تقدم “وحدة الرصد والمتابعة”، في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ترجمة كاملة لمقال البروفيسور سيرغي كاراغانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي، وأحد المستشارين المقربين من الرئيس بوتين، حيث يعد رأيه من الآراء المعبرة- إلى حد كبير- عن سياسات الكرملين.
يبدو لي أن بلدنا وقيادتها أمام خيار صعب. من الواضح أن الصدام مع الغرب لن ينتهي إذا حققنا انتصارًا جزئيًّا، أو حتى ساحقًا في أوكرانيا. إذا حررنا مناطق دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون بالكامل، فسيكون هذا نصرًا ضئيلًا. سيكون النجاح الأكبر قليلاً هو تحرير شرق أوكرانيا الحالية وجنوبها في غضون عام، أو عامين، لكن مع ذلك، سيبقى جزء منها مع السكان القوميين المتطرفين الذين سينتابهم شعور بالمرارة، ويضخ الغرب لهم السلاح باستمرار، ليصبحوا جرحًا نازفًا يهدد بمضاعفات حتمية، والعودة إلى شن الحرب مرة أخرى. يمكن أن يكون الوضع أكثر سوءًا من ذلك إذا حررنا أوكرانيا بكاملها، وسيطرنا على بلد خربة مع سكان يكرهوننا في الغالب. سوف يستغرق الأمر أكثر من عقد “لإعادة تثقيفهم”.
أي من هذه الخيارات، لا سيما الخيار الأخير، سوف يصرف انتباه روسيا عن التحول المطلوب بإلحاح لمركزها الروحي، والاقتصادي، والعسكري، والسياسي في شرق أوراسيا. سنكون عالقين في الاتجاه الغربي غير الواعد. وستعتمد أراضي أوكرانيا الحالية، ولا سيما الوسطى والغربية، على الموارد الإدارية والبشرية والمالية الروسية، كما كانت عليه الحال في الحقبة السوفيتية. الأهم، أن العداء مع الغرب سوف يستمر، وسوف يدعم حرب عصابات أهلية بطيئة ضدنا.
الخيار الأكثر جاذبية هو تحرير الشرق والجنوب وإعادة توحيدهما، وفرض الاستسلام على ما تبقى من أوكرانيا، مع تجريدها الكامل من السلاح، وإنشاء دولة عازلة صديقة. لكن هذه النتيجة ممكنة فقط عندما نستطيع كسر إرادة الغرب المحرض والداعم لمجلس الحرب العسكري في كييف؛ وعليه فإنه لا أمل لدينا سوى إجبار هذا الغرب على التراجع تراجعًا إستراتيجيًّا.
هنا أحب أن أتطرق إلى أهم قضية، لكنها لم تُناقش تقريبًا. السبب العميق والرئيس للأزمة الأوكرانية، مثل كثير من النزاعات الأخرى في العالم، وزيادة التهديدات العسكرية بشكل عام، هو الفشل المتسارع للنخب الغربية الحاكمة الحديثة، التي خلقتها العولمة في العقود الماضية. يرافق هذا الفشل تغير سريع وغير مسبوق في ميزان القوى في العالم لصالح الأغلبية العالمية، وقاطرتها الاقتصادية الرئيسة الصين، وجزئيًّا الهند، في حين وضع التاريخ روسيا ركيزة عسكرية إستراتيجية. لا يثير هذا التراجع الغربي حفيظة النخب الإمبريالية العالمية (بايدن وشركاه) فحسب؛ بل إنه يخيف أيضًا النخب الإمبراطورية القومية، مثل (ترمب). يفقد الغرب القدرة التي كانت لديه على مدى خمسة قرون لامتصاص ثروات العالم بأسره، وفرضه- أولًا وقبل كل شيء، من خلال استخدام القوة الغاشمة- أنظمته السياسية والاقتصادية، وهيمنته الثقافية؛ لذا فإن انتظار نهاية سريعة للسياسة العدوانية الغربية من خلال انتهاج أسلوب الدفاع يعد أمرًا غير متوقع. كان هذا الانهيار في المواقف الأخلاقية والسياسية والاقتصادية يختمر منذ منتصف الستينيات، وتوقف- جزئيًّا- بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، لكنه استُؤنف بقوة متجددة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (كانت المعالم الرئيسة هي هزائم الأمريكيين وحلفائهم في العراق وأفغانستان، وكذلك في عام 2008، مع بداية أزمة النموذج الاقتصادي الغربي).
لإيقاف هذا الانزلاق إلى الأسفل، تم توحيد الغرب مؤقتًا. لقد حولت الولايات المتحدة أوكرانيا إلى خنجر مسموم في خاصرة روسيا، لكسر النواة العسكرية السياسية للعالم غير الغربي المحررة من قيود الاستعمار الجديد. من الناحية المثالية، يرغب الأمريكيون بالطبع في تفجير بلدنا، وإضعاف القوة العظمى البديلة الصاعدة، وهي الصين. وإلى جانب ذلك، تمشيًا مع الفكر العسكري والسياسي الغربي الحديث، زادوا- بشكل غير حكيم- من احتمالية استخدام الأسلحة النووية، وقيّموا الوضع في أوكرانيا تقييمًا غير دقيق، وشنوا عملية خاصة لم تنجح تمامًا.
بعد الفشل في الداخل، بدأت النخب الغربية بأكل الأعشاب الضارة التي نمت طوال سبعين عامًا من الرخاء والشبع والسلام، من خلال كل هذه الأيديولوجيات المعادية للإنسان: (إنكار الأسرة، والوطن، والتاريخ، والحب بين الرجل والمرأة، وكل ما يتكون منه جوهر الإنسان). يكمن الهدف من وراء كل ذلك في إضعاف الطابع البشري من أجل الحد من قدرة الناس على مقاومة الظلم، الضار بالإنسان والإنسانية، وخدمة الرأسمالية من خلال “العولمة” الحديثة.
على طول الطريق، تقضي الولايات المتحدة الضعيفة على أوروبا، والدول الأخرى التي تعتمد عليها، في محاولة لإلقائها في أتون المواجهة مع روسيا في أوكرانيا. لقد فقدت النخب في معظم هذه الدول توجهها، وبسبب ذعرها نتيجة فشل مواقفها في الداخل والخارج، قادوا دولهم إلى هذه المذبحة. في الوقت نفسه، يضاف إلى هذا الفشل والعجز الكبير، كراهية روسيا (الروسوفوبيا) المتأصلة في العقلية الغربية منذ قرون، وتدهور المستوى الفكري، وفقدان الثقافة الإستراتيجية، فإن كراهيتهم تكاد تكون أعنف مما هي عليه في الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، وهذا هو الشيء الأكثر أهمية، سوف يزداد الأمر سوءًا هناك. الهدنات ممكنة، لكن المصالحة ليست كذلك. سيستمر الغضب واليأس في النمو داخل الغرب، وهو بمنزلة علامة لا لبس فيها على الانجراف نحو اندلاع الحرب العالمية الثالثة. لقد بدأت بالفعل، ويمكن أن تشتعل وتتحول إلى حريق كامل من خلال المصادفة، أو بسبب تزايد عدم الكفاءة واللامسوؤلية من الدوائر الحاكمة الغربية. يؤدي إدخال الذكاء الاصطناعي، وروبوتات الحرب إلى زيادة خطر التصعيد غير المقصود. يمكن للآلات أن تخرج عن سيطرة النخب الغربية المرتبكة.
لقد تفاقم الوضع بسبب “التطفل الإستراتيجي” طيلة 75 عامًا من السلام النسبي، حيث نسي الناس أهوال الحرب، ولم يعد يخافون حتى من الأسلحة النووية. في كل مكان، وخاصة في الغرب، ضعفت غريزة الحفاظ على الذات. لقد كنت أدرس تاريخ الإستراتيجية النووية سنوات كثيرة، وتوصلت إلى نتيجة لا لبس فيها، وإن كانت تبدو غير علمية تمامًا. إن ظهور الأسلحة النووية هو نتيجة تدخل إلهي بعدما رأى أن البشر، وتحديدًا الأوروبيين واليابانيين، قد أشعلوا حربين عالميتين على مدى جيل واحد أودتا بحياة عشرات الملايين، ومن خلال السلاح النووي أظهر لأولئك الذين فقدوا خوفهم من الجحيم أنه موجود. بسبب هذا الخوف تحديدًا حل السلام النسبي الذي ساد في الثلثين الأخيرين من القرن الماضي، أما الآن فقد ذهب هذا الخوف حيث يحدث الآن ما لا يمكن تصوره من وجهة نظر الأفكار السابقة بشأن الردع النووي. لقد أطلقت الدوائر الحاكمة في الغرب، بسبب يأسها من فقدان هيمنتها، نوبة من الغضب العارم؛ من خلال إشعال حرب واسعة النطاق ضد قوة نووية عظمى. يجب استعادة الخوف من التصعيد النووي، وإلا فإن الإنسانية محكوم عليها بالفناء.
الآن، على هامش الأحداث في أوكرانيا، لا يتوقف الأمر على ما ستكون عليه روسيا، أو النظام العالمي المستقبلي، حيث يُحدَّد الآن، ولكن أيضًا ما إذا كان سيتم الحفاظ على العالم المألوف لنا بشكل عام، أم أن الآثار المشعة ستبقى على الكوكب، مما يؤدي إلى تسميم بقايا البشرية.
من خلال كسر إرادة الغرب العدوانية، لن ننقذ أنفسنا فحسب؛ بل سنحرر العالم أخيرًا من نير الغرب الذي استمر خمسة قرون. من خلال دفع الغرب إلى التخلي عن نخبته المهيمنة، سنجبره على التراجع قبل حدوث كارثة عالمية؛ ومن ثم ستحصل الإنسانية أخيرًا على فرصة جديدة للتطور.
بطبيعة الحال، هناك معركة صعبة تنتظرنا. من الضروري أيضًا حل المشكلات الداخلية؛ للتخلص أخيرًا من المركزية الغربية المسيطرة على العقول والطبقة الإدارية، من الكومبرادورية وتفكيرها. لقد قدمت لنا الرحلة التي استمرت ثلاثمئة عام عبر أوروبا كثيرًا من الأشياء المفيدة، وساعدت على تشكيل ثقافتنا العظيمة. سنحافظ بالطبع على التراث الأوروبي، لكن قد حان الوقت لكي نعود إلى وطننا، وقيمنا، وأنفسنا. لقد حقق أصدقاؤنا في وزارة الخارجية مؤخرًا تقدمًا حقيقيًّا من خلال وصف روسيا بأنها حضارة في مفهوم السياسة الخارجية. أود أن أضيف أن روسيا (حضارة الحضارات) المفتوحة على كل من الشمال والجنوب والغرب والشرق. الآن الاتجاه الرئيس للتنمية هو الجنوب والشمال، وقبل كل شيء الشرق.
إن المواجهة مع الغرب في أوكرانيا أيًّا ما كانت نهايتها، يجب ألا تصرف انتباهنا عن الحركة الداخلية الإستراتيجية الروحية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية من خلال الاتجاه إلى جبال الأورال، وسيبيريا، والمحيط العظيم. نحن بحاجة إلى إستراتيجية أورال- سيبيريا جديدة، التي تتضمن كثيرًا من المشروعات الروحية القوية، بما في ذلك بالطبع، إنشاء عاصمة ثالثة تقع في سيبيريا. يجب أن تصبح هذه الحركة جزءًا من الصياغة المطلوبة عاجلًا لـ”الحلم الروسي” لتشكيل صورة روسيا، والعالم الذي يريد المرء أن يناضل من أجله.
لقد كتبت مرات كثيرة، ولم أكن الوحيد، أن الدول العظيمة التي ليس لديها فكرة عظيمة تتوقف عن كونها كذلك، أو ببساطة لا تذهب إلى أي مكان. التاريخ مملوء بظلال ومقابر القوى التي فقدت مكانتها. يجب إنشاء هذه الفكرة من الأعلى، وليس الاعتماد- كما يفعل الحمقى أو الكسالى- على حقيقة أنها ستأتي من الأسفل. يجب أن تلبي القيم والتطلعات العميقة للشعب، والأهم أن تقودنا جميعًا إلى الأمام، لكن صياغة هذه الفكرة واجبة على النخبة، وقيادة البلاد. لقد تأخرنا في طرح هذه الفكرة الحلم تأخرًا لم يعد مقبولًا.
هنا أصل إلى الجزء الأصعب من هذا المقال. يمكننا أن نقاتل عامًا، أو عامين، أو ثلاثة، وأن نضحي بالآلاف من أفضل رجالنا، ونطحن عشرات ومئات الآلاف من الأشخاص الذين وقعوا في فخ تاريخي مأساوي لسكان الإقليم الذي يسمى الآن أوكرانيا، لكن هذه العملية العسكرية لا يمكن أن تنتهي بانتصار حاسم دون فرض تراجع إستراتيجي، أو حتى استسلام على الغرب. يجب أن نجبر الغرب على التخلي عن محاولة إعادة التاريخ إلى الوراء، والتخلي عن محاولاته للسيطرة على العالم، وإجباره على الاعتناء بنفسه، وهضم أزمته الحالية المتعددة المستويات. بشكل أكثر وضوحًا، من الضروري أن “يسقط” الغرب ببساطة، وألا يمنع روسيا والعالم من المضي قدمًا إلى الأمام.
ولهذا، من الضروري استعادة الشعور المفقود بالحفاظ على الذات لديه، وإقناعه بأن محاولات إرهاق روسيا من خلال تحريض الأوكرانيين ضدها تأتي بنتائج عكسية للغرب نفسه. سيتعين علينا استعادة مصداقية الردع النووي من خلال خفض العتبة العالية غير المقبولة لاستخدام الأسلحة النووية، والتحرك بحكمة- ولكن بسرعة- إلى أعلى سلم الردع عبر التصعيد. وقد اتُّخذِت بالفعل الخطوات الأولى من خلال تصريحات الرئيس والقادة الآخرين ذات الصلة، وبدء نشر الأسلحة النووية وناقلاتها في بيلاروس، وزيادة القدرة القتالية لقوات الردع الإستراتيجي. هناك كثير من الخطوات على هذا الصعيد لا بد من اتخاذها، يمكن للأوضاع أن تذهب إلى أبعد من ذلك لتحذير المواطنين وجميع الأشخاص ذوي النيات الحسنة بشأن الحاجة إلى مغادرة أماكن إقامتهم بالقرب من المواقع التي يمكن أن تصبح أهدافًا للضربات النووية في البلدان التي تقدم دعمًا مباشرًا لنظام كييف. يجب أن يعلم العدو أننا مستعدون لتوجيه ضربة استباقية انتقامية لجميع اعتداءاته الحالية والسابقة لمنع الانزلاق إلى حرب نووية عالمية.
لقد قلت وكتبت- مرات كثيرة- أنه إذا بنينا إستراتيجية للردع، واستخدمناها استخدامًا صحيحًا، فإنه يمكن التقليل- إلى أدنى حد- من خطر الضربة النووية “الانتقامية”، وأي ضربة أخرى على أراضينا. لقد أسهمنا في حالة الشعور بالأمان الحالية لدى الغرب بعباراتنا المحبة للسلام. بعد أن درست تاريخ الإستراتيجية النووية الأمريكية، أعلم أنه بعد أن اكتسب الاتحاد السوفيتي قدرة مقنعة للرد على ضربة نووية، لم تنظر واشنطن بجدية إلى هذا الردع النووي الروسي.
علينا أن نصعد من الخطر النووي بسرعة كافية لاحتواء الأخطار القادمة. بالنظر إلى اتجاه التطور الحالي في الغرب وسط تدهور معظم نخبته، فإن كل نداء لأجل السلام دون ردع قوي وحاسم وجاد، هو مضيعة للوقت فحسب، ولا يمكن للمرء أن يتوقع أن تُستبدَل بهذه النخب نخب أكثر مسؤولية وعقلانية. لن يحدث هذا إلا بعد رد فعل روسي قوي وحاسم، وبسبب فقدان هذا الرد منذ البداية على توسع الناتو، شهدنا الآن هذه الحرب في أوكرانيا.
لكن ماذا لو لم يتراجعوا؟ وفقدت النخب الغربية إحساسها الكامل بضرورة الحفاظ على الذات؟ هنا سيكون علينا ضرب مجموعة من الأهداف في عدد من البلدان من أجل إنعاش ذاكرة أولئك الذين فقدوا عقولهم.
سيكون علينا اتخاذ هذا الاختيار بأنفسنا. حتى الأصدقاء والمتعاطفون لن يدعموه في البداية. إذا كنت صينيًّا فلن أرغب في نهاية سريعة وحاسمة للصراع؛ لأنه يشغل القوات الأمريكية، ويتيح للصين الوقت لتراكم من قوتها استعدادًا لمعركتها الحاسمة، أو وفقًا لأفضل مبادئ صن تزو: “إجبار العدو على التراجع دون قتال”. كما أنني سأعارض استخدام الأسلحة النووية؛ لأن تصاعد المواجهة إلى المستوى النووي يعني التحول إلى منطقة لا تزال فيها بلدي (الصين) ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، لا يتماشى هذا الخيار الحاسم مع فلسفة السياسة الخارجية الصينية، التي تؤكد العوامل الاقتصادية (مع تراكم القوة العسكرية)، وتتجنب المواجهة المباشرة. مجددًا، إذا كنت صينيًّا لدعمت حليفي، وأمّنت مؤخرته، لكنني سأختبئ خلف ظهره ولا أتورط في النزاع. إذا استخدمت روسيا الأسلحة النووية، فإن الصينيين سيدينونها، لكنني أبتهج أيضًا في روحي بتوجيه ضربة قوية إلى سمعة الولايات المتحدة ومواقفها.
وماذا سيكون رد فعلنا إذا هاجمت باكستان الهند أو العكس (لا سمح الله)؟ يجب أن نخشى من ذلك. سيكون من المؤسف أن تُكسَر المحرمات النووية. وبعد ذلك، سنتعامل مع مساعدة الضحايا والتغيير المقابل في عقيدتنا النووية.
أما الهند، والدول الأخرى ذات الغالبية العالمية، بما في ذلك الدول النووية (باكستان وإسرائيل)، فإن استخدام الأسلحة النووية سيكون بالكاد مقبولًا لديها، سواء لأسباب أخلاقية، أو لأسباب جيوستراتيجية. إذا استُخدمَت “بنجاح”، فإن المحرمات النووية، وفكرة عدم استخدام هذه الأسلحة مطلقًا، وافتراض أن استخدامها يعني فناء البشرية ونهايتها، كل ذلك سيضمحل، لكن من المهم أن نفهم أن هذا الخيار لن يؤدي إلى حصولنا على دعم سريع من أي جهة، حتى لو شعر الكثير في دول الجنوب العالمي بالرضا عن هزيمة مضطهديهم السابقين الذين سرقوا، وارتكبوا عمليات إبادة جماعية، وفرضوا عليهم ثقافة غريبة.
على عكس الثقافة السياسية الأوروبية التي لا تحفظ الجميل، في بقية العالم يتذكرون- بامتنان- كيف ساعدنا الصينيين على تحرير أنفسهم من الاحتلال الياباني الوحشي، والمستعمرات للتخلص من نير الاستعمار. إذا لم نُفهَم في البداية، سيكون لدينا مع الوقت القدرة على منح الحوافز لتغيير أي صورة سلبية قد تنشأ عنا، ونردع العدوان الغربي، ونتوصل معه إلى تفاهم بشأن شكل العالم الجديد، وبعدما سننتصر معًا لصالح الجميع، بمن فيهم سكان الدول الغربية.
بعد ذلك النصر، ستسير روسيا والإنسانية، من خلال كل الأشواك والصدمات، نحو مستقبل أراه مشرقًا، متعدد الأقطاب والثقافات والألوان، يمكّن البلدان والشعوب من بناء مصيرهم الخاص والمشترك.
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير