• 18 سبتمبر 2022

شارك الموضوع

بعد تحرير سيفيرودونتسك وليزيتشانسك في أوائل يوليو (تموز)، يكاد القتال يكون قد توقف تقريبًا في أوكرانيا. يبدو أن موسكو كانت تسعى- وفق خطة وضعتها مسبقًا- إلى ضبط الصراع: “يتم إنفاق موارد مالية صغيرة نسبيًا، ويعمل جهاز الدولة للتغلب على تأثير العقوبات، وتكييف الاقتصاد معها”، في حين تمضي العملية العسكرية الخاصة ببطء، ولكنها في الوقت نفسه لديها الاستعدادات الكافية للإسراع بوتيرتها على خلفية الاضطرابات التي ستضرب الاقتصاد العالمي، وأزمة الطاقة المتفاقمة في أوروبا، كما كان متوقعًا. مع أن هذه الخطة بدت منطقية، فإنه في أواخر الصيف وأوائل الخريف، وقعت الأحداث المعروفة لنا جميعًا على الجبهة الأوكرانية، التي أثارت التساؤل عن احتمالات تحقيق “المكانة العظيمة” لروسيا وفق هذه التكلفة المحدودة. كما توقعنا، أدى استقرار الجبهة وتوقف العمليات العسكرية من جانب الجيش الروسي إلى اتخاذ القوات المسلحة الأوكرانية زمام المبادرة، وشنت عمليتين هجوميتين في نهاية المطاف.

في منطقة خيرسون، تتحرك القوات في الأراضي المسيطر عليها بين نهري إنجوليتس ودنيبر من خلال ثلاثة معابر: “السكك الحديدية، وجسور الطرق في خيرسون، وكذلك من خلال السد والجسور في مجمع نوفا كاخوفكا للطاقة الكهرومائية”. منذ منتصف الصيف، كانت القوات المسلحة الأوكرانية تقصف هذه المعابر بنجاح متفاوت: “على الرغم من الفعالية النسبية، وانهيار أقسام فردية من الجسور، بشكل عام، لم يكن من الممكن تعطيل جميع طرق إمداد الجيش الروسي على الضفة اليمنى لنهر دنيبر”.

في 20 أغسطس (آب)، شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا كبيرًا في عدة قطاعات من الجبهة، كان أبرزها الاستيلاء على رأس جسر على الضفة الجنوبية من إنجوليتس بالقرب من أندريفكا. على ما يبدو، كان من المفترض أن تضرب من هذا الجسر إلى الجنوب الشرقي للتوجه إلى سد كاخوفكا وبيريسلاف، وقطع التجمع الشمالي الشرقي للقوات المسلحة الروسية، مما يجبرها على التراجع. تمكن الجانب الروسي من احتواء الهجوم الأولي للقوات المسلحة لأوكرانيا، واستغل ما لديه من ميزة التفوق الجوي، وألحق هزيمة كبيرة بالقوات المتقدمة. وفقًا لبعض التقديرات، بلغت الخسائر الأوكرانية في سبعة إلى عشرة أيام 4000 قتيل من 15000 مقاتل تولوا القيام بهذا الهجوم. وقد تحدثت الصحافة الغربية علنًا عن الخسائر الفادحة للقوات المسلحة لأوكرانيا في اتجاه خيرسون.

حتى منتصف سبتمبر (أيلول)، تضمنت نجاحات القوات المسلحة لأوكرانيا بالقرب من خيرسون احتلال قرية فيسوكوبول في القسم الشمالي الشرقي من جبهة خيرسون، وعدة قرى صغيرة في منطقة أندريفكا. في مساء يوم 14 سبتمبر (أيلول)، كانت هناك تقارير عن تدمير سد خزان كاراتشونوفسكوي في كريفي ريه، وارتفاع حاد في المياه في نهر إنجوليتس، مما يشكل تهديدًا للمعابر الأوكرانية على رأس الجسر. القتال قرب خيرسون لم ينته بعد، والوضع آخذ في التطور.

هجوم خيرسون، سرعان ما طغت عليه الأحداث في شمال شرق أوكرانيا. في 6 سبتمبر (أيلول)، في منطقة خاركوف، شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا على مدن المنطقة التي تسيطر عليها روسيا: “بالاكليا، وإيزيوم، وكوبيانسك”، وهو ما سبق أن توقعته (في تقييمي للموقف، جنبًا إلى جنب مع هجوم خيرسون المضاد، في مراجعة يوليو/ تموز).

تحرك المهاجمون في مجموعات خفيفة متحركة، واقتحموا المدن، وقطعوا الطرق، وتوجهوا إلى مؤخرة الحاميات الروسية الصغيرة. أتاح التفوق العددي (وفقًا لبعض التقديرات 8 إلى 1) إغراق منطقة شاسعة بالجنود بشكل سريع. بعد أحداث باتت معروفة للجميع، في 10 سبتمبر (أيلول)، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انسحابًا كاملًا للقوات إلى نهر أوسكول شرقي منطقة خاركوف. وهكذا، أصبحت بالاكليا وإيزيوم والجزء الغربي من كوبيانسك، الذي قسمه أوسكول، تحت سيطرة القوات المسلحة لأوكرانيا.

على الرغم من التصريحات الرسمية لوزارة الدفاع الروسية عن نقل القوات إلى أراضي جمهورية جمهورية دونيتسك الشعبية، فقد اعتبر الكثيرون في روسيا أحداث خاركووف بمنزلة كارثة. أصبح من الواضح أن أوكرانيا قادرة على القيام بعمليات هجوم مضاد، وليس لدى الجيش الروسي تصور أو إستراتيجية للتعامل معه، ثم تم التعامل مع هذه المناطق فيما بعد وكأنها أصبحت مضمونة كجزء من روسيا: “تم تسليم جوازات السفر ولوحات الترخيص إلى السكان المحليين؛ جاءت شركات الأعمال الروسية إلى إيزيوم، وكوبيانسك، وبالاكليا، وأعيد تدريب المعلمين المحليين، وكانوا يستعدون لبدء العام الدراسي الجديد ببرامج التعليم الروسية”.

ماذا بعد؟

اعتمادًا على الإمكانات الهجومية المتبقية، قد تحاول القوات المسلحة لأوكرانيا تطوير النجاح في عدة اتجاهات:

أولًا: التقدم شرق أوسكول، أو من الجنوب بالقرب من كراسني ليمان؛ من أجل احتلال الجزء من منطقة خاركوف الذي ظل تحت السيطرة الروسية، ودخول أراضي جمهورية لوغانسك الشعبية، من الشمال.

ثانيًا: استمرار الهجوم بالقرب من خيرسون استعدادًا لهجوم موسع.

ثالثًا: بدء هجوم مضاد في مكان آخر. تشير كثير من الإفادات إلى تكدس كبير للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة أوغلدار، مما قد يشير إلى التحضير لهجوم على طول خط فولنوفاكيا- ماريوبول. تقع ماريوبول على بعد 70 كم فقط من أوجلدار، وهو ما يمكن مقارنته بعمق عمليات القوات المسلحة لأوكرانيا في اتجاهات خيرسون وخاركوف.

رابعًا: لا يمكن استبعاد محاولات نقل العمليات القتالية للمشاة إلى الأراضي الروسية في منطقة بيلغورود. هناك استفزازات مع القصف بشكل مستمر، وفي الأيام الأخيرة كانت هناك زيادة؛ يبدو أن القوات المسلحة الأوكرانية تجس النبض بشأن رد فعل موسكو.

ماذا على روسيا أن تفعل؟

في 7 يوليو (تموز)، قال الرئيس بوتين: “إننا لم نبدأ أي شيء جدي في أوكرانيا بعد”. يبدو أنه من المستحيل تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة دون هزيمة الجيش الأوكراني، مما يعني أنه من الضروري أخذ زمام المبادرة، وتغيير نهج العمليات العسكرية.

هل سيحدث هذا تغييرًا في الإستراتيجية؟ ومتى؟ وبأي شكل؟ هل سيتم تكثيف الضربات الجوية وتوسيع جغرافيتها؟ هل ستتم زيادة عدد قوات المشاة الروسية، والاستعداد لعمليات هجومية كبرى؟ هل سنصل في النهاية إلى شكل من أشكال التعبئة العامة؟ عاجلًا أو آجلًا سنتحقق من كل ذلك.[1]

 

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع