في الوقت الذي كان فيه العالم يستعد لاستقبال العام الجديد، وسط انشغالٍ الصراع بين روسيا والغرب حول أوكرانيا، تفجرت الأحداث في كازاخستان، أو «قازاخستان». لم يكن الأمر غريبًا بالنسبة للمهتمين بالشؤون الأوراسية عامة، وبلدان آسيا الوسطى على وجه الخصوص، غير أن ما فاجأهم هو سرعة انهيار الأجهزة الأمنية، وحجم العنف الكبير من المحتجين. أما على المستوى الشعبي، فالغالبية في العالم العربي ربما لا تعرف عن هذا البلد شيئًا سوى أنه كان مقراً لعدة اجتماعات خاصة بالأزمة السورية، انبثقت عن مؤتمر «محادثات أستانا للسلام في سوريا» مطلع 2017..حتى إن البعض علق متندّرًا: متى يعقد “مؤتمر دمشق للسلام في كازاخستان” لحل الأزمة الكازاخية؟!
قبل الخوض في تفاصيل هذه الأزمة، وفي الأسباب والدوافع خلفها، ومآلاتها المتوقعة، تهدف هذه الدراسة إلى استعراض تفاصيل مهمة عن هذا البلد، في ظل تداول كثير من المعلومات غير الدقيقة عنه.
جمهورية كازاخستان دولة أوراسية، 19.65% من أراضيها من الغرب تقع في أوروبا، والبقية في منطقة آسيا الوسطى، وتمتلك أراض شاسعة (2,725,000) كم²، وهو ما يجعلها في المرتبة التاسعة عالميًا من حيث المساحة.
تحدها من الشمال والغرب روسيا بحدود طولها (6,467) كم، ومن الشرق الصين (1,460) كم، ومن الجنوب قيرغيزستان (980) كم، وأوزبكستان (2,300) كم، وتركمانستان (380) كم.
لم تكن كازاخستان قبل عام 1936 دولة بهذه الحدود الحالية، غير أن شعوب الترك وجدوا على هذه الأرض منذ القرن السادس الميلادي، فيما تشكلت الهوية الكازاخية منذ القرن السادس عشر، وكان لأبنائها “خانية” حتى القرن التاسع عشر. أما المنطقة المعروفة الآن باسم آسيا الوسطى فقد سكنها «السكوثيون»، وهم من الشعوب الفارسية القديمة، حسب أرجح الأقوال.. وقد بدأ توافد قبائل الترك على منطقة آسيا الوسطى مطلع القرن الخامس الميلادي، أثناء توسع «إمبراطورية الهون»، أو “الهياطلة” حسب المراجع العربية، حتى شكلت تلك القبائل تدريجياً غالبية السكان بنهاية القرن السادس الميلادي[1].
بعد انهيار «إمبراطورية الهون» تعاقب على حكم المنطقة عدة سلالات تركية، ثم الامبراطورية الفارسية الساسانية والصينية، وصولًا إلى فتوحات “ما وراء النهر” حسب التسمية العربية، ثم خانيَّة كيمك، ودولة الترك الغُز، والدولة القراخانيَّة، والدولة القراخطائيَّة، والإمبراطورية المغولية، والقبيلة الذهبيَّة، والدولة التيموريَّة؛ وبسقوط الأخيرة بداية القرن السادس عشر، تشكلت الهوية القبلية الخاصة لشعب الكازاخ، التي تعني بالتركية القديمة «الحر أو البدوي المستقل»، ونشأت خانيةٌ خاصة بهم في الجزء الجنوبي الشرقي من كازاخستان الحالية في الفترة من عام 1456 إلى عام 1847، تحت اسم «خانية الكازاخ»، وكان ميرزا أبو الخير محمد خان (1693- 1748) أعظم ملوكها[2].
سقطت خانية الكازاخ، إثر ما يسمى تاريخيًّا «الاندفاع الروسي نحو آسيا الوسطى»؛ لمواجهة الطموحات البريطانية في غزو المنطقة بعد سيطرتها على الهند، وهو ما كان يشكل خطرًا جيوسياسيًّا عليها[3].
وفي اعقاب انهيار الإمبراطورية الروسية، واستقرار الحكم للبلاشفة، كانت ما تسمى الآن كازاخستان جزءًا من «جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية»، وفي التقسيم الإداري الجديد لعام 1925، تم ضمها إلى «جمهورية قرغيزستان الاشتراكية السوفيتية» الذاتية الحكم، وعبر عملية مطولة تغيرت فيها خريطتها أكثر من مرة، ظهرت إلى الوجود في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 1936 «جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفيتية» بحدودها الحالية الضخمة، بعدما وسعت السلطة السوفيتية من مساحتها عبر مراحل مختلفة، وذلك باقتطاع أراضٍ من جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية، وبعض الأراضي الروسية في الغرب، فيما قام الزعيم يوسف ستالين، بعملية توطين واسعة النطاق للسلاف من الروس، والأوكرانيين، والبولنديين، وبعض الأعراق الأخرى في كازاخستان[4].
كان هدف ستالين من عملية التوطين، وتوسيع حدود كازاخستان، انشاء جمهورية تستحوذ على جميع الحدود بين روسيا وآسيا الوسطى، دات مساحة كبيرة مقتطعة من جيرانها، وعلى غير وفاق معهم، بالإضافة إلى وجود روسي مؤثر، ومن ثم تصبح آسيا الوسطى “المفيدة” مرتبطة بروسيا، وفي حال خروج أراضي منطقة تركستان عن السيطرة السوفيتية لأي سبب؛ تضمن روسيا وجود دولة عازلة بينها وبين باقي بلدان المنطقة، تابعة للكرملين، وبحاجة إليه لحمايتها من أي أخطار خارجية مناهضة لموسكو. وقد فُسر ذلك بعدم يقين السلطة السوفيتية -آنذاك – على استمرار قدرتها على الامساك بزمام الأمور وبسط نفوذها على المنطقة، في ظل الثورات المتنامية التي بدأت منذ وصول البلاشفة إلى السلطة، لاسيما دعم البريطانيين وملوك أفغانستان للمتمردين. وقد أكد الرئيس الكازاخي السابق نور سلطان نزارباييف عدم وجود دولة كازاخية بالحدود الحالية، عندما قال: “كازاخستان دولة فتية، تكمن ميزتها الكبرى في حقيقة أن علاقاتها مع البلدان الأخرى تتطور من الصفر، حيث بدأ تاريخ دولتنا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وذلك لعدم وجود جذور قديمة لدولة كازاخستان الحالية”. ثم أكد في مناسبة أخرى هذا الأمر بالقول: “قبل عام 1991، لم تكن هناك دولة كازاخستانية؛ نظرًا إلى عدم وجود حدود مستقلة لها”[5].
ويسجل التاريخ أن كازاخستان كانت آخر جمهوريات الاتحاد السوفيتي التي اعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991، بل كانت تفضل الإبقاء على الاتحاد في جميع الأحوال.
اعترفت روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي بدولة كازاخستان، بموجب معاهدات الصداقة المؤرخة في 16 يوليو (تموز) 1992، وحُسِمَت مسألة الحدود نهائيًّا في 18 يناير (كانون الثاني) 2005؛ بموجب اتفاقية معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، التي تعهدت فيها روسيا بحماية سيادة كازاخستان وسلامتها داخل هذه الحدود الثابتة، والحفاظ عليها.
كان الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف ، قد دعا في خطاب شهير بجامعة موسكو في التاسع والعشرين من مارس (آذار) 1994، إلى إقامة اتحاد جديد بين روسيا وكازاخستان، يمكن أن يتوسع ويضم باقي بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة، تحت اسم: «الاتحاد الأوراسي»[6].
قُدر عدد سكان كازاخستان في منتصف عام 2020، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، بنحو (18,776,707) نسمة [7]. وبحسب الحكومة الكازاخية، يوجد في البلاد (130) عرقية. يشكل الكازاخ الجزء الأكبر من السكان بنسبة (58.9%)، يليهم الروس (25.9%)، والأوكرانيون والبولنديون (2.9%)، والأوزبك (2.8%)، والإيغور والتتر والألمان (1.5%) لكل منهم، وباقي المجموعات العرقية الأخرى (4.3%). تُعد اللغة الروسية لغةً رسمية إلى جانب الكازاخية، ويدرس بها 70% من مناهج التعليم في مراحله المختلفة[8]، أما بالنسبة للأديان؛ 70.2% من المسلمين (السنة بشكل رئيسي)؛ المسيحيون 26.2% (بشكل رئيسي أرثوذكس يتبعون بطريركية موسكو)؛ أديان أخرى 0.2%؛ ملحدون 2.8%؛ غير محددي الديانة 0.5%، حسب (تقديرات 2009).[9]
في ظل مجاورة كازاخستان لقوتين عظميين؛ هما: روسيا شمالًا، والصين في الجنوب الشرقي، فضلاً عن بلدان آسيا الوسطى الأخرى التي يرى بعضها أن له حقًا في الأراضي الكازاخية، ومع وجود مجتمع متنوع عرقيًّا، ومعارضة قوية بدأت تتشكل منذ نهاية التسعينات من القوميين والتيارات الإسلاموية، تتهم النظام بالتبعية للخارج؛ وسط ذلك كله حاول نزاربايف تشكيل هوية وطنية لدولة- حسب قوله- لم يكن لها وجود قبل عام 1991، اذا بدأ عملية أشبه ما تكون بصناعة تاريخ افتراضي للدولة الكازاخية، والادعاء بأن شعبها كان “يناضل” منذ سنوات طويلة لنيل “استقلاله”، بل قام بتكريم حركة «باسماتشيستفا»- (وفق التسمية الروسية، المشتقة من الكلمة الأوزبكية «باسماتشي») أي “قطاع الطرق”، واعتبار قادتهم “مناضلين لأجل حرية الشعب الكازاخي”، وإلى جانب ذلك احتفى بتاريخ ملوك خانية كازاخستان، وشيد تماثيل لهم في الميادين العامة، ووضع صورهم على طوابع البريد، وفرض منهج تاريخ جديد للبلاد يدرس في شتى مراحل التعليم على أساس هذه الرواية التاريخية.
أدى تعزيز السياسية القومية إلى آثار عكسية؛ فقد زادت المشاعر المعادية للروس والأجانب في البلاد، ومنحت التيارات القومية والإسلاموية مزيدًا من القوة، وخلقت توتراً في العلاقات مع موسكو، كما فتحت المجال للحديث عن «القبلية» داخل المجتمع الكازاخي، وعن القبائل التي أسهمت أكثر من غيرها في صنع هذا التاريخ “النضالي” المزعوم.
تتشكل الهياكل القبلية للشعب الكازاخي في غالبيتها من اتحاد قبائل «الجوز» المنقسمين إلى ثلاث مجموعات رئيسية، هي: (الجوز الأكبر، والجوز الأوسط، والجوز الأصغر)، فيما يشبه تقسيم القبائل العربية- وفقًا للتصورات التقليدية- إلى ثلاثة أجذام (قحطان، وعدنان، وقضاعة). الأمر نفسه ينطبق على التقسيم القبلي الكازاخي، الذي تتفرع منه عدة عشائر مختلفة، ومن هم خارج هذه القبائل الثلاث: عشيرة «تور»، وهم أحفاد جنكيز خان، ومن لهم الحق الشرعي- وفق التقاليد الكازاخية- في الحكم والقيادة، وحمل لقب سلطان، وعشيرة «الخوجا»، وهم أحفاد العرب الأوائل من علماء الدين الذين بشروا بالإسلام، ويتولى مركز القيادة فيهم الأشراف الذين يعتقد أنهم من نسل الحسن والحسين، وعشيرة «تولنغيت»، وهي العشيرة التي نالت شرف خدمة سلاطين الكازاخ وخاناتهم، وحراستهم، وقيادة قوات النخبة في الجيش، وعشائر «سوناك»، وهم العرب الذين استوطنوا فيما تعرف الآن بكازاخستان بعد الفتح. يتميز النظام القبلي الكازاخي بصرامته، فهو قائم على وحدة القبيلة أو العشيرة العرقية، واللغوية، والثقافية، والدينية، والزواج فيه محظور بين الأقارب المقربين.[10]
ينتمي الرئيس الأول لكازاخستان نور سلطان نزارباييف، وخليفته قاسم جومارت توكاييف، والحاشية المحيطة بهما، إلى قبيلة «الجوز الأوسط» وهو ما يفسر هيمنة تلك القبائل على السلطة والثروة منذ استقلال البلاد، يليهم في درجة النفوذ ذوو الأصول الروسية، فيما تتركز شعبية أغلب التيارات الإسلاموية والقومية في غرب البلاد وجنوبها، حيث تهيمن قبائل “الجوز الأصغر والأكبر”، ومن هناك انطلقت احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2022.
موقع كازاخستان الجغرافي الفريد في أوراسيا، أي أوروبا وآسيا، مع مساحتها الضخمة، جعل منها دولة ذات أهمية جيوسياسية كبرى للقوى العظمى، ولكنه فرض عليها- في المقابل- تحديات كثيرة للموازنة بين هذه القوى.
المعني الأول بما يحدث في كازاخستان؛ وذلك لأسباب تاريخية وجيوسياسية، وأمنية، واقتصادية. تبلغ الحدود بين البلدين- كما سلف- (6,467) كم، وهي ثاني أطول حدود برية في العالم بين بلدين بعد الولايات المتحدة وكندا، اللتين تبلغ الحدود بينهما (8,891) كم.
المعني الأول بما يحدث في كازاخستان؛ وذلك لأسباب تاريخية وجيوسياسية، وأمنية، واقتصادية. تبلغ الحدود بين البلدين- كما سلف- (6,467) كم، وهي ثاني أطول حدود برية في العالم بين بلدين بعد الولايات المتحدة وكندا، اللتين تبلغ الحدود بينهما (8,891) كم.
شكَّل مثلت آسيا الوسطى تحديًا أمنيًّا كبيرًا لروسيا الإمبراطورية، وهو ما دفعها إلى ضم بلدان تلك المنطقة من خلال عملية سياسية واقتصادية وعسكرية طويلة ومعقدة، بدأت عام 1839، وانتهت عام 1897 بسيطرة روسية كاملة لمواجهة الخطر المتمثل في هيمنة بريطانيا على المنطقة.
الزعيم السوفيتي يوسف ستالين، الذي عارض أفكار لينين وتروتسكي التي كانت تدور حول «الأممية»، وأسس فريقًا خاصًا به اصطلح على تسميته «البلاشفة القوميين»، صمم جمهورية كازاخستان لتشكل منطقة عازلة آمنة بين روسيا وبلدان آسيا الوسطى وأفغانستان، ووطن فيها السلاف لخلق توازن قومي بين الترك الكازاخ والسلاف من ناحية، وتوازن ديني بين المسلمين والأرثوذكس من ناحية أخرى، في حين لم يهتم بتوطينهم في باقي بلدان آسيا الوسطى. تميز ستالين- الجورجي الأصل- بأنه كان ينظر إلى الاتحاد السوفيتي والأيديولوجية الشيوعية على أنهما خادمان لمصالح روسيا الجيوسياسية لا العكس، خلافًا لمن كانوا قبله، ومن جاءوا من بعده، وهو ما يفسر سر تقدير كثير من الروس له، رغم ما نسب إليه من جرائم ضد الإنسانية. وعليه، فإن أي فوضى في كازاخستان ، أو تولي سلطة غير صديقة لروسيا مقاليد الحكم هناك، سيشكل ذلك تحديًّا ربما لا تقوى موسكو على مواجهته، مع وجود تلك الحدود الممتدة التي يكاد يكون من المستحيل تأمينها، في حين أن كازاخستان الصديقة المستقرة والموالية لموسكو، تخفف من على كاهلها عبء وضع قواتها في حالة تأهب على هذه الحدود الطويلة، وتشكل جدار حماية من أي أخطار قد تأتي من وراء تلك الحدود، وعامل توازن وربما ضغط على الصين إذا حدث خلاف بين موسكو وبكين؛ لذلك تمتعت كازاخستان بمعاملة خاصة لدى روسيا، حتى أن الكازاخ يمكنهم دخولها بالهوية الشخصية، دون الحاجة إلى جواز سفر، أو تأشيرة دخول.
اقتصاديًّا: تمثل كازاخستان قيمة كبرى لروسيا؛ لما تمتلكه من موارد طبيعية، وعلى رأسها اليورانيوم، إلى جانب «ميناء بايكونور الفضائي»، الذي منه تنطلق الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية الروسية إلى الفضاء الخارجي، وغيرها من المصالح الحيوية الأخرى. وقد وقع كلا البلدين «معاهدة حسن الجوار والتحالف في القرن الحادي والعشرين» في مدينة يكاترينبورغ الروسية عام 2013، التي تضم أكثر من 400 اتفاقية ومذكرة تفاهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعثات تجارية في كلا البلدين تقدم دعمًا شاملًا للمشاركين في التجارة الخارجية المشتركة. تظل روسيا شريكًا تجاريًّا خارجيًّا رئيسيًّا لكازاخستان: “يبلغ حجم التجارة من 18 إلى 21% من إجمالي حجم التجارة الخارجية الكازاخية من خلال الاتجاه الروسي”. وفقًا لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، في عام 2020، بلغت التجارة بين روسيا وكازاخستان أكثر من 19 مليار دولار أمريكي، وهو ما يقل بنسبة 2.84% عن الفترة نفسها من عام 2019، حيث بلغت الصادرات الروسية إلى كازاخستان (14,030) مليار دولار أمريكي في عام 2020 (- 0.14% عن عام 2019)، في حين بلغت واردات روسيا من كازاخستان (5,034) مليار دولار أمريكي في عام 2020، بانخفاض نسبته 9.64% مقارنة بعام 2019. إجمالًا، بلغت حصة كازاخستان 3.36% في حجم التجارة الخارجية لروسيا عام 2020، وبذلك تحتل المركز العاشر للتجارة الروسية. تجدر الإشارة أن 76 من أصل 85 كيانًا من الكيانات المكونة للاتحاد الروسي لديها علاقات تجارية واقتصادية مع شركاء في كازاخستان، في حين أن كازاخستان تنفذ بنشاط مشروعات مشتركة مع منطقة موسكو وسانت بطرسبورغ، ومناطق أومسك، وأستراخان، وتفير، وتتارستان، وباشكورستان.[11]
عسكريًّا: يقوم التعاون العسكري بين كازاخستان وروسيا على جبهتين، وفي كثير من الأحيان يتداخل في بعض المجالات. يتعاون الطرفان معًا في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، ومن خلال أكثر من 60 اتفاقية ثنائية لتنظم الشؤون الدفاعية والتقنية”. كما تُجَدَّد الاتفاقيات دوريًّا، أو تُضاف إليها وثائق جديدة وملاحق إضافية، لتحديد الإطار العام والجوانب المختلفة الأخرى للتعاون الوثيق بينهما.
يشمل التعاون العسكري المشترك بشكل شبه كامل جميع جوانب السياسة الأمنية، والأنشطة الأخرى ذات الصلة، من إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، لا سيما في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإنتاج الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وتدريب الأفراد العسكريين، وتقاسم المنشآت العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، بصفتها عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تستفيد كازاخستان من الشروط التفضيلية لشراء الأسلحة والأنظمة المصنعة في روسيا، التي تعد- إلى حد بعيد- أكبر مورد للمعدات العسكرية للدولة الواقعة في آسيا الوسطى.
من وجهة نظر موسكو، فإن الحفاظ على هذا التعاون العسكري التاريخي مع كازاخستان وتعزيزه يتماشى تمامًا مع سياستها الإستراتيجية الخاصة، الموضحة في عقيدة السياسة الخارجية الروسية الجديدة، التي تركز- بشكل متزايد- على ضرورة استعادة “مجال نفوذ روسيا المتميز” في الفضاء ما بعد السوفيتي، وتعزيز دورها كقوة أوراسية. في المقابل، تمتلك كازاخستان أكبر موارد عسكرية بعد روسيا في المنطقة؛ مما يجعلها دولة رئيسية لصانعي السياسات في موسكو.[12]
تمثل كازاخستان للصين أولوية في بلدان آسيا الوسطى، فبينهما حدود مشتركة مساحتها (1,460) كم، ويوجد داخل الصين نحو مليون ونصف المليون من أصل كازاخي، وتعترف الدولة الصينية بهم ضمن مجموعة العرقيات الرئيسية في البلاد، ويتمتعون بحكم ذاتي في محافظة «يِلي» في منطقة «شينجيانغ»، أو “تركستان الشرقية”[13]؛ ولذلك فالعلاقة مع هذا البلد لها أهمية كبيرة، خاصة في ظل الانتقادات الغربية المتواصلة بشأن تعامل بكين مع الإيغور والكازاخ، والحديث عن “معسكرات اعتقال” جماعية لهم، حيث تعتمد بكين على دعم كازاخستان لها في هذا الملف، والأخيرة قد أكدت- أكثر من مرة- أنها تؤيد “التعامل” الصيني مع “الإرهاب” الداخلي، وترفض أن تكون أراضيها مركزًا لأي نشاط تحريضي ضد الصين بسبب هذه القضية[14]. ولتأكيد موقفها هذا؛ منعت السلطات الكازاخية دخول الناشط الأمريكي جين بونين، وهو من الشخصيات البارزة عالميًّا المهتمة بما يتعرض له الإيغور من “اضطهاد” في الصين.[15]
توفر الثروات الطبيعية التي تزخر بها كازاخستان موردًا مهمًا وقريبًا للخامات التي تحتاج إليها الصناعات الصينية، وعلى رأسها الغاز والنفط والمعادن. أهم من ذلك أن كازاخستان هي الجسر الذي يربط الصين بأوروبا؛ فالطريق التقليدي للصين نحو أوروبا يمر عبر روسيا من خلال الشرق الأقصى، ويقطع داخل الأراضي الروسي مساحة شاسعة تصل إلى نحو عشرة آلاف كيلو متر للوصول إلى الحدود مع أوروبا، في حين أن الطريق المباشر للسكك الحديدية من الصين إلى كازاخستان، ومنها إلى روسيا ثم أوروبا، أقصر، وأكثر سهولة وسرعة.
كذلك، في سعيها إلى إيجاد بدائل عن روسيا لتصل بضائعها إلى أوروبا، ربطت بكين نفسها بمنظومة خطوط السكك الحديدية مع خط (باكو- تبليسي- قارص)، وتم ربط هذا الخط عن طريق كازاخستان من محطة شيان الصينية إلى ميناء أكاتو الكازاخي في غرب البلاد على بحر قزوين، ومنه إلى باكو، ثم تبليسي، وصولًا إلى قارص التركية، ومنها إلى أوروبا. هذه الرحلة، التي يبلغ طولها الإجمالي (8,693)، تبدأ من شيان (2,100) كم داخل الصين، ثم (3,200) كم في كازاخستان، ثم (420) كم لعبور بحر قزوين، ثم (430) كم في أذربيجان، ثم (220) كم في جورجيا، ثم (2,323) كم في تركيا، ويقطع القطار هذه الرحلة في 12 يومًا فقط.[16]
شيوع الفوضى في كازاخستان يفقد الصين البلد الأكثر أهمية لمشروعها الطموح «مبادرة الحزام والطريق» في آسيا الوسط، الذي تحظى فيه كازاخستان بدور كبير، ويهدد أمنها القومي- تهديدًا مباشرًا- من خلال تحويل هذا البلد إلى قاعدة انطلاق للحركات المسلحة المناوئة لها. ووفق نظرية “الدومينو”، ستلحق هذه الفوضى بكل المنطقة، وتصبح المتضرر الرئيسي منها. كما أن عدم استقرار النظام قد يؤدي إلى سقوطه، وصعود نظام موالٍ للغرب، أو لروسيا بشكل واضح، وكلا الأمرين لا تحبذه الصين، وإن كان ذلك مفهومًا بالنسبة إلى الغرب، فقد يبدو الأمر غريبًا بالنسبة إلى روسيا في إطار ما يوصف غربيًّا بوجود “تحالف” روسي- صيني، ولكن هذا التقارب، وهو التوصيف الأدق لطبيعة العلاقات بين البلدين، لا ينفي وجود المنافسة، وروسيا لن تكون سعيدة بوجود طرق بديلة لتصدير المنتجات الصينية إلى أوروبا، وهو ما يفقدها ورقة جيوسياسية مهمة؛ ولذلك تعمل- بنشاط- على دعم أرمن جورجيا في منطقة «سمتسخى-چفاختي»، وعاصمتها آخالكالاكي، التي يمر منها خط أنابيب النفط (باكو- تبليسي- جيهان)، الذي يشكل منافسًا للنفط والغاز الروسي، وخط السكك الحديدية (باكو- تبليسي- قارص). تمتع الأرمن في العهد السوفيتي بوضعية الحكم الذاتي، وحق استخدام لغتهم القومية، وبعد استقلال جورجيا حُرموا هذا الحق، ويطالبون- مثلهم مثل أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية- بالانفصال عن جورجيا، أو الانضمام إلى قوام الاتحاد الروسي، ويشكل هذا الوضع ورقة في يد موسكو، يمكن أن تستخدمها في أي وقت لتعطيل هذه المشروعات.[17]
أخيرًا، طريق الصين الآمن إلى إيران، ومنها إلى منطقة الخليج العربية وغرب آسيا، يمر عبر كازاخستان من خلال خط السكك الحديدية (شنغهاي- طهران)؛ ولذلك تكتسب العلاقة أهمية متعددة الأوجه بين البلدين، في ظل استثمارات صينية بلغت، عام 2019، نحو (27.7) مليار دولار أمريكي، ووجود مناهضين لتلك الاستثمارات داخل كازاخستان من القوميين، ودعاة الحفاظ على البيئة.[18]
عسكريًّا: اتسمت العلاقات الكازاخية- الصينية بالشك والريبة حتى قبل ضم منطقة آسيا الوسطى إلى الإمبراطورية الروسية، حيث كانت النخب الصينية الحاكمة تنظر إلى هذه البلدان، ومنها كازاخستان، على أنها جزء من أراضيها التاريخية التي فقدتها في أثناء حكم «سلالة تانغ» الصينية (618- 907)، وفي العهد السوفيتي، على إثر الصراع الذي نشأ بين بكين وموسكو، ظهرت عدة خرائط صينية تعتبر كازاخستان، إلى جانب دول أخرى في المنطقة، جزءًا لا يتجزأ من أراضي الصين التي ينبغي استعادتها.
التحول الكبير الأول في العلاقة حدث عندما اقترحت الصين- بعد تفكك الاتحاد السوفيتي- إيجاد صيغة تعاون مشتركة بينها وبين روسيا والبلدان المستقلة حديثًا؛ لتنظيم شؤون المنطقة، وضمان عدم تحولها إلى بؤر توتر أو نفوذ غربي مُهدد. وفي السادس والعشرين من أبريل (نيسان) 1996، تم توقيع ميثاق «مجموعة شانغهاي الخماسية»، التي ضمّت (الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان)، وجاء في مقدمتها: “التزام الدول الأعضاء باحترام حدود الدول الموقعة على هذا الميثاق وسيادتها”.[19]
التحول الكبير الثاني حدث عام 2014، وذلك عندما ضمت/ استعادت روسيا شبه جزيرة القرم، وبررت تلك الخطوة بعدة أسباب، من بينها حماية المواطنين ذوي الأصول الروسية، ومن المعروف أن 20% من سكان كازاخستان من أصل روسي، وخشيةً من تكرار السيناريو نفسه، وسعت السلطة الكازاخية من تعاونها العسكري من الصين.
الشريك التجاري الأول لكازاخستان بعد الصين. وكانت كازاخستان هي الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي وقع معها اتفاقية تعزيز الشراكة والتعاون (EPCA). تعد كازاخستان الشريك التجاري الثالث والثلاثين للاتحاد الأوروبي، حيث مثلت 0.7% من إجمالي تجارة الاتحاد في البضائع مع العالم عام 2020. كما يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لكازاخستان، حيث مثل 29.7% من إجمالي تجارة السلع للبلاد عام 2020. وجاءت 16.1% من واردات كازاخستان من الاتحاد الأوروبي، وذهبت 41% من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي. حتى في عام صعب مثل 2020، بلغ إجمالي التجارة في السلع بين الاتحاد وكازاخستان (18.6) مليار يورو. وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي (12.6) مليار يورو، تتكون أساسًا من منتجات الوقود والتعدين (11.8 مليار يورو، بنسبة 93.7%)، في حين بلغ إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي ستة مليارات يورو، شكلت الآلات ومعدات النقل فيها (2.9 مليار يورو، بنسبة 48.3%)، والمواد الكيميائية (1.6 مليار يورو، بنسبة 26.7%)، والسلع المصنعة الأخرى (0.5 مليار يورو، بنسبة 8.3%)، كما بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2019 من الاتحاد الأوروبي (63.9) مليار يورو.[20]
أمنيًّا: يمثل سقوط الدولة الكازاخية فرصة للصين وروسيا وتركيا، في زيادة نفوذهم في المنطقة، في حين لا تمتلك أوروبا قدرة على مجاراة هذا النفوذ إلا في ظل الاستقرار، وتدفق الاستثمارات والمنح التعليمية، كما أن أوروبا ستعاني من أي فوضى تحدث في هذا البلد عبر موجات جديدة من اللاجئين تتدفق على أراضيها عبر تركيا، وهو ما لم تعد تتحمله. أخيرًا، تمثل كازاخستان النموذج المستقر الآمن في بلدان آسيا الوسطى لخطوط السكك الحديدية المسؤولة عن سلاسل التوريد من الصين، إلى جانب كونها أحد مصادر الطاقة في ظل السياسة الأوروبية التي تعتمد على تنوع مصادرها. على الجانب العسكري، هناك تعاون متزايد بين كازاخستان وبلدان الاتحاد الأوروبي، وبالتحديد مع ألمانيا وإيطاليا.
لاقت العلاقات الأمريكية- الكازاخية اهتمامًا مشتركًا من كلا الطرفين. يعد التعاون في مجال الأمن وعدم الانتشار النووي حجر الزاوية في العلاقة، كما يتضح من مشاركة كازاخستان في قمم الأمن النووي في واشنطن العاصمة (2010 و2016)، وسيول (2012)، ولاهاي (2014). كما التزمت كازاخستان بعد استقلالها بالمطلب الأمريكي الملح آنذاك بالاستغناء عن أسلحتها النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفيتي، وقد تخلت عنها بالكامل في عام 1993، وأغلقت موقع اختبار سيميبالاتينسك (STS). كما ساعدت الولايات المتحدة كازاخستان في إزالة الرؤوس الحربية النووية، والمواد الصالحة لصنع الأسلحة، والبنية التحتية الداعمة لها. في عام 1994، نقلت كازاخستان أكثر من نصف طن من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية إلى الولايات المتحدة، وفي عام 1995 أزالت آخر رؤوس حربية نووية لديها، وبمساعدة من الولايات المتحدة أكملت إغلاق 181 نفقًا للتجارب النووية في محطة سيميبالاتينسك في مايو (أيار) 2000. وفي العقد التالي، عملت الولايات المتحدة وكازاخستان معًا لإغلاق 40 نفقًا إضافيًّا لاختبارات النووية في نفس المنشأة السوفيتية السابقة.
لتأكيد حرص كازاخستان على أفضل العلاقات مع الغرب، وقعت على اتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا (CFE) عام 1992، ومعاهدة ستارت عام 1992، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1993، واتفاقية الأسلحة الكيميائية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 2001. وفي عام 2015 أبرمت حكومة كازاخستان اتفاقية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستضافة بنك يورانيوم منخفض التخصيب، تلقت شحناته الأولى عام 2019. وبموجب البرنامج التعاوني للحد من التهديد، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 275 مليون دولار لمساعدة كازاخستان على إزالة أسلحة الدمار الشامل، والبنية التحتية ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل، كما تتلقى قوات الأمن الكازاخستانية أموالًا من برنامج الولايات المتحدة الدولي للتعليم والتدريب العسكري، وبرنامج التمويل العسكري الأجنبي، وبرنامج المساعدة المدنية والكوارث الإنسانية في الخارج، وصندوق مبادرة ويلز، ومبادرة عمليات السلام العالمية، وبرنامج بناء قدرات الشركاء، ويشارك الجيش الكازاخستاني في التدريبات العسكرية التي تمولها الولايات المتحدة، مثل: نسر السهوب (Steppe Eagle)، وفايكنيغ (Viking)، ومناورات الأسد المتأهب (Eager Lion)، وشانتي براياس (Shanti Prayas).[21]
كما هو واضح من تاريخ تسلسل العلاقة بين البلدين، كانت أولوية الولايات المتحدة ضمان عدم تسرب أي أسلحة أو مواد نووية من تركة الاتحاد السوفيتي في كازاخستان إلى الخارج، وقد أبدت الأخيرة تعاونًا كاملًا مع واشنطن، وأرادت أن تُظهر لها مدى تمتعها بالمسؤولية العالية، ورغبتها في بناء أفضل العلاقات مع أمريكا وأحسنها، وهو ما دفع عدة أطراف أمريكية إلى النظر إلى كازاخستان على أنها قاعدة ارتكاز رئيسية للسياسة الأمريكية في آسيا الوسطى تجاه روسيا والصين، ولكن ما أعاق هذا التصور التنافس المحموم بين بلدان المنطقة على الزعامة. وبحسب الدبلوماسي الأمريكي، ومدير وكالة المخابرات المركزية الحالي وليام بيرنز (William Burns)، كان قادة المنطقة يشكون من منح الولايات المتحدة الأولوية في سياساتهم لكازاخستان، ويقول في ذلك الأمر: “في أوزبكستان، تساءل الرئيس إسلام كريموف: لماذا توقف الأمريكيون دائمًا في أستانا أولًا وفشلوا في إدراك أن طشقند كانت مركز الثقل في النظام الشمسي الصغير لآسيا الوسطى؟”[22]
اقتصاديًّا: الولايات المتحدة هي من المستثمرين الأجانب المباشرين في كازاخستان. بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة إلى كازاخستان في النصف الأول من عام 2018، نحو (2.79) مليار دولار، بزيادة قدرها (44.7%) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017 (1.93 مليار دولار). بشكل عام، في الفترة من 2005 إلى يوليو (تموز) 2018، بلغ الحجم الإجمالي للاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي للاقتصاد الكازاخستاني (33.76) مليار دولار، أغلبها في قطاع الطاقة. كما تستضيف كازاخستان سنويًّا كثيرًا من الأحداث الاستثمارية والتجارية والاقتصادية، حيث يقدم المسؤولون الحكوميون وقادة الأعمال الكازاخستانيون فرص الاستثمار الحالية والمستقبلية المفتوحة أمام الاستثمار الأمريكي، ويضعون أطرًا للتعاون المستقبلي مع الشركات الأمريكية. زار وفد من 16 شركة أمريكية كبرى كازاخستان في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 في إطار عمل البعثة التجارية الافتتاحية المعتمدة من وزارة التجارة الأمريكية إلى كازاخستان، وأسفرت الزيارة عن اتفاقيات في مجال أبحاث الطيران والفضاء، والزراعة، وصناعة البتروكيماويات، وتطوير البنية التحتية.
عملت كازاخستان مع الولايات المتحدة للتطور إلى سوق مزدهرة تحتضن المنافسة في السوق الحرة، في إطار المشاورات الثنائية السنوية (ABC)، التي تأسست عام 2010، والتي تم ترقيتها إلى مستوى حوار الشراكة الإستراتيجية المعزز عام 2018. من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة دعمت كازاخستان في جهودها للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية، وأبرمت معها اتفاقية شراكة في القطاعات التي حددتها إستراتيجية «كازاخستان 2050» كأولوية. وقد أعلنت واشنطن أن هذا الدعم يأتي في إطار العلاقة الوثيقة بين الطرفين، ودعم الولايات المتحدة لدور كازاخستان القيادي في جهود التنمية الاقتصادية في منطقة آسيا الوسطى. كما وحدت الولايات المتحدة جهودها مع كازاخستان لضم قيرغيزستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وأفغانستان إلى اتفاقية التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وآسيا الوسطى (TIFA) عام 2004.[23]
عسكريًّا: على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي تصدر من واشنطن حتى ضد “حلفائها” بشأن قضايا “الديمقراطية”، أو “حقوق الانسان”، فإنها لم تولِ هذا الأمر أي أهمية في علاقاتها مع كازاخستان التي سعت إلى تطويرها في شتى المجالات، ومنها الجانب العسكري، حتى إنها أدرجت الجيش الكازاخي في برامج الاحتراف العسكري، التي تهدف إلى إعادة هيكلة العقيدة العسكرية الكازاخية. وعندما واجهت، عام 2018، انتقادات من بعض الناشطين والنواب الأمريكيين لهذا التعاون الوثيق، دون ضغط على الحكومة للقيام بإصلاحات سياسية، رد عليها الجنرال لويد أوستن (Lloyd Austin)، الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع الأمريكي، بالقول: “للولايات المتحدة دور مهم في أمن آسيا الوسطى، ويجب علينا تمكين دول المنطقة من مكافحة التهديدات الإقليمية الخاصة بها. وفي تعاملنا مع كازاخستان على وجه التحديد، تنص إستراتيجيته على أن تظل علاقة الولايات المتحدة بكازاخستان هي الأكثر تطورًا بين جميع دول آسيا الوسطى؛ حيث يسعى الكازاخستانيون إلى الحصول على مساعدة الولايات المتحدة في تحديث قواتهم العسكرية، ونحن نستفيد من هذه الفرصة لزيادة تعزيز وجودنا في المنطقة، والعلاقة الثنائية بين بلدينا”.[24]
قبل ترك الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف السلطة عام 2019، طوّر العلاقة العسكرية مع الولايات المتحدة تطويرًا كبيرًا، وأصبح لدى الجيش الكازاخي نخبة من الضباط الذين تلقوا تعليمًا وتدريبًا عسكريًّا في الولايات المتحدة، وتم توقيع عقود لعدة صفقات عسكرية تزود بموجبها واشنطن البلاد بالسلاح والعتاد، وهو ما أزعج موسكو، وخلق توترًا في العلاقة بين البلدين.
أصبح من المعروف لدى المتابعين كيف بدأ تسلسل الأحداث في كازاخستان، وصولًا إلى تفجرها وشيوع الفوضى في مدينة ألماتي، كبرى مدن البلاد، والعاصمة السابقة، ولمن يريد التوسع في هذا الأمر يمكنه العودة إلى تقدير موقف أعدته وحدة الدراسات ما بعد السوفيتية، بعنوان «كازاخستان.. مفاجأة بداية العام». “ارتباط تشعبي”
ما ورد في البحث يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير