عندما تولى شي جين بينغ السلطة في عام 2012، كنت مليئة بالأمل بالنسبة للصين. بصفتي أستاذة في المدرسة المرموقة التي يتعلم فيها كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني، كنت أعرف ما يكفي من التاريخ لأستنتج أن الوقت قد حان للصين لكي ينفتح نظامها السياسي. بعد عقد من الركود، احتاج الحزب الشيوعي الصيني إلى الإصلاح أكثر من أي وقتٍ مضى، وبدا شي، الذي ألمح إلى ميله للتغيير، الرجل المناسب لقيادة هذه العملية.
بحلول ذلك الوقت، كنت في منتصف الطريق أخوض بداخلي صراعًا فكريًّا مع الأيديولوجية الرسمية للصين حتى عندما كنت مسؤولة عن تلقين المسؤولين بالحزب. في البدء كنت ماركسية متحمسة، ثم مع الوقت انفصلت عنها وبدأت أبحث بشكلٍ متزايد عن الفكر الغربي للحصول على إجابات لمشاكل الصين. كنت ذات يوم مدافعة قوية وبكل فخر عن السياسة الرسمية، ثم تحولت للدفاع عن قضية التحرير. كنت ذات يوم عضوًا مخلصًا في الحزب الشيوعي الصيني، أخفي شكوكي حول صدق معتقداته واهتمامه بالشعب الصيني.
لذلك لم يكُن من المفترض أن أفاجأ عندما اتضح أن شي، ليس مصلحًا. خلال فترة ولايته، انحدر النظام أكثر فأكثر إلى حكم الأقلية السياسية المصممة على التمسك بالسلطة من خلال الوحشية والقسوة. لقد أصبحت الصين في عهده، أكثر قمعية وديكتاتورية، وعادت من جديد عبادة الشخص في صورة شي، الذي شدد قبضة الحزب على الأيديولوجية وأزال المساحة الضئيلة للخطاب السياسي والمجتمع المدني. الأشخاص الذين لم يعيشوا في الصين خلال السنوات الثماني الماضية لا يستطيعون فهم مدى الوحشية التي وصل إليها النظام وعدد المآسي التي تسبب فيها بكل هدوء. بعد التحدث علانية ضد النظام، علمت أنه لم يعُد العيش بالنسبة لي في الصين آمنًا.
التعليم الشيوعي
لقد وُلدت في عائلة عسكرية شيوعية. عام 1928، في بداية الحرب الأهلية الصينية، انضم جدي لأمي إلى انتفاضة الفلاحين بقيادة ماو تسي تونغ عندما أوقف الشيوعيون والقوميون الأعمال العدائية خلال الحرب العالمية الثانية، حارب والديّ وكثير من أفراد عائلة أمي ضد الغزاة اليابانيين في الجيش بقيادة الحزب الشيوعي الصيني.
بعد انتصار الشيوعيين، في عام 1949، كانت الحياة جيدة لعائلة ثورية مثل عائلتنا. كان والدي يقود وحدة جيش التحرير الشعبي بالقرب من نانجينغ وكانت والدتي تدير مكتبًا في حكومة تلك المدينة، ولم يستفِد والدي وشقيقتي من امتيازات عملهم، خشية أن نصبح «سيدات برجوازيات مدللات». لم نتمكن من الركوب في السيارة الرسمية لوالدنا، ولم يقُم مطلقًا حراسه الأمنيون بأي مهام خاصة بالعائلة. مع ذلك، فقد استفدت من وضع والديّ ولم أعانِ أبدًا من الحرمان الذي عانى منه الكثير من الصينيين في سنوات ماو. لم أكُن أعرف شيئًا عن عشرات الملايين من الأشخاص الذين جُوعوا حتى الموت خلال القفزة العظيمة للأمام.
كل ما استطعت رؤيته هو المستقبل المشرق للاشتراكية. كانت مكتبات عائلتي مليئة بالعناوين الماركسية مثل الأعمال المختارة لستالين. عندما كنت مراهقة، التفتُّ إلى هذه الكتب لقراءتها خارج المنهج الدراسي. كلما فتحتها، كنت أشعر بأني مليئة بالخشوع. على الرغم من أنني لم أستطِع استيعاب مدى تعقيد حججهم. إلا أن مهمتي كانت واضحة: يجب أن أحب الوطن الأم، وأن أُكمل إرث والديّ الثوري، وأن أبني مجتمعًا شيوعيًّا خاليًا من الاستغلال. كنت حقًّا مؤمنة بكل هذه المُثل.
بعد انضمامي إلى جيش التحرير الشعبي في عام 1969، اكتسبت فهمًا أكثر تعقيدًا للفكر الشيوعي، في سن السابعة عشرة. مع اندلاع الثورة الثقافية طلب ماو، من الجميع قراءة ستة أعمال لكارل ماركس وفريدريك إنجلز، بما في ذلك البيان الشيوعي. تركت إحدى المقاطع الطوباوية من هذا الكتاب انطباعًا دائمًا عندي: «ليحل محل المجتمع البرجوازي القديم، بطبقاته وتناحراته الطبقية، مُجتمع تشارُكيّ، يكون فيه التبسُّط الحر لكل فرد شرطًا للتبسُّط الحر للجميع». على الرغم من أنني لم أفهم حقًّا مفهوم الحرية في تلك المرحلة. إلا أن هذه الكلمات علقت في ذهني.
عيَّنني جيش التحرير الشعبي في كلية الطب العسكرية. كانت وظيفتي هي إدارة مكتبتها، التي تصادف أنها تحمل ترجمات صينية للأعمال «الرجعية» ومعظمها من الأدب الغربي والفلسفة السياسية. تميزت هذه الكتب بأغلفتها الرمادية، وقد اقتصرت على المطلعين على النظام بهدف التعرف على خصوم الصين الأيديولوجيين، لكنني قرأتها سرًّا أيضًا. لقد تأثرت كثيرًا بصعود وسقوط الرايخ الثالث، من قبل الصحفي الأمريكي ويليام إل شيرير ومجموعة من الروايات السوفيتية. أدركت أنه كان هناك عالم من الأفكار خارج الكلاسيكيات الماركسية لكنني ما زلت أعتقد أن الماركسية كانت الحقيقة الوحيدة. تركت الجيش عام 1978، وحصلت على وظيفة في نقابة عمالية يديرها الحزب في مصنع أسمدة مملوك للدولة في ضواحي مدينة سوتشو.
بحلول ذلك الوقت، كان ماو قد مات وانتهت الثورة الثقافية. كان خليفته، دينغ شياو بينغ، يمثل إيذانًا بفترة من الإصلاح والانفتاح، وكجزء من هذا الجهد، كان يجنِّد جيلًا جديدًا من الكوادر الإصلاحية التي يمكنها إدارة الحزب في المستقبل. كان على كل منظمة حزبية محلية أن تختار عددًا قليلًا من الأعضاء للخدمة في هذه المجموعة، واختارتني منظمة حزب سوتشو. تم إرسالي إلى برنامج مدته سنتان في مدرسة الحزب البلدية في سوتشو، حيث درست أنا وزملائي الطلاب النظرية الماركسية وتاريخ الحزب الشيوعي الصيني. كما تلقينا بعض التدريب على الكلاسيكيات الصينية، وهو موضوع فاتنا بسبب تعطل التعليم أثناء الثورة الثقافية.
لقد قرأت رأس المال مرتين وتعلمت خصوصيات وعموميات النظرية الماركسية. أكثر ما جذبني هو أفكار ماركس حول العمل والقيمة: أي أن الرأسماليين يكتسبون الثروة من خلال الاستفادة من العمال. لقد تأثرت أيضًا بنهج ماركس الفلسفي، والمادية الديالكتيكية، التي سمحت له برؤية الأنظمة السياسية والقانونية والثقافية والأخلاقية للرأسمالية على أنها مبنية على أساس الاستغلال الاقتصادي.
عندما تخرجت في عام 1986، دُعيت للبقاء كعضو هيئة تدريس في المدرسة، التي كان عدد العاملين فيها قليلًا في ذلك الوقت. قبلت، الأمر الذي خيب آمال بعض قادة المدينة، الذين اعتقدوا أن لدي مستقبلًا واعدًا كأحد أعضاء الحزب. بدلًا من ذلك، أدت وظيفتي الجديدة لبدء مسيرتي المهنية كأكاديمية في نظام التلقين الأيديولوجي للحزب الشيوعي الصيني.
من هذا النظام توجد مدرسة الحزب المركزية في بكين. منذ عام 1933، درَّبت أجيالًا من كوادر الحزب الشيوعي الصيني رفيعي المستوى، الذين يديرون البيروقراطية الصينية على مستوى البلديات وما فوق. المدرسة لديها علاقات وثيقة مع النخبة الحزبية ويرأسها دائمًا عضو في المكتب السياسي. في يونيو (حزيران) 1989 شنت الحكومة حملة قمع على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في ساحة تيانانمن، مما أسفر عن مقتل المئات. على المستوى الشخصي، شعرت بالفزع من قيام جيش التحرير الشعبي بإطلاق النار على طلاب الجامعات، وهو ما يتعارض مع التلقين العقائدي الذي تلقيته منذ طفولتي بأن الجيش يحمي الناس. فقط «الشياطين اليابانية» والرجعيون القوميون هم من قتلهم. بدافع القلق من الاحتجاجات، بالإضافة إلى سقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية، قررت القيادة العليا للحزب الشيوعي الصيني أن تتصدى لما أسمته التراخي الأيديولوجي، وأمرت المدارس الحزبية المحلية بإرسال بعض معلميها إلى مدرسة الحزب المركزية لصقل تفكير الحزب. اختارتني مدرستي في سوتشو، ونتيجة إقامتي القصيرة في مدرسة الحزب المركزية رغبت في الدراسة هناك لفترة أطول. بعد قضاء عام في التحضير لامتحانات القبول، تم قبولي في برنامج الماجستير في القسم النظري بالمدرسة. كنت مخلصة جدًّا لخط الحزب الشيوعي الصيني، حتى إن زملائي في الصف أطلقوا علي «السيدة العتيقة ماركس» في عام 1998، حصلت على درجة الدكتوراه، وانضممت إلى هيئة التدريس بالمدرسة.
كان بعض طلابي من طلاب الدراسات العليا المنتظمين، الذين تلقوا منهجًا تقليديًّا في النظرية السياسية الماركسية وتاريخ الحزب الشيوعي الصيني لكن آخرين كانوا مسؤولين بالحزب من المستوى المتوسط والعالي بمن في ذلك كبار المسؤولين الإداريين في المقاطعات والبلديات والوزراء على مستوى مجلس الوزراء. كان بعض طلابي أعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وهي هيئة مكونة من بضع مئات من المندوبين الذين يجلسون على قمة هرم الحزب ويصادقون على القرارات الرئيسية.
لم يكُن التدريس في مدرسة الحزب المركزية سهلًا. قامت كاميرات الفيديو في الفصول بتسجيل محاضراتنا ثم تمت مراجعتها من قبل مشرفينا. كان علينا أن نجعل الموضوع ينبض بالحياة للطلاب رفيعي المستوى وذوي الخبرة في الفصل، دون تفسير العقيدة بمرونة كبيرة أو لفت الانتباه إلى نقاط ضعفها. في كثير من الأحيان كان علينا التوصل إلى إجابات ذكية للأسئلة الصعبة التي يطرحها المسؤولون في صفوفنا.
دارت معظم أسئلتهم حول التناقضات المحيرة داخل الأيديولوجية الرسمية، والتي تم وضعها لتبرير سياسات العالم الحقيقي التي ينفذها الحزب الشيوعي الصيني. نصت التعديلات التي أُضيفت في عام 2004، في دستور الصين على أن الحكومة تحمي حقوق الإنسان والملكية الخاصة. لكن ماذا عن وجهة نظر ماركس القائلة بأن النظام الشيوعي يجب أن يُلغي الملكية الخاصة؟
كانت الإجابة: أراد دينغ، السماح لجزء من السكان بالثراء أولًا، لتحفيز الناس وتحفيز الإنتاجية.
لكن ظل السؤال: كيف يتوافق ذلك مع وعد ماركس بأن الشيوعية ستوفر لكل فرد حسب احتياجاته؟
ظللت مخلصة للحزب الشيوعي الصيني، ومع ذلك كنت أتساءل باستمرار عن معتقداتي. في الثمانينيات انخرطت الأوساط الأكاديمية الصينية في مناقشة حية حول «الإنسانية الماركسية»، وهي إطار من التفكير الماركسي ركزت على التطور الكامل للشخصية البشرية. واصل عدد قليل من الأكاديميين هذا النقاش في التسعينيات، حتى مع تضييق نطاق الخطاب العام. درست مخطوطات ماركس الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، والتي قالت إن الغرض من الاشتراكية هو تحرير الفرد. تعرفت على الفلاسفة الماركسيين الذين شددوا على الحرية فوق كل شيء، أنطونيو غرامشي وهربرت ماركوز.
في أطروحة الماجستير الخاصة بي، كنت قد انتقدت فكرة أنه يجب على الناس دائمًا التضحية بمصالحهم الفردية من أجل خدمة الحزب. كانت أطروحتي هذه بمثابة تحدٍّ للشعار الصيني القديم القائل: «دولة غنية جيش قوي»، بينما كتبت: «الصين لن تكون قوية إلا إذا سمح الحزب لمواطنيه بالازدهار» الآن، اتخذت هذه الحجة خطوة إلى الأمام. في الصحف والمحادثات، اقترحت أن الشركات الحكومية لا تزال مهيمنة للغاية على الاقتصاد الصيني وأن هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاح للسماح للشركات الخاصة بالمنافسة، وشددت على أن الفساد لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه فشل أخلاقي للكوادر الفردية، ولكن باعتباره مشكلة منهجية ناتجة عن سيطرة الحكومة على الاقتصاد.
النظرية والتطبيق
تصادف أن تماشى تفكيري جزئيًّا مع فكر خليفة دينغ، الرئيس جيانغ زيمين. عاقدًا العزم على تطوير الاقتصاد الصيني، سعى جيانغ، لتحفيز المشاريع الخاصة، وضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية. لكن هذه السياسات تناقضت مع نظريات الحزب الشيوعي الصيني الراسخة في منح الاقتصاد المخطط والاكتفاء الذاتي الوطني الأولوية. نظرًا لأنه لا أيديولوجية ماركس ولا ماو ولا دينغ، يمكن أن تحل هذه التناقضات؛ شعر جيانغ بأنه مضطر للتوصل إلى شيء جديد. سماه «التمثيلات الثلاثة».
سمعت عن هذه النظرية الجديدة لأول مرة عندما سمعها الجميع. في مساء يوم 25 فبراير (شباط) 2000 وذلك عندما شاهدت تلفزيون الصين المركزي (CCTV) يبث تقريرًا عن «التمثيلات الثلاثة»، وقال جيانغ «إن الحزب كان عليه أن يمثل ثلاثة جوانب للصين: متطلبات تطوير القوى المُنتجة المتقدمة، والتقدم الثقافي، ومصالح الأغلبية». بصفتي أستاذًا في مدرسة الحزب المركزية، فهمت على الفور أن هذه النظرية تنذر بتحول كبير في أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني. على وجه الخصوص، أشار أول «التمثيلات الثلاثة» إلى أن جيانغ، كان يتخلى عن الاعتقاد الماركسي الأساسي بأن الرأسماليين مجموعة اجتماعية استغلالية، وبدلًا من ذلك كان جيانغ يفتح صفوف الحزب لهم، وهو القرار الذي رحبت به.
كانت إدارة الدعاية المركزية، وهي الهيئة المسؤولة عن العمل الأيديولوجي للحزب الشيوعي الصيني، مسؤولة عن الترويج لنظرية جيانغ الجديدة، لكن كانت لديهم مشكلة: تعرضت «التمثيلات الثلاثة» لهجوم من اليسار المتطرف الذي اعتقد أن جيانغ، قد ذهب بعيدًا في التودد إلى رجال الأعمال. على أمل تجنب هذا الخلاف اختارت إدارة الدعاية التخفيف من حدة النظرية، ونشرت صحيفة بيبولز ديلي مقالًا على صفحة كاملة يوضح صحة «التمثيلات الثلاثة»، مع إحالات مرجعية لنصوص ماركس وإنجلز ولينين وستالين وماو ودينغ.
لقد وجدت هذا غير مقنع. ماذا كان الغرض من «التمثيلات الثلاثة» إذا كانت مجرد إعادة صياغة أيديولوجية قائمة؟ شعرت بالاشمئزاز من الأساليب السطحية لجهاز الدعاية الحزبي. لقد صرت عازمة على الكشف عن المعنى الحقيقي لتلك «التمثيلات الثلاثة»، وهي نظرية شكلت في الواقع انطلاقة جريئة للصين. لكن اتضح لي أن هذا سيجعلني في صراع مع البيروقراطية الراسخة للحزب الشيوعي الصيني.
النخب المجهولة
وصلت فرصتي لتعزيز الفهم الصحيح للتمثيلات الثلاثة في أوائل عام 2001، عندما قال لي زميل يعمل في قناة (CCTV) بما أنك مهتمة بشكلٍ خاص بنظرية جيانغ الجديدة، فأنا أدعوك لكتابة برنامج تلفزيوني عنها.
قضيت ستة أشهر في البحث وكتابة الفيلم الوثائقي ومناقشته مطولًا مع المنتجين في الشبكة. أكد نصي على الحاجة إلى سياسات جديدة مبتكرة لمواجهة تحديات العصر الجديد. شددت على نفس الأشياء التي فعلها جيانغ: «إن الحكومة ستقلل الآن من تدخلها في الاقتصاد وأن دور الحزب لم يعُد القيام بثورة عنيفة ضد الرأسماليين الاستغلاليين – بدلًا من ذلك، سيقوم تشجيع تكوين الثروة، وتحقيق التوازن بين مصالح الفئات المختلفة في المجتمع». بعد ظهر يوم 16 يونيو (حزيران) اجتمع أربعة من كبار نواب رئيس قناة (CCTV) في أستوديو في مقر الشبكة لمراجعة الحلقات الثلاث التي تبلغ مدتها 30 دقيقة، وأظلمت وجوههم وهم يشاهدون حينها قال أحدهم عندما انتهت الحلقة الأولى: «دعونا نتوقف هنا». ثم توجه لي بالسؤال «الأستاذة تساي، هل تعرفين سبب دعوتك لإنتاج برنامج عن التمثيلات الثلاثة؟».. أجبته: «لقد طرح الحزب نظرية أيديولوجية جديدة وعلينا نشرها».. رد المسؤول: «يمكن تقديم أبحاثك وابتكاراتك في مدرسة الحزب المركزية، ولكن على شاشة التلفزيون لا يمكن سوى عرض الأشياء الأكثر أمانًا». في تلك المرحلة، لم يكُن أحد متأكدًا تمامًا مما ستُسفر عنه نظرية «التمثيلات الثلاثة»، وكان ذلك المسؤول قلقًا من أن نصي قد يكون غير متوافق مع آراء إدارة الدعاية حيث قال لي: «إذا كان هناك أي تناقض، فسيكون التأثير كبيرًا جدًّا».
تحدث مدير محطة آخر قائلًا: «هذا العام هو الذكرى الثمانون للحزب الشيوعي الصيني!» ثم صاح: «لا تتطلب هذه الذكرى السنوية مناقشة التحديات التي تواجه الحزب، بل ترتيب احتفال بطولي بانتصاراته». في تلك اللحظة فهمت كل شيء، لم يكن مدراء (CCTV) مهتمين بالآثار الحقيقية للأيديولوجية. لقد أرادوا فقط جعل الحفلة تبدو جيدة وإطراء رؤسائهم.
خلال الأيام العشرة التالية، سارعنا لإعادة إنتاج الفيلم الوثائقي، وقمنا بتحرير الكلمات والعبارات التي يُحتمل أن تكون مسيئة، وعملنا ليلًا ونهارًا حيث خضع نصي للعديد من المراجعات السياسية من قبل فرق من جميع أنحاء بيروقراطية الحزب. أخيرًا، وصل اثنا عشر مسؤولًا لإجراء مراجعة أخيرة، تعرفت خلالها على المزيد من نفاق قيادات الحزب. في وقتٍ ما، تحدث عضو رفيع المستوى في لجنة التدقيق، في الحلقة الثانية من البرنامج التي كنت قد اقتبست فيها اثنين من أقوال دينغ الشهيرة: «الفقر ليس اشتراكية؛ التنمية هي الحقيقة الصعبة». ثم قال لي المسؤول: «الفقر ليس اشتراكية؟» – «إذن ما هي الاشتراكية؟» استمر نقده ثم أكمل حديثه: «والتنمية هي الحقيقة الصعبة؟ كيف ترتبط هاتان الجملتان؟ أخبريني من فضلك!».
حينها كنت مذهولة، كانت هذه كلمات دينغ، التي قالها بالضبط، وهذا المسؤول الكبير، رئيس إدارة الدولة للإذاعة والسينما والتلفزيون، الوكالة القوية التي تشرف على جميع وسائل البث الإعلامي – لم يعرف بذلك؟ فكرت على الفور في نقد ماو، للبيروقراطيين خلال الثورة الثقافية: «إنهم لا يقرأون الكتب ولا يقرأون الصحف».
أيديولوجيا فارغة
على مدار عام 2001، كجزء من جهودها لتعزيز نظرية جيانغ، بدأت إدارة الدعاية العمل على مخطط دراسة للتمثيلات الثلاثة، وهو ملخص كان من المفترض أن يتم إصداره كوثيقة من وثائق اللجنة المركزية للحزب بأكمله لقراءته وتنفيذه. ربما لأنني عملت في برنامج (CCTV) وألقيت خطابًا حول التمثيلات الثلاثة في مؤتمر أكاديمي، طُلب مني المساعدة في إعدادها.
مع عالم آخر وسط حوالي (18) مسؤولًا عن الدعاية، تم إرسالي إلى مركز تدريب إدارة الدعاية بالقرب من سفوح التلال غرب بكين. استقر القسم على إطار عام للمخطط، وطلبوا منا ملء الإطار بالمحتوى. كانت مهمتي كتابة القسم الخاص ببناء الحزب، وصياغة الوثائق للجنة المركزية، وهي عملية سرية للغاية. مُنعنا أنا وزملائي من مغادرة المبنى أو استقبال الضيوف. عندما عقدت وزارة الدعاية اجتماعًا، لم يُسمح لمن لم تتم دعوتهم بالسؤال عنه يمكننا نحن الكُتاب أن نأكل ونمشي معًا، لكننا مُنعنا من مناقشة عملنا. كنت المرأة الوحيدة في المجموعة في العشاء، كان الرجال يثرثرون ويطلقون النكات، لقد وجدت أن المحادثة المليئة بالكحول مبتذلة، وكنت دائمًا أتسلل بعد بضع قضمات من الطعام. أخيرًا، أخذني مشارك آخر جانبًا. وأوضح أن الحديث عن الأعمال الرسمية لن يؤدي إلا إلى وقوعنا في المشاكل، ولذلك ربما يكون من الأكثر أمانًا وإمتاعًا للجميع أن يقتصر حديثنا على الجنس.
كانت المساعدة في مخطط الدراسة أهم مهمة كتابة في حياتي، لكنها كانت أيضًا الأكثر سخافة. كانت وظيفتي هي قراءة كومة من الوثائق التي تفهرس أفكار جيانغ، بما في ذلك الخطب والمقالات السرية المعدة للاستهلاك الداخلي للحزب. ثم أقوم باستخراج الاقتباسات ذات الصلة ووضعها تحت عناوين فرعية مختلفة للموضوع مع شرح المصدر. لم أتمكن من إضافة نص أو طرحه، لكن يمكنني تغيير نقطة إلى فاصلة وربط جملة بأخرى. لقد اندهشت من أن التفسير الرسمي لواحدة من أهم الحملات الأيديولوجية للحزب في حقبة ما بعد ماو، لن تكون أكثر من مجرد وظيفة قص ولصق. نظرًا لأن المهمة كانت سهلة للغاية، فقد قضيت الكثير من الوقت في الانتظار بملل حتى يتم فحص عملي. ذات يوم، بحثت عن مشارك آخر، وهو أستاذ من جامعة رينمين الصينية.
قلت له: «ألا يقتصر عملنا هنا في أن ننشئ نسخة أخرى من الاقتباسات مثلما حدث مع اقتباسات الرئيس ماو؟»، وكنت أُشير إلى الكتاب الأحمر الصغير، وهو مجلد جيب للأقوال المأثورة التي تم تداولها خلال الثورة الثقافية. نظر حوله ثم ابتسم بسخرية قائلًا: «لا تقلقي بشأن ذلك، نحن في موقع خلاب جميل مع طعام جيد ونزهات ممتعة. هل يمكنك الحصول على نقاهة للتعافي في أي مكان آخر بشكل مريح مثل هذا المكان؟ اذهبي وأحضري كتابًا لقراءته. كل ما يهم هو أنك هنا، وانتظري عندما يتصلون بك لحضور اجتماع».
في يونيو (حزيران) 2003، تم عقد مؤتمر صحفي رفيع المستوى في قاعة الشعب الكبرى في بكين، للكشف عن مخطط الدراسة، وقد طُلب منا جميعًا الذين ساعدوا في كتابتها الحضور. قدم التقرير ليو يون شان، عضو المكتب السياسي ورئيس قسم الدعاية. عندما صعد هو ومسؤولون آخرون إلى المنصة، شعرت بإحساس لا يمكن وصفه من الكآبة، لقد تم استبعاد فهمي للتمثيلات الثلاثة كمحور مهم في أيديولوجية الحزب الحاكم بالكامل من الوثيقة واستبداله بكلمات سطحية تشبه الحديث للأطفال. عندها تذكرت الثرثرة البذيئة حول مائدة العشاء كل ليلة، وشعرت لأول مرة أن النظام الذي طالما اعتبرته مقدسًا كان في الحقيقة سخيفًا بشكل لا يطاق.
أفكار للبيع
علمتني تجربتي مع مخطط الدراسة أن الأفكار التي روج لها الحزب بمحض الصدفة كانت في الواقع أدوات تخدم الذات تُستخدم لخداع الشعب الصيني سرعان ما علمت أنها كانت أيضًا وسيلة لكسب المال. أخبرني مسؤول تعرفت عليه في الإدارة العامة للصحافة والنشر، التي تتحكم في الحق في نشر الكتب والمجلات، عن واقعة مزعجة تتعلق بحرب النفوذ على عائدات النشر داخل الحزب الشيوعي الصيني.
لسنوات عديدة، كانت منظمة (Red Flag Press) واحدة من ثلاث منظمات مسؤولة عن نشر الكتب التعليمية للحزب. في عام 2005، كانت الصحافة بصدد نشر كتاب روتيني، عندما تدخل مسؤول من إدارة التنظيم المركزي، وهي الوكالة القوية المسؤولة عن قرارات شؤون الموظفين في الحزب الشيوعي الصين، للإصرار على أن وزارته هي الوحيدة التي لها سلطة نشر هذا الكتاب. حاول إقناع الإدارة العامة للصحافة والنشر بمنع نشر الكتاب. لكن المهمة الرئيسية لمنظمة (Red Flag Press) كانت على وجه التحديد نشر أعمال عن الأيديولوجية. للخروج من هذه المشكلة، قامت الوكالة بفحص الكتاب على أمل العثور على مشاكل من شأنها أن تبرر حظره ولكن بشكل محرج، كان فارغًا – لماذا إذن كانت إدارة التنظيم مستميته بشأن النشر؟ يعود الأمر ببساطة إلى المال. العديد من الإدارات لديها أموال طفيفة، والتي يتم استخدامها ليتمتع بها كبار المسؤولين وتقسيمها بين الموظفين على أنها «إعانات اجتماعية»، أسهل طريقة للحصول على الأموال هي نشر الكتب.
في ذلك الوقت، كان لدى الحزب الشيوعي الصيني أكثر من 3.6 مليون منظمة شعبية، وكان من المتوقع أن تشتري كلٍّ منها نسخة من المنشور الجديد، إذا تم تسعير الكتاب بعشرة يوانات للنسخة، فهذا يعني ما لا يقل عن 36 مليون يوان من إيرادات المبيعات – أي ما يعادل أكثر من 5 ملايين دولار في اليوم، وبما أن هذه الأموال كانت تأتي من ميزانيات فروع الحزب، فقد كان المخطط في الأساس أن تحول هذه الأموال لمؤسسة أكبر من تلك الصغيرة، في هذه الحالة. لا عجب أن إدارة التنظيم كانت تُروج لموضوع جديد للتربية السياسية كل عام، ولا عجب أن كل مؤسسة تقريبًا داخل الحزب الشيوعي الصيني لديها ذراع نشر. مع ابتكار كل وحدة تقريبًا لطرق جديدة لكسب المال، حيث تغلغل الفساد في النظام.
على الرغم من خيبة أملي المتزايدة، إلا أنني لم أرفض الحزب تمامًا. إلى جانب العديد من الباحثين الآخرين كان لدينا أمل أن يتبنى الحزب الشيوعي الإصلاح والتحرك في اتجاه شكل من أشكال الديمقراطية. في السنوات الأخيرة من عهد جيانغ، بدأ الحزب يتسامح مع المناقشات الهادئة نسبيًّا للقضايا الحساسة داخل الحزب طالما لم يتم الإعلان عنها بشكلٍ علني. في مدرسة الحزب المركزية، شعرت أنا وزملائي الأساتذة بالحرية في إثارة المشاكل عميقة الجذور داخل النظام السياسي الصيني فيما بيننا. تحدثنا عن تقليص دور مسؤولي الحزب في القضايا الإدارية التي يتم التعامل معها بشكل أفضل من قبل المسؤولين الحكوميين؛ ناقشنا فكرة استقلال القضاء، التي تمت كتابتها في الدستور لكنها لم تُطبق في الواقع. كان من دواعي سرورنا أن الحزب كان في الواقع يختبر الديمقراطية، سواء داخل عملياته أو في المجتمع على مستوى القاعدة الشعبية. لقد رأيت كل هذا على أنه علامات تبعث على الأمل بالتقدم. لكن الأحداث اللاحقة لن تؤدي إلا إلى تعزيز خيبة أملي.
طريق آخر
حدثت نقطة تحول رئيسية في عام 2008، عندما قمت برحلة قصيرة لكنها مصيرية إلى إسبانيا أثناء زيارتي للبلاد كجزء من التبادل الأكاديمي، تعلمت كيف انتقلت إسبانيا من الحكم المطلق إلى الديمقراطية بعد وفاة ديكتاتورها فرانسيسكو فرانكو في عام 1975. لم يسعني إلا مقارنة تجربة إسبانيا بتجربة الصين. توفي ماو بعد عشرة أشهر فقط من وفاة فرانكو، وخضع البلدان لتغييرات هائلة في العقود الثلاثة التالية، لكن بينما حققت إسبانيا قفزة سريعة وسلمية نحو الديمقراطية وحققت الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، لم تحقق الصين سوى انتقال جزئي، حيث انتقلت من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد المختلط دون تحرير في سياساتها حينها قلت لنفسي، ما الذي يمكن أن تتعلمه الصين من إسبانيا؟
لقد توصلت إلى نتيجة متشائمة مفادها أنه من غير المرجح أن يُقدم الحزب الشيوعي الصيني على أي إصلاح سياسي. لسبب واحد، بدأ الانتقال في إسبانيا من قبل القوى الإصلاحية في نظام ما بعد فرانكو، مثل الملك خوان كارلوس، الذي وضع المصالح الوطنية فوق مصالحه الشخصية. بينما كان الحزب الشيوعي الصيني منذ وصوله إلى السلطة في عام 1949، من خلال العنف، متشبثًا بعمق بفكرة أنه الاحتكار الدائم للسلطة السياسية، ولا سيما أثناء حملته لمواجهة احتجاجات ساحة تيانانمن، حيث أظهر أنه لن يتخلى عن هذا الاحتكار سلميًّا. ولم يكن لدى أي من القادة ما بعد دينغ، الشجاعة للضغط من أجل الإصلاح السياسي. لقد أرادوا ببساطة نقل المسؤولية إلى قادة المستقبل. علمت أيضًا أنه بعد وفاة فرانكو، أوجدت إسبانيا بسرعة بيئة مواتية للإصلاح، وتوطيد استقلال القضاء، وتوسيع حرية الصحافة. حتى إنها أدرجت قوى المعارضة في العملية الانتقالية. على النقيض من ذلك تعامل الحزب الشيوعي الصيني مع مطالب العدالة الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها تمثل تهديدات لسلطته، وقمع المجتمع المدني، وقيد حريات الناس. لقد بات النظام والشعب عالقين في المواجهة منذ عقود، مما يجعل المصالحة غير واردة.
إن فهمي الذي اكتسبته حديثًا عن الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، جنبًا إلى جنب مع ما كنت أعرفه بالفعل عن أعضاء الكتلة السوفيتية السابقة قادني إلى رفض جذري للأيديولوجية الماركسية التي كان لدي إيمان لا يتزعزع فيها. أدركت أن النظريات التي قدمها ماركس في القرن التاسع عشر كانت مُقيدة بفكره والظروف التاريخية في عصره. علاوة على ذلك، رأيت أن النسخة القمعية شديدة المركزية من الماركسية التي روج لها الحزب الشيوعي الصيني تدين لستالين أكثر من ماركس نفسه. لقد أدركت بشكلٍ متزايد أنها أيديولوجية تشكلت لخدمة ديكتاتورية المصلحة الذاتية. في عام 2010، عندما نشر بعض العلماء الليبراليين في الصين مجلدًا بعنوان: «نحو الدستورية» ساهمت بمقال ناقشت فيه التجربة الإسبانية.
كانت رؤيتي التي تشاركت فيها مع مُنظرين ليبراليين آخرين – هي أن الصين ستبدأ بتطبيق الديمقراطية داخل الحزب، والتي ستؤدي على المدى الطويل إلى ديمقراطية دستورية. سيكون للصين برلمان، بل وحتى حتى حزب معارض حقيقي. داخل قلبي، كنت قلقة من أن الحزب الشيوعي الصيني قد يقاوم بعنف مثل هذا التحول لكنني أبقيت هذه الشكوك داخلي. بدلًا من ذلك، عندما تحدثت مع الزملاء والطلاب، جادلت بأن مثل هذا الانتقال سيكون مفيدًا للصين وحتى للحزب نفسه، ويمكن أن يعزز شرعيته من خلال جعله أكثر مسؤولية أمام الشعب. أقر العديد من المسؤولين الذين علمتهم أن الحزب يواجه مشاكل، لكنهم لم يستطيعوا قول ذلك بأنفسهم، وبدلًا من ذلك، حثوني بحذر على إقناع رؤسائهم.
خيبة الأمل في شي جين بينغ
كانت المشكلة أنه في ذلك الوقت بالذات، كان خليفة جيانغ، الرئيس هو جين تاو، الذي بدأ يتحرك في الاتجاه المعاكس. في عام 2003، أثناء عملية تولي زمام السلطة، طرح هو جين تاو «النظرة العلمية للتنمية» وهي بديله عن «التمثيلات الثلاثة» لجيانغ. كان المفهوم محاولة أخرى لتبرير نموذج التنمية الصيني المختلط بغطاء رقيق من أيديولوجية تبدو ماركسية، وتجنب الأسئلة الكبيرة التي تواجه الصين.
كان التطور السريع في الصين يُنتج صراعًا اجتماعيًّا؛ حيث تم الاستيلاء على أراضي المزارعين من أجل التنمية وضغطت المصانع على العمال لتحقيق المزيد من الأرباح، وزاد عدد الذين يلتمسون الإنصاف من الحكومة بشكلٍ كبير، وفي جميع أنحاء البلاد، تجاوزت المظاهرات (100.000) مظاهرة في السنة. بالنسبة لي، أظهر هذا السخط العام، أنه أصبح من الصعب على الصين تطوير اقتصادها دون تحرير سياساتها.
يعتقد هو جين تاو، خلاف ذلك. قال في عام 2008، في حفل بمناسبة الذكرى الثلاثين لسياسة الإصلاح والانفتاح: «لا تفسدوا الأمور». لقد فهمت أن هذا يعني أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية التي قام بها الحزب حتى الآن يجب الحفاظ عليها ولكن لا ينبغي دفعها إلى الأمام. كان يدافع عن نفسه ضد الاتهامات من كلا الجانبين: من المحافظين الذين اعتقدوا أن الإصلاح قد ذهب بعيدًا، ومن الليبراليين الذين اعتقدوا أنه لم يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية. لذلك دخلت الصين، تحت إشرافه، فترة من الركود السياسي، والتراجع والجمود على نحو مشابه لما شهده الاتحاد السوفيتي في عهد ليونيد بريجنيف.
لكل هذه الأسباب، كنت أتطلع إلى شي، بتفاؤل عندما أصبح من الواضح أنه سيتولى السلطة. تم إجراء جميع الإصلاحات السهلة قبل 30 عامًا. حان الآن الوقت للتغييرات الصعبة. نظرًا لسمعة والد شي، وهو زعيم سابق للحزب الشيوعي الصيني ذو ميول ليبرالية، والأسلوب المرن الذي أظهره شي نفسه في المناصب السابقة التي تولاها، كنت أنا والمدافعون الآخرون عن الإصلاح نأمل في أن يكون لقائدنا الجديد الشجاعة لإحداث تغييرات جريئة في السياسة الصينية. لكن داخل النظام، لم يكن لدى الجميع مثل هذه الثقة في شي، المتشككون الذين أعرفهم ينقسمون إلى مجموعتين- تتكون المجموعة الأولى: من «الأمراء»؛ وهم أحفاد مؤسسي الحزب، كان شي أحد هؤلاء الأمراء، وكذلك بو تشيلاي، رئيس الحزب الديناميكي في تشونغتشينغ. ارتقى شي وبو إلى مناصب إقليمية ووزارية رفيعة في نفس الوقت تقريبًا، وكان من المتوقع أن ينضم كلاهما إلى أعلى هيئة في الحزب الشيوعي الصيني، أي اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وكانا يُعتبران من كبار المنافسين لقيادة الصين.
لكن بو، خرج من المنافسة على القيادة في أوائل عام 2012، عندما تورطت زوجته، في قتل رجل أعمال بريطاني. بجانب دعم كبار رجال الدولة بالحزب شي، الأمراء الذين أعرفهم، على دراية بقسوة شي، توقعوا أن التنافس لن ينتهي عند هذا الحد. في الواقع، بعد أن تولى شي السلطة، أُدين بو، نفسه بالفساد، وجُرد من جميع أصوله، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
تألفت المجموعة الثانية من المتشككين من علماء المؤسسة. قبل أكثر من شهر من انعقاد مؤتمر الحزب الثامن عشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 عندما تم الإعلان رسميًّا عن تولي شي، الأمانة العامة للحزب الشيوعي الصيني، كنت أتحدث مع مراسل مخضرم من مجلة صينية كبرى، وأستاذ بارز في مدرستي، بعدما أنهيت المقابلة مباشرةً، وقبل مغادرته، طرح المراسل عليه سؤالاً: «لقد سمعت أن شي جين بينغ، عاش في مجمع مدرسة الحزب المركزية لفترة من الوقت. الآن هو على وشك أن يصبح الأمين العام للحزب. ما رأيكَ فيه؟» ارتعدت شفة الأستاذ، وقال بازدراء: «إن شي يعاني من عدم كفاية المعرفة». لقد ذُهلت أنا والمراسل من هذا التصريح الصريح للغاية منه.
على الرغم من هذه الآراء السلبية، فقد علقت عن طيب خاطر آمالي في شي. لكن بعد فترة وجيزة من صعوده بدأت شكوكي تزداد، وذلك عندما أشار خطاب ألقاه في ديسمبر (كانون الأول) 2012، إلى امتلاكه لعقلية إصلاحية وتقدمية، لكن تصريحات أخرى له، ألمحت إلى العودة إلى حقبة ما قبل الإصلاح. هل كان شي متجهًا إلى اليسار أم اليمين؟ كنت قد تقاعدت للتو من مدرسة الحزب المركزية، لكنني ما زلت على اتصال بزملائي السابقين ذات مرة عندما كنت أتحدث إلى بعضٍ منهم حول خطط شي، قال أحدهم: «إنها ليست مسألة ما إذا كان شي، يتجه إلى اليسار أو اليمين، بل إنه يفتقر إلى الأساس الفكري، ويتحدث بشكل غير منطقي». صمت الجميع، وشعرت بقشعريرة أسفل عمودي الفقري. ثم قُلت لنفسي: «مع مثل هذه النواقص، كيف نتوقع منه أن يقود نضالًا من أجل الإصلاح السياسي؟».
سرعان ما خلُصت إلى أننا ربما لا نستطيع تحقيق ذلك الأمل. بعد أن أصدر شي، خطته الإصلاحية الشاملة في أواخر عام 2013، توقعت الأوساط التجارية والأكاديمية بحماس أنه سيمضي قدمًا في إصلاحات كبرى بينما كان شعوري عكس ذلك تمامًا. بالفعل تجنبت الخطة جميع القضايا الرئيسية للإصلاح السياسي. إن مشاكل الصين طويلة الأمد المتمثلة في الفساد، والدين المُفرط، والشركات الحكومية غير المربحة مُتجذرة ولم يعُد بقدرة مسؤولي الحزب التدخل في القرارات الاقتصادية دون إشراف عام.
كانت محاولة تحرير الاقتصاد مع إحكام السيطرة السياسية بمثابة تناقض. مع ذلك كان شي، يُطلق أكبر حملة أيديولوجية منذ وفاة ماو، لإحياء الحكم الماوي. دعت خطته إلى تكثيف المراقبة المجتمعية وقمع حرية التعبير، تم الترويج لحظر أي مناقشة للديمقراطية الدستورية والقيم العالمية، وذلك دون أي خجل تحت شعار: «الحكم والإدارة والخدمة والقانون».
استمر هذا الاتجاه مع مجموعة من الإصلاحات القانونية التي تم تمريرها في عام 2014، والتي كشفت عن نية الحزب لاستخدام القانون كأداة للحفاظ على الحكم الشمولي. في هذه المرحلة، كانت اتجاهات شي، المنحرفة والتراجع السياسي للحزب الشيوعي الصيني واضحة. إذا كان لدي ذات مرة أمل غامض فيما يخص قيام شي بإصلاحات وخلفه الحزب، فقد تحطمت أوهامي الآن. ستؤكد الأحداث اللاحقة أنه عندما يتعلق الأمر بالإصلاح، كان شي يأخذ الصين من الركود إلى التراجع. في عام 2015، اعتقل الحزب المئات من المحامين، في العام التالي، أُطلقت حملة شبيهة بالثورة الثقافية ضد أحد أقطاب العقارات. كان رد فعلي على تلك الحادثة هو الذي أوقعني في الماء الساخن.
القشة التي قصمت ظهر البعير
دخل الملياردير، رن زهيك يانغ، في صراع متزايد مع شي، الذي انتقده لفرض رقابة على وسائل الإعلام الصينية. في فبراير (شباط) 2016، صنفه موقع للحزب الشيوعي الصيني، على أنه «مناهض للحزب». لم أكُن أعرف رن شخصيًّا، لكن قضيته صدمتني، وكانت مزعجة بشكلٍ خاص لأنني كنت أعتمد منذ فترة طويلة على المبدأ القائل: «بأنه داخل الحزب الشيوعي الصيني، سُمح لنا – بل تم تشجيعنا على التحدث بحرية لمساعدة الحزب على تصحيح أخطائه». كان هنا عضو قديم في الحزب تمت شيطنته لفعله ذلك بالضبط. بعد أن عشت الثورة الثقافية، علمت أن الأشخاص الذين يُطلق عليهم مصطلح «مناهضين للحزب» قد حُرموا من حقوقهم وتعرضوا لاضطهاد شديد. نظرًا لأنه لا يمكن أبدًا الدفاع عن رن، في وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة، فقد كتبت ما يُشبه المقالة، وأرسلتها إلى مجموعة أصدقاء داخل برنامج (WeChat) على أمل أن يشاركها أصدقائي مع جهات الاتصال الخاصة بهم.
على الرغم من أن معظم مقالتي اقتبست ببساطة دستور الحزب وقواعد السلوك، اُتهمت من قبل اللجنة التأديبية في مدرسة الحزب المركزية بارتكاب أخطاء جسيمة، وواجهت سلسلة من التحقيقات المرعبة التي مارس فيها المحققون ضغوطًا نفسية ووضعوا كمائن لي، في محاولة للحصول على اعتراف كاذب مني بارتكابي لأي مخالفات. كان الأمر غير مريح، لكنني أدركت أن العملية كانت حربًا نفسية.
قلتُ لنفسي: «إذا لم أُظهر لهم أنني خائفة، سيخسرون نصف المعركة». ثم واصلت النشر، وواصلت السلطات استدعائي للاستجواب. سرعان ما استنتجت أن الأجهزة الأمنية كانت تتنصت على هاتفي وتقرأ مراسلاتي الرقمية وتتبعني لمعرفة أين ذهبت ومع من التقيت. عادةً ما يحتاج الأساتذة المتقاعدون من مدرسة الحزب المركزية إلى إذن من المدرسة فقط للسفر إلى هونغ كونغ أو إلى الخارج، لكن المدرسة ألمحت لي أنه بات يتعين عليَّ الآن، الحصول على إذن من وزارة أمن الدولة، حال فكرت في السفر مستقبلًا.
في إبريل (نيسان) 2016، نُشر نص خطاب ألقيته قبل بضعة أشهر في جامعة تسينغ-هوا، والذي جادلت فيه بأنه إذا كانت الأيديولوجيا تنتهك الفطرة السليمة، فإنها تتدهور إلى الأكاذيب، ونُشر المقال على موقع إلكتروني مؤثر في هونغ كونغ. كان التوقيت سيئًا: كان شي، قد أعلن للتو أن بعض النقاشات التي تجري في مدرسة الحزب المركزية قد ذهبت بعيدًا، وحثت على مزيد من الإشراف على أساتذتها. نتيجة لذلك، في أوائل مايو (أيار) اُستدعيت مرة أخرى من قبل اللجنة التأديبية بالمدرسة، واتُّهمت بمعارضة شي. منذ ذلك الحين، منعني الحزب الشيوعي الصيني من الظهور أو الكتابة في جميع وسائل الإعلام بالصين، كلها بلا استثناء: المطبوعة وعبر الإنترنت، والتلفزيون. حتى اسمي لم يعُد من الممكن نشره. ثم في إحدى الليالي في يوليو (تموز) تم استدعائي مرة أخرى إلى اجتماع في مدرسة الحزب المركزية، حيث وضع أحد أعضاء اللجنة التأديبية كومة من المستندات على المنضدة أمامي قائلًا: «هناك بالفعل الكثير من المواد عنك، وأريدك أن تفكري ملياً».
كان من الواضح أنه تم تحذيري بالتزام الصمت، وأنه إذا قمت بالتغريد بكلمة، فسأخضع لإجراءات تأديبية، بما في ذلك الحرمان من مزايا التقاعد. كنت غاضبة من معاملتي، رغم أنني فهمت أن الآخرين قد تم التعامل معهم بقسوة أكبر.
طوال السنوات التي أمضيتها كعضو في الحزب الشيوعي الصيني، لم أنتهك مطلقًا قاعدة واحدة، ولم يتم استدعائي مطلقًا للتوبيج. لكن الآن، تم استجوابي بانتظام من قبل مسؤولي الحزب، وهددتني اللجنة التأديبية بالمدرسة بعقد اجتماع عام كبير والإعلان عن عقوبة رسمية. في نهاية كل محادثة، طلب مني المحققون أن أبقي الاستدعاء وما دار بالتحقيق سريًّا، كان كل شيء جزءًا من عالم سفلي لا يمكن أن يتعرض لضوء النهار.
ثم جاء التستر على وحشية الشرطة التي أدت إلى انفصالي الأخير عن شي، في مايو (أيار) 2016، كان لي يانغ، عالم البيئة، في طريقه إلى المطار لاصطحاب والدته عندما توفي في عهدة شرطة بكين، في ظل ظروف لا تزال غامضة.
من أجل التهرب من المسؤولية عن الجريمة، اتهمت الشرطة لي، بأنه راح ضحية عاهرة. اجتمع زملاؤه في الفصل من أيام دراستهم الجامعية غاضين من هذه المحاولة للتشهير به، لمساعدة أسرته في السعي لتحقيق العدالة، وبدأوا حملة انتشرت في جميع أنحاء الصين. لتهدئة الغضب، أمر كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني بإجراء تحقيق، ووافق الادعاء على إجراء تشريح مستقل للجثة، وكان من المقرر إجراء محاكمة لمناقشة الأمر.
حدث شيء غريب بعد ذلك: تم وضع والديه وزوجته وأطفاله تحت الإقامة الجبرية، وقدمت لهم الحكومة المحلية تعويضات ضخمة، حوالي مليون دولار، للتخلي عن سعيهم وراء الحقيقة. عندما رفضت عائلة لي، تلك الصفقة تمت زيادة المبلغ إلى 3 ملايين دولار. لكن زوجته، أصرت على تبرئة اسم زوجها الراحل. ثم ضغطت الحكومة على والدي لي، اللذين ركعا أمام زوجة ابنهما وتوسلاها للتخلي عن القضية. في ديسمبر (كانون الأول) أعلن المدعون أنهم لن يتهموا أي شخص بوفاة لي، وكشف محامي عائلته أنه أُجبر على التنحي.
عندما علمت بهذه النتيجة، جلست على مكتبي طوال الليل، يغمرني الحزن والغضب. كانت وفاة لي، حالة واضحة من ارتكاب المخالفات، وبدلًا من معاقبة ضباط الشرطة المسؤولين، حاول رؤساؤهم استخدام أموال الضرائب التي حصلوا عليها بشق الأنفس لتسوية الأمر خارج المحكمة. سألت نفسي، إذا كان مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني قادرين على مثل هذه الأعمال الدنيئة، فكيف يمكن الوثوق بالحزب؟ الأهم من ذلك كله كنت أتساءل كيف يمكنني أن أبقى جزءًا من هذا النظام؟!
بعد 20 عامًا من التردد والارتباك والبؤس، اتخذت قرارًا بالخروج من الظلام والقطيعة الكاملة مع الحزب، إن قفزة شي، العظيمة إلى الوراء. لم تترك لي أي خيار آخر. في عام 2018، ألغى شي، حدود الولاية الرئاسية؛ مما زاد من احتمالية أن أعيش إلى أجل غير مسمى في ظل حكمه الستاليني الجديد. في الصيف التالي تمكنت من السفر إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية. أثناء وجودي هناك، تلقيت رسالة من صديق يُخبرني بأن السلطات الصينية تتهمني بالقيام بأنشطة «معادية للصين» وستعتقلني إذا عدت. قررت إطالة زيارتي حتى تهدأ الأمور. ثم انتشرت جائحة كوفيد-19، وتم إلغاء الرحلات الجوية إلى الصين، لذلك اضطررت إلى الانتظار لفترة أطول قليلًا. في الوقت نفسه، شعرت بالاشمئزاز من سوء تعامل شي، مع تفشي المرض ووقعت على عريضة تدعم لي وين ليانغ، طبيب العيون في ووهان، الذي تعرض لمضايقات الشرطة لتحذير أصدقائه من المرض الجديد وتوفي في النهاية بسببه. ثم تلقيت مكالمات هاتفية عاجلة من السلطات في مدرسة الحزب المركزية تطالبني بالعودة إلى الوطن.
لكن الجو في الصين كان يزداد قتامة. اختفى رن، قطب العقارات المعارض، في مارس (آذار) وسرعان ما طُرد من الحزب وحُكم عليه بالسجن 18 عامًا في غضون ذلك، تفاقمت مشكلاتي مع السلطات بسبب الإفراج غير المصرح به عن محادثة خاصة كنت قد ألقيتها عبر الإنترنت لدائرة صغيرة من الأصدقاء وصفت فيها الحزب الشيوعي الصيني بأنه قد تحول إلى «زومبي سياسي»، وقلت إن شي، يجب أن يتنحى. عندما أرسلت إلى أصدقائي مقالًا قصيرًا كنت قد كتبته أستنكر فيه قانون شي، القمعي الجديد للأمن القومي في هونغ كونغ سرب أحدهم ذلك أيضًا.
كنت أعلم أنني في مشكلة. سرعان ما تم طردي من الحزب، وجرَّدتني المدرسة من استحقاقات التقاعد الخاصة بي، وتم تجميد حسابي المصرفي وطلبت من السلطات في مدرسة الحزب المركزية ضمان سلامتي الشخصية إذا عدت. لكن المسؤولين هناك، تجنبوا الإجابة عن سؤالي، وبدلًا من ذلك وجهوا تهديدات غامضة ضد ابنتي في الصين وابنها الصغير. في هذه المرحلة قبلت بالحقيقة: لم يعُد هناك مجال للعودة إلى الوراء. [1]
الكاتب: تساي شيا – أستاذة بالمدرسة المركزية للحزب الشيوعي الصيني من عام 1998 إلى 2012، ومنشقة عن الحزب، وتقيم بالولايات المتحدة من عام 2019 – تمت ترجمة هذا المقال من اللغة الصينية بواسطة ستايسي موشر.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير