول روسيا و«الحرب الهجينة» التي نشرها خبراء المجلس الأطلسي بين عامي 2014 و2020. وفي تحديد التحيزات المؤيدة لحلف الناتو والمعادية لروسيا، كما نقوم بتحليل المقالات وكذلك التفضيلات السياسية والمؤسسية الموجودة في المجلس الأطلسي.
يلعب المجلس الأطلسي دورًا مهمًّا في الدوائر السياسية والإعلامية الغربية. وتضم قيادة المجلس سفراء سابقين للولايات المتحدة ومسؤولين حكوميين بارزين آخرين. وتعمل المنظمة كمنصة يعبّر من خلالها صانعو السياسات والسياسيون عن آرائهم. يحضر خبراء المجلس عدة مؤتمرات غربية مهمة مثل مؤتمر ميونيخ للأمن، وعادةً ما يتم الاستشهاد بآرائهم، ونادرًا ما يتم الاعتراض عليها في وسائل الإعلام الغربية. توجد وجهات نظر بديلة حول الأحداث الدولية وتفضيلات السياسة الخارجية للولايات المتحدة ولكنها تفتقر إلى الدعم السياسي والإعلامي القابل للمقارنة. يقدم المجلس الأطلسي نفسه على أنه على مسافة واحدة مِن الحزبين في السياق السياسي للولايات المتحدة، بينما يعكس في الواقع التفضيلات الأمنية الدولية التي تشترك فيها القوى الغربية، وقد يتماشى منظور المجلس بشكل كبير مع منظور إدارة بايدن. ومع ذلك، فإن التفضيلات الغربية بشكل عام لا تقبل بها باقي القوى غير الغربية، بما في ذلك الصين وروسيا وتركيا وغيرها. ترجِّح هذه التفضيلات تجاوز القوة المتمركزة حول الغرب والتحالفات الأمنية مثل الناتو.
تم تقسيم هذه الورقة لثلاثة أقسام
يقترح القسم الأول: إطار عمل لتقييم معرفة الخبراء، لا سيما تلك الناتجة تحت ضغط الأزمات الدولية.
يركز القسم الثاني: على كتابات المجلس الأطلسي حول السياسة الخارجية الروسية منذ الأزمة الأوكرانية في عام 2014 ويشرح منهجية تحليل الخطاب بمزيد من التفصيل.
يطور القسم الثالث والأخير: تفسيرًا لحججنا فيما يتعلق بآراء المجلس الأطلسي حول روسيا والأمن الأوروبي؛ من خلال تقديم دليل على التحيز السياسي للمجلس.
تلخص الخاتمة النتائج التي توصلنا إليها وتناقش تداعياتها المحتملة على مجتمع الخبراء السياسيين وعلاقات الغرب مع روسيا في المستقبل.
الأزمات الدولية والسياسة والمعرفة
لقد أثبت العلماء منذ فترة طويلة أن المعرفة بالشؤون الدولية تعكس غالبًا التحيزات السياسية والثقافية والجغرافية لأولئك الذين ينتجونها. على سبيل المثال، كشفت دراسات ما بعد الاستعمار عن أن المناهج الأمريكية السائدة «ضيقة الأفق» وليست عالمية، أو تعكس الافتراضات الفكرية والتفضيلات السياسية لمن هم في مركز النظام الدولي. لمعالجة هذه التحيزات، اقترح علماء ما بعد الاستعمار وضع تصور للعلاقات بين الذات والآخر بطريقة تبادلية؛ “من خلال معاملة الآخرين كمصدر للمعرفة وحلول السياسة، بدلًا من العلاقات التابعة (دراسات التابع)”. يتفق أولئك الذين يعملون خارج نطاق ما بعد الاستعمار وما بعد البنيوية، على أن التحيزات العلمية شائعة وواسعة الانتشار. ووجد بعض هؤلاء العلماء الملتزمين بالتفكير الوضعي الجديد أن الهيمنة الأمريكية في هذا المجال تميل إلى خلق «نقاط عمياء» في العلاقات الدولية، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الدولية. كما تؤثر التحيزات السياسية والثقافية أيضًا على وكالات التصنيف وقواعد البيانات، مما يؤدي إلى تقييمات وتوصيات من جانب واحد.
تخلق الأزمات الدولية والمعضلات الأمنية الظروف التي يصبح فيها إنتاج المعرفة الموضوعية وغير المتحيزة أكثر صعوبة من أي وقتٍ مضى. إن ضغوط الأزمات لها تأثير في تقليص الحيز الفكري لخطابات النقد والتأمل الذاتي، تاركة مجالًا فقط لخطاب التفوق والدفاع. عندما تتطور الأزمة إلى مواجهة سياسية وعسكرية، يتعرض المثقفون لضغوط شديدة للوقوف إلى جانب حكوماتهم، وقد يُنظر إلى بعضهم على أنهم خونة إذا انتقدوا سياسات دولهم. في ظل هذه الظروف، تهيمن المواقف والصور النمطية السلبية. ويتم الضغط على الدول لتقديم نفسها على أنها الحامي النهائي للمصالح الوطنية، ويمكن أن تميل إلى الانخراط في صناعة الأساطير القومية وإثارة الخوف والتستر الاستراتيجي.
أمثلة على كيفية تأثير الأزمات الدولية على المنطق وأهل التخصص وفيرة. وجد الباحثون أنه خلال الحرب الباردة، بالغ العديد من الخبراء في الاتحاد السوفيتي في تقدير التهديد من خلال تقديم الآخر السوفيتي باعتباره الخصم الوجودي وصورة معكوسة لأمريكا. في أعقاب الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، شهد الأمريكيون عودة الخوف من الإسلام ليس فقط في وسائل الإعلام، ولكن في مراكز الفكر والأوساط الأكاديمية أيضًا.
في المقابل، لا تزال الخبرة الموضوعية غير المتحيزة في أمريكا شحيحة. وفقًا لتوم نيكولز (2017)، تم استبدال هذه الخبرة بالجهل والمشاعر المعادية للفكر، حيث أدت التكنولوجيا ونشر المعلومات إلى الثقة المفرطة بين الناس العاديين بأن الجميع يعرف كل شيء. وجد دانيال دريزنر (2017) أنه في سياق الاستقطاب السياسي وعدم المساواة الاجتماعية وانعدام الثقة في السلطات، يتم الضغط على المثقفين لإنتاج أفكار كبيرة وجريئة، مثل إنهاء الفقر العالمي بحلول عام 2025، حتى لو كانت هذه الأفكار قد لا تصمد تحت التدقيق من قبل المتخصصين، وتؤدي لتآكل الثقة في النخبة المثقفة وأشار باحثون آخرون إلى بزوغ مفهوم «ما بعد الحقيقة» في عصر الشعبوية، ففضلًا عن التدهور المؤسسي، لم تعُد الحقائق مهمة ويتم استغلالها أو اختراعها من قبل السياسيين لمصلحتهم.
أدت الأزمة الأوكرانية إلى تفاقم التوترات بين روسيا والدول الغربية في مجالات العلاقات الأمنية والسياسية. قيَّم الباحثون الأزمة على أنها معضلة أمنية، حيث ترى الأطراف المختلفة أن تصرفات الطرف الآخر هجومية، وتتطلب دفاعًا وطنيًّا وتعبئة عسكرية. لم تؤثر عملية تحويل القضايا والخلافات السياسية العادية إلى مسائل أمنية على السياسة الدولية فحسب، بل أثرت أيضًا على أبعاد مختلفة للسياسة المحلية، بما في ذلك التغطية الإعلامية للأحداث من قبل الجهات المختلفة.
دفعت هذه الظروف الخبراء إلى تطوير ما لا يقل عن ثلاث روايات متميزة عن الأزمة الأوكرانية ودور روسيا فيها. كانت الرواية الغربية السائدة هي أن العدوان الروسي هو السبب الجذري للأزمة؛ مما أدى إلى ضم/عودة شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار شرق أوكرانيا. وفقًا لهذه الرواية، تصرف الكرملين على أساس الخوف من زيادة عدم الاستقرار الداخلي لنظام فلاديمير بوتين والغرائز الإمبراطورية القديمة لروسيا. كانت أوكرانيا ضحية لطموحات القوة الروسية، بينما لم يكُن أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خيارات كثيرة سوى الدفاع عن السيادة الأوكرانية، من خلال فرض عقوبات على روسيا والمطالبة بامتثالها للقانون الدولي. تحت هذه الرواية، كان على الغرب حشد الناتو وقدراته العسكرية لردع الكرملين ومنع غزوه الجديد داخل أوكرانيا/أو غزو أوروبا على نطاقٍ أوسع.
تكشف الرواية الثانية عن جذور أكثر تعقيدًا للأزمة بما في ذلك تلك المتعلقة بأفعال الدول الغربية التي سبقت تطورات عام 2014. حدد المحللون في هذه المجموعة العديد من الديناميكيات التفاعلية بين روسيا والغرب، المسؤولة عن تفاقم التوترات الدولية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وهم يعترفون بأن روسيا انتهكت بالفعل القانون الدولي، لكنهم يجادلون أيضًا بأن الكرملين فعل ذلك ردًّا على العديد من التحديات للمصالح الرئيسية لروسيا، والتي لم يأخذها الغرب في الاعتبار. وترتبط هذه المصالح ارتباطًا وثيقًا بأوكرانيا، وتشمل نقل الطاقة الروسية إلى الأسواق الأوروبية والمشاركة في المؤسسات الأمنية الأوروبية.
أخيرًا، هناك محللون في روسيا والغرب ينسبون المسؤولية الكاملة فيما حدث من أزمة في أوكرانيا إلى الدول الغربية. إنهم ينظرون إلى تصرفات روسيا على أنها رد فعل متوقع من قوة عظمى على سياسات الغرب غير المبالية بمصالح روسيا والتي يحتمل أن تكون هجومية، مثل توسيع الناتو والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن دعم تغيير النظم السياسية في البلدان المجاورة لروسيا. من خلال إنكار الفضاء الروسي، خلق الغرب بيئة كانت فيها تصرفات روسيا رد فعل حتمي على السياسات الغربية. كانت هذه الرواية سائدة في روسيا أيضًا.
أصبح ظهور وانتشار رواية الحرب الهجينة ممكنًا في الولايات المتحدة بسبب جو المواجهة الدولية والتصور السائد لروسيا باعتبارها مسؤولة عن أزمة أوكرانيا. ومن المفارقات أنه في حين أصبح إسناد استراتيجية الحرب الهجينة إلى روسيا أكثر شيوعًا بين المحللين الغربيين، استخدم المحللون الروس لغة الحرب الهجينة لشرح الاستعدادات العسكرية الغربية ضد روسيا. في عام 2014، نشر المحلل العسكري مارك غاليوتي ترجمة لصحيفة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف على مدونته. كانت الورقة تهدف إلى تنبيه المؤسسة العسكرية الروسية إلى الأخطار التي تشكلها الحرب الهجينة الغربية. في غضون أشهر، انتشرت الورقة في الدوائر السياسية والخبراء كوصف نهائي لـ«عقيدة غيراسيموف الروسية» التي تم بناءها لزعزعة استقرار أوكرانيا ودول أخرى. في الوقت الحاضر، ينظر العلماء أيضًا إلى هذه العقيدة على أنها مخطط للسياسة الخارجية الروسية في إدارة علاقاتها مع الغرب.
تستند قصة الحرب الهجينة إلى ثلاثة افتراضات رئيسية:
أولًا، يُنظر إلى روسيا على أنها قوة توسعية مستعدة لمزج الأدوات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق أهدافها.
ثانيًا، تهدف «عقيدة غيراسيموف» إلى توجيه السياسة والعلاقات الخارجية. لذلك، فإن دوافع وتقنيات السياسة الخارجية الروسية الموصوفة في «العقيدة» لا تنطبق فقط على أوكرانيا، ولكن في أي مكان في العالم.
ثالثًا، في حين أن الدول الغربية وأوكرانيا على نفس الجانب في المواجهة الجديدة مع روسيا، إلا أنها ليست محمية جيدًا من عدوان جديد من قبل الكرملين. ومن أجل توفير الحماية الكافية، يجب عليهم نشر جميع الموارد المتاحة لمواجهة الدعاية وردع العمل العسكري.
منذ دخول رواية الحرب الهجينة لقاموس البحث السياسي، انتقدها العديد من الخبراء العسكريين الغربيين ووصفوها بأنها غير محددة ومن المحتمل أن تكون مضللة. ووفقًا لتقديرهم، فإن حقائق الأزمة الأوكرانية لم تغير بشكل أساسي أهداف السياسة الخارجية الروسية، التي كانت مستقرة إلى حدٍ ما منذ منتصف التسعينيات. تتضمن بعض هذه الأهداف الحفاظ على مكانة القوة العظمى والنفوذ في أوراسيا وأوروبا. وفقًا لهؤلاء الخبراء، كانت الحرب الهجينة تدور حول الوسائل أكثر من كونها هدفًا ولا ينبغي الخلط بين هذين الأمرين.
بشكل عام، يرى خبراء أنه من المضلل ومن المحتمل أن يكون خطيرًا وصف الأهداف والأساليب الأوسع لروسيا بأنها مجرد شكل من أشكال الحرب وأشار خبراء آخرون إلى أنه حتى عند التفكير في وسائل أو أساليب السياسة الخارجية الروسية أثناء الأزمة، يميل الكرملين إلى إعطاء الأولوية للقدرات العسكرية التقليدية على أي وسيلة أخرى. على سبيل المثال، لا تزال التكتيكات العسكرية الروسية فيما يتعلق بضم القرم، رغم اختلافها عن تلك الموجودة في المسارح الأخرى، تعتمد في الغالب على الوجود العسكري التقليدي في شبه الجزيرة.
حذر الخبراء الذين ينتقدون رواية الحرب الهجينة من الاعتماد المفرط على المصادر الأوكرانية في تقييم تصرفات روسيا. واقترحوا كذلك أن الرد الغربي المناسب على السياسة الخارجية الروسية يجب أن يجمع بين الحزم/الردع والحوار. ويجادل هؤلاء الخبراء بأنه بدلًا من نشر الدعاية الشبيهة بالكرملين ضد روسيا، من المهم الاسترشاد بالثقة في المؤسسات الغربية والخطاب السياسي المفتوح.
البيانات والمنهجية
تهدف هذه الورقة إلى اختبار نظرية السياسة الحزبية، من خلال اختيار منظمة ذات تحيزات سياسية والتحقيق فيما إذا كانت كتابات الخبراء تعكس هذه التحيزات. لقد اخترنا المجلس الأطلسي كممثل لمنظمة حزبية سياسيًّا. على وجه الخصوص، يفضل المجلس ويدعم النظام الدولي المتمركز حول الولايات المتحدة، والأمن الأوروبي المتمركز حول الناتو، وتصوير روسيا باعتبارها التهديد الرئيسي للأمن الأوروبي والعالمي. كما تنبع أهمية دراسة الحالة هذه للمجلس الأطلسي كونه منظمة لها صلات قوية في مؤسسة السياسة الغربية ويمتلك قدرة على التأثير في عملية صنع القرار في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. تضم قيادة المنظمة ومجلس إدارتها قادة سابقين لحلف شمال الأطلسي، ومستشارين لرؤساء الولايات المتحدة وسفراء للولايات المتحدة، ومسئولون في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع.
لقد ركَّزنا على تقييم كتابات لجنة التنسيق الإدارية بين عامي 2014 و2020. وقد تم اختيار هذه الفترة كممثلة لأزمة دولية، وهي أزمة أوكرانيا التي تعود جذورها إلى ثورة الميدان الأوروبي وضم/عودة شبه جزيرة القرم من قبل روسيا في مارس (آذار) 2014. إنها كذلك في سياق هذه الأزمة ظهرت لغة الحرب الهجينة وتبناها خبراء غربيون، لا سيما أولئك المنتسبون إلى المجلس الأطلسي. نتوقع أن نجد في تحليل المجلس، والفئات المفاهيمية، وطرق تأطير القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية الروسية تحيزات المنظمة المؤيدة للأطلسي والمناهضة لروسيا.
يتم توفير الدليل على تقييمنا، من خلال التحليل النصي لجميع المقالات التي أعدها خبراء المركز، والمنشورة على موقع المنظمة على الويب خلال الفترة من 2014 إلى منتصف 2020. وللحصول على عينة من مقالات الخبراء، بحثنا عن «روسيا والحرب الهجينة» على موقع المجلس الأطلسي الإلكتروني. نتج عن البحث 42 مقالًا وتقريرًا إجمالًا مكرسة لتحليل الأبعاد المختلفة للسياسة الخارجية الروسية.
بشكلٍ عام، ينتقد خبراء المجلس الأطلسي بشدة روسيا ودورها في أوكرانيا والأوسع في أوروبا والنظام الدولي. غالبًا ما يربط خبراء المجلس السياسة الخارجية الروسية بقيادة البلاد ونظامها السياسي، وهو أمر ينتقدونه أيضًا. يكشف اختيار الموضوعات وأبعادها عن رغبتهم في تسليط الضوء على الدور السلبي لروسيا في النظام الدولي، مع حذف أفعالها التي يمكن أن تُظهر استعداد قيادتها للحوار والمفاوضات والتعاون.
فيما يتعلق بإجراءات روسيا في أوكرانيا، يركز خبراء المجلس الأطلسي على ضم/عودة شبه جزيرة القرم، ومساعدة الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وفشل الكرملين في الوفاء بالتزاماته الدولية، مثل تلك الواردة في مذكرة بودابست الموقعة في 5 ديسمبر (كانون الأول) 1994. تم التوقيع على المذكرة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وروسيا، وقدمت ضمانات أمنية لأوكرانيا التي تخلت عن أسلحتها النووية. وهناك أيضًا عدد قليل من الخبراء الذين حللوا دور روسيا في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية عام 2019، والتي أسفرت عن فوز فولوديمير زيلينسكي على بترو بوروشنكو، فضلًا عن تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
يعزو خبراء المجلس الأطلسي المسؤولية عن الأزمة وعدم الاستقرار في أوكرانيا بالكامل إلى تصرفات روسيا. وهم يجادلون بأن استجابة الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام تجاه تصرفات الكرملين في أوكرانيا كانت ضعيفة بشكل غير لائق. ولتصحيح الوضع، يقترحون تزويد كييف بالأسلحة الفتاكة، وخلق وجود بحري مستقر للولايات المتحدة في منطقة البحر الأسود، وتعزيز القدرة العسكرية لحلف الناتو، وعرض عضوية أوكرانيا في الناتو وفصل روسيا عن النظام المالي الدولي، وفصل أوكرانيا عن شبكات الطاقة الروسية.
كما تم التأكيد على موضوع الطاقة من قبل أولئك الذين يناقشون علاقات روسيا مع أوروبا الأوسع والاتحاد الأوروبي. هنا، تشمل الموضوعات دعاية الكرملين، وتجارة الطاقة، والاستعدادات الأمنية خارج أوكرانيا. يقدم خبراء المجلس الأطسي التواجد الإعلامي الروسي في أوروبا كجزء أساسي من حرب الكرملين الهجينة، ويدعون إلى استجابة سياسية حازمة وتمويل إضافي للدعاية الغربية المضادة. وقد ربط أحد الكتاب إدانة محكمة إيطالية لنازي أوكراني بالدعاية الروسية والحرب الهجينة. يحلل العديد من الخبراء دور روسيا في ألمانيا، معربين عن انتقادات شديدة لما يرون أنه اعتماد ألماني مفرط على الغاز الطبيعي الروسي. ويدعو آخرون إلى اتخاذ خطوات أقوى من قبل الناتو لمنع هجوم روسيا المحتمل ضد دول البلطيق أو مولدوفا أو أجزاء أخرى من أوروبا.
ركَّز العديد من المحللين على عروض روسيا العسكرية لذكرى الحرب العالمية الثانية. وجادل هؤلاء المحللون بأن الكرملين قد «استخدم» مثل هذه الأحداث الوطنية كسلاح ويحذر من الثقة في وسائل الإعلام والمسؤولين الروس. يجادل السفير الأوكراني لدى الولايات المتحدة بأن الاتحاد السوفيتي دخل الحرب في سبتمبر (أيلول) 1939 كحليف لألمانيا النازية، وهو ادعاء تنفيه روسيا بشدة. ندد خبير آخر بالبيان المشترك الصادر عن الرئيسين الروسي والأمريكي بمناسبة الذكرى الـ 75 لالتقاء القوات السوفيتية والأمريكية على نهر إلبه، والذي تم الاحتفال به في إبريل (نيسان) من عام 2020. ينظر الكاتب إلى البيان على أنه محاولة من قبل الكرملين لاستغلال النوايا الحسنة للولايات المتحدة وصرف الانتباه عن «أسباب عدم الثقة في روسيا المعاصرة».
يقدم خبراء المجلس الأطلسي الذين يكتبون عن علاقات روسيا بالولايات المتحدة وتأثيرها على النظام العالمي أنشطة روسيا الدولية على أنها تهدِّد أمريكا في جميع أنحاء العالم وتستحق ردًّا حازمًا. ودعوا على وجه الخصوص إلى استراتيجية حاسمة للدعاية المضادة فيما يتعلق بوسائل الإعلام والمعلومات، وعارضوا الميزانية «المحدودة» لدونالد ترامب للغرض المذكور.
أخيرًا، يميل خبراء المجلس الأطلسي الذين يناقشون القضايا الفردية إلى وضع تعميمات من تحليلهم، زاعمين أن الكرملين قد طور استراتيجية للسياسة الخارجية تهدف إلى مهاجمة الولايات المتحدة والغرب عالميًّا. كتب نائب رئيس الوزراء الأوكراني أليكسي ريزنيكوف (2020): «حملات التضليل واسعة النطاق في أوروبا والولايات المتحدة، والهجمات الإلكترونية، ودعم الحركات السياسية الراديكالية، والاغتيالات في كل مكان من سالزبوري إلى برلين ومحاولة الانقلاب المسلح في الجبل الأسود، والتدخلات العسكرية في سوريا وليبيا، كلها جزء من حرب الكرملين الهجينة الناتجة عن فشل الغرب في وقف العدوان الروسي على أوكرانيا».
بشكل عام، لدعم فكرة إطار الحرب الهجينة العالمي لروسيا، يجادل زيمرمان (2017) وديكنسون (2018) بأنها سبقت أزمة 2014. هكذا، يتتبع ديكنسون الأزمة منذ عام 2004، إلى تسميم المرشح الرئاسي الأوكراني فيكتور يوشتشينكو. كما عزا مقتل ألكساندر ليتفينينكو في لندن عام 2006، والهجوم الإلكتروني على إستونيا عام 2007، وإجراءات أخرى إلى إطار الحرب الهجينة العالمية لروسيا.
كما يتضح من الوصف أعلاه، كانت اللهجة العامة لخبراء المجلس الأطلسي فيما يتعلق بروسيا سلبية بشكل كبير، وهو ما يتناقض مع الموقف الإيجابي بشكل عام تجاه أوكرانيا والدول الغربية. يعزز هذا القسم هذه الحجة من خلال الانتقال من السياقات أو الأطر الوصفية إلى التحليلية المستخدمة لوصف أفعال روسيا ودوافعها، فضلًا عن الاستجابة الغربية المقابلة لها.
يصف خبراء المجلس الأطلسي بشكل جماعي السياسة الخارجية الروسية تجاه الدول الغربية بأنها حرب عالمية هجينة من قبل «دولة معادية» بهدف عام لتقويض وتدمير النظام الدولي الغربي بشكل مثالي. على غرار الحرب الباردة القديمة، فإن هذه الحرب الهجينة «عالمية في نطاقها ومتنوعة في شكلها»، وتتراوح من التدخلات العسكرية إلى الهجمات الإلكترونية، وحملات التضليل، والتدخلات السرية في الشؤون الداخلية للدول الغربية. حيث يُنظر إلى «الجرائم الفردية» لروسيا على أنها «مكونات لحملة عالمية واحدة منسقة» «من شبه جزيرة القرم إلى سالزبوري».
أوكرانيا هي إحدى الجبهات البارزة في هذه الحرب العالمية الهجينة، حيث يجادل خبراء المجلس الأطلسي بأن روسيا تتصرف بطريقة ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية. ويقدم هؤلاء الخبراء الإجراءات التي تقوم بها روسيا على أنها «مزيج من القوات الخفية والوكلاء المحليين والمعلومات المضللة الشاملة» بهدف تقسيم أوكرانيا أو ضمها. ولتحقيق هذا الهدف، لن يتوقف الكرملين عند أي شيء. لقد أدت حربه المختلطة بالفعل إلى «مقتل أكثر من 13000 أوكراني وترك ملايين الأرواح في حالة يرثى لها».
خارج أوكرانيا، هناك جبهة أخرى يركز عليها خبراء لجنة التنسيق الإدارية وهي تلك التي تتعلق بالأنشطة السياسية والإعلامية الروسية في فضاء المعلومات العالمي والغربي. هنا يسعى الكرملين إلى استغلال أي نقاط ضعف مجتمعية في هجومه على المعلومات. ويفترض بعض كتاب المجلس الأطلسي أن روسيا لن تقوم فقط «بتأجيج وإذكاء» التوترات العرقية والدينية والسياسية والانفصالية «في كل فرصة»، ولكنها لن تتردد أيضًا في «إطلاق العنان للأسلحة الكيماوية على السكان المدنيين»، كما فعلت مع تسميم الجواسيس، مثل: المنشق سيرغي سكريبال.
فيما يتعلق بسياسة الطاقة الروسية في أوروبا، يعارض خبراء المجلس الأطلسي بالإجماع مشاريع الكرملين، وخاصة نورد ستريم 2، معتبرين مثل أن مثل هذه المشاريع آلية «مُسلَّحة» «لتقسيم أوروبا وقهرها». يتم تقديم شبكة الغاز الطبيعي الأوكرانية (نافتوغاز – Naftogaz) على أنها يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير مقابل شبكة غازبروم الروسية غير الموثوقة. لذا يحرص كتاب المجلس على التأكيد على أن ألمانيا، شريك غازبروم في مشروع نورد ستريم 2، مستهدفة من قبل أجهزة الأمن الروسية من خلال الاستخدام التخريبي لطريقتين كان يستخدمهما سابقًا الكي جي بي السوفيتي: “زعزعة الاستقرار، والمعلومات الخاطئة” بهدف نهائي هو الإطاحة بالمستشارة: أنغيلا ميركل.
لقد قدم كاتب اقتباس مِن الذاكرة السياسية لروسيا وإصرارها على الجبهة السوفيتية الغربية المشتركة ضد ألمانيا النازية على أنها «حيلة ذكية» لصرف انتباه الغرب عن «الأعمال العدوانية» الحقيقية لروسيا و«الانتهاكات الصارخة» للالتزامات الدولية للبلاد. كما ساعد «الاستخدام الساخر للحرب العالمية الثانية» بوتين على المستوى المحلي؛ من خلال تعزيز الكبرياء الوطني والتصدي لمشاعر العار والإذلال لجرائم ستالين.
من وجهة نظر كتاب المجلس الأطلسي، فإن دوافعها ذات شقين: استعادة «إمبراطورية استبدادية» في أوراسيا و«تدمير النظام الدولي المتمركز حول الغرب». الهدف الأول مرتبط بشكل مباشر بإحياء «ثلاثمائة عام من الهيمنة الروسية على أوكرانيا». الهدف الثاني يتطلب زعزعة استقرار الدول الغربية على نطاق واسع، بما في ذلك «المنطقة الرمادية» التي تسيطر عليها روسيا في شرق أوكرانيا.
بالنظر إلى الأطر المستخدمة لتبرير المسؤولية الحصرية لروسيا عن الأزمة الأوكرانية والصراع مع الغرب، يتوصل خبراء المجلس بشكل منطقي إلى توصية ضد أي محاولات لإشراك الكرملين في تعاون متساوٍ. أولئك الذين يكتبون عن أوكرانيا غير مرتاحين لصيغة مينسك للتفاوض على التسوية بين كييف والأقاليم الشرقية الانفصالية، على الرغم من حقيقة أن الصيغة قبلتها فرنسا وألمانيا. تتطلب صيغة مينسك من أوكرانيا الدخول في مفاوضات مباشرة مع الانفصاليين قبل فرض السيطرة على الحدود مع روسيا. تفضل كييف استعادة السيطرة على دونباس من جانب واحد. نتيجة لذلك، تسعى الحكومة الأوكرانية إلى تخريب صيغة مينسك وتدعو إلى إنشاء إطار عمل في بودابست.
بشكل عام، خبراء المجلس الأطلسي مقتنعون بأنه لا يمكن التعامل مع روسيا إلا على أنها «دولة معادية» وأن «الطريقة الوحيدة لوقف هذه الحرب الهجينة هي الفوز بها». ومع ذلك، فإن الغرب بعيد كل البُعد عن الاتحاد ضد التهديد الروسي، والتحدي الحقيقي هو التوحد «ضد حملة الحرب الهجينة العالمية لروسيا بدلًا من الرد الجزئي على كل غضب فردي»، وجمع «تصميم عالمي» لمواجهة الكرملين. ألقى العديد من كتاب المجلس باللوم على الدول الغربية، وتحديدًا ألمانيا وفرنسا، لكونهما ناعمتين تجاه بوتين، وبالتالي تصرفتا بالطريقة التي تذكِّرنا باتفاقية ميونيخ مع أدولف هتلر في عام 1938.
معتقدات وتحيزات المؤسسة الأمريكية
داخل المؤسسة الأمريكية، تظهر مجموعات عديدة الإيمان بالأولوية العالمية للولايات المتحدة (الليبراليون، والمحافظون الجدد، وأنصار الهيمنة). يدافع الليبراليون عن تفوق الولايات المتحدة وتوسع الناتو باعتبارهما ضروريين للحفاظ على النظام المؤسسي العالمي وتعزيز الديمقراطية. كما أوضح جو بايدن (2020)، «لا توجد دولة أخرى لديها هذه القدرة». تعتبر روسيا التفوق العالمي للولايات المتحدة ومركزية حلف شمال الأطلسي في أوروبا له أضرار محتملة على الاستقرار والأمن الدوليين.
المحافظون الجدد وأنصار الهيمنة، يدافعون عن التفوق العسكري للولايات المتحدة لأنهم يعتبرونه أساسًا أساسيًّا للأمن القومي الأمريكي. يذهب المحافظون الجدد إلى أبعد من الواقعيين من خلال الإصرار على أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون آمنة بالكامل دون تغيير دول أخرى، مثل روسيا على وجه الخصوص، على صورة الديمقراطية الأمريكية.
يُعبر عن كل مجموعة محددة أعضاء من الطبقة السياسية ومجتمع الخبراء، تشمل مراكز الفكر الليبرالية المعروفة معهد بروكينغز، ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومركز التقدم الأمريكي. تم تأسيس الأخير من قبل هيلاري كلينتون بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا من أجل تحدي وجهات نظره من موقف السيادة الليبرالية الأمريكية. وغالبًا ما يتم التعبير عن وجهات نظر المحافظين الجدد من قبل معهد (معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة – AEI) وجزئيًّا من قبل (مؤسسة التراث – The Heritage Foundation) و (معهد هدسون – Hudson Institute) في حين يتم التعبير عن منظور أنصار الهيمنة العالمية أحيانًا في تقارير من قبل مراكز الفكر العسكرية، مثل (مؤسسة راند – RAND Corporation). هناك أيضًا مراكز أبحاث ذات سمات أيديولوجية أقل تميزًا وتشمل أفرادًا يتشاركون معتقدات متنوعة في أسبقية الولايات المتحدة. على سبيل المثال، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة والمجلس الأطلسي.
تلقى وجهات النظر المذكورة أعلاه معارضة من قبل مجموعتين لهما تأثير أقل بكثير على صنع السياسة-المدرسة الواقعية في توازن القوى والليبرتارية لا تدعم أي من المجموعتين فكرة تفوق الولايات المتحدة.
الواقعيون لا يشاركون الإيمان بتعزيز الديمقراطية، لكنهم يدعون إلى المزيد من الأدوات التقليدية للدبلوماسية والاستخبارات والحشد العسكري. وهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تتكيف مع عالم متعدد الأقطاب (بشكل متزايد)؛ من خلال تطوير استراتيجيات موازنة خارجية في مناطق مختلفة والتركيز على احتواء الصين.
الليبرتاريون ينتقدون فكرة تفوق الولايات المتحدة، لكن انتقاداتهم له علاقة بالمخاوف المتعلقة بالحفاظ على الديمقراطية في الداخل أكثر من ارتباطها بالأمن القومي.
في مجتمع الخبراء، يتم التعبير عن الآراء الواقعية والليبرتارية على وجه الخصوص من قبل معهد بحوث كاتو الليبرالي ومعهد كوينسي الذي تم إنشاؤه حديثًا. يحمل مركز المصلحة الوطنية بقيادة ديميتري سايمز منظورًا واقعيًّا متميزًا وينشر مجلة ذات عقلية واقعية بعنوان المصلحة الوطنية.
تمثل رؤية المجلس الأطلسي العالمية الجماعات المهيمنة داخل المؤسسة الأمريكية. تنظر هذه المجموعات إلى السيادة الأمريكية باعتبارها مركزية للاستقرار العالمي، وحلف شمال الأطلسي هو أساس الأمن الأوروبي، وروسيا باعتبارها التهديد الرئيسي في كل من الأوضاع العالمية والأوروبية.
وجدت منظمات مراقبة وسائل الإعلام المستقلة مثل (تدقيق الحقائق – Fact checking) (التحير الإعلامي – Media bias) أن المجلس الأطلسي كان ينشر معلومات واقعية ومع ذلك، استخدم مفاهيم مضللة أثناء محاولة التأكيد على الصور النمطية والتأثير على مشاعر الجمهور لصالح «الأسباب المحافظة، المشروحة أعلاه» للمجلس. وتم العثور على هذه الأسباب والتحيزات لتكون مبنية على «وجهات النظر العسكرية المؤيدة للشركات والصقور».
ينعكس انحياز المجلس الأطلسي تجاه تفوق الولايات المتحدة في مهمة المنظمة، فضلًا عن تفضيلات أعضاء مجلس الإدارة والتمويل والأنشطة لنقدم نبذة تاريخية، تم تأسيس المجلس بالاشتراك مع المعهد الأطلسي في عام 1961، استجابةً للمخاوف من تجزئة الناتو وإضعاف علاقات أوروبا الغربية مع الولايات المتحدة. بمشاركة وزير الخارجية السابق دين آتشيسون، والعديد من الأفراد الآخرين، كانت الفكرة هي الجمع بين الدول التي تعمل من أجل وحدة الأطلسي. كانت علاقاتها الوثيقة مع حكومة الولايات المتحدة واضحة منذ البداية وواضحة في مشاركة المسؤولين الرئيسيين. على سبيل المثال، دعا وزير الخارجية دين راسك إلى عقد اجتماع رئيسي لتوحيد المجلس والمنظمات الأطلسية الأخرى في مكتبه في 24 يوليو (تموز) 1961 وحضره كبار المانحين، مثل مؤسسة فورد وسفراء الولايات المتحدة السابقين في حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى شخصيات مؤثرة أخرى.
تتمثل المهمة الحالية للمنظمة في “«تحفيز القيادة الأمريكية والمشاركة في العالم، بالشراكة مع الحلفاء والشركاء». يؤكد مؤلفو بيان المهمة أنه من خلال أوراقهم وأفكارهم وإجراءاتهم، فإن اللجنة الاستشارية «تصوغ خيارات السياسة والاستراتيجيات لخلق عالم أكثر حرية وأمانًا وازدهارًا». هذه ليست مهمة من المحتمل أن يتم قبولها من قبل الواقعيين والليبرتاريين المحددين أعلاه في توازن القوى. ومع ذلك، قد تتفق المجموعات المهيمنة من الليبراليين والمحافظين الجدد وأنصار الهيمنة على المهمة. ومن المرجح أن تلتقي المجموعات الأخيرة حول فكرة القيادة، بينما تتباعد حول تعريفاتها المحتملة ووسائل تحقيق مثل هذه القيادة.
تضمنت قيادة اللجنة الاستشارية تاريخيًّا أشخاصًا من ذوي الخبرة في شؤون وزارة الخارجية والدفاع. ومن هؤلاء الأشخاص السفير الأمريكي السابق لدى الصين وروسيا جون هانتسمان، والسفير الأمريكي السابق لدى أوزبكستان وأوكرانيا جون إي هيربست، والمبعوث الأمريكي الخاص السابق لمنطقة الساحل الإفريقي جون بيتر فام، ووكيل وزارة الخزانة الأمريكية السابق في وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد ماكورميك وآخرون. تدعم الملامح الفردية لأعضاء مجلس إدارة المجلس الأطلسي انحيازها للأولوية العالمية وتوسع الناتو. فرئيس المنظمة ومديرها التنفيذي هو فريدريك كيمبي، وهو مدافع قديم عن العلاقات عبر الأطلسي وحلف الناتو، وخبير في الحرب الباردة. يشمل أعضاء مجلس الإدارة الآخرين أفرادًا لديهم تجارب مختلفة في الحرب الباردة وحلف شمال الأطلسي وسياسة الدفاع. وهذا يشمل الرئيس جون إف دبليو روجرز، المساعد السابق للرئيس رونالد ريغان في 1981-1985 الرئيس التنفيذي الفخري جيمس ل. جونز، القائد السابق لقوات الناتو، الرئيس الفخري برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق للرؤساء جيرالد فورد وجورج بوش، ونائب الرئيس التنفيذي ستيفن ج. هادلي، مساعد وزير الدفاع الأسبق 1989-1993، وآخرين.
فيما يتعلق بالتمويل، جاء الدعم المالي للمجلس في البداية من مؤسسة فورد التي كانت مهتمة بالتعاون عبر المحيط الأطلسي والتي ساعدت في إطلاق المجلس بمنحة مدتها خمس سنوات بقيمة 250,000 دولار. ظلت مؤسسة فورد المانح الرئيسي من عام 1969 حتى عام 1973. الممولون اليوم أكثر تنوعًا ويشتملون على تبرعات من أكثر من خمس وعشرين حكومة أجنبية-أبرزها الحكومة البريطانية والإمارات العربية المتحدة – والأثرياء الأفراد والشركات الأمريكية مثل فيسبوك، غولدمان ساكس ومؤسسة روكفلر وغيرها. وفي قائمة المانحين شركة (Burisma Holdings) المملوكة لرجل الأعمال الأوكراني، نيكولاي زلوشفسكي حيث ساهمت بمبلغ 100,000 دولار نويًّا لمدة ثلاث سنوات متتالية بدءًا من عام 2016.
تشمل الأنشطة المتنوعة للجنة الاستشارية محاولات تثقيف الجمهور، فضلًا عن التأثير على النخب وصانعي السياسات، من خلال نشر المقالات والتقارير والنشرات الإخبارية والمجلات الأكاديمية. كما يحضر الأفراد المرتبطون باللجنة الاستشارية وينظمون العديد من الأحداث والمؤتمرات بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى ملتزمين بأولوية الولايات المتحدة والعلاقات القوية عبر الأطلسي. بحلول منتصف السبعينيات من القرن الماضي، كان المجلس الأطلسي ينتج مجموعة متنوعة من الأوراق السياسية والكتب وغيرها من الأعمال. في عام 1998، نظم المجلس مؤتمرًا دوليًّا كبيرًا ركز على إعادة بناء العلاقات بين الشرق والغرب. استمر هذا التحول مع سقوط الشيوعية؛ حيث تحول قدر كبير من التركيز إلى أوروبا الشرقية والبلقان والأمن النووي.
تشمل أنشطة المجلس المعاصرة توفير مكان اجتماع لرؤساء الدول والجيوش والسياسيين من أي من جانبي المحيط الأطلسي، بما في ذلك أولئك الذين يتطلعون للانضمام إلى الناتو مثل قادة أوكرانيا وجورجيا. وقد شارك الأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن، وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وقادة عسكريون، بمن فيهم الجنرال السابق جورج كيسي والأدميرال السابق تيموثي كيتنغ، في أنشطة المجلس من خلال إلقاء الخطب في أحداث المنظمة.
علاوة على ذلك، ينشر المجلس الأطلسي أفكاره في التجمعات الدولية الكبرى مثل مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يعقد سنويًّا في ألمانيا. على سبيل المثال، في 22 فبراير(شباط) 2019، أصدرت اللجنة الاستشارية إعلان المبادئ الخاص بها الذي يحدد القيم المشتركة عبر الأطلسي كرد فعل لإضعاف هذه القيم والالتزام بها في الداخل والخارج. أوضح رئيس المجلس، فريد كيمبي (2019) المخاوف المتصورة من خلال القول بأنه لا ينبغي «تضليل الجمهور من خلال التقارير الإعلامية حول تغريدات ترامب التي تشير إلى ضعف الولايات المتحدة أو الانسحاب من الناتو»، وذلك عصر يجب فيه أن يستمر الازدهار الدولي المتمركز حول الولايات المتحدة وحلف الناتو، على الرغم من مواجهة التهديدات المتزايدة من الصين وروسيا وغيرهما مِن «المستبدين».
تعود جذور الانحياز المناهض لروسيا إلى معتقدات الجماعات الأمريكية المهيمنة التي تنظر إلى السيادة الأمريكية العالمية وتوسيع حلف الناتو على أنهما ضروريان للحفاظ على السلام والأمن في العالم. تنظر هذه المجموعات إلى روسيا باعتبارها تهديدًا رئيسيًّا على «النظام العالمي الليبرالي» الغربي ويرجع ذلك جزئيًّا إلى معارضة روسيا الطويلة الأمد لتوسع الناتو. ردًّا على هذه التحيزات، اتخذت روسيا إجراءات لمنع المجلس الأطلسي من العمل في الأراضي الروسية، واصفة إياها بأنه منظمة «غير مرغوب فيها»، ويشكل تهديدًا للنظام الدستوري وأمن الاتحاد الروسي.
بعد السياسة الخارجية الحازمة الجديدة لروسيا التي شهدتها منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خلص الليبراليون داخل المؤسسة الأمريكية إلى أن تصرفات الكرملين تعكس الطبيعة الاستبدادية للنظام، وهو أمر يشعرون أنه تأكد في أوكرانيا. يميل الليبراليون إلى اعتبار الناتو تحالفًا للديمقراطيات يساعد على توسيع مساحة السياسة الديمقراطية، ولا يقبلون حقيقة أن روسيا تشعر بالتهديد من الناتو. ينظر المحافظون الجدد إلى التحالف عبر الأطلسي من منظور الأمن، لكنهم يفضِّلون أيضًا تعزيز الديمقراطية كوسيلة لتأمين الهيمنة الأمريكية العالمية. أخيرًا، لا يعطي أنصار الهيمنة الأولوية للديمقراطية، بل يصرون على توسيع الناتو لأسباب تتعلق بالأمن القومي والقوة.
يترتب على ذلك أن كل مجموعة من الجماعات المهيمنة المحددة لها أسبابها الخاصة للنظر إلى روسيا باعتبارها تهديدًا رئيسيًّا، لكنها مع ذلك تتلاقى حول فكرة قيام روسيا بحرب هجينة جوهرها محاربة القيم الغربية والأمن والوضع العالمي. وبدلًا من تبني منظور محدود ودقيق للسياسة الخارجية الروسية الذي ينادي به نقاد الحرب الهجينة، يبدو أن المجلس الأطلسي ينظر إلى العالم من خلال عدسة تعكس الهيمنة الأمريكية ووجهات النظر الأمنية الغربية. في المقابل، يفترضون أن الحرب الهجينة هي الطريقة النهائية لروسيا لتقويض النظام العالمي المتمركز حول الولايات المتحدة.
أخيرًا، مع دخول العالم فترة انتقال إلى نظام دولي جديد، فإن عدم اليقين الذي يصاحب العملية يمثل تحديًا للخبرات المستقلة غير الحزبية. في بعض الحالات، يؤدي ذلك إلى مخاوف من عدم الاستقرار والتحول إلى سياسة اللوم بدلًا من التحليل الموضوعي. في هذه الورقة، اخترنا (المجلس الأطلسي – Atlantic Council) كممثل لمنظمة ذات أجندة سياسية حزبية. تعزز أجندة هذه المنظمة النظام الدولي المتمركز حول الولايات المتحدة ونظام الأمن الأوروبي القائم على الناتو. بصفته منظمة سياسية ومناصرة، فإن لجنة المراجعة لديها أيضًا الطموح للعمل كمؤسسة فكرية لديها القدرة على التحليل الموضوعي والتوصيات المتعلقة بالسياسات. يتم تمثيل وجهات نظرها بشكل جيد في تقارير سياسة المنظمة والبيانات وتحليلات الخبراء. يشتهر خبراء المجلس الأطلسي بدعمهم لسياسات أمريكية مثيرة للجدل مثل غزو العراق عام 2003 وقصف ليبيا عام 2011. وفيما يتعلق بالصراع بين روسيا وأوكرانيا، تحدى خبراء المجلس بشكل متكرر صيغة مينسك التي تدعو إلى ضغوط غربية إضافية على روسيا باعتبارها الطريقة الفعالة الوحيدة لحل النزاع.
في تقييمنا، فشلت المنظمة الطموحة في تقديم تحليل موضوعي رغم ما تمتلكه من خبراء بسبب التحيزات السياسية. أدت هذه التحيزات إلى تحليلات وتوصيات مُنحازة ضد روسيا. حيث ينظر الخبراء في المجلس الأطلسي بأغلبية ساحقة إلى روسيا باعتبارها التهديد الأمني الرئيسي للولايات المتحدة بدلًا من كونها طرفًا محتملًا في الحوار وحل الأزمات؛ حيث تحليلهم القائم على فكرة «الحرب العالمية الهجينة» التي شنها بوتين يفتقر إلى الفروق الدقيقة والنسبة المطلوبة لفهم أهداف روسيا الخاصة بأي قضية مطروحة. وعلى حد تعبير أحد النقاد، «إذا أراد الغرب أن يتوصل إلى استراتيجية سياسية وعسكرية للتعامل مع روسيا، فيجب أن يبدأ بالتخلص من تلك الروايات السيئة والتحليل المشوه، وعندها يجب أن تكون الحرب الروسية الهجينة على رأس تلك القائمة». يجب أن يتمَّ تجنب التحزب تجاه روسيا وأن تقوم القراءة على آراء أصحاب الخبرة الموضوعية والنقدية الذاتية. إن التحول الحاصل في النظام الدولي المستقطب سياسيًا يضع أهمية كبيرة بشكل خاص على هذه الخبرة. [1]
المشاركون في إعداد البحث
ما ورد في البحث يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير