أبحاث ودراسات

لماذا أصبح التنظيم الأخطر في آسيا الوسطى؟

كيف بدأ تنظيم ولاية خراسان؟



شارك الموضوع

أثارت العملية الأخيرة لتنظيم داعش خراسان، في باكستان، الجدل بشأن عودة وضع التنظيم على رأس قائمة التنظيمات الناشطة في منطقة وسط آسيا، حيث أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي الذي شهدته بلدة خار بشمال غرب باكستان، في 31 يوليو الماضي، والذي استهدف جمعًا سياسيًّا يضم نحو 400 عضو في حزب جمعية علماء الإسلام على إثر تفجير انتحاري سترته الناسفة وسط هذا الحشد الكبير؛ مما أدى- وفقًا للإحصاءات الأخيرة- إلى وقوع 56 قتيلًا، بينهم 23 تقل أعمارهم عن 18 عامًا، وإصابة نحو 200 شخص تقريبًا.[1]

يأتي هذا بالتزامن مع ما يقرب من 100 هجوم إرهابي ضد المدنيين في أفغانستان وباكستان، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (ISKP) مسؤوليته عن تنفيذها، إذ تشير ولاية خراسان- على وجه التحديد- إلى المنطقة التاريخية الممتدة عبر أجزاء من أفغانستان، وباكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وإيران، بالإضافة إلى ما يقرب من 250 اشتباكًا مع قوات الأمن الأمريكية والأفغانية والباكستانية؛ وذلك بهدف تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في جنوب آسيا ووسطها.[2]

ومن هذا المنطلق، تناقش هذه المقالة لمحة عامة عن الجذور التاريخية للتنظيم والقيادة، والأهداف الإستراتيجية، وأيديولوجيتها، وهيكلها التنظيمي، وتكتيكاتها الحالية؛ لتجيب عن تساؤل محوري يطرحه الوضع الحالي في منطقة وسط آسيا وجنوبها، مفاده: لماذا يمثل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان خطرًا مضاعفًا على منطقة آسيا الوسطى؟ وهل يتفاقم هذا التهديد بسبب انسحاب القوات الأمريكية والقوات المشتركة التي كانت قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب تقيد أنشطة تنظيم داعش في خراسان سابقًا؟!

أولًا: الجذور التاريخية لنشأة تنظيم داعش خراسان

ظهرت بداية تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان عام 2014، مع انشقاق مقاتلي تحريك طالبان (TTP) والقاعدة ومقاتلي طالبان النشطين في أفغانستان وباكستان. وفي أعقاب هذه الانشقاقات، أرسل تنظيم الدولة الإسلامية مبعوثين من العراق وسوريا للقاء مقاتلين محليين، بمن في ذلك عدد من قادة حركة طالبان باكستان. وفي يناير 2015، أُضفِيَ الطابع الرسمي على تلك التحركات عندما أعلن التنظيم تشكيل إقليم خراسان. وانطلاقًا من هذا، عيَّن أمير الدولة الإسلامية “أبو بكر البغدادي”، “حافظ خان سعيد” أميرًا لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.[3]

كان “خان سعيد” قائدًا سابقًا في حركة طالبان باكستان، ومسؤولًا عن العمليات في “أوراكزاي” في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية الباكستانية (FATA)؛ مما وفر وجود الشبكات الباكستانية العميقة لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان التي شُكِّلَت حديثًا، والتي يمكن من خلالها تجنيد المقاتلين. فمن بين القادة الأوائل لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان الذين تعهدوا بالولاء، كان هناك كثير من قادة تنظيم مقاتلي تحريك طالبان (TTP) المسؤولين عن المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية الباكستانية (FATA)؛ مما أدى إلى تعميق موطئ قدم تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان في تلك المنطقة الحدودية الإستراتيجية.[4]

جنبًا إلى جنب، كان تاريخ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان منذ عام 2015 حافلاً بالتوسع والعنف، مع قتال دوري ضد قوات الأمن الأفغانية وطالبان والقوات الدولية؛ وهو ما جعل زعيم طالبان آنذاك “أختر منصور” يحث مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على الالتحام تحت راية واحدة إلى جانب طالبان، لكن التوترات بين الجانبين تصاعدت، وتحركت طالبان لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان بهدف إضعاف الجماعات المتحالفة مع داعش.[5]

وأذِن القادة في مجلس شورى طالبان في “كويتا” بشن هجمات إضافية، ونشروا نخبة كوماندوز “الوحدة الحمراء” لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان ابتداءً من ديسمبر 2015 في مقاطعة جوزجان؛ مما أسفر عن استسلام تنظيم خراسان لطالبان في صيف عام 2018 بعد حملة دامية، ومع ذلك سرعان ما استعاد التنظيم قوته، ونجح في تنفيذ هجمات ممنهجة في أفغانستان منذ مايو 2019.[6]

ثانيًا: الهيكل التنظيمي لتنظيم داعش خراسان

وفي عام 2014، اختير الباكستاني “حافظ سعيد خان” لقيادة ولاية داعش خراسان كأول أمير لها، وبايع أبا بكر البغدادي زعيم داعش في أكتوبر 2014، والسبب وراء اختيار “خان” أنه كان قائدًا مخضرمًا في حركة طالبان باكستان (TTP)، كما جلب معه أعضاء بارزين آخرين في حركة طالبان الباكستانية، منهم المتحدث باسم الجماعة الشيخ “مقبول”، وكثير من رؤساء المناطق ذات الثقل السياسي والعسكري، أدرجوا في مجلس شورى خراسان الأول، أو مجلس القيادة، وقد أسهم  تعيين “خان” أميرًا لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، والقائد السابق لطالبان “عبد الرؤوف” خادم نائبه، في تسهيل نمو الجماعة، مستخدمًا شبكات التجنيد الراسخة في أفغانستان.

إلا أن مقتل الأمير المؤسس “حافظ سعيد خان” في غارة جوية أمريكية في مقاطعة ننجرهار بأفغانستان في 26 يوليو 2016، واتبعتها الولايات المتحدة بضربات مستهدفة قُتل فيها أبرز رجال التنظيم، مثل “عبد الحسيب” في أبريل 2017، و”أبو سيد” في يوليو 2017، و”أبو سعد أوراكزاي” في أغسطس 2018، وانشقاق بعض أعضاء عسكر طيبة، وجماعة الدعوة، وشبكة حقاني، والحركة الإسلامية لأوزبكستان (IMU) عن تنظيم داعش خراسان، أضعف التنظيم فترة طويلة، إلى أن عينت الدولة الإسلامية “شهاب المهاجر” أميرًا جديدًا لتنظيم خراسان بعد القبض على سلفه “أسلم فاروقي”، إذ كان “المهاجر” قائدًا بارزًا في التنظيم، وقائدًا في شبكة حقاني سابقًا، ونفذ عدة هجمات في المناطق الحضرية في كابول؛ مما جعل التنظيم يستعيد نشاطه من جديد، ويتنامى وينتشر في باكستان ودول آسيا الوسطى[7].

تضمنت العضوية المبكرة لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان مجموعة من المسلحين الباكستانيين الذين ظهروا في إقليم ننجرهار بأفغانستان عبر الحدود مباشرةً من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية (FATA) في باكستان. وفي هذا السياق، قدرت منظمة الأمم المتحدة في يونيو 2021 أن تنظيم خراسان يتكون من مجموعة أساسية من المقاتلين يتراوح عددهم بين 1500 و2200، متمركزين في مقاطعات مثل كونار وننجرهار، وينتشر هؤلاء المقاتلون في خلايا مستقلة نسبيًّا تعمل تحت راية الدولة الإسلامية وأيديولوجيتها، في حين أن هذه الجماعات تفتقر إلى القدرة أو التنسيق أو الدعم المحلي للسيطرة على مناطق كبرى، لكنها تحتفظ بقدرتها على شن هجمات فردية ذات تأثير مدمر[8].

ثالثًا: الأيديولوجية الفكرية والعَقَدية لتنظيم داعش خراسان

يستقي تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان الدعم من القيادة الأساسية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ تأسيسه في عام 2015. ومع خسارة الدولة الإسلامية للأراضي في سوريا والعراق، تحولت- بشكل متزايد- إلى أفغانستان كقاعدة لخلافة عالمية، ومن هذا المنطلق يلتزم تنظيم داعش خراسان بأيديولوجية الدولة الإسلامية الأوسع التي تسعى إلى إقامة خلافة عالمية عابرة للحدود يحكمها الفقه الإسلامي، إذ يدعو شعار الدولة الإسلامية المسلمين الآخرين للهجرة إلى الخلافة الوليدة للتنظيم. ومع ذلك، يجب أن تكون الخلافة “دولة إسلامية خالصة”، كما يجب على الأعضاء فيها مراعاة السنة النبوية. وفي عام 2016، أصدر التنظيم قائمة بعنوان “عقيدة الدولة الإسلامية ومنهجها في التكفير”، نصَّت على أن أي شخص يرفض الشريعة سيُوصَف بالكافر (المرتد)، ويجب قتله وفقًا لهذا.

استندت أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية إلى العنف ضد المجتمع المحلي؛ فمع أن كلًّا من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة يدعوان إلى النضال العنيف ضد العدو البعيد المتمثل في الدول الغربية، فإن تنظيم الدولة الإسلامية ينتهج محاربة العدو القريب المرتد في المنطقة، حيث يعمل التنظيم في ظل جهاد هجومي عالمي لتخليص أراضيها من جميع “الكفار الأجانب” و”المرتدين”، وتأييد العنف ضد المجتمع المحلي إذا كان يعارض التمسك بالشريعة، ولا يتوافق وعقيدة الدولة الإسلامية التي وضعها التنظيم[9].

وقد انتهج تنظيم الدولة الإسلامية داعش- ومن ثم داعش خراسان- رفض التسوية مع الغرب؛ حيث أدان التنظيم السابق الذكر في خراسان مفاوضات السلام بين طالبان والولايات المتحدة في مارس 2020، بل تعهد تنظيم خراسان بالانتقام من طالبان بسبب اتفاق السلام مع الولايات المتحدة. يعود هذا إلى عقيدة التنظيم التي تؤيد مفهوم توحيد الحاكم (وحدة الحكم)، ورفض زعيم مسلم لا يحكم بالشريعة الإسلامية بكاملها، أو التعاون مع الكفار المتمثلين في الولايات المتحدة الأمريكية في الحالة الأفغانية؛ لذلك يرفض تنظيم خراسان الاعتراف بطالبان زعيمًا إسلاميًّا شرعيًّا؛ لأن هدفهم هو بناء قاعدة عرقية وقومية ضيقة، بدلًا من الالتزام بالجهاد الإسلامي العالمي[10].

رابعًا: أهداف تنظيم داعش خراسان

تضمنت إستراتيجية تنظيم خراسان الشاملة أهدافًا محلية وعالمية، أعلنها المكتب الإعلامي للتنظيم في سلسلة فيديوهات عام 2015، حيث أوضح فيها قائلًا إنه “لا شك أن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بالجهاد في أرض خراسان منذ زمن بعيد، ومن فضل الله قاتلنا الكافر الذي دخل أرض خراسان، كل هذا من أجل إقامة الشريعة”. وقال أيضًا: “اعلموا أن الخلافة الإسلامية لا تقتصر على بلد معين، سيقاتل هؤلاء الشباب ضد كل كافر، سواء في الغرب، أو الشرق، أو الجنوب، أو الشمال”. وبذلك يتضح أن التنظيم قائم على محددات الشريعة الإسلامية وفقًا لتفسيرات التنظيم، التي تشمل انضمام المسلمين من جميع أنحاء العالم، إذ يتجاهل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان الحدود الدولية، ويتصور أن أراضيها تتجاوز الدول القومية مثل أفغانستان وباكستان، إذ تشمل تطلعاته العالمية رفع راية التنظيم فوق القدس والبيت الأبيض، وهو ما يعني هزيمة كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

وتسعى أيديولوجية التنظيم إلى تخليص أراضيها من الأجانب، ومن المرتدين كذلك، ومن بينهم أي شخص من المجندين في الجيش الوطني الأفغاني السني إلى الهزارة الشيعة، كما يسعى تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى إقامة خلافة، تبدأ في جنوب آسيا ووسطها، تحكمها الشريعة الإسلامية، وستتوسع مع انضمام المسلمين من جميع أنحاء المنطقة والعالم[11].

واستنادًا إلى هذا، ينفذ التنظيم إستراتيجيته العالمية في بيئات تشغيل مختلفة من خلال تنسيقها مع الظروف المحلية، وعلى سبيل المثال، منطقة كشمير المقسمة التي تقع على قمة شبه القارة الهندية، وتمثل نقطة اشتعال للصراع بين القوى النووية المتناحرة تاريخيًّا باكستان والهند، مع سيطرة القادة الوطنيين على السياسة في كل من إسلام آباد ونيودلهي، والاضطرابات المستمرة في الأراضي المتنازع عليها، ومن ثم تعد كشمير أرضًا خصبة لتخريب داعش خراسان في المستقبل.

إن الإستراتيجية التي ينتهجها التنظيم ترمي إلى نزع الشرعية عن حكومات المنطقة، وتقويض ثقة المواطنين بالتحول الديمقراطي؛ مما يؤدي إلى عدم الاستقرار في الدول القومية، التي يراها  التنظيم غير شرعية، بل في الآونة الأخيرة، وفي ظل موجة الانتخابات التي تشهدها المنطقة، يستعد التنظيم لأعمال عنف جديدة، من شأنها تقويض استقرار المنطقة، حيث حذر التنظيم مواطني خراسان من الاقتراب من المراكز الانتخابية، ونصحهم بـ”الابتعاد عنها حفاظًا على حياتهم؛ لأنها أهداف مشروعة لنا”؛ مما يوضح المساعي الجديدة التي يستهدفها التنظيم الإسلامي في الفترة الحالية[12].

خامسًا: تكتيكات تنظيم داعش خراسان في آسيا

لا تزال أفغانستان الوجهة الأولى للمقاتلين الإرهابيين الأجانب في المنطقة، وكذلك للمقاتلين الذين يغادرون ساحات القتال في بلاد الشام، كما تُسهل براعة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان في الشؤون العامة، والمكانة العالمية، والموارد المستدامة، تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب. ووفقًا لتقارير أمريكية، فإن لدى التنظيم قوات مقاتلة من 600 إلى 800 مقاتل بدايةً من أكتوبر 2018، هذه الأعداد أقل مما كانت عليه في عام 2016، حيث كان تعداد قوتها القتالية آنذاك يتراوح بين 3000 و4000 مقاتل، وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في عدد المقاتلين، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان ما زال يخطط وينفذ هجمات عالية المستوى في أفغانستان وباكستان، فضلًا عن محاولات تصدير أيديولوجيته العنيفة إلى الغرب[13].

 ومن الشكل البياني السابق يتضح أنه على الرغم من طموح التنظيم لاستهداف الدول الغربية، لا يزال عنف تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان محليًّا إلى حد كبير. فمنذ يناير 2017، نفذ التنظيم 84 هجومًا ضد المدنيين في أفغانستان، حيث قُتل نحو 819 مدنيًّا في 15 مقاطعة مع أعلى مستويات العنف في كابول وننكرهار، كما ركز تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على كابول وعواصم المقاطعات الرئيسية خلال الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2018، وواصلت الخلايا النائمة التابعة للتنظيم التخطيط لهجمات مرئية ومدمرة في كابول وهرات وجلال آباد.

ثم بعد ذلك تراجعت قوة التنظيم منذ عام 2018، إلا أنه سرعان ما واصل التخطيط لهجمات وتنفيذها في أفغانستان من خلال هجمات تفجيرية وانتحارية عن بُعد ضد أهداف مدنية، وقوات أمنية مشددة. ففي الفترة من يناير 2020 إلى يوليو 2021، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان 83 هجومًا أسفر عن مقتل 309 شخصًا، استهدفت هذه الهجمات- بشكل أساسي- المدنيين عبر 35 هجومًا، وقوات الأمن عبر 28 هجومًا، بما في ذلك قوات الناتو، والجيش الأفغاني، وقوات إنفاذ القانون، وقوات الأمن الأخرى. كان أبرز تلك الهجمات في مايو 2020 على جناح للولادة في كابول، أسفر عن مقتل 24 شخصًا، والهجوم على جامعة كابول في نوفمبر 2020، الذي أودى بحياة 22 شخصًا.

وفي هذا السياق، شهد 14 مايو عام 2021 انفجارًا في أثناء صلاة عيد الفطر في مسجد على مشارف كابول، أسفر عن مقتل 12 مدنيًّا، وإصابة 20 آخرين على الأقل. وفي 8 يونيو 2021، أطلق مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان النار على العاملين في إزالة الألغام من الهزارة في مقاطعة بغلان؛ مما أسفر عن مقتل 10، وإصابة 16 آخرين.

بيد أن الهجوم الأشهر للتنظيم كان في 26 أغسطس 2021 على مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 183 شخصًا؛ 170 أفغانيًّا، و13 عسكريًّا أمريكيًّا، وهو يعد أكبر عدد قتلى في هجوم واحد من تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، مما جعل أغسطس 2021 الشهر الأكثر دموية للتنظيم منذ يوليو 2018[14].

وفي باكستان، نفذ التنظيم 11 هجومًا أسفر عن مقتل مئات المدنيين منذ يناير 2017، حيث استهدف التنظيم المؤسسات الانتخابية والطائفية، وكانت أحدث تلك العمليات الإرهابية في يوليو المنصرم، واستهدف بها التنظيم جمعًا سياسيًّا يضم نحو 400 عضو في حزب جمعية علماء الإسلام على إثر تفجير انتحاري سترته الناسفة؛ ومن هذا نرى أن التكتيكات التي اعتمد عليها التنظيم في أفغانستان وباكستان أظهرت إستراتيجية داعش المحلية، الهادفة إلى نزع الشرعية عن الدول القائمة، وإضعاف الثقة بالديمقراطية، واستغلال الطائفية، وزرع عدم الاستقرار في مناطق نفوذه[15].

الخاتمة

بناءً على التحليل السابق، يمكن استخلاص أن تنظيم داعش خراسان يحاول الحفاظ على مرونته من خلال خط التجنيد المتنوع والقابل للتجديد، الذي يجذب أعدادًا كبيرة من المقاتلين ذوي الخبرة من الجماعات الموجودة على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية، ومع تراجع الضغط الدولي لمكافحة الإرهاب، يمكن أن تكون خطة التجنيد للتنظيم كافية لضخ الدعم المطلوب بشدة من المقاتلين في صفوف تنظيم داعش خراسان، وتعزيز نفوذه، وزيادة مستويات العنف.

ومع ذلك، فقد كافح تنظيم داعش خراسان سابقًا للتجنيد داخل أفغانستان وباكستان بسبب افتقاره إلى شعبيته كمجموعة إرهابية أجنبية، وعلى الرغم من وجود بعض الدلائل على أن التنظيم قد حقق مؤخرًا نجاحات محلية محدودة، لا سيما مع الأفغان الشباب في المناطق الحضرية، فإنه غير قادر على توسيع قاعدته المحلية، وخصوصًا إذا بذلت طالبان والحكومات الإقليمية الأخرى جهودًا متضافرة لتقييد جهود التجنيد الأجنبية؛ وحينئذٍ قد يكون تنظيم داعش خراسان مقيدًا في نشاطه ونموه[16].

 يسلط نشاط تنظيم داعش خراسان الأخير الضوء على أهمية الحفاظ على خطط قوية لمكافحة الإرهاب، وجمع المعلومات الاستخبارية في المنطقة، في ظل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ومع أن تنظيم داعش خراسان لا يهدد الإدارة الأمريكية تهديدًا مباشرًا، فإنه يمثل تهديدًا خطيرًا للمصالح الإقليمية للولايات المتحدة، ومن المرجح أن يسهم في عدم الاستقرار والنظام البيئي الإرهابي المتزايد في أفغانستان وباكستان على المدى القريب[17].

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع