مقالات المركز

مستقبل العلاقات الروسية-الإسرائيلية


  • 11 مايو 2021

شارك الموضوع

في الشهرين الأولين من عام 2020، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرتين بالفعل، حيث عُقدت الاجتماعات في غضون أسبوع مع بعضهما البعض، بينما كان الزعيم الروسي في إسرائيل لحضور الأحداث المتعلقة بإحياء الذكرى الـ 75 لتحرير معسكر اعتقال أوشفيتز، وزار نتنياهو موسكو في طريقه من واشنطن؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطته لاتفاق سلام شامل (عُرفت إعلاميًّا بصفقة القرن) بين إسرائيل وفلسطين. وأشار رئيس الوزراء إلى أن زيارته آنذاك كانت علامة على الثقة المتبادلة بين الجانبين، حيث كانت روسيا محطته الأولى بعد يوم من الكشف عن الخطة الأمريكية، قبيل عودته إلى إسرائيل.[1]

في السنوات الأخيرة، كان هناك ارتفاع ملحوظ في الزيارات الثنائية على أعلى مستوى بين البلدين. في الواقع، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي موسكو 11 مرة في فترة ولايته الرابعة، بما في ذلك اجتماع يناير (كانون الثاني) 2020، بينما زار بوتين تل أبيب مرتين بين عامي 2012 و 2020.[2]

تاريخ العلاقات الروسية الاسرائيلية

كان الاتحاد السوفيتي أول من اعترف قانونًا بدولة إسرائيل في 18 مايو (أيار) 1948، وأقام علاقات دبلوماسية معها بعد حوالي أسبوع. وساعد الدعم العسكري للاتحاد السوفيتي (تسليم المعدات العسكرية والذخيرة عبر تشيكوسلوفاكيا ، بما في ذلك الطائرات المقاتلة) إسرائيل على الانتصار في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى 1948-1949. وبدأت العلاقات تتدهور مع تولي القيادة السياسية للبلاد المسار الموالي لأمريكا بعد الحرب. في فبراير (شباط) 1953، قطعت العلاقات الدبلوماسية بمبادرة من الاتحاد السوفيتي. وكانت الذريعة الرسمية لهذه الخطوة هي التفجير الذي استهدف البعثة الدبلوماسية الروسية في إسرائيل، مما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص. ألقى الاتحاد السوفيتي باللوم على الحكومة الإسرائيلية في الحادث. وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بعد عدة أشهر، في يوليو (تموز) 1953.[3]

في يونيو (حزيران) 1967، بعد اندلاع حرب الأيام الستة، قطع الاتحاد السوفيتي مرة أخرى العلاقات مع إسرائيل كعلامة على التضامن مع الدول العربية ظلت العلاقات الدبلوماسية معلقة لمدة 24 عامًا، حيث اختلفت القيادة السوفيتية مع سياسات إسرائيل الإقليمية (بما في ذلك الحروب العربية الإسرائيلية في عامي 1973 و 1982). تمت استعادة العلاقات القنصلية في عام 1987، بينما استؤنفت العلاقات الدبلوماسية الكاملة في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1991. في ديسمبر (كانون الأول) 1991، اعترفت إسرائيل بروسيا كدولة وريثة للاتحاد السوفيتي. [4]

أهمية العلاقات الروسية الاسرائيلية

في هذه اللحظة، تعتبر العلاقات مع إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مهمة لموسكو لعدة أسباب:

أولًا، تقويض الجهود الغربية لوضع روسيا تحت عزلة دولية بعد ضم/عودة شبه جزيرة القرم. تلعب إسرائيل أيضًا دورًا معينًا في مساعدة موسكو على الاستفادة من مكاسبها في الشرق الأوسط في حوارها مع الغرب من أجل التطبيع. [5]

ثانيًا، تحتاج روسيا إلى تنسيق وثيق مع إسرائيل، التي تلعب دورًا مهمًّا في تحديد الترتيبات الأمنية والسياسية في بلاد الشام (خاصة من خلال تحالفها مع الولايات المتحدة)، لتأمين مواقعها في سوريا. ويتوقف استقرار النظام المدعوم من روسيا في دمشق على تعاون إسرائيل. [6]

ثالثًا، تتمتع روسيا وإسرائيل أيضًا بعلاقات اقتصادية وثقافية قوية، نظرًا للعدد الكبير من المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي السابق.[7]

المعاهدات والاتفاقيات الروسية-الإسرائيلية

تم توطيد التعاون الثنائي بين روسيا وإسرائيل من خلال عدد كبير من المعاهدات والاتفاقيات. وقد وقَّع البلدان اتفاقيات بشأن الحركة الجوية (1993) والتعاون التجاري والاقتصادي (1994)، والتعاون في العلوم والتكنولوجيا (1994)، وتجنب الازدواج الضريبي (1994)، ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي (1997)، التعاون والمساعدة المتبادلة في الشؤون الجمركية (1997)، والنقل البحري (2003)، والتبادلات بدون تأشيرة (2008) والتعاون في الفضاء (2011)، والتعاون في الضمان الاجتماعي (2016)[8]. ومن أجل توسيع العلاقات الاقتصادية الروسية الإسرائيلية، أنشأت الدولتان اللجنة الروسية-الإسرائيلية المختلطة للتجارة والتعاون الاقتصادي (اُنشئت عام 1994) ومجلس الأعمال الروسي الإسرائيلي (الذي تأسس عام 2010) ووفقًا لدائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، بلغت التجارة الروسية الإسرائيلية 1.73 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2019 بانخفاض 17.63% على أساس سنوي.[9] وبلغت الصادرات الروسية 1.17 مليار دولار والواردات الإسرائيلية 558 مليون دولار. وحتى الآن، لا يزال حجم التجارة متواضعًا ومحصورًا في الصادرات الروسية إلى إسرائيل بما في ذلك النفط الخام والمعادن الثمينة والأحجار والمنتجات الغذائية والمنتجات الكيماوية وما إلى ذلك، بينما تستورد روسيا الآلات والمعدات الكهربائية والخضراوات ومبيدات الآفات والبلاستيك وما إلى ذلك.[10]

على الصعيد الإقليمي، باستثناء تركيا، التي يبلغ حجم تجارتها مع روسيا 16.5 مليار دولار،[11] لدى موسكو مستوى منخفض نسبيًّا من الشراكة التجارية مع الشرق الأوسط. لذا يواصل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) التفاوض على منطقة تجارة حرة مع إسرائيل وقد توقع إسرائيل والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) اتفاقية التجارة الحرة في عام 2021، والتي من المتوقع أن تعزز حجم التجارة بين البلدين.[12]

العلاقات العسكرية بين روسيا وإسرائيل

في عام 2015، وقعت روسيا وإسرائيل اتفاقية تعاون عسكري لتعزيز التعاون العسكري والتكنولوجي. كما اشترت موسكو حزمة من الطائرات بدون طيار من إسرائيل مقابل 300 مليون دولار.[13] ساعد وجود جالية روسية كبيرة في إسرائيل على تكوين رابطة خاصة، حيث إن أكثر من 17% من سكان إسرائيل يتحدثون الروسية. وأدلى الرئيس بوتين ببيان: «أن روسيا تعتقد أن إسرائيل هي دولة ناطقة بالروسية»[14]. وفي إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية أعلنت موسكو أيضًا عن معاشات تقاعدية لـ 4500 من قدامى المحاربين في الجيش الأحمر الذين يعيشون في إسرائيل بسبب خدمتهم العسكرية. كما يعتبر للشتات الروسي تأثير سياسي كبير في السياسة الإسرائيلية مع إمكانية أن يكون للروس تأثير على 15 إلى 17 مقعدًا في الكنيست ما يجعل الإسرائيليين من أصول سوفيتية/روسية كتلة انتخابية مهمة لجميع الأحزاب. [15]

تظل علاقة روسيا المثمرة مع إسرائيل إحدى ركائز البنية الأمنية في الشرق الأوسط. وقد تمكن البلدان من تجزئة خلافاتهما والتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك. لكن هذا التوازن الدقيق يواجه الآن تحديات من خطوط السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة والتقلبات السياسية الداخلية في إسرائيل.

خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حافظت روسيا وإسرائيل على علاقة تعاونية وودية حتى تجزئ نقاط الاحتكاك وتتجنب تجاوز الخطوط الحمراء وطور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقة شخصية وتفاهمًا. ونجح البلدان في تجنب لعبة «المحصل الصفري»، على الرغم من العداء المتزايد لروسيا مع الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الإستراتيجي، وعلاقة روسيا الوثيقة مع خصم إسرائيل الرئيسي إيران، حتى مع دخول موسكو في تحالف مع طهران في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 للقتال في سوريا إلى جانب الرئيس بشار الأسد وحزب الله. ومع ذلك، فإن الخلافات العميقة بين إدارة بايدن والكرملين، والتوترات المستمرة في الشرق الأوسط، وكذلك التقلبات السياسية الداخلية في إسرائيل، قد تزيد توازن المصالح تعقيدًا بسبب نهج إدارة بايدن الجديد الأكثر صرامة تجاه روسيا [16] كما أن قدرة إسرائيل على استيعاب العلاقات مع روسيا، على الرغم من خلافاتهما، تتوقف على عدم التعدي على تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، الذي يحتل مكانة بارزة في علاقات تل أبيب الخارجية وأمنها القومي. وكان تحقيق هذا الهدف مهمة أسهل في ظل إدارة ترامب، التي كانت متعاطفة مع قضايا حكومة نتنياهو وأقل انتقادًا للكرملين. أشار دونالد ترامب نفسه، في عدة مناسبات، إلى أنه يود أن تكون له علاقة عمل مع بوتين. تصبح هذه المهمة أكثر تعقيدًا في ظل إدارة جو بايدن، التي تدعي أن معالجة الاستبداد الروسي والأنشطة الخبيثة تتصدر جدول أعمالها.

لروسيا وإسرائيل مصالح متداخلة قربت بين البلدين. من الجانب الروسي، ترسخت العلاقة على أساس الولاء الشخصي للرئيس بوتين لإسرائيل والشعب اليهودي، وعلى قدرة روسيا على تجزئة علاقاتها الخارجية بطرق سمحت لها بمواصلة الحوارات مع الدول على الرغم من التناقضات في بعض النقاط السياسية. من جانب إسرائيل، على مدى العقد الماضي، استندت العلاقات مع روسيا إلى اعتراف المجتمع الإستراتيجي الإسرائيلي بأنه في النزاعات مع حماس وحزب الله وإيران وسوريا، برزت روسيا كوسيط قوة محوري يتمتع بقدرة فريدة على التصعيد أو إلغاء تصعيد المواجهات.

يعتبر رد إسرائيل على ضم/عودة شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) 2014 أحد أوضح الأمثلة على نهج إسرائيل المتباين، الذي يسعى بشكل أساسي إلى تجنب الصراع مع موسكو دون تعريض تحالف تل أبيب الحيوي مع واشنطن للخطر. ومن هنا، على سبيل المثال، حاولت إسرائيل تجنب التطرق إلى مسألة نقد الديمقراطية الروسية وسياساتها الدولية المشكوك فيها. ومع ذلك، كما ورد في تقرير عام 2019 الذي نشره معهد كينان، فإن تل أبيب: «تتعاطف مع مخاوف واشنطن بشأن النشاط الخبيث العالمي لروسيا وتقيد نطاق اتصالاتها الأمنية مع روسيا وفقًا لذلك».

ومع ذلك، فإن قدرة إسرائيل على الحفاظ على العلاقات الودية لم تلغِ التوترات والتناقضات في العلاقة الثنائية مع روسيا، مما يجعلها عرضة للعوامل الخارجية نسبيًّا.

أولاً: تصادف أن حلفاء روسيا الرئيسيين في الشرق الأوسط هم أسوأ أعداء إسرائيل – إيران وحزب الله والأسد – مما يخلق خلفية متوترة للعلاقات الروسية الإسرائيلية.

ثانيًا: على الرغم من التوصل إلى تفاهم حول عدم الخلاف بين القوات العسكرية للبلدين بعد وقت قصير من دخول روسيا الحرب في سوريا، ظلت الاحتكاكات والتوترات أمرًا لا مفر منه. في سبتمبر (أيلول) 2018، ظهر هذا عندما تم إسقاط طائرة استطلاع روسية عن طريق الخطأ من قبل الدفاع الجوي السوري بينما كانت طائرات مقاتلة إسرائيلية تعمل في سوريا. واتهمت روسيا إسرائيل بـ«خلق وضع خطير»، وألقت باللوم عليها في الحادث اعتذرت إسرائيل[17] وقررت الحكومة الروسية تسليم أنظمة الدفاع الجوي (أس-300) إلى سوريا (تم تسليمها في أكتوبر/تشرين الأول 2018). وألغيت محادثات كانت مقررة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي فبراير (شباط) 2019، قام نتنياهو بأول زيارة له لموسكو بعد حادثة الطائرة Il-20. [18] واتفق الطرفان خلال المفاوضات على مواصلة تنسيق الأعمال بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا  واستمرار العمل من أجل حماية جيش البلدين من الاشتباكات العرضية في سوريا، وقد قامت إسرائيل وروسيا بإنشاء آلية لفض الاشتباكات، وأنشأت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية مركز تنسيق خاصًّا لهذا الهدف. [19]

منذ سنوات، تعمل روسيا على تحقيق التوازن بين إسرائيل وإيران في المنطقة. بحلول عام 2015، نجح الكرملين في إقناع إيران وإسرائيل بحقيقة أن موسكو لن تختار بينهما مع الاستعداد بنفس القدر لتطوير التعاون مع كليهما.

تعرضت هذه السياسة بشكل متكرر لتحديات الأحداث المحيطة بالحرب الأهلية السورية، حيث دخلت إسرائيل وإيران في مواجهة مباشرة. في ربيع 2018، تمكنت موسكو من التفاوض على اتفاق غير رسمي بين البلدين أبقى الإيرانيين ووكلاءهم بعيدًا عن الحدود السورية الإسرائيلية مقابل وقف الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية التي لم تهدد الأمن الإسرائيلي مباشرة.

منذ ذلك الحين، انتهك الجانبان الاتفاق مرارًا وتكرارًا، لكن روسيا واصلت الضغط على إيران وإسرائيل لوقف التصعيد. هدد الكرملين بترك القوات الإيرانية ووكلائها بدون دعم جوي روسي وحذر إسرائيل من أنها إذا واصلت “غاراتها الجوية العدوانية” ضد الإيرانيين خارج جنوب سوريا، فإنها ستزود دمشق بأنظمة دفاع جوي إضافية. [20]

يمنح موقف الحكم هذا لروسيا نفوذًا سياسيًّا في المنطقة ومكانة دولية، ولهذا السبب، فإنها ترغب بشدة في الحفاظ على الوضع الراهن للتوترات الإسرائيلية الإيرانية دون صراع مفتوح[21]. ومع ذلك، فإن توجيه ضربة إيرانية لإسرائيل من شأنه أن يعطل هذا الوضع الراهن. لطالما أوضحت إيران بوضوح أنه في حالة الإجراءات الأمريكية ضد إيران، فإن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة سيكونون الأهداف الرئيسية للرد الإيراني. بينما أظهرت الولايات المتحدة القليل من الاهتمام بحماية دول الخليج من العدوان الإيراني، يمكن أن تكون إسرائيل مختلفة. من المرجح أن يؤدي هجوم على أقرب حليف لها إلى رد فعل من واشنطن، مما يغرق المنطقة في صراع كبير. وهذا ما تريد روسيا تجنبه بأي ثمن لأنه سيجبرها على الانحياز والتدخل، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى خسائر دبلوماسية. فصراع آخر بالقرب من حدود مجال النفوذ الروسي في آسيا الوسطى من شأنه أيضًا أن يؤثر سلبًا على استقرار الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي ويحول انتباهه عن الحروب في سوريا وليبيا، حيث تلعب دورًا محوريًّا.[22]

كما أن سقوط النظام الحالي في طهران نتيجة العمل العسكري الأمريكي ليس في مصلحة روسيا. فهي تعتبر إيران لاعبًا مهمًّا في الشرق الأوسط ودرعًا ضد الهيمنة الأمريكية وشريكًا مناسبًا في بعض الأحيان يمكن أن يمنح المبادرات الدبلوماسية الروسية في المنطقة دعمًا مهمًّا. قد لا يكون لدى طهران بالضرورة مشاعر مؤيدة لروسيا أو مهتمة بالعمل مع موسكو في مجموعة واسعة من القضايا. لهذا السبب، في حين أن القيادة الروسية قد تتمتع بتقاربها مع إسرائيل والمكاسب الدبلوماسية الدولية التي تأتي معها، فإنها ستعارض دائمًا بشدة أي عمل يهدد النظام في طهران.

في هذا السياق، تظل إسرائيل لاعبًا إقليميًّا مهمًّا لروسيا. للدولتين مصالح إستراتيجية تربطهما ببعضهما البعض، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، على الرغم من خلافاتهما بشأن إيران وحماس وحزب الله من بين آخرين، فقد سعتا إلى توثيق العلاقات. حتى في سوريا، يحاول الطرفان ألا يتجاوز أحدهما الآخر. [23]

اليوم، قد تخلق الساحة الداخلية الإسرائيلية المتقلبة عقبة أخرى للعلاقات الروسية الإسرائيلية. في الجولة الأخيرة من الانتخابات (الرابعة خلال عامين) لم يتمكن نتنياهو من الحصول على أصوات كافية لتأمين ائتلاف مستقر، مما يعني إما أنه سيُطرد من منصبه أو إذا بقي، فإن حكمه سوف يكون فوضويًّا. على أي حال، من المتوقع إجراء المزيد من الانتخابات قريبًا. في السيناريو الأول، إذا تمكن تحالف من القوى المناهضة لنتنياهو من تشكيل حكومة، فسيتعين عليهم إقامة علاقة جديدة مع بوتين- وهي ليست مهمة سهلة بالنظر إلى الموقف المتشدد لإدارة بايدن، وسط مخاوف من روسيا ومواجهة مع الغرب. وفي ظل السياسات الخارجية الأكثر حزمًا لإدارة بايدن وعدم اليقين السياسي الداخلي لإسرائيل، لا يزال التوازن الدقيق للعلاقات الروسية الإسرائيلية متوترًا. يمكن أن تمتد هذه التوترات أكثر في حالة اندلاع الأعمال العدائية المفتوحة في الشرق الأوسط قد تجد إسرائيل وروسيا نفسيهما أكثر حزمًا في جوانب مختلفة من مثل هذه الصراعات، مما قد يكشف عن حدود العلاقة. [24]

بعد أن قدمت نفسها كلاعب موثوق به في المنطقة، انخرطت روسيا مع كل من إسرائيل وإيران، مما يمثل أحد أبرز معالم مناورات السياسة الخارجية لبوتين. تمكنت روسيا من تحقيق ذلك من خلال اتباع سياسة براغماتية لا تنخرط في علاقات تحالف. أرادت إسرائيل أيضًا تنويع شراكاتها الخارجية ووسعت نطاقها مع استمرار التزامها بتحالفها مع الولايات المتحدة.

لا تزال إسرائيل تنظر إلى روسيا كلاعب مهم في الشرق الأوسط، وفي النهاية لن يرغب أي من الطرفين في خلق أزمة ثنائية خطيرة. ويمثل الانسحاب الغربي من الشرق الأوسط مشكلة خاصة لإسرائيل في هذا السياق، لأنه يقلل من خيارات إسرائيل. في الواقع، بالنسبة لنتنياهو، في سياق العلاقات غير الواضحة مع الرئيس بايدن، من المهم بشكل خاص خلق تفاهم أفضل مع بوتين، لتقليل احتمالية وقوع اشتباكات عسكرية عرضية في سوريا وتحسين التفاهم المتبادل على نطاق أوسع من أجل الحفاظ على علاقات متوازنة.[25]

بالنظر إلى الاتجاه السائد في السنوات القليلة الماضية، لا تبدو العلاقة بين إسرائيل وروسيا هشة. شهدت فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي تطورًا ثابتًا في العلاقات واجتازت اختبار الزمن على الرغم من التعقيدات التي تنطوي عليها. من المرجح أن تواصل روسيا وإسرائيل التوافق بينهما على أساس سياساتهما البراغماتية. إن النزعة التدريجية التي تتبناها كل من روسيا وإسرائيل في نهج سياستهما الخارجية تؤدي إلى النتائج المرجوة، مما يجعل العلاقة بين روسيا وإسرائيل مثالًا كلاسيكيًّا على «السياسة الواقعية».[26]

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع