شهدت وسائل الإعلام الروسية اهتمامًا واسعًا بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية، التي سبقها تصريح من المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أعرب فيه عن أمل الكرملين “ألا تتحرك السعودية ضد روسيا”، وتأكيد “أهمية الشراكة والعلاقات معها”؛ في تأكيد للدور المركزي الذي باتت السعودية تؤديه في السياسية العالمية. كما اهتم الإعلام الروسي بنقل تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمسؤولين السعوديين، إلى جانب تغطية واسعة في وسائل الإعلام المرئية وبرامج “التوك شو”. ومن الملاحظ أن غالبية التحليلات ذهبت قبل الزيارة إلى تأكيد عدم قبول ولي العهد للمعادلة السابقة في تعامل أمريكا مع حلفائها، وأن السعودية تتبع- في الوقت الحالي- سياسة مستقلة، ونهجًا “متعدد النواقل” في العلاقات الدولية، منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وتعزز في ظل تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد.
كتبت وكالة (ريا نوفوستي) الرسمية للأنباء، خبرًا بعنوان “الأمير السعودي يرد على سؤال محرج بالابتسامة في وجه بايدن”، وقد جاء فيه: “ضحك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لم يجرؤ على الرد على سؤال صحفية عن العلاقات بين واشنطن والرياض”.
كتبت مارينا سوفينا، على موقع وكالة (Lenta) الروسية، مقالًا بعنوان “الأمير السعودي يضحك بدهاء في وجه بايدن ردًا على سؤال محرج”، قالت فيه: ضحك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود، في وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد أن طرحت إحدى الصحفيات سؤالًا غير مريح على الرئيس بايدن “هل ما زالت السعودية دولة منبوذة؟”.. تجاهل بايدن السؤال، في حين “ابتسم محمد بن سلمان بدهاء وهو ينظر في اتجاه الرئيس الأمريكي”.
في تقرير خاص لمارينا سوفينا، على موقع وكالة (Lenta) الروسية، بعنوان “كشف تفاصيل محادثة بايدن مع الأمير السعودي”، قالت فيه: حسبما جاء في حديث عادل الجبير، على فوكس نيوز الأمريكية، “الرئيس بايدن لم يَلُم الأمير محمد بن سلمان”، حيث قالت مراسلة قناة فوكس نيوز في البيت الأبيض، جاكي هاينريش، إن بايدن “لم يلُم الأمير”.
كتبت مؤسسة (RBK Group) الإعلامية، في تقرير بعنوان “ولي العهد السعودي يشير إلى أخطاء أمريكا بعد حديث بايدن عن خاشقجي”، أن الأمير محمد بن سلمان ذكّر الرئيس الأمريكي “بتعذيب العسكريين الأمريكيين السجناء في العراق، وأن السعودية اتخذت جميع الإجراءات اللازمة لمنع وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل”.
كتبت وكالة (ريا نوفوستي) الرسمية للأنباء، في عنوانها الرئيسي “محمد بن سلمان يحذر بايدن”، جاء فيه: “حذر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس بايدن من فرض قيم معينة بالقوة على الدول، وذلك في الكلمة التي ألقاها، كما ذكّر الأمير السعودي، الرئيس الأمريكي بالأخطاء “التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وسوء تقديرها للموقف والعلاقات مع السعودية”.
في مقال للكاتب أندري ياشلافسكي “ولي العهد السعودي يهاجم بايدن”، في صحيفة (كومسوموليتس موسكو)، قال: ردًا على الانتقادات الأمريكية، “استشهد الأمير السعودي بالاعتداء الجنسي والجسدي على المعتقلين في سجن أبو غريب العراقي من جانب العسكريين الأمريكيين، ومقتل الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة، في مايو (أيار)، في الضفة الغربية المحتلة، بوصفها حوادث انعكست- انعكاسًا سيئًا- على الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تفعل شيئًا تجاهها”.
كتبت هيئة تحرير شبكة (EA EADaily)، في افتتاحيتها: “ولي العهد السعودي يحذر بايدن من مخاطر فرض القيم الأمريكية”، قال ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، في لقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن واشنطن “يجب ألا تفرض القيم الأمريكية على دول أخرى”، وبحسب المصادر، قال بايدن في الاجتماع لولي العهد إن على الدول الالتزام بـ “القيم المشتركة”. ردًا على ذلك، قال ولي العهد إن “الدول يمكن أن تتعامل مع حل المشكلات السياسية الداخلية بطرق مختلفة، حتى لو كانت هذه القيم موجودة؛ جميع دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة والسعودية، لديها كثير من القيم المشتركة، ولكنَّ هناك قيمًا تختلف فيما بينها”، ثم أكمل: “محاولات فرض هذه القيم بالقوة، كما حدث في العراق وأفغانستان، تأتي بنتائج عكسية، والولايات المتحدة لم تنجح في تحقيقها”. كما قال لبايدن إنه “إذا تفاعلت الولايات المتحدة فقط مع تلك الدول التي تشاركها قيمها ووجهات نظرها بنسبة 100%، فسيتعين عليها حصر نفسها في حلفاء الناتو”.
كتبت فيرا سابريكينا، في شبكة (BFM.ru)، مقالًا بعنوان: “السعودية وأمريكا لديهما وجهات نظر مختلفة بشأن الأولويات، جاء فيه: بعد رحيل الرئيس الأمريكي، قالت الخارجية السعودية إن القمة “لم تناقش إنتاج النفط، على الرغم من ادعاء البيت الأبيض أن السعوديين مستعدون لزيادة إنتاج النفط بنسبة 50% من الزيادة المخطط لها سابقًا في الإنتاج لشهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)”.
كان بايدن يأمل “إقناع الشركاء في السعودية بزيادة إنتاج النفط؛ من أجل خفض الأسعار العالمية للمواد الخام، وفي الداخل الأمريكي على وجه الخصوص قبل انتخابات التجديد النصفي”، في حين ردت الرياض “بأن المناقشات بشأن النفط الخام جارية باستمرار مع الولايات المتحدة والدول المستهلكة، لكن القرار يعود إلى تقييم أوضاع السوق، وما ينبغي القيام به داخل مجموعة أوبك+”.
علق أليكسي مالاشينكو، كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، قائلاً: “من وجهة نظر آفاق تطور العلاقات السعودية الأمريكية، لم يحدث شيء مهم في أثناء هذه الزيارة؛ المهم هنا هو أن بايدن جاء إلى الشرق الأوسط، وكيف وصل، ومع من تواصل، وما إلى ذلك”، لكني أعتقد أن الجميع “لم يغيروا مواقفهم في النهاية، سواء السعوديون أو بايدن”؛ أولًا، لعدم وجود استعداد “لدى أي طرف لتقديم أي تنازلات، فهذا مستحيل عمليًّا”، ورغم توقيع (18) اتفاقية بين البلدين “لكننا لا نعرف أي نوع من الاتفاقيات، وما أهميتها”، على سبيل المثال يمكن “توقيع عقد لشراء كيلو جرام من السكر، وتسمى اتفاقية”. الأمور معقدة إلى درجة أن “إسرائيل في حالة من عدم الاستقرار السياسي، الاتفاقيات مع إيران متعثرة، ما زال الحديث الأمريكي مستمرًا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، السعودية لديها سياسات جديدة متعددة الجبهات، ولن تقبل بوضع كل بيضها من جديد في سلة واشنطن؛ لذلك من المبكر القول إن هناك اختراقًا حقيقيًّا قد حصل، أو إن الصدع الذي حدث في العلاقات قد التأم”.
كتب غليب ميشوتين، في صحيفة (فيدوموستي)، مقالًا بعنوان “السعودية لا تنوي حل مشكلة الطاقة الأمريكية على حساب اتفاقيات أوبك +”، وقد جاء فيه: بعد زيارة من 13 إلى 16 يوليو (تموز) لإسرائيل والسعودية “فشلت محاولات بايدن لإقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط بشكل حاد، حيث استقبله الأمير محمد بن سلمان ببرود شديد”.
بالنظر إلى أسعار الوقود المرتفعة في الولايات المتحدة، التي أصبحت أحد أسباب التضخم القياسي الذي لم يحدث منذ 40 عامًا، كانت “قضية زيادة إنتاج النفط ذات أهمية سياسية محلية كبيرة لبايدن، وهو ما ادعت إدارة بايدن أنها تمكنت من إقناع السعوديين به”، لكن ما “يحاول البيت الأبيض تقديمه كنجاح هو في الواقع دليل على فشل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط”. كما يقول ألكسندر فرولوف، نائب مدير المعهد الوطني للطاقة: “لا يوجد حديث عن أي زيادة كبيرة في إنتاج النفط، لقد قال الأمير محمد بن سلمان- بوضوح- إن السعودية قد ترفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل في اليوم، ولكن فقط بحلول عام 2027″؛ ومن ثم- يضيف الخبير- “لن يكون من الممكن استبدال الإمدادات من روسيا”. في الواقع، “ستزيد دول أوبك + الإنتاج بنحو 60 ألف برميل في الفترة من يوليو (تموز) إلى أغسطس (آب) في اليوم”.
وفقًا لفرولوف، تشير الأرقام إلى “أن دول الشرق الأوسط لا تنوي لقاء الغرب في منتصف الطريق ومساعدته على حل مشكلات الطاقة”. وأشار الخبير أيضًا إلى “أن زيارة الرئيس عادة ما تعزز فقط الاتفاقات المبرمة بالفعل. في الوقت نفسه، انتهت المفاوضات المبكرة بين الولايات المتحدة والرياض لزيادة إنتاج النفط بالفشل؛ لذلك أكدت زيارة بايدن هذا الاتجاه فقط”. يتابع فرولوف: إن احتمالات “أن تحذو السعودية حذو الولايات المتحدة وتنتهك الاتفاقيات السابقة لخفض إنتاج النفط في إطار أوبك + ضئيلة؛ لأن هذه الخطوة ستؤدي إلى حرب أسعار وانهيار فيه”.
من الناحية الإستراتيجية، “سينخفض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط تدريجيًّا”، كما يقول أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي. على حد قوله: “لا يمكن وصف زيارة بايدن بالفشل، لكنه بالتأكيد لم يحل المشكلات الرئيسية في العلاقات بين واشنطن والعالم العربي؛ فدول الخليج لا تزال تشك في أن الولايات المتحدة تعتبر الشرق الأوسط أولوية أمنية”. يقول كورتونوف: “بشكل غير مباشر، الولايات المتحدة هي نفسها من تعوق تشكيل موقف موحد بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة إيران”. ويتذكر كورتونوف أن بايدن “كان يتفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما يقوض ثقة تل أبيب والأنظمة الملكية العربية بالسياسة الأمريكية في المنطقة”، ثم يكمل: “سياسة الأمير محمد بن سلمان سوف تستمر في تحقيق التوازن بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وهي سياسة باتت الدول العربية الأخرى تحذو حذوها”. ويلاحظ الخبير “أن الدول العربية ستتبع في بعض النواحي خطى الولايات المتحدة، ومع ذلك، لن تتمكن واشنطن دائمًا من دفعهم باتجاه مصالحها. وقال كورتونوف: “إن أحد الأمثلة على مثل هذه المحاولة للتقدم هو المشاورات بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بشأن فرض عقوبات على الروس، حيث اتخذت الإمارات موقفًا محايدًا من الأحداث في أوكرانيا، ولم تنضم إلى القيود المناهضة لروسيا”.
كتب البروفيسور الروسي ديمتري ترينين، مدير معهد كارنيغي موسكو، وعضو مجلس الدفاع والسياسة الخارجية الروسية، مقالًا على موقع “مجلس الشؤون الدولية الروسي”، بعنوان “أمريكا تحاول إعادة اختراع نفسها”، معلقًا على زيارة بايدن للسعودية، حيث قال: رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط لها عدة أغراض. وفيما يتعلق بمسألة زيادة إمدادات النفط من دول الخليج إلى الأسواق العالمية، “فشل الرئيس الأمريكي في الحصول على وعود من السعوديين بشأن زيادة كبيرة في الصادرات، وهذا أمر إيجابي لروسيا”. أما الهدف الآخر لواشنطن، وهو إنشاء جبهة معادية لإيران بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة الدول العربية وإسرائيل، فقد “حدث في هذا الاتجاه تقارب في الآونة الأخيرة بين العرب وإسرائيل، لكن جيرانها العرب يتوخون الحذر من إيران”. على سبيل المثال، أبو ظبي والرياض “لا تريدان نظيرًا لحلف الناتو، كما لا تريدان صفقة وراء الكواليس بين واشنطن وطهران على حساب دول الخليج العربية”. في ظل هذه الظروف، فإن “فرص إبرام اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني ضئيلة، وهذا مفيد أيضًا لروسيا، و”لن يكون من الممكن بعد استبدال النفط الإيراني بالنفط الروسي في السوق العالمية”.