مختارات أوراسية

لماذا لا يمكن لبكين استثناء احتمال استخدام القوة ضد تايوان؟


  • 3 سبتمبر 2022

شارك الموضوع

لم تتخلَّ الصين قط عن سيناريو استخدام القوة ضد تايوان، وعلى الرغم من كل الدعوات المتكررة بانتظام إلى “التوحيد الوطني على أساس سلمي”، ظل تهديد بكين بالعمل العسكري يلوح في الأفق منذ عام 1949. وقد ظهر ذلك بوضوح- وبشكل خاص مؤخرًا- خلال مناورات جيش التحرير الشعبي الصيني، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايبيه. تم التأكيد أن الصين “لن تتخلى عن استخدام القوة” في التقرير الرسمي الذي صدر مؤخرًا بعنوان “مسألة تايوان وتوحيد الصين في عصر جديد”.

السؤال: لماذا لا يزال شبح الحل العسكري معلقًا في الهواء؟

يمكن تحديد أربعة عوامل رئيسية لفهم هذا الموقف.

المزيج المتفجر: التاريخ والقومية والحزب الشيوعي والاحتواء والجيش

الجانب التاريخي مهم بشكل خاص لفهم جذور هذا الموقف- المواجهة العسكرية بين جمهورية الصين الشعبية (PRC)، وجمهورية الصين (ROC)، بشأن من له الحق في التمثيل القانوني للصين في النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. بعد الهزيمة في الحرب الأهلية (1945- 1949)، انتقلت سلطات جمهورية الصين برئاسة تشانغ كاي شيك إلى تايوان، وأنشأت حكومة في تايبيه. منذ ذلك الحين، أرادت جمهورية الصين الشعبية عبور مضيق تايوان “لتحرير” الجزيرة، وتحقيق “التوحيد الوطني”، في حين خططت جمهورية الصين، تحت قيادة تشانغ كاي شيك، “للعودة عبر مضيق تايوان إلى البر الرئيسي” للاستيلاء على الصين بكاملها، وتوقعت دعمًا عسكريًّا من الولايات المتحدة. كلتا الأزمتين مثلت في الخمسينيات من القرن الماضي جزءًا من إرث الحرب الباردة، وتفسر سبب بقاء القوة العسكرية عنصرًا أساسيًّا لسلطة الدولة.

من حيث الجوهر، ترى الصين أن قضية تايوان شأن داخلي، وهو أمر أساسي للحفاظ على سيادة الصين ووحدة أراضيها، فضلًا عن شرعية الحزب الشيوعي الصيني. كما ترى بكين أن كل الوسائل التي ستؤدي إلى حل قضية تايوان مشروعة، بما في ذلك القوة العسكرية، في حالة استنفاد جميع الأدوات الأخرى.

التزمت خمسة أجيال من قيادة الحزب الشيوعي الصيني بهذا الموقف، لتأكيد مدى صرامة هذه القضية في السياسة الصينية. إن أي زعيم صيني ينحرف عن مبدأ إعادة التوحيد مع تايوان بأي وسيلة سوف يقع فريسة للمشاعر القومية التي روج لها تاريخ الصين الحديث، وعززها التلقين الوطني منذ نهاية الحرب الباردة، حيث صوّر- وما زال- نائب الإمبراطور الصيني لي هونغ تشانغ، الذي وقع عام 1895 على معاهدة شيمونوسيكي ممثلًا لإمبراطورية تشينغ، التي بموجبها انتقلت تايوان إلى اليابان، بأنه الخائن الأكبر في تاريخ البلاد.

الإقناع والاحتواء

مبدأ الصين الواحدة هو عبارة أخرى كثيرًا ما نسمعها في المناقشات بشأن تايوان، وهو يعني لبكين أنه لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، وأن كلًا من البر الرئيسي وتايوان هما صين واحدة غير قابلة للتجزئة بأي حال من الأحوال، وترى بكين أن هناك “قوتين معاديتين” تقوضان هذا المبدأ؛ لذا فإن التهديد باستخدام القوة هو عامل ردع لتذكير هذه القوة بعواقب تصرفاتها.

القوة الأولى: مؤيدو استقلال تايوان، وعلى الأخص لي تنغ هوي، الرئيس التايواني في التسعينيات، الذي تبنى “نظرية الدولتين”. كانت زيارة لي تنغ هوي الخاصة إلى الولايات المتحدة، من أجل لم شمل خريجي جامعة كورنيل، ذريعة لأزمة تايوان الثالثة (1995- 1996). وبلغت الحركة الانفصالية ذروتها في الاستعدادات لإجراء استفتاء بشأن استقلال تايوان خلال رئاسة تشين شوي بيان، زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي. على هذه الخلفية في عام 2005، اعتمدت جمهورية الصين الشعبية قانونًا لمكافحة الانفصال. يُعتقد أن حكومة تساي إنغ ون الحالية، التي تمثل الحزب الديمقراطي التقدمي، ملتزمة بـ “نظرية الدولتين”، مع أن تساي إنغ ون نفسها تقود بمهارة سياسة استقلال فعلية لتايوان، دون السعي إلى تحقيق الاستقلال القانوني.

القوة الثانية: الولايات المتحدة وشركاؤها الذين يشاطرونها الرؤية نفسها. قانون العلاقات مع تايوان (1979) والبرقيات التي رفعت عنها السرية بشأن مبيعات الأسلحة إلى تايوان والتأكيدات الستة لعام (1982) هما وثيقتان رئيسيتان بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان وجمهورية الصين الشعبية، وتمثل هاتان الوثيقتان دليلًا لبكين على تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للصين. إن استمرار تزويد تايوان بالأسلحة الأمريكية هو دعم للانفصالية. بالإضافة إلى ذلك، في السنوات الأخيرة، اجتمع مسؤولو تايوان مع كبار المسؤولين السابقين أو الحاليين من مختلف البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، والدول الأوروبية الأخرى. هذه الحقائق تثير السخط في بكين التي تراها تهديدًا لمبدأ الصين الواحدة.

مقابل هذه التحركات، زادت بكين وتيرة المناورات العسكرية في مضيق تايوان؛ لإظهار عزمها واستعدادها لردع “التحركات الخطيرة” من جانب الدول الأخرى.

دور الجيش

إن عدم الاستعداد للتخلي عن استخدام القوة لاستعادة تايوان يفضي إلى تحديث القوات المسلحة لجمهورية الصين الشعبية وإصلاحها. خلال أزمة تايوان الثالثة، كان من الواضح أن الجيش الصيني في مستوى أدنى من الجيش الأمريكي، وقد دفعت هذه التجربة بكين إلى اتباع إستراتيجية عسكرية نشطة، وتسريع الإصلاحات العسكرية الشاملة. يطور جيش التحرير الشعبي الصيني قدرات تقييد وحظر الوصول إلى المنطقة؛ حتى تتمكن الصين من ردع أو مواجهة تدخل طرف ثالث في الصراع مع تايوان.

الهدف النهائي هو منع تحول أي عمل عسكري من أجل الوحدة إلى صراع إقليمي. هذا لا يعني أن إصلاحات شي جين بينغ، وتحديث جيش التحرير الشعبي، يشيران إلى خطة واضحة لحل قضية تايوان، ولكن بالطبع فإن تايوان والولايات المتحدة- بصفتها راعيًا لها- تؤديان دورًا مهمًّا في تشكيل سياسة الصين الدفاعية والأمنية؛ مما يسمح للجيش بزيادة نفوذه.

الهوية التايوانية

أخيرًا، يشير عدم الاستعداد للتوقف عن استخدام القوة ضد تايوان إلى عدم قدرة بكين على كسب قلوب سكان الجزيرة وعقولهم. لأكثر من سبعين عامًا، فشلت بكين في تقديم نموذج توحيد جذاب للتايوانيين. على العكس من ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن التايوانيين غير مرتبطين بالبر الرئيسي، ويشعرون بشكل متزايد بهويتهم.

أظهر استطلاع أجرته جامعة تونغهاي التايوانية في يونيو (حزيران) أن غالبية التايوانيين لا يريدون إعادة التوحيد مع البر الرئيسي (30 في المئة ممن شملهم الاستطلاع يفضلون الاستقلال، مقابل 57 في المئة يفضلون الوضع الراهن).

يجب وضع كل هذه العوامل في الحسبان عندما وصف متحدث باسم جيش التحرير الشعبي التدريبات الأخيرة بأنها “اختبار الاستعداد للحرب”؛ لأن بكين ترى الاستفزازات المحتملة من تايوان والولايات المتحدة وحلفائها تهديدًا لمبدأ الصين الواحدة.

تُظهر رغبة الصين في تطوير قدراتها العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية، استحالة تصور استقلال تايوان بدون حدوث حرب على الجزيرة. إن بكين غير مستعدة، وغير قادرة على التخلي عن استخدام القوة في قضية تايوان[1].

 

ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع