الاتحاد الأوراسيمختارات أوراسية

لم نعد على الطريق نفسه مع الغرب – مقابلة


  • 21 فبراير 2023

شارك الموضوع

أجرى البروفيسور سيرغي كاراغانوف حوارًا مع برنامج «أتراجينيا»، عن مجمل الأحداث الحالية، والعلاقات الروسية- الأطلسية. ونظرًا إلى أهمية ما ورد فيه، تقدم «وحدة الرصد والترجمة»، في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ترجمة كاملة لما ورد في هذا الحوار، الذي أجرته الإعلامية الروسية أولغا أرسلانوفا.

السؤال الأول: لأول مرة يقام منتدى دافوس من دون مشاركة الروس، وأصبح هذا الوضع معتادًا، حيث لم يعد للروس مكان في هياكل المنظمات والمؤسسات الغربية، هل تعتقد أننا بحاجة إلى الاستمرار في الانتظار، أو ربما نغلق الباب، ونخرج من كل هذه المؤسسات؟

كاراغانوف: كما تعلمون، منذ أواخر العهد السوفيتي، كانت السياسة الخارجية الروسية تهدف إلى التقارب والاندماج مع الغرب. كان هذا النهج- كما هو واضح الآن- خطأً إستراتيجيًّا ارتكبته القيادة السوفيتية الراحلة، والقيادة الروسية المبكرة. الآن كل شيء بات واضحًا، ووصل إلى نهايته، وأصبح مفهومًا تمامًا. نحن لسنا على المسار نفسه مع الغرب لأسباب أيديولوجية، وجغرافية، واقتصادية. ومن بين أمور أخرى، يرفض الغرب- أو بالأحرى النخب الغربية- كل القيم التي تشاركناها مع الغرب ذات يوم، مثل “قيم الإيمان، وحب الوطن، والأسرة، والعلاقة بين الرجل والمرأة”، وكل الأشياء الطبيعية، التي تمثل جوهر الإنسان.

أما بخصوص مكان المشاركة، وعدم المشاركة من عدمه، فمن الواضح تمامًا أننا بقينا- بغباء، وبلا معنى- في منظمة فاسدة، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ودعمنا- في الواقع- شبه جثة. كما كان الخطأ الأكبر أيضًا هو محاولة التفاوض مع الناتو، وإضفاء الشرعية على هذه المنظمة وتوسعها. هناك شيء آخر لا بد من عدم نسيانه، وهو أننا كنا ضعفاء، لكننا كنا أيضًا أغبياء؛ لذلك أعتقد أن هذه المشكلة قد حُلَّت بالفعل. أما المنظمات الأخرى، فمن المحتمل أن يكون الأمر يستحق المشاركة في مجموعة العشرين. وبالطبع، يستحق الأمر المشاركة في الأمم المتحدة. ولكن يمكن للمرء- ببساطة- أن يغلق ذلك الجزء من تاريخنا، الخاص بما تسمى منظمات أوروبية أو غربية. نعم، نحن نذكر- بامتنان- هذا التقارب الذي حدث في الماضي مع الغرب، وجعلنا أقوى في كثير من النواحي، وخلق لنا قوة عظيمة بفضل استيعاب الخبرة العسكرية والتقنية الغربية، وخلق أدبًا عظيمًا. أما الآن فنحن نذهب بهدوء إلى العالم الجديد، عالم الأغلبية العالمية، نغادر وعلى وجوهنا ابتسامة حزينة، نفعل ذلك بالطبع بالتزامن مع تنظيف كل ما كان يربطنا بهذا المسار الغربي، الذي سرنا على طوله سنوات كثيرة، والذي عفا عليه الزمن منذ عقود، ولم تعد له فائدة، بل صار يسحبنا إلى الوراء منذ فترة طويلة.

السؤال الثاني: ما الذي يفكر فيه العالم الغربي حيال ذلك؟ في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، صرح المستشار الألماني شولتز بأنه من الضروري- عاجلًا أو آجلًا- العودة إلى علاقات سلمية مع روسيا، كما قال في مقابلة إن العلاقات مع موسكو ستتحسن يومًا ما، لكن هناك آراء أخرى في أوروبا، تحديدًا في دول البلطيق، وفي بولندا، لا تريد- بالتأكيد- تحسين العلاقات مع روسيا بأي شكل من الأشكال، بل على العكس تسعى إلى تدهورها. وهناك شعور بأن بعض الدول ترى العالم المستقبلي عالمًا لا توجد فيه روسيا على الإطلاق.. هكذا يتخيلون هذا العالم، فكيف نتخيله نحن؟

كاراغانوف: يجب علينا في روسيا، ألا ننتبه لهذا الهراء الذي يصدر من الاتجاه الغربي. ذات مرة، وضع الغرب- لحسن الحظ، أو مع الأسف- النمط الفكري العالمي، والآن يأتي الغضب واليأس فقط من هناك بسبب فقدان مواقعه السياسية، والعسكرية، والاقتصادية. الآن هناك صراع يائس للحفاظ على هذه المواقع التي قُوِّضَت. كما أسهمنا في ذلك من خلال تقويض أسس الهيمنة الغربية على مدى السنوات الخمسمئة الماضية، أي تفوق الغرب المبني على القوة العسكرية.

أما البولنديون وكل الآخرين، فلا داعي للانتباه لهم. حسنًا، إذا عاد الأوروبيون يومًا ما إلى رشدهم، وأصبحوا قادرين على الاهتمام بمصالحهم، التي لا يهتمون بها الآن، وتوقفوا عن إطلاق النار على أرجلهم بسبب اليأس والغضب، فسنتعاون معهم بالطبع، تحديدًا في التجارة؛ نحن لم نذهب ونقرر قطع الروابط الثقافية، أو الفكرية؛ بل الغرب هو من فعل ذلك، في صورة كاريكاتيرية تمثل أسوأ الأوقات السوفيتية.

لكن بعيدًا عن هذه الفرضية، وإن شئنا الحديث بوضوح، نحن لسنا بحاجة إلى التقارب مع الغرب (إضافة إلى ذلك، سيكون هذا التقارب المفترض ببساطة ضارًا)، وهو في الواقع أمر مستحيل. لقد برهن الغرب على عدم قدرته على التفاوض، وكان يخادع على الدوام. وإذا كان هناك من يريد الحصول على تأكيد، فقد رأينا ذلك في تصريحات الرئيس هولاند، والمستشارة ميركل، اللذين “اعترفا” بأنهم “خدعوا روسيا عبر اتفاقيات مينسك، لمنح أوكرانيا مزيدًا من الوقت؛ لأجل تسليحها واستعدادها لخوض الحرب”.

السؤال الثالث: لقد قلت هنا شيئًا مهمًّا؛ وهو أن نوعًا من التفاعل سيبقى. ماذا يمكن أن يكون، أو بعبارة أخرى، كيف يمكن أن يحدث تعاون في بعض الجوانب، وصراع في جوانب أخرى؟

كاراغانوف: إذا لم تنته هذه الحرب بنهاية “هرمجدون”، أي فناء البشرية بصراع نووي، فإن ميزان القوى سيتغير تغيرًا كبيرًا، وبشكل عام سنستمع إلى أصدقائنا الأوروبيين إذا أمكن ذلك، ولكن بمزيد من الشك. أذكرك أنه في الآونة الأخيرة، عندما اعتبر الأوروبيون أنفسهم أقوياء، وكان لهم الحق في إملاء شروطهم، تدخلوا في كل شؤونا الداخلية، وهددوا بفرض عقوبات علينا، حتى فيما يتعلق بقطع أخشاب الأشجار، هل يمكن تخيل ذلك؟ هنا تحتاج فقط إلى التعامل مع كل ما يصدر من الغرب بابتسامة، وبأسف.

لكن على الجانب الآخر، أدت سياسة الغرب هذه إلى حرب كبيرة، كانت متوقعة تمامًا، وقد حذرنا من هذا عدة مرات لمدة 25 عامًا متتالية. والآن، سيتعين علينا أن نقرر حل هذه القضية في ساحة المعركة؛ مما يجبر الغرب على التراجع، وقبول الموقف الأكثر تواضعًا الذي يستحقه الآن في ميزان القوى العالمي. ستظل الرأسمالية العالمية، أو غيرها من الرأسمالية بالطبع، لكنها ستكون مختلفة أيضًا؛ لأن هذه الإمبريالية العالمية التي حدثت خلال الثلاثين عامًا الماضية، الإمبريالية الليبرالية العالمية باتت تنهار أمام أعيننا.

بلدان العالم سوف تصل إلى نظام اجتماعي وسياسي مختلف. بطبيعة الحال، ستكون جميع الدول أكثر استبدادية، حيث في الأوقات الصعبة، تصبح الحكومات الاستبدادية أكثر فعالية، ولكن ليس دائمًا. الغرب الآن في صراع يائس للحفاظ على هيمنته العالمية، لكن (من خلال العمل الصادق) الغالبية العالمية، بقيادة الصين، والهند، وروسيا، وهي النواة العسكرية لهذه الأغلبية العالمية، ستغير المعادلة. هذا نضال صعب، ولكن يجب كسبه. لا مجال للمساومة؛ لأننا إذا خسرنا سيتباطأ سقوط الغرب، وقد يحدث تفكك لدولنا.

السؤال الرابع: هل سيحل التقارب مع آسيا محل العلاقات المقطوعة مع الغرب؟ وما الذي يمكن أن يمنحه هذا لروسيا؟

كاراغانوف: لن يطلق أحد النار على قدمه. منذ أن قرر أصدقاؤنا وشركاؤنا الغربيون ذلك، رددنا عليهم. نحن- والحمد لله- نجتاز عملية إعادة توزيع قوية جدًّا، وهناك تغيير داخل الدولة؛ مما سيجعلنا أقوى بكثير إذا ما تحمّلنا. دعني أذكركم أنه بعد كل شيء، نحن نستعد الآن للحياة في عالم أكثر صرامة وتنافسية، وأكثر خطورة بكثير، وأقل استقرارًا. بدأ زلزال عالمي جيو- اقتصادي وجيو- سياسي عالمي، سيستمر عقدين من الزمن.

كل ما فقدناه من الغرب ستحل محله منتجات أخرى. لن نقود سيارات ألمانية باهظة الثمن، لكننا نصنع سياراتنا، وما ينقصنا سنعوضه بسيارات كورية أرخص، وأفضل جودة، وهي بالطبع أرخص وأفضل من السيارات الصينية. لكن من حيث المبدأ، بالطبع سنصنع طائرتنا الخاصة. بالمناسبة، لقد دمرنا- بحماقة- صناعة طائراتنا بمساعدة شركائنا الغربيين.

السؤال الخامس: تريد السلطات ترشيح العسكريين والمتطوعين الذين قاتلوا في دونباس لتولي مناصب في السلطتين التشريعية والتنفيذية في بلدنا في انتخابات هذا العام؛ لأن هؤلاء الأشخاص مطلوبون في الحياة العامة والسياسية. نحن نتفهم أن هذه فرصة لمنح الأشخاص الذين قاتلوا مكانهم في المجتمع، وربما لتحسين صحة النخب التي اعتادت أن تصبح غنية بلا عمل، وفقدوا مصداقيتهم. هل تعتقد أنه ينبغي النظر إلى هذا التحديث بتفاؤل؟ هل سيحدث بالفعل؟ لأن هناك أمثلة في التاريخ لم ترغب فيها النخب الراسخة رؤية الجيش في السلطة.

كاراغانوف: يجب على العسكريين، والأطباء، والعلماء أن يصبحوا سياسيين حقًا، أو بجانب السياسيين، وأن يحكموا الدولة، وهذا ما يسمى معيار الجدارة، أو “حكم المستحقين”. إذا كانت لدينا دكتاتورية عسكرية نقية مئة في المئة، وأنا مقتنع بأن ذلك لن يحدث، مع أنه سيكون هناك بالتأكيد عناصر منها، فإن هذا يمكن أن يؤدي- بالطبع- إلى نظام اقتصادي وسياسي غير فعال، وانفجار شعبي. لكن في هذه الحالة، يبدو لي أن تجديد النخبة- بما في ذلك من خلال الأشخاص الذين خاضوا الحرب، من خلال أناس وطنيين حقيقيين- سيكون مفيدًا.

أخيرًا، تجري الآن عمليتان مهمتان جدًّا، دُفِعَتا بقوة من خلال العملية العسكرية الخاصة، لم نلاحظهما، وربما لا يقلان أهمية عن هزيمة أوكرانيا، ومنعها من أن تصبح معادية؛ العملية الأولى: هناك تأميم سريع جدًّا للنخبة، وطرد للطابور الخامس، دون أي قمع تقريبًا. العملية الثانية: يتم تدمير الطبقة الكومبرادوية، أي طبقة البرجوازية التي أنشأناها بشكل شبه مصطنع في التسعينيات بسبب الإصلاحات غير الناجحة، عندما لم تكن الملكية محمية بموجب القانون، وعندما كان يتعين- عمليًّا- تحويل الأموال إلى الخارج. لقد خلقنا لأنفسنا هذه النخبة البرجوازية، التي تعتمد اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعقليًّا أيضًا على الغرب. الآن الغرب نفسه يقضي عليهم.

السؤال السادس: هل يمكننا حقًا أن يكون لدينا بعض الأشخاص الجدد المثيرين للاهتمام الذين لديهم طموحات في السلطة؟ أم إن غريزة النظام أقوى من هؤلاء، وسيُطرَدون؟ أم إن النظام نفسه سيتغير؟

كاراغانوف: واقعيًّا، النظام يتغير الآن أمام أعيننا. بالطبع، نود أن يحدث كل هذا التغيير بوتيرة أسرع، وكان من الضروري في وقت سابق القيام بكل هذا، بما في ذلك حل القضية الأوكرانية. أخيرًا، قال فلاديمير بوتين نفسه هذا الكلام في الآونة الأخيرة: “إنه كان من الضروري البدء في كل هذا مبكرًا”، وقد سبق أن تقدم بإنذار قبل أكثر من عام، وبعدما تجاهل الغرب الرد على هذا الإنذار بدأت الأعمال العسكرية. كان ينبغي أن نفعل كل هذا في وقت سابق، لكننا نقوم به متأخرًا. كما تعلم، فإن الروس تاريخيًّا يستوعبون الأمور متأخرًا؛ لكني آمل أن نذهب في عملية التغيير هذه بسرعة.

السؤال السابع: هل تعتقد أنه من الضروري العمل بطريقة ما مع هؤلاء الأشخاص الذين بقوا في روسيا ولم يغادروها، لكنهم لا يفهمون حقًا موقعهم، والمطلوب منهم؟

كاراغانوف: هذا الوضع في سياسات سلطتنا يزعجني قليلًا: “نحن لا نتحدث بصراحة كاملة إلى مجتمعنا، ليس لدينا ما يكفي من الديمقراطية الشعبية”. على سبيل المثال، إذا رأينا أن ملايين الأشخاص يجمعون بالفعل طرودًا لتقديم دعم لمن هم على الجبهة، مع أن أحدًا لا يجبرهم على القيام بذلك، ألا يستطيع هؤلاء الأشخاص أنفسهم إدارة شؤونهم الخاصة في قراهم ومدنهم، على مستوى البلديات؟ إن المركزية في كل شيء التي تفرضها السلطات الروسية على المجتمع، قد أوصلت بلدنا إلى مرحلة البلاهة.

لكن هذا لا ينفي أننا بحاجة إلى حكومة قوية، وهذه الحكومة القوية ستحتاج إلى أشخاص جدد (وهم يظهرون بالفعل) يتم اختيارهم وفق معيار الكفاءة، لا المحسوبية. على سبيل المثال، عندما أنظر إلى جزء مهم من مجلس الوزراء الحالي؛ أجد هناك كثيرًا من الوجوه الجديدة المشرقة.[1]


شارك الموضوع