مختارات أوراسية

حان الوقت للاعتماد على النفس


  • 11 مايو 2021

شارك الموضوع

دفعت جائحة كوفيد-19، السياسات العالمية المتعارف عليها إلى الخلفية؛ حيث من المرجح أن يستمر ذلك لفترة طويلة. في الواقع، ما حدث في عام 2020، والذي امتد حتى عام 2021، لم يُحدث تغييرًا في الأجندة السياسية نفسها، لكن توقف مسار الأحداث القسري الذي حدث يمنحنا فرصة لدراسة الصورة بالتفصيل.

أصبح من الواضح أن التغييرات المستمرة منذ فترة طويلة في العلاقات الدولية قد تجاوزت نقطة اللاعودة. إن الذكرى السنوية الثلاثين لـ «لحظة الأحادية القطبية» للولايات المتحدة، التي أعلنها تشارلز كروثامر في عام 1990، تدل على أن هذه اللحظة قد ولى زمانها أخيرًا. على الرغم من عدم إدراك بعض السياسيين الأمريكيين لهذه المتغيرات، وعودة أصحاب المثل العليا وممارسات «القيادة العالمية» إلى السلطة في الولايات المتحدة مرة أخرى.

بالنسبة لروسيا، أصبحت فترة الوباء علامة فارقة، على الرغم من أن أحدًا لم يصدر تصريحات صاخبة تعلن عن مراجعة في السياسة الخارجية، لكن يمكن تلخيص الوضع الجديد في أربع نقاط:

أولًا: في الفضاء السوفيتي السابق (وهو أولوية لا يمكن إنكارها) توقفت روسيا عن سعيها لتوحيد المبادرات التي تدعي العالمية.

ثانيًا: تلاشت تمامًا، إمكانية بناء علاقة خاصة مع الغرب، وقبل كل شيء أوروبا، التي كانت تُعتبر حتى وقت قريب شريكًا محتملًا يمكن خلق تكامل معه.

ثالثًا: الابتعاد عن الغرب لا يعني «الانعطاف التلقائي نحو الشرق». على أي حال، السياسة الروسية نحو الشرق إستراتيجية وليست رد فعل، وقد استثمرت فيها روسيا، كادخار للمستقبل.

رابعًا: استعادة القوة الكامنة (في الحالة الروسية، وفق أكثر أشكالها كلاسيكية، هي القوة العسكرية) وذلك عبر دورها كأداة رئيسية للسياسة الخارجية بينما العمل من خلال المؤسسات الدولية يتراجع إلى الخلفية.

شكلت محطتان رئيسيتان، أهم أحداث عام 2020، بالنسبة لروسيا: “تفاقم حاد بالوضع في إدلب، فبراير (شباط) واتفاق غير متوقع بشأن كاراباخ نوفمبر (تشرين الثاني)”. تشترك هذه الأحداث في ثلاث سمات مشتركة: (موسكو وأنقرة لاعبان أساسيان؛ استخدام القوة العسكرية شكل العامل الحاسم هشاشة وهامشية دور المؤسسات الدولية).

في سوريا، كانت مجالات وحجم نفوذ روسيا وتركيا على المحك. حاولت الأخيرة تعزيز وتوسيع نطاق استحواذها على مزيد من الأراضي السورية بالقوة مما أثار رد فعل عسكريًّا. أعقب ذلك جولة جديدة من المساومات الصعبة على المستوى الأعلى، مما أدى إلى توازن مؤقت جديد للقوى. تواصل موسكو وأنقرة التفاعل مع بعضهما البعض، على الرغم من أنه في وقت التصعيد بدا أنهما على وشك خوض حرب واسعة النطاق.

في كاراباخ الخلفية مختلفة تمامًا، لكن النمط مشابه. كسر تدخل تركيا الوضع الراهن وذكَّر الجميع بأن النزاعات المجمدة حال تم إهمالها، يمكن حلها عبر عمل عدائي. قامت روسيا بمناورة عسكرية دبلوماسية، حيث ضمنت وجودًا قويًّا ودائمًا في منطقة المواجهة، لكنها وافقت على أن تكتسب أنقرة مكانة لاعب رئيسي آخر.

في كلتا الحالتين، ظلت الهياكل الدولية، الرسمية وغير الرسمية إلى حدٍّ كبير، غير نشطة. يتم حل القضية السورية بشكل مباشر من قبل القوى المعنية بينما تم التعامل مع الأزمة الأخيرة في إدلب من دون «ثلاثي أستانا» الذي كان حتى ذلك الحين فعالًا للغاية. في كاراباخ، فإن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي المسؤولة اسميًّا عن كل شيء، لكن الأحداث تجاوزتها، وفي الواقع، لم تعد تؤخذ في الاعتبار من قبل أطرف الصراع المعنية.

ليس من قبيل الصدفة أن العلاقات الروسية التركية قد أثبتت أنها مؤشر دال جدًّا على التغييرات الحاصلة بالنظام الدولي. روسيا وتركيا قوتان رئيسيتان لهما تقليد إمبراطوري عريق، وقد انخرطتا في السياسة الأوروبية لقرون، وبعد نهاية الحرب الباردة اختارتا الانضمام إلى المؤسسات الغربية (الأوروبية) لكنهما شعرتا بالإهانة الشديدة عندما حُرمتا من الاندماج الكامل. تاريخ علاقات موسكو وأنقرة مع أوروبا مختلف، لكن النتيجة تكاد تكون مماثلة.

كانت الإجراءات التي اتخذتها روسيا وتركيا في عام 2020، مدفوعة بخيبة أملهما العميقة من المؤسسات الدولية وشكَّلت عودة إلى تكتيكات القوة المهيمنة التقليدية.

هذا النوع من ممارسة السياسة «التقليدية» ينطوي على مخاطر، ولا يمكن معها دائمًا حساب العواقب ومعرفة نتائجها بشكلٍ كامل، ولكنها في الوقت نفسه قد أكدت أنها أكثر فاعلية من الوضع القائم. بالنسبة لروسيا، هذا تحول خطير للغاية. كانت موسكو أحد مهندسي المؤسسات الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين (نظام الأمم المتحدة) ثم ناضلت من أجل الحفاظ عليها وسعت للانضمام إلى الهياكل (الغربية) التي لم يكن الاتحاد السوفيتي جزءًا منها مطلقًا. بعبارة أخرى، على الرغم من أن موسكو انتقدت باستمرار «النظام العالمي الليبرالي»، إلا أنها عملت في الواقع كمدافع مقتنع بالمبدأ الأساسي الذي يعلن أسبقية المؤسسات على غيرها.

بدأت الفجوة تتسع في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. كانت روسيا أقل نجاحًا في حماية مصالحها من خلال المؤسسات الدولية، بينما اتضح أن الخطوات التي تم اتخاذها خارجها كانت فعالة جدًّا. تثبت ذلك عبر الأحداث في جورجيا عام 2008، وأوكرانيا عام 2014. كذلك التطورات في سوريا في عام 2015، ولكن حتى ذلك الحين تصرفت روسيا بشكل حاسم من تلقاء نفسها، وليس من خلال الهياكل الدولية. كان لهذه الترتيبات تكاليف سياسية واقتصادية باهظة، حاولت موسكو (لم تنجح تمامًا) في تقليلها من خلال نفس المؤسسات.

إن تحول العلاقات بين روسيا ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) لهو مثال حي على ذلك. في عام 2013، فازت المنظمة بجائزة نوبل للسلام إلى حدٍّ كبير بفضل فلاديمير بوتين، الذي اقترح ثم ساعد في تنفيذ خطة رائعة للتخلص من ترسانات سوريا الكيميائية. على مدى السنوات السبع اللاحقة، تدهورت العلاقات بين موسكو ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من التعاون البناء إلى الاستياء الشديد. المسبب الرئيسي للقلق الآن هو حادثة نافالني (وقبل ذلك كانت هناك اتهامات باستخدام أسلحة كيماوية في سوريا).

تنتقد روسيا المنظمة بلا هوادة بسبب نهجها المتحيز والمسيَّس وانتهاك الإجراءات والقواعد، ولكن دون جدوى؛ حيث تمضي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في طريقها بحزم بما يتماشى مع سياسات الدول الغربية. تفتقر موسكو إلى النفوذ والأدوات اللازمة لتعديل هذا المسار لمصلحتها الخاصة وليس هناك من سبب للاعتقاد بأن الوضع سيتغير.

لو كان النظام الدولي الليبرالي مستقرًّا، لكانت تصرفات موسكو، بالصراعات المذكورة أعلاه، ستتسبب في مشكلات خطيرة لها. لكن هذه الهيئات الدولية فعليًّا توقفت عن العمل، ولم يعُد من الممكن إخفاء الخلل الوظيفي في مؤسساتها على مختلف المستويات. في حين أن حل القضايا على أساس كل حالة على حدة وليس على أساس قانوني مقبول بشكلٍ عام يتحول مع الوقت ليصبح قاعدة عالمية. لقد سلط الوباء الضوء على هذا الاتجاه وسرع من وتيرته. حتى أكثر الأتباع حماسة للنظام المؤسسي في العالم بدأوا في إعلان سيادة مصالح دولهم على المصالح المشتركة.

إن عادة روسيا القديمة المتمثلة في الاعتماد بشكل أساسي على نفسها وقوتها الخاصة بها ليست مفارقة تاريخية كما كان يُعتقد خلال ذروة النظام الليبرالي، ولكنها سلوك عقلاني للغاية.

من ناحية أخرى، فإن المؤسسات الدولية، على الرغم من أنها تمر بأزمة، تتحول إلى وسيلة تعمل لصالح السياسة الغربية، وسيتعين على روسيا أن تقرر كيفية التعامل معها بشكل أكبر. ربما ستكون هذه واحدة من أكثر القضايا التي ستواجه الدبلوماسية الروسية إلحاحًا في المستقبل القريب. يعني الحفاظ على المشاركة الرسمية وحتى الاعتراف بحقوق هذه المؤسسات بوضعها الحالي، بأنها ستشكل ضررًا على روسيا. لأنها لا تملك إمكانيات حصرية فيها (مثل تلك الموجودة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة).

آلية العلاقات مع الغرب، ورغبة روسيا في التوافق معه على مدى الثلاثين عامًا الماضية، هي أيضًا من مخلفات النظام الليبرالي. تم وصف ما سعينا إليه وما حصلنا عليه مراتٍ عدة، ولا حاجة لتكرار ذلك. المهم أن هذه الفترة قد انتهت الآن. أصبحت «قضية نافالني» منعطفًا فاصلًا، وبعد ذلك توقف الاتحاد الأوروبي، وخاصةً زعيمته، ألمانيا، عن اعتبار موسكو شريكًا لبناء مستقبل مختلف. رسميًّا، يفسر الدبلوماسيون الروس سلوك برلين على أنه استسلام لإملاءات واشنطن وتخلي عن التطلعات نحو دور مستقل. في الواقع، يبدو الأمر مختلفًا؛ فقد أصبحت كافة السياسات العالمية أكثر تعقيدًا مما تبدو.

من الواضح أن تصرفات ألمانيا (لتقديم العلاج للمعارض الروسي الذي مرض على الأراضي الروسية لأسباب غير واضحة، واستخدام هذا الموضوع لأغراض سياسية) تتعارض مع المصالح البراغماتية لكلٍّ من برلين وموسكو. يمكن تفسير هذا السلوك، برغبة ألمانيا في إعلان نفسها كرائدة لا يمكن إنكار تعاظم دورها، وأنها تتخذ مواقف قوية داخل الاتحاد الأوروبي، ومتماسكة في مواجهة تغيير روسيا لنهجها في الاتجاه «الخاطئ» وتنامي قوة الصين، وعدم الثقة في الولايات المتحدة، وما إلى ذلك. لم يعُد يُنظر إلى الفوائد التي حصلت عليها ألمانيا على مدى نصف قرن من علاقة خاصة مع روسيا على أنها مغرية بما فيه الكفاية، كما أن روسيا لم تشكل تهديدًا يُجبر المستشارين الألمان على إيلاء اهتمام متزايد لموسكو منذ الخمسينيات.

ليست روسيا وألمانيا المثال الوحيد، لكنه المثال الأكثر دلالة

خيبة الأمل المتبادلة بسبب عدم القدرة على بناء «وطن أوروبي مشترك» والتي كانت تختمر لمدة خمسة عشر عامًا على الأقل، أدت إلى فك الارتباط.

يتردد صدى استياء روسيا من سلوك الاتحاد الأوروبي ودوله مع رفض أوروبا لطريقة العمل الروسية. ومرة أخرى، من المهم أن هذا كله قد حدث في وقت كان فيه النظام العالمي الليبرالي، الذي كان من المفترض أن يُبنى فيه «الوطن الأوروبي» المذكور أعلاه، في حالة تدهور، والذي كان من أهم نتائجه التكامل الأوروبي، الذي هو الآن في خطر. لذلك ستبذل أوروبا قصارى جهدها لإنقاذ كيانها التكاملي، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات مع الدول الأخرى.

لقد أصبح من المعتاد القول إن روسيا تبتعد عن الغرب، وتتجه نحو الشرق والصين وآسيا الصاعدة. عبر هذا التأكيد يخرج دومًا استنتاجان متعارضان «إما أن تقوم روسيا بحفر قبرها من خلال رمي نفسها تحت أقدام تنين، أو بدلًا من ذلك إدانة نفسها والقبول بلعب دور الخادم أو حتى الاستسلام للقدر بأن تكون فريسة للقوى الغربية». دون الحديث عن استنتاج ثالث، ألا وهو: «أن العلاقة القوية مع القوة الواعدة في العالم وسط تراجع الغرب ستسمح لروسيا بتعزيز موقعها لعقودٍ قادمة».

في الواقع، فإن «الشرق» الذي تتجه إليه روسيا هو تركيا وليس الصين، إذا فهمنا التحول على أنه انتقال إلى نمط معين من السلوك، وليس فقط مجرد اختيار للتفضيلات السياسية والاقتصادية الحالية. إن تحول روسيا إلى آسيا بطيء إلى حدٍّ ما، حيث ثبت بوضوح وجود عقبات إضافية.

كما أشار خبير العلاقات الدولية، تيموفي بورداتشيف، في آسيا لا يوجد مكان لروسيا لاستخدام ميزتها الرئيسية؛ أي قدراتها العسكرية الكبيرة لتعزيز إمكاناتها الدبلوماسية. في آسيا، تُعد الإمكانات الاقتصادية أمرًا بالغ الأهمية وله الأولوية، وهو أمر ما لا يمكننا التفاخر به كثيرًا.

في واقع الأمر، فإن ملاحظة فلاديمير بوتين الأخيرة بأنه من حيث المبدأ لا يستبعد تحالفًا عسكريًّا مع الصين، على الرغم من أنه لا يرى أي حاجة لذلك الآن، يتناسب مع منطق بحث موسكو عن مكانة في آسيا، لكن حتى تتمكن من ذلك عليه الاستفادة من أهم أصولها الرئيسية، التي لا يوجد حاجة آسيوية لها حتى الآن.

لكن قدرة موسكو على استخدام مواردها الاقتصادية، مرتفعة في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، وقد قيل الكثير بالفعل عن كون هذه الفترة مهمة لتحقيق هذا الغرض، أي التكامل معها. إن البلدان التي ظهرت بدلًا من الاتحاد السوفيتي السابق تعيش أزمات تنموية وتجتاز اختبارات صعبة حول قابليتها للاستمرارية. يحدث هذا في كل مكان تقريبًا وإن كان بطرق مختلفة. لفترة طويلة، اعتبرت موسكو أنه من الضروري إنشاء هيكل لإطار تكاملي من شأنه أن يوحد معظم أراضي الدولة السوفيتية القديمة. الشكل الأكثر تقدمًا حتى الآن هو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على الرغم من أنه لا يستطيع استيعاب جميع الدول التي يطمح إليها (أوكرانيا، على سبيل المثال) والتي يُعد عدم دخولها في هذه الاتحاد بمثابة خيانة للثوابت التي تأسس عليها. بجانب الاضطراب السياسي في ثلاث من دول الاتحاد الأوراسي الخمسة (أرمينيا، وبيلاروس، وقيرغيزستان) والرغبة في الحفاظ على العلاقات مع الدول المهمة خارج الاتحاد (أذربيجان، ومولدوفا، وأوزبكستان) وهو ما يجبر روسيا على استخدام مبادئ أخرى أكثر اتساقًا مع الاتجاهات العالمية حيث تختلف هذه الأساليب باختلاف الدول بجانب الاعتماد بشكل أساسي على فائض قوتها. في هذا الاتجاه، فإن هدنة كاراباخ حالة نموذجية، لأنها تحققت عبر طلب الأطراف المُتصارعة القوة الروسية كضمانة، ولم يتم فرضها عليهم.

مشكلة أخرى، تم تصميم التجمعات الحالية الموجودة تحت رعاية روسيا على غرار المؤسسات الغربية. على سبيل المثال، تم وضع تصور (منظمة معاهدة الأمن الجماعي – CSTO). على غرار الناتو (لدول ما بعد الاتحاد السوفيتي) و(الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU) ليكون النسخة الأوراسية من الاتحاد الأوروبي؛ حيث كانت في كل هذه التجمعات، المؤسسات الأوروبية الأطلسية بمثابة النموذج المُلهم. لكن هذه الفترة انتهت مع النظام الليبرالي. لا تكرر آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط التحالفات الأطلسية، على الرغم من أن هذا الاحتمال نُوقش على نطاقٍ واسع منذ حوالي عشرين عامًا.

هذا لا يعني أنه يجب حل الهياكل التي بدأتها روسيا، ولديهم عليها تأثير. لكن لا ينبغي اعتبارها أدوات السياسة الرئيسية. من اللافت للنظر أن مشروع «الدولة الاتحادية» اتحاد روسيا وبيلاروس، هي شكل فريد لا يوجد له مماثل بالحاضر وربما بالمستقبل.

أصبح من المعتاد الحديث عن «عزلة روسيا» على الساحة الدولية. نتيجة المزيد من التدهور في العلاقات مع الغرب، والارتباك في العلاقة مع البلدان المجاورة، والافتقار إلى ديناميكيات واضحة على المسار الآسيوي، ويبدو للبعض أن كل هذا يؤكد فرضية عزلة روسيا.

لكن كيف يمكن تقييم ذلك الآن؟

تُظهر تجربة القوى العظمى بوضوح أن «العزلة»؛ أي السعي وراء مصالح الدولة الخاصة، والاعتماد بشكل أساسي على مواردها الخاصة هو القاعدة.

يمكن للقوى العظمى أن تبني تحالفًا أو علاقات مميزة مع بعض الدول إذا تطلب الوضع ذلك وكان ضروريًّا، وقد قامت بالفعل بعض الدول بذلك في كثيرٍ من الأحيان، والبعض الآخر (مثل الولايات المتحدة أو الصين) لم يفعل ذلك مطلقًا.

إن تجربة النصف الثاني من القرن العشرين، وخاصة العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، قد جعلتنا نظن أن التفاعل المؤسسي والتوسع المجتمعي هما الطريقة الطبيعية بل الوحيدة عالميًّا لأي دولة تسعى للتطور السياسي. لكن ما يفوتنا أن هذه الفترة ليست سوى لحظة وجيزة واستثناءً عابرًا في تاريخ العلاقات الدولية. عند نهاية النظام الليبرالي، سيعود العالم إلى القاعدة التاريخية. تجربة المؤسسات لن تذهب طي النسيان، ولن تختفي بين عشية وضحاها، لكن اتجاه التغييرات قد مضى بالفعل في طريقه. لذا، فإن اعتبار «العزلة» مشكلة في السياسة الروسية ككل لن يكون له معنى؛ لا يمكننا التحدث إلا عن الفرص أو عدم وجودها في مناطق محددة أو على مسارات معينة – والأهم من ذلك، فرص استمرار التنمية الداخلية وضمان استدامة الدولة في «النظام العالمي الذي سيحل محل الحالي». مع ذلك، فهذه ليست مهمة السياسة الخارجية وصناعها للتعامل معها، على الرغم من أنها يمكن أن تساعد بالتأكيد في حلها. لكن القدرة على ترتيب الأمور في الداخل هي العامل الأساسي والأولي لتحديد مستقبل السياسة الخارجية.[1]

ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية

المقالة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير 


شارك الموضوع