إستراتيجيات عسكريةتكنولوجيا الدفاع وصفقات التسليح

أجنحة التغيير.. لماذا تنتشر الطائرات المسلحة بدون طيار في غرب البلقان؟


  • 4 أغسطس 2023

شارك الموضوع

فوك فوكسانوفيتش (Vuk Vuksanovic)[1] وفيليب إيدوس (Filip Ejdus)[2]

أصبحت الطائرات العسكرية بدون طيار وسيلة مفضلة لدول البلقان لتعزيز قوتها العسكرية ونفوذها الإقليمي، ولكن مع أنه من غير المحتمل أن تشعل هذه الطائرات حربًا، فإن انتشارها غير المقيد يجلب أخطارًا كبيرة.

في مايو 2023، ذكرت وسائل الإعلام الإقليمية أن تركيا سلمت كوسوفو خمس طائرات بدون طيار هجومية من طراز (Bayraktar TB2). وقد تمت الصفقة بعد سبعة أشهر من توقيع العقد. وتشير الصفقة إلى توسع كبير في انتشار الطائرات المسلحة بدون طيار في غرب البلقان، وهناك خمسة أسباب تجعل هذا الأمر مرجحًا جدًّا.

السبب الأول هو أن الطائرات بدون طيار غيّرت طبيعة الصراع العسكري والأمن العالمي. وبعدما تأثرت الولايات المتحدة بشدة بسبب حروبها البرية الطويلة والمكلفة التي شنتها في العراق وأفغانستان إبان الحادي عشر من سبتمبر، قررت زيادة ضربات الطائرات بدون طيار في ظل حُكم  باراك أوباما ودونالد ترمب. ومن المحتمل أن يؤدي تناقص حدة الصراعات في سوريا والعراق، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وإعادة إدارة بايدن لإجراءات الفحص القديمة على استخدام الطائرات بدون طيار، التي أُلغيت في عهد ترمب، إلى تقليل عدد ضربات الطائرات بدون طيار.

ومع ذلك، فقد خرج الجني من القمقم؛ فإذا كانت الطائرات بدون طيار وسيلة مرضية لأقوى دولة في العالم (أي الولايات المُتحدة) لتقليل التكلفة المالية، وخطر فقدان الأرواح، فهي أيضًا مغرية لدول البلقان؛ لأنها تُمكنها مِن تحدي الديموغرافيا، وتوفي بمتطلباتها العسكرية بسعر مناسب، وتُقلل خطر الخسارة التي تنتج عن نقص العنصر البشري.

لاحظت دول البلقان كيف يستخدم الآخرون الطائرات بدون طيار، لا سيما الأتراك وطائرتهم بدون طيار (Bayraktar TB2)، وقد اشتهر استخدام هذه الطائرات بدون طيار في حرب ناغورنو كاراباخ (2020) من جانب أذربيجان ضد القوات الأرمينية، وفي الحرب الجارية في أوكرانيا، خصوصًا مِن جانب القوات الأوكرانية ضد روسيا. وفي فبراير 2023 أشار وزير الدفاع الصربي ميلوس فوسيفيتش إلى أن الجيش الصربي يحلل تجارب هذين النزاعين قبل إقرار اقتناء الطائرات بدون طيار.

عدم وجود آلية فعالة للحد من التسليح

السبب الثاني، هو غياب أنظمة الحد من التسلح التي تحكم الطائرات بدون طيار. وقد صادقت جميع دول غرب البلقان على الاتفاقية الملزمة قانونًا الخاصة بتجارة الأسلحة، مع أن بعض منتجي الطائرات بدون طيار الرئيسين، مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإسرائيل، وإيران لم ينضموا إلى هذه الاتفاقية. وتغطي معاهدة تجارة الأسلحة ضمنيًّا الطائرات بدون طيار، ولكنها تفتقر إلى آلية للتحقق من المعلومات الواردة في التقارير الوطنية وفرض الامتثال. أما سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية (UNUNOCA) الذي يضم أيضًا طائرات مسلحة بدون طيار، فيحتوي على خروقات كثيرة، ودول غرب البلقان ليست استثناء منها.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه البلدان ليست جزءًا من ترتيب واسينار (نظام مراقبة التصدير المتعدد الأطراف) لواشنطن، وهي آلية غير ملزمة لضوابط تصدير الأسلحة التقليدية، والسلع، والتكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، لكنها أيضًا لا تشمل بعض منتجي الطائرات بدون طيار الرئيسين، مثل إسرائيل، والصين، وإيران. بالإضافة إلى ذلك اتفاقية الحد من التسلح شبه الإقليمي لعام 1996، على غرار معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، ولكنها لا تشمل الطائرات بدون طيار، ونتيجة لذلك لا توجد حاليًا أي تدابير لتنظيم الحصول على الطائرات بدون طيار.

السبب الثالث، هو رغبة دول أخرى في المنطقة في مضاهاة القدرات التي اكتسبتها صربيا. في يونيو 2020، سلمت الصين ست طائرات بدون طيار من طراز (CH-92A) صنعتها شركة (CASC) الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء المملوكة للدولة إلى صربيا. جعلت هذه الطائرات بدون طيار صربيا أكبر مُستخدم للطائرات بدون طيار في غرب البلقان. ولم تقتصر هذه الصفقة على الحصول على معدات عسكرية فحسب؛ بل شملت أيضًا عمليات نقل التكنولوجيا التي سمحت لصربيا بإكمال مشروع الطائرات بدون طيار: بيجاز (بيجاسوس).

كما قررت صربيا شراء “طائرات بدون طيار كاميكازي” من دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن حضر الرئيس ألكسندر فوسيتش معرض ومؤتمر الدفاع الدولي (آيدكس) في أبو ظبي، في فبراير 2023. ومن المحتمل أن تكون الطائرات بدون طيار المعنية من طراز (RW-24)، وتصنعها (Halcon)، وهي شركة تابعة لمجموعة (EDGE Group) المملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وتستخدم صربيا هذه الصفقة لإكمال مشروع (Gavran Raven) لنظام الطائرات بدون طيار. وتسبب شراء صربيا للطائرات بدون طيار وخططها في زيادة التوترات في المنطقة. كما أعلنت دول أخرى نيتها شراء طائرات بدون طيار مسلحة، مثل: ألبانيا، ووقعت عقدًا لشراء ثلاث طائرات بدون طيار تركية من طراز (Bayraktar)، وبحسب ما ورد، تلقت كوسوفو خمسًا من هذه الطائرات بدون طيار. قبل ذلك، في عام 2021، زار قائد الجيش البوسني مصنع (Bayraktar) في تركيا، مما أثار الشكوك في أن البوسنة هي أيضًا من بين المشترين المحتملين.

كانت بعض البلدان أقل صراحة بشأن ترسانات الطائرات بدون طيار الخاصة بها، ولكنها شاركت بنشاط في تطويرها. في مارس 2023، شاع الاعتقاد أن كرواتيا ومقدونيا الشمالية تمتلكان طائرات إسرائيلية بدون طيار قادرة على التسلح (هيرمس 250)، وقد أجرتا اختبارات سرية لطائرات كاميكازي بدون طيار أخرى مؤخرًا. ولا تعني هذه الاتجاهات أن الأعمال العدائية باتت وشيكة، ولكن عندما تحصل دولة ما على نظام دفاع جديد، فإنها تغير البيئة الإستراتيجية، ويريد جيرانها أن يكونوا أندادًا.

طريقة جيدة لتعزيز القدرة على المساومة

السبب الرابع، هو أن حيازة الأسلحة هي- في كثير من الأحيان- أدوات لألعاب القوة لكل من الدول المحلية والموردة. وتشتري صربيا- في كثير من الأحيان- أسلحة من دول مختلفة في كل من العالم الغربي وغير الغربي كاستثمار سياسي في العلاقات الثنائية الجيدة مع هذه البلدان. عندما تباهى ألكسندر فوتشيتش لأول مرة بفكرة شراء طائرات بدون طيار (Bayraktar) من تركيا في عام 2020 (التي لم تتم)، تم ذلك بعد أن التقى الرئيس التركي أردوغان في إسطنبول لإصلاح العلاقات عندما كانت أنقرة مستاءة بسبب تعهد بلغراد بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس (وهو ما لم يحدث).

في غضون ذلك، ومن خلال الحصول على أسلحة من مصادر متعددة، تتبع بلغراد سياسة التحوط الخاصة بها، وتحاول تعزيز قوتها التفاوضية مع الغرب بشأن قضايا مثل كوسوفو. ومن خلال شراء طائرات بدون طيار من مصادر متعددة، ستكون صربيا قادرة على تحريض كثير من موردي الطائرات بدون طيار بعضهم ضد بعض، في حين تستفيد من عمليات نقل التكنولوجيا لتصبح مركزًا إقليميًّا لتوريد الطائرات بدون طيار. ويمكن للآخرين في البلقان اتباع منطق مماثل، خاصةً كرواتيا، التي تشتري أسلحة لإثبات أنها تلتزم بقاعدة إنفاق الناتو الدفاعية البالغة (2) في المئة. ويمكن للبوسنة وألبانيا وكوسوفو أيضًا شراء طائرات بدون طيار من تركيا؛ كجزء من التحوط في السياسة الخارجية.

وتسبب هذه المعاملات احتكاكًا سياسيًّا. في أواخر يونيو، قال الرئيس الصربي فوسيتش إن صربيا تخلت عن شراء طائرات تركية بدون طيار من طراز (Bayraktar) لأن أنقرة سلمتها إلى كوسوفو. وقال فوتشيتش على قناة تلفزيونية موالية للحكومة: “لن نتعاون معهم، لأنهم الموردون الرئيسون لدولة غير موجودة”.

وبدلًا من ذلك، أعلن فوسيتش أن صربيا ستحصل على طائرات بدون طيار من مورد شرق أوسطي، في حين كانت هناك تقارير، في عام 2022، تفيد بأن صربيا كانت من بين الدول المهتمة بشراء طائرات (شاهد 136) الإيرانية، ولم يحدث هذا لأنه كان من الخطر على بلغراد أن تشارك في هذه الصفقة، لا سيما أن هذه الطائرات بدون طيار تستخدمها روسيا ضد أوكرانيا؛ لذلك، من المرجح أن تكون الطائرات بدون طيار (RW-24) من الإمارات العربية المتحدة هي الطائرات بدون طيار من مورد شرق أوسطي التي أشار إليها الرئيس فوسيتش في بيانه.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن موردي الطائرات بدون طيار يستخدمون أيضًا شحنات الطائرات بدون طيار لزيادة نفوذهم السياسي والإستراتيجي. وتُحاول الصين الترويج لنفسها كقوة عسكرية عالمية، في حين تستخدم صربيا لاختراق سوق الدفاع الأوروبية، والالتفاف على قيود الاتحاد الأوروبي على تجارة الأسلحة مع بكين التي فُرضَت بعد قمع احتجاجات تيانانمين. وتستخدم تركيا تسليم الأسلحة والتدريب الأمني ​​لخلق نفوذ سياسي أقوى في البلقان. وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة مهتمة أيضًا بالوصول إلى صناعة دفاع محلية، وتوريد الأسلحة التي يمكن توزيعها على وكلائها، وهذا عامل آخر يجعل انتشار الطائرات بدون طيار في المستقبل في غرب البلقان أكثر احتمالًا.

يستخدم السياسيون المشتريات العسكرية لاكتساب شعبية

السبب الخامس، هو الشعبوية. القوات المسلحة هي المؤسسة الأكثر ثقة في المنطقة، وهو ما أدى بالسياسيين إلى استخدام تسليح الجيش لكسب الدعم، ولا سيما في أوقات عدم الاستقرار العالمي. هذه الظاهرة واضحة- بشكل خاص- في صربيا، حيث يعد الجيش تقليديًّا المؤسسة الأكثر ثقة، لكن الدول الأخرى في المنطقة ليست غريبة عن ممارسة استخدام السياسيين المشتريات العسكرية للترويج لأنفسهم. وتتنافس كرواتيا مع صربيا في سباق التسلح، وهي منخرطة (أي كرواتيا) أيضًا في هذه الممارسة، لا سيما خلال أوقات الانتخابات.

سيخلق هذا المزيج من العوامل بيئة محفزة جدًّا لانتشار الطائرات بدون طيار في غرب البلقان. لكن لا يزال مِن غير المُحتمل اندلاع حرب. ومع ذلك، فإن وجود طائرات بدون طيار دون عمليات مراقبة كافية يخلق أخطارًا للمنطقة، في شكل صدام عرضي، أو تصورات خاطئة محتملة؛ لذا يجب إقناع النخب المحلية بعدم استخدام الطائرات بدون طيار في قعقعة السيوف السياسية، والتعامل مع أنظمة الأسلحة هذه كأجزاء من الترسانة العسكرية الوطنية. وبدون هذا، يظل من المرجح أن يؤدي انتشار الطائرات بدون طيار في غرب البلقان إلى زعزعة استقرار المنطقة، حتى بدون اندلاع الحرب.[3]


شارك الموضوع