مختارات أوراسية

20 أطروحة عن الحرب والسلام

هل يمكن أن تكون وطنيًّا روسيًّا ومناهضًا للحرب في الوقت نفسه؟


  • 1 مارس 2023

شارك الموضوع

بعد عام من بداية “العملية العسكرية الروسية” في أوكرانيا، حتى الموالون يعترفون، إن لم يكن بجرائمها؛ فبأخطائها. في سياق أي حرب تخوضها دولتك، من الصعب عليك ألا تتخذ موقفًا من أحد أطرافها. يمكن لأي كلمة أن تكون أداة للكراهية، ويمكن فهم أي كلمة على أنها دعم لشخص ما، أو خيانة، ولكن حتى في حالة الاستقطاب الشديد الناتج عن الصراع، فضلًا عن الوضع السلمي نسبيًّا، يظل من الممكن النظر إلى الحرب دون مواقف أيديولوجية مسبقة بشكل حدّي. هذه الأطروحات لإقامة التفاهم مع أولئك الذين “يشعرون بلعنة هذا الوضع المعقد”، ويرغبون في التوصل إلى حل. باختصار، هذه أطروحات لمناقشة موقف مناهض للحرب، ولكنه ليس موقفًا معاديًا لروسيا.

  1. هذه الحرب خطأ وجريمة في آنٍ واحد؛ لأن روسيا هي الطرف المعتدي والبادئ بها. لكن في المقابل، فإن فكرة تدمير روسيا، و”إلغاء” الثقافة الروسية، ليست أقل إجرامية وخطأً. التصرف والهدف المسؤول في ظل هذه الظروف (لأي طرف) هو الدعوة إلى السلام، وليس القتال حتى يُدمَّر الخصم تمامًا.
  2. هذه ليست الحرب الأولى، وليست الأكثر دموية حتى في هذا القرن، لكن هذا ليس سببًا لتبريرها، أو التطبيع معها من خلال المقارنة والإشارة إلى السياسات العدوانية للدول الأخرى، وليس سببًا للتغاضي عن كثير من ضحاياها، وفقدان التعاطف. هذه ليست مجرد حرب إقليمية عادية؛ بل إن لها وضعًا فريدًا نابعًا من إمكانية تصاعدها، وتحولها إلى صدام مباشر بين القوى النووية.
  3. روسيا (أكثر من أوكرانيا وحلفائها) مسؤولة عن عشرات الآلاف من الضحايا على الأقل في أوكرانيا، وعن محنة ملايين اللاجئين، لكن هذا لا يلغي مسؤولية كل من أوكرانيا وحلفائها عن الضحايا في دونباس خلال حرب (2014-2022)، وكذلك في أثناء الصراع الحالي. إن جرائم أحد طرفي الصراع لا تبرر جرائم الطرف الآخر.
  4. تتحمل أوكرانيا وحلفاؤها (إلى حد كبير) مسؤولية معاناة الناس في دونباس خلال فترة الحرب من (2014-2021)، لكن ادعاء روسيا “حماية” الناطقين بالروسية جلب- من بين أمور أخرى- معاناة أكبر لشعب دونباس. التصعيد العسكري لا يحل أبدًا المشكلات.
  5. إن فرض سياسة العقاب الجماعي على أي شخص هو كذب وتلاعب، لكن الاعتراف بجرائم الحرب وأخطائها أمر ضروري. العقاب الجماعي هو دائمًا أداة للقوة (الخارجية)، على عكس التعاطف والاعتراف بالحقيقة، اللذين يأتيان من الداخل.
  6. روسيا الرسمية تكذب كذبة وتريد منا أن نصدقها، وتنفي وقوع خسائر في صفوف المدنيين نتيجة أفعالها، وتستخف بتلك المآسي، من خلال وصفها بالدراما الأوكرانية أو الغربية التي حدثت بسبب خطأ غير مقصود من الجيش الروسي. لكن في المقابل، منذ عام 2014، لم تعترف أوكرانيا قط بمسؤوليتها عن الخسائر المدنية نتيجة لأعمال جيشها، أو “ميليشيات النشطاء” في دونباس ومناطق أخرى. حتى الاعتراف الجزئي بهذه المسؤولية من جانب أحد الأطراف، من شأنه أن يمنحها ميزة أخلاقية، ويسمح لها بالحد من جرائم الحرب جزئيًّا، ويسمح لها بإثبات أنها ليست في حالة حرب مع الشعب.
  7. من المستحيل ألا نفهم غضب هؤلاء المواطنين الأوكرانيين الذين دافعوا عن بلدهم، وأقاربهم، وأصدقائهم، لكن في الوقت نفسه، لا يسع المرء إلا أن يفهم أيضًا مشاعر الغضب لدى سكان دونباس، الذين وقفوا لحماية قيمهم، وأقاربهم، وأصدقائهم. إن مشاركة الجيش الروسي النظامي في هذه الحرب تعتمد بدرجة أقل على إحساس مباشر بحماية الوطن، والأقارب، والأصدقاء. في هذه الحالة، تؤدي الأسس الأيديولوجية الأضعف والأكثر تجريدًا دورًا لا يسعه إلا التأثير في معنويات الجيش.
  8. وفقًا لنتائج السنة الأولى، يمكن تسمية الحرب بمشروع مناهض لروسيا؛ بل خيانة لمصالح روسيا. تبين أن الأهداف الثلاثة المعلنة “للعملية الخاصة الروسية” قد فشلت؛ فبدلًا من نزع النازية، حُشِدَ حتى المواطنون البعيدون عن القومية الأوكرانية حول الأيديولوجية القومية وكراهية “الروس”؛ وبدلًا من نزع السلاح، تعزز تسليح أوكرانيا من جانب جميع حلفائها؛ وبدلًا من حماية سكان دونباس، أصبح هناك مزيد من الضحايا والدمار، لكن الأهداف المعلنة نفسها لها منطقها الخاص، ويمكن فهمها من وجهة نظر مصالح روسيا. إن موقف حفظ السلام العقلاني لا يتعارض مع مصالح روسيا في ذاتها؛ بل يتعارض مع الأساليب العسكرية لتحقيق هذه المصالح، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، التي تحدث- مع الأسف- في كل مكان، ومن كلا الطرفين.
  9. النازية الجديدة والنزعة العسكرية في أوكرانيا ليست من اختراع الدعاية الروسية. منذ عام 2014، ظهر نظام جديد موالٍ للغرب في أوكرانيا، استخدم النازية الجديدة (“النشاط” القومي وأيديولوجية الكراهية القومية)، والحرب في دونباس؛ للحفاظ على وجوده وقوته، ولكن نتيجة للعملية الخاصة التي أطلقتها روسيا، فإن المدنيين الذين قتلوا، أو كانوا عرضة لخطر الموت، هم من المناطق الناطقة بالروسية، البعيدة- كل البعد- عن الأيديولوجية القومية، وخاصة في منطقة دونباس. أضرت “العملية العسكرية”، في عامها الأول، بالجماعات غير القومية والمحايدة والموالية لروسيا من المواطنين في أوكرانيا.
  10. هذه الحرب لا يمكن تفسيرها (بشكل استثنائي) على أنها مجرد قرار طوعي من المجموعة الحاكمة في روسيا؛ لقد نوقشت مخاطرها على نطاق عريض حتى قبل عام 2004؛ إنها عبارة عن جزء من الصورة الكبيرة للمواجهة العالمية، وفي هذه الحالة وقعت أوكرانيا “ضحية” لها بين الخصوم الجيوسياسيين، لكن الحتمية والإكراه لا يبرران موقف أولئك الذين اتخذوا قرارًا مباشرًا بشن عملية عسكرية، ولا أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب من كلا الجانبين. السلام بعيد المنال نتيجة عدم وجود إمكانية لـ”عكس القرار” بشأن الحرب. يجب الأخذ في الحسبان الأسباب “الطبيعية” للحرب، والدوافع العقلانية، وإمكانات القوة لدى الأطراف.
  11. من الناحية النظرية، كان لروسيا أدوات تأثير غير عسكرية في أوكرانيا: دعم جمهوريات دونباس لتنافس المناطق الأخرى الخاضعة للسلطة الأوكرانية؛ وإنشاء وضع اجتماعي واقتصادي مزدهر في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين؛ وببساطة النجاحات الاجتماعية والاقتصادية لروسيا نفسها؛ وتقديم برامج إنسانية مغرية لمواطني أوكرانيا، بما في ذلك إتاحة المجال بشكل كبير للحصول على الجنسية الروسية، والتمتع بمزاياها؛ واستخدام الأساليب القسرية المحلية، بما في ذلك الضغط الاقتصادي الحقيقي على النظام في كييف، والضغط العسكري المحلي من أجل إجبار كييف على هدنة حقيقية في دونباس. لكن تبين أن الإمكانات الإدارية والسياسية والاقتصادية لروسيا غير كافية، أو لم تُستخدَم. شن الحرب بمنزلة إعلان فشل لكل السياسات الروسية الأخرى، التي مهما بلغت في سخائها ستكون أقل تكلفة بكثير من العمل العسكري. تحول شعار مساعدة سكان دونباس نتيجة للعملية العسكرية إلى عملية للتضحية بهم.
  12. من الناحية النظرية، كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأدوات اللازمة لتجنب الحرب في أوكرانيا، وتقديم دعم حقيقي لهذا البلد، بعيدًا عن النفاق الذي تميزت به سياساتهم، مثل: المساعدة الاقتصادية الحقيقية، ورفض الفوائد اللحظية، وتحفيز السلام العام بدلًا من دعم الانقسامات القومية والدينية، وحث سلطات كييف على فرض سلطة القانون، والتدخل لخلق سلام حقيقي في دونباس، ثم في النهاية، قبول هذا البلد في الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، لكن الغرب لم تكن لديه الموارد، ولا الأهداف لجعل أوكرانيا نموذجًا للديمقراطية والازدهار. المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا ليست مساعدة لأوكرانيا؛ لكنها أداة حرب مع روسيا من خلال التضحية بالمواطنين الأوكرانيين.
  13. الدول الغربية تدعم- بشكل منهجي- الأيديولوجيات القومية (أو الإسلاموية) المعادية لروسيا، ليس فقط في أوكرانيا، ولكن أيضًا في البلدان الأخرى المتاخمة لروسيا، وهو ما لا يمكن أن يُفهم إلا على أنه عدوان، لكن الرد العسكري الروسي لم يكن ردًا فعالًا، أو مبررًا أخلاقيًّا على العدوان الأيديولوجي، والاستعدادات العسكرية للغرب. أعطت “العملية العسكرية الروسية”، ومعاناة المدنيين التي كانت سببًا لها، سردًا أيديولوجيًّا مقنعًا لمعاداة روسيا في محيطها.
  14. بفضل الحرب في أوكرانيا، نجحت الولايات المتحدة في توحيد العالم الغربي، ورسمت الحدود بين منطقة الحضارة ومنطقة الفوضى (حيث تحتدم الحروب الدائمة، ويحكم الطغاة)، لكن الضخ الأيديولوجي يهدد أيضًا الدول الغربية نفسها، المعرضة لخطر الإصابة بالكراهية القومية والدينية. إن منطق تأكيد حدود العالم المتحضر (“بين البشر والزومبي”) يضيق أفق تفكير الدول الغربية إلى الخطابات العنصرية لنضال الأمم (على سبيل المثال، النضال ضد روسيا أو الصين، وليس ضد أنظمة أو أيديولوجيات محددة)؛ ومن ثم يجعلها أضعف وأكثر عرضة للخطر.
  15. لا يزال “حزب السلام” في روسيا صغيرًا من حيث العدد، ومن غير المرجح أن يؤدي النصر الساحق لـ”حزب الحرب” إلى مستقبل مشرق لروسيا وشعبها. وقد ظهرت نتيجة هذا الوضع بشكل مقنع من خلال الوضع العسكري في أوكرانيا. ولكن إذا كان هناك بديل، من أجل حل وسط، لا يدعو إلى استسلام روسيا، فإن كتلة كبيرة من الناس ستختار السلام. مؤيدو الحرب إلى أقصى درجات التصعيد هم أقلية حتى الآن، والحرب مبررة اجتماعيًّا على أنها قسرية دفاعية، لا هجومية. في أغلب الأحيان، أولئك الذين لديهم أقصى قدر من الأيديولوجية- الاتفاق مع الأطروحة القائلة إننا إذا استسلمنا ولو قليلًا، فسوف يتم سحقنا – يؤيدون الحرب حتى التدمير الكامل للعدو، بأقل قدر من التعاطف والرحمة.
  16. قاومت روسيا حرب العقوبات الاقتصادية في العام الأول، وعملت الأعمال التجارية على تطوير الأسواق التي أصبحت فارغة نتيجة لهذا الحظر، لكن الفكرة المتفائلة بأن الحرب ستؤدي إلى التجدد هي فكرة خاطئة، وعواقب العنف العسكري حتمية في شكل زيادة العنف داخل البلاد (في شكل الجريمة المنظمة، ومحاربة المعارضة، وازدياد مشاعر الاستياء، والانحطاط المجتمعي، وتسطيح الحياة الاجتماعية، التي لا تتوافق مع التقدم الاجتماعي، والعلمي، والتكنولوجي). إن الرفض المنهجي للاعتراف بالأخطاء العسكرية، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، سيؤدي حتمًا إلى أن تنتهي القوة في روسيا في أيدي أصحاب المبادئ من الأخلاقيين وأبطال الحرب، وليس أولئك الذين خططوا لمستقبل حياتهم المهنية بالإدانات والمكايد في الخلف من خلال الكذب والاحتيال.
  17. هناك عواقب “إيجابية” (بخلاف البقاء فيها) للحروب بشكل عام؛ فالحروب عبر التاريخ أجبرت البلدان التي نجت منها على الابتكارات الاجتماعية والتقنية، لكن هذا لم يتزامن قط مع خطط المتحاربين، فعادة ما كانت “المكاسب” نتيجة ثانوية للمشكلات، والهزائم، والإخفاقات، والقدرة على التعرف والرد عليها (على سبيل المثال، الهزيمة في حرب فيتنام والاحتجاجات المناهضة للحرب في الولايات المتحدة أدت إلى تحديث الجيش الأمريكي والمجتمع الأمريكي، وهو ما لم يكن لدى الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الأفغانية لاستخلاص نتائجها)، ولكن من أجل الحصول على فرصة، يجب- على الأقل- الاعتراف بالمشكلات والهزائم والفشل لإعادة التقويم؛ لذلك فإن “أحزاب السلام” في المجتمعات المعقدة لا تعوق النصر فحسب؛ بل تساعد أيضًا على التعلم من الهزائم.
  18. لقد خسرت روسيا بالفعل في هذه الحرب، والحرب نفسها هي خسارة، بالإضافة إلى أن كراهية الحرب ستتحول حتمًا إلى الداخل (وتتحول بالفعل)، إلى حرب مع نفسها، ومع مجتمعها، لكن أوكرانيا خسرت أيضًا، حتى إذا حققت النصر، فسيكون مستوى الضخ القومي والكراهية الداخلية هو عدوها الرهيب التالي. لا يوجد منتصر في الحروب الحديثة؛ فقط ناجون ومتفرجون، لكنهم قد لا يكونون موجودون إذا حان وقت التصعيد من خلال استخدام الأسلحة النووية.
  19. في الوضع الحالي، يبدو السلام بعيد المنال، والحرب طويلة لا محالة. حتى إذا طلبت روسيا السلام الآن، فلن تتمكن من الحصول عليه- تريد أوكرانيا الانتقام، ويحصد داعموها فوائدهم (المواطنون في المناطق التي مزقتها الحرب يريدون السلام أكثر من أي شيء، لكنّ أحدًا لن يسألهم). لكن من المهم أن يكون هناك استعداد للسلام، حتى لا يقع الجميع في فخ المبالغة، والمطالبة باستمرار الحرب وصولًا إلى انتصار نهائي وكامل. في مرحلة ما، يجب إجراء مفاوضات، ويجب أن يكون قادة الدول المعنية قادرين على التحدث عن السلام دون المخاطرة بمواجهة طلب جماعي لشن حرب على أهداف غير واقعية.
  20. أما أولئك الناس في أوكرانيا ودونباس وروسيا، الذين مات أقاربهم ورفاقهم هناك، فإن أي دعوة إلى السلام هي عار وخيانة، لكن أولئك الذين لديهم فرصة ألا يقعوا ضحية لمشاعر الغضب والكراهية السوداء، من المهم أن يحاولوا تحرير أنفسهم من الضخ الأيديولوجي، وأن يفهموا أن الحرب من أجل النصر هي دعوة إلى حرب ستؤدي إلى انهيار العالم، وأن كل يوم من أيام الحرب يجلب مزيدًا من الألم والمعاناة.

لا مكان للعدالة في هذا العالم، قد يبدو هذا صحيحًا، لكن هذا لا يعني الاستسلام[1].

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع