مختارات أوراسية

قيادة روسيا أم الخلاص منها؟

مستقبل مسلمي روسيا بعد الحرب في أوكرانيا


  • 21 ديسمبر 2022

شارك الموضوع

فتح سيناريو سقوط روسيا بوتين المجال لمزيد من المناقشات بين مسلمي روسيا بشأن ما يجب أن تكون عليه الأهداف الجيوسياسية للمسلمين في هذه المنطقة حال حدوث انهيار في النظام. بشكل عام، من الواضح أنه من بين جميع البدائل الراديكالية والواقعية التي تُناقَش في الوقت نفسه، يتقدم دعاة نيل الاستقلال للشعوب التي “استعبدتها” الإمبراطورية الروسية على مر العصور، ولا سيما الشعوب الإسلامية. وهناك عدة أسباب لحدوث ذلك:

أولًا: المعارضة الروسية ككل يبدو مستقبلها مبهمًا من حيث فرص الانتصار على النظام الحالي والاستيلاء على السلطة، كما أن خطابها لا يوحي بالثقة بين الشعوب المستعبدة، بما في ذلك المسلمون، التي لم تفعل شيئًا من أجلها، لكن هذا لا يعني عدم الانفتاح عليها، وعقد نقاشات وحوارات معها ما أمكن ذلك.

ثانيًا: في التاريخ الروسي، حدث أكثر من مرة عدة ثورات دعت إلى الديمقراطية، لكنها كانت قصيرة الأمد، وسرعان ما تبددت الآمال في خلق دولة مواطنة حقيقية، واستُبدلَت بها فترات طويلة من الرجعية والانتقام، بدأت بأعمال انتقامية ضد الشعوب المستعبدة، توصل معها عدد متزايد من الناس إلى استنتاج مفاده أنه في ظل أي حكومة ونظام، ستكون روسيا داخل حدودها الحالية وبقدراتها العسكرية، بما في ذلك حيازتها للأسلحة النووية، تهديدًا للعالم الخارجي، وسجنًا للشعوب بداخلها.

ثالثًا: إذا كان لا يزال هناك في الغرب من هم على استعداد لمنح روسيا و”الروس الطيبين” فرصة “لإعادة البناء” مرة أخرى، فإن الجيران المباشرين مثل أوكرانيا وأقرب حلفائها هدفهم تصفية ما يسمونها “إمبراطورية الشر”، وهو ما يمنع من التفاعل مع حركات التحرر الوطني للشعوب المستعبدة.

نتيجة لذلك، إذا كنا نتحدث عن الجناح الإسلامي، فإن المعارضين المسلمين- مؤيدي إصلاح روسيا، اليوم لا يحظون بدعم المعارضة الروسية التائهة، ولا دعم الدول الإسلامية المهتمة في الغالب بالتعاون مع الكرملين، ولا دعم خصوم الكرملين في العالم، لكن هؤلاء الممثلين عن الشعوب الإسلامية الذين يتجهون نحو الاستقلال بدؤوا بامتلاك مراكز قوة ومنصات اعلامية، بل إن بعضهم أصبحت لديه جيوشه الخاصة كوحدات داخل الجيش الروسي أو الأوكراني.

على أساس هذه الخلفية، نشط الحديث مرة أخرى بين المسلمين عن ضرورة أن يجتهدوا ليس من أجل انهيار روسيا والانفصال عنها؛ بل لقيادتها وتصحيح مسارها، لكن كيف يمكن القيام بذلك بالضبط، حتى من الناحية النظرية؟ هناك خياران على الطاولة، لذلك دعونا نلقِ نظرة عليهما:

الخيار الأول: أن ينشط المسلمين بشكل أكبر في الحرب إلى جانب روسيا، وإظهار أنفسهم كقوة مؤثرة؛ ومن ثم سيؤدي ذلك إلى حقيقة أن القادة العسكريين المسلمين سيكونون قادرين على قيادة روسيا “الجهادية”، لكن هذه الفكرة تبدو مجرد وهم ورهان خاسر لا يمكن تحقيقه. حتى المتحمسون لهذا الخيار تراجعوا عنه بعدما ظهر لهم بوضوح أن السلطة الروسية لن تسمح بذلك. كما بات من الواضح لأصحاب هذا الخيار أن مشاركتهم النشطة في الحرب لن تؤدي إلى وصول المسلمين إلى السلطة في روسيا. كذلك وضح للمسلمين أنهم مجرد أدوات سيتم استخدامها في هذه الحرب ليدخلوا مفرمة اللحم هذه لأجل ما يسمى “العالم الروسي”، ولا شيء أكثر من ذلك ينتظرهم.

الخيار الثاني: لدى بعض المفكرين والمسؤولين الرفيعي المستوى، الذين يدعون أن مشاركة المسلمين الروس في الحرب مهمة؛ لأنهم سيستفيدون من سقوط النظام العالمي إذا انتصرت روسيا، لكن عند مناقشة هذا الخيار، يتضح أن هذه المشاركة لن تؤدي إلى اندماجهم في النظام العالمي، بل استخدامهم وتوجيههم للعمل لصالح الفوضى الروسية ضد النظام العالمي. كما يغيب عن أصحاب هذا المقترح “العظيم”، أن طالبان، التي لديها قدرات وموارد حقيقية، لم تحاول القيام بذلك، ربما ليس لأنهم لا يريدون، ولكن لأنهم يتذكرون كيف انتهت بهم الأوضاع آخر مرة خرجوا فيها بمفردهم ضد النظام العالمي.

هنا يجب أن نفهم أنه إذا بدأ صراع على السلطة غدًا على أراضي روسيا، فإن هناك عاملين، وعلاقة أحدهما بالآخر، سيكونان حاسمين: “الكمية والنوعية”. إذا كنا نتحدث عن المسلمين، فإن آفاقهم ستعتمد أيضًا على هذه العوامل، حيث يوجد كثير منها من الناحية العددية، وهو ما يمكن أن يوفر لهم مستوى من القدرة على قيادة حركة جماهيرية تسيطر على السلطة، ولكن أقصى قدراتهم هي السيطرة على مناطقهم الإقليمية، وإداراتها بنجاح، ولا شيء آخر أكثر من ذلك.

لذا، إذا نزلنا من غيوم الأحلام إلى أرض الواقع، هناك آفاق سياسية حقيقية للقوى الإسلامية، حيث يتمتع المسلمون بأغلبية ديموغرافية مطلقة، أو (على الأقل بأغلبية نسبية) على مستوى بعض الكيانات الفيدرالية، تسمح لهم بالسعي إلى تقرير المصير. في الوقت نفسه، حتى في هذه المناطق، فإن الاستيلاء على السلطة لا يعني بالضرورة القدرة على الاحتفاظ بها بشكل مستقر، التي بدونها يمكن لموجة من الفوضى أن تطغى على ثوار الأمس وتلك الشعوب التي يقودونها؛ وهنا سيتطلب الأمر بناء علاقات جادة مع ما يسمى بالنظام العالمي عبر نهج مسؤول، وهو ما سيعتمد عليه نجاح المشروع السياسي لمسلمي روسيا أو فشله؛ لأنه لكي يكون لك ثقل ما على المسرح العالمي، فأنت بحاجة إلى نوع من القدرات، وكذلك السيطرة على الأرض بشكل يقنع الحلفاء المفترضين، وإلا سيأتي التهديد من الداخل، وليس من النظام العالمي، ومن المسلمين المحيطين بك، ومن يتبعونك.

من المفيد أيضًا ذكر الأصوات التي تقول إن على المسلمين ألا يُنشئوا دولهم الخاصة على أساس وطني ضيق، بل عبر مشاريع دولة كبرى، مثل “دولة القوقاز الموحدة” التي تضم تحت مظلتها جميع مسلمي شمال القوقاز من الشركس، وكذلك “دولة شعوب أيدل أورال”، التي تضم جميع الأعراق التركية لمسلمي الفولغا والأورال. لكن من الناحية العملية، يبدو هذا السيناريو طموحًا جدًّا، لكن إذا أتيحت الفرصة للقيام بذلك، وتأسيس دولة للمسلمين “من البحر إلى البحر”، أي من بحر قزوين إلى البحر الأسود، فلن يعارضها أحد.

أخيرًا، الشتات، أي المناطق الروسية التي سيكون فيها المسلمون أقلية: هل يعني ذلك أنه يجب عليهم الامتناع عن أي نشاط سياسي هناك؟ طبعا لا؛ على الأرجح سيكون وضعهم شبيهًا بالصيغة التي يتفاعل بها المسلمون في الدول الغربية– أي كسياسيين محليين، ولكن في الوقت نفسه، عليهم أن يحشدوا دعم مجتمعاتهم، ويحاولوا حماية مصالحهم. وهنا مثال جيد في هذا المجال، وهو مسلمو أوكرانيا، الذين على الرغم من كونهم أقلية في دولة غير مسلمة، فإنهم يظهرون أنفسهم كمواطنين، ونالوا ثقة المجتمع، ويوسعون فضاء فرصهم للمشاركة كمسلمين.

لذلك، ومن حيث المبدأ، يمكن للمسلمين، وينبغي لهم السعي إلى التفاعل عبر حدود كياناتهم الوطنية، ولكن لا ينبغي بالضرورة أن تكون المجالات ذات الأولوية لهذا التفاعل فقط داخل الحدود الحالية للاتحاد الروسي[1].

الكاتب: إكراموت الدين خان

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الباحث ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع