مختارات أوراسية

هل أمريكا مستعدة لأن تصبح رائدة العالم مرة أخرى؟

إدارة بايدن وإيران – «رؤية روسية»


  • 15 مايو 2021

شارك الموضوع

في 4 فبراير (شباط) خاطب بايدن العالم بخطاب السياسة الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية. كانت الأطروحات الرئيسية كما يلي:

أمريكا عادت: نحن دولة تقوم بأشياء عظيمة. الدبلوماسية الأمريكية تجعلها حقيقة واقعة، وإدارتنا مستعدة لتولي هذا الدور وتصبح زعيمة مرة أخرى.

لم يعُد بإمكان أمريكا تحمل الغياب عن المسرح العالمي – لكن بأي وسيلة سيجعل بايدن أمريكا زعيمة العالم مرة أخرى؟

قام بايدن: من أجل «استعادة القيادة الأخلاقية الأمريكية» بتوقيع مرسوم رئاسي يدعو إلى دعم حقوق المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، وذلك في إطار حملة تعزيز حقوق الإنسان والحرية. كم يبدو كل هذا غريبًا.

روسيا

تحدث بايدن بشدة ضد روسيا، ودعا إلى إنهاء قمع المحتجين وإطلاق سراح نافالني. لقد بذلت إدارة جو بايدن كل ما في وسعها منذ اليوم الأول «لمحاسبة النظام الروسي على أعماله العدائية على جميع الجبهات». تم الإعلان عن ذلك في 9 فبراير (شباط) في مؤتمر صحفي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس. وأضاف نيد برايس: «أن وزارة الخارجية ومدير المخابرات الوطنية يقومان حاليًّا بمراجعة مجموعة من الأعمال العدائية من قبل موسكو، آخذين في الاعتبار تصرفات روسيا الفاضحة في قضية (نافالني) وانتهاكاتها الأوسع لحقوق الإنسان». كما قال نيد برايس، إنه بناءً على النتائج التي سيتم التوصل إليها،  سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد روسيا «في أقرب وقت ممكن».

ستكون أول قضية واسعة النطاق ضد روسيا هي التحقيق الخاص في هجوم إلكتروني واسع النطاق على (SolarWinds) نتج عنه تأثر العديد من الوكالات الفيدرالية الأمريكية وآلاف الشركات الخاصة. في ديسمبر (كانون الثاني) اكتشفت السلطات الأمريكية أن مجرمي الإنترنت المزعومين مرتبطون بروسيا، وقد اخترقوا 18000 حساب لعملاء برنامج (SolarWinds). وفقًا لمجتمع المخابرات الأمريكية، كان الغرض من الهجوم هو جمع المعلومات الاستخبارية.

أرسل الديمقراطي مارك وورنر، رئيس اللجنة الخاصة للاستخبارات بمجلس الشيوخ، ونائبه السناتور الجمهوري ماركو روبيو، رسالة إلى قادة مجتمع الاستخبارات الأمريكية، يطلبون منهم تحديد المسؤولين عن هذا الهجوم بدقة.

تشمل خطابات أعضاء مجلس الشيوخ مدير المخابرات الوطنية أفريل هاينز، والمدير العام لوكالة الأمن القومي بول ناكاسوني، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، والقائم بأعمال مدير وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية براندون ويلز.

أشار أعضاء مجلس الشيوخ، مخاطبين مجمع الاستخبارات، إلى أن الرد يتم: «بطريقة مبعثرة وغير منظمة». نتيجة لذلك، ووفقًا لأعضاء مجلس الشيوخ هناك خطر من أن الإدارات الفيدرالية لن تتعامل مع المهمة الموكلة إليها بشكل احترافي، وجاء في الرسالة أن: «التهديد الذي تواجهه بلادنا نتيجة لهذا الحادث يتطلب قيادة لديها تصور واضح لتطوير إستراتيجية موحدة وتعيين قائد يتمتع بسلطة تنسيق الاستجابة وتحديد الأولويات وتخصيص الموارد».

الصين

في حديثه عن الصين، تعهَّد بايدن بـ«مقاومة» عدوان بكين في المنطقة وجرائمها الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان. وقال: «يجب على القيادة الأمريكية الرد على الاستبداد المتزايد، بما في ذلك طموحات الصين المتزايدة للتنافس مع الولايات المتحدة، وجهود روسيا لتدمير وتقويض ديمقراطيتنا».

خلال إحاطة بالبيت الأبيض، أعلن مستشار الأمن القومي لبايدن جيك سوليفان، عن تحول كبير في السياسة من إدارة ترامب. وقال للصحفيين «أولويتنا ليست السماح لبنك غولدمان ساكس بدخول الصين. بل التعامل مع المخالفات التجارية الصينية التي تُضر بالوظائف الأمريكية والعاملين الأمريكيين في الولايات المتحدة: – في الواقع، لا تختلف الأطروحة الأخيرة كثيرًا عن نهج ترامب!».

الشرق الأوسط

آثار بايدن في خطابه مفاجأة لدى العديد من المحللين، حيث أبدى اهتمامًا ضئيلًا بالشرق الأوسط. بايدن لم يذكر إسرائيل والاتفاق النووي الإيراني. على الرغم من أنه بناءً على تحليل جميع المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام، يتم التحضير للقرارات الأكثر جذرية، على عكس ترامب، بكلا الملفين.

كانت إدارة بايدن منقسمة بشأن الاتفاق النووي. قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يعتقد البعض أنها «أولوية عاجلة» تتطلب تحركًا فوريًّا بينما يرى آخرون أنه لا ينبغي أن يكون هناك استعجال لأنه يتطلب دراسة متأنية.

ذكرت مجلة بوليتيكو الأمريكية عن الانقسام في السياسة الأمريكية بشأن الاتفاق النووي، وكشفت أيضًا عن إشارات أرسلها الجمهوريون والديمقراطيون حول ما ينوون فعله إذا أصر بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي.

يعتقد فريق الأمن القومي التابع لبايدن، أنه من الضروري إقناع إيران بالعودة إلى اتفاقها النووي لعام 2015، ثم الضغط من أجل ملحق بالاتفاق يضع قيودًا أكثر صرامة. هذا هو أحد وعود بايدن الرئيسية في السياسة الخارجية وسيستغرق وقتًا طويلًا حتى يتحقق.

علاوة على ذلك، أشاروا إلى أن الغرض الرئيسي من ملحق الاتفاق النووي هو توسيع القيود الصارمة على أنشطة إيران النووية، بما في ذلك الحد من مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 3.67% وعدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لطهران استخدامها.

على بايدن، بدوره بذل جهود دبلوماسية لإقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي. لقد وعد برفع العقوبات المفروضة عليها، لكن بعد ذلك ستكون هناك حاجة إلى أدوات ضغط جديدة لاحتواء الإيرانيين. على سبيل المثال، سيتعين العودة إلى التهديدات بفرض عقوبات جديدة أو عرض بعض الإجراءات عليها لتحفيز النمو الاقتصادي.

شكلت العديد من الفخاخ التي خلفها ترامب تهديدًا خطيرًا لتعهد حملة بايدن بإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. بادئ ذي بدء، سيتعين على بايدن استبعاد الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، وكذلك رفع العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني، المتهم بتمويل الميليشيات في الشرق الأوسط.

يواجه بايدن معضلة صعبة: “إذا أزال فخاخ ترامب، فسوف يخلق معارضة قوية حتى من الديمقراطيين أنفسهم في ضوء المخاوف المتزايدة من عودة طهران إلى أعمالها العدائية”.

لكن طهران تسعى بقوة لرفع جميع العقوبات، أو على الأقل العقوبات الجديدة، قبل العودة إلى طاولة المفاوضات. بمعنى آخر، إذا لم يرفع بايدن العقوبات المفروضة سابقًا، فسيصبح هذا عقبة في طريق حل الأزمة. وبالتالي، يكاد يكون من المستحيل على بايدن أن يفي بوعده الرئيسي في حملته الانتخابية، والذي ستكون له تداعيات داخل وخارج البلاد.

مشكلة أخرى يمكن أن تُعقِّد عملية التفاوض، تتعلق بالضغوط التي تُمارس على الإدارة الأمريكية من قبل إسرائيل وحلفائها في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم السعودية والإمارات. هدفهم هو الحفاظ على العقوبات المفروضة على إيران لأطول فترة ممكنة.

كل ما سبق يضع فريق بايدن في موقف لا يُحسد عليه. وسيتعين عليه المُضي بحذر ورفع العقوبات عن إيران تدريجيًّا لحملها على العودة إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه عدم السماح لها بزيادة نفوذها النووي في المنطقة.

في 27 يناير (كانون الثاني) أكدت الإدارة الأمريكية الجديدة عزمها على العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في عام 2018، لكن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أوضح أن الأمريكيين لن يجلسوا على طاولة المفاوضات ما لم تعُد طهران للوفاء بكل شيء من التزاماتها السابقة.

رفض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مؤتمر صحفي في إسطنبول الشروط الأمريكية، قائلًا: “إن الأمريكيين يطالبون إيران بالامتناع عن اتخاذ خطوات لتطوير برنامجها النووي حتى ترفع واشنطن العقوبات التي قد لا تحدث”.

طلبت السعودية والإمارات مشاركة دول الخليج في محادثات مستقبلية مع طهران، مشيرتين إلى أن الجولة المقبلة من المحادثات ينبغي أن تشمل أسئلة حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم طهران لعملائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الحوثيون في اليمن.

في 30 يناير (كانون الثاني) عارضت وزارة الخارجية الإيرانية بدء أي مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكذلك ضد تغيير تركيبة أطراف الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية.

وجد بايدن نفسه في مأزق. تظل مطبات دونالد ترامب التحدي الأكبر في مسيرة الزعيم الأمريكي الجديد، الذي لا يعرف كيف يتغلب عليها. تم تعيين روبرت مالي، مساعد باراك أوباما السابق مبعوثًا رئيسيًّا لبايدن إلى إيران. إنه خبير مالي يبلغ من العمر 58 عامًا، ومتخصص في شؤون العالم العربي الإسلامي، وقد قاد مجموعة الأزمات الدولية في السنوات الأخيرة.

لطالما أظهر مالي، موقفه الإيجابي تجاه النظام الإيراني، والسلبي تجاه إسرائيل. كتب الصقور الأمريكيون رسالة جماعية إلى توني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي الجديد، طلبوا فيها عدم تعيين مالي، واختيار مرشح أكثر حيادية.

محذرين من أن مالي قد يخل بتوازن القوى في الشرق الأوسط ويسبب الكثير من القلق بين الشركاء الأمريكيين في المنطقة: إسرائيل، والسعودية والإمارات… إلخ.

لماذا إسرائيل والعالم العربي ضد مالي؟

روبرت مالي، يؤمن بضرورة إبرام اتفاق نووي جديد، ورفع العقوبات عن إيران، وإحياء القضية الفلسطينية، واتخاذ موقف أكثر صرامة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

كما أن لدى مالي، ميولًا إيرانية بالوراثة. كان والده، سيمون مالي، خبيرًا في الشؤون الإيرانية وهو صحفي مصري تعاطف مع الشيوعيين، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، واختاره جمال عبدالناصر، ليكون المراسل الأجنبي لصحيفة الجمهورية المصرية.

في عام 1969، انتقل والد مالي من مصر إلى فرنسا، حيث أسس مجلة أفريكازيا اليسارية. بقيت عائلة مالي هناك حتى عام 1980، عندما قام رئيس فرنسا آنذاك بنفيهم إلى نيويورك بسبب العداء لإسرائيل، وهي مفارقة كبرى: “طرد يهودي من السفارديم من فرنسا بسبب معاداة الصهيونية”. تتخلل ذكرى المنفى كل ما فعله روبرت مالي، في مناصب عليا في الإدارة الرئاسية، من بيل كلينتون وباراك أوباما إلى بايدن.

في عام 2008، اضطر إلى الاستقالة من منصب عام في فريق أوباما الانتخابي عندما أصبح معروفًا باجتماعاته المنتظمة مع ممثلين عن حركة حماس الفلسطينية. تلاشت الفضيحة في وقت لاحق وعاد مالي إلى إدارة أوباما. في البيت الأبيض، أصبح المستشار الرئيسي لشؤون الشرق الأوسط.

هنا ملخص لسجله الحافل. كان المساعد الخاص للرئيس كلينتون للشؤون العربية الإسرائيلية، ومدير منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي، وفي عهد أوباما كان منخرطًا في إدارة ملف داعش، وأشرف على مجموعة الأزمات الدولية للشرق الأوسط.

أولئك الذين تابعوا عن كثب في تلك السنوات منشورات مجموعة الأزمات وتتبعوا التصريحات العلنية لمديرها، قد يكون لديهم رأي مفاده أن مالي، هو الذي يشرف على طهران ويوجهها في حربها ضد ترامب.

إليك أحد الاقتباسات: «إذا كنت إيرانيًّا، فإن الأدوات التي تمتلكها لتغيير الوضع الراهن: توسيع ترسانتها النووية، أو إثارة الأسواق، أو تهديد دول المنطقة ووجود الولايات المتحدة فيها. الأدوات التي بحوزتهم، سيستخدمونها للرد على الضغوط التي يعتبرونها بمثابة حرب اقتصادية». في الواقع نفذت إيران باستمرار برنامج مالي.

قاتلت طهران من أجل تعيين روبرت مالي مبعوثًا خاصًّا لإيران من باب الحياة أو الموت، وخصصت له أغلفة الصحف الإيرانية، وأقنعت واشنطن من خلال جماعات الضغط التابعة لها بأن النجاح المستقبلي للمحادثات الأمريكية الإيرانية يعتمد بشكل مباشر على مالي.

الآن يأتي الجزء الممتع. في إدارة باراك أوباما، كان روبرت مالي يعتبر مسئول ملف التعامل مع داعش (منظمة إرهابية دولية محظورة في روسيا). حسنًا بمعنى القيِّم على الحرب ضد داعش التي ولدت وتكشفت بكامل قوتها في فترتي أوباما.

في الوقت نفسه، سوَّقت إيران لنفسها عالميًّا – باعتبارها الرائد في القتال ضد داعش في المنطقة؛ حيث بدأت صورة الجنرال الإيراني غير المعروف وقتها قاسم سليماني، تنتشر ويتم تصويره على أنه بطل القتال ضد داعش، حتى إنه ظهر على أغلفة المجلات الأمريكية.

بطريقة مفاجئة، تتماشى آراء مالي ومسارات حياته مع آراء كبار المعينين الآخرين في فريق بايدن. نحن نتحدث عن مدير المخابرات الجديد في مجلس الأمن القومي: “ماهر البيطار والمدير الجديد لوكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز”.

لقد غيَّر ترامب خطابه بشكل جذري، وقام بمحو الصورة الأسطورية لقاسم سليماني، وأدخل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي وجميع الوكلاء الموالين لإيران تقريبًا: “من حزب الله إلى أنصار الله في اليمن. إلى قوائم المنظمات الإرهابية، وأخضعهم للعقوبات”.

لم يكن من الممكن لإيران، محاربة داعش وحدها، والتدخل الروسي وحده هو الذي غير المعادلة على الأرض في سوريا. لكن إيران تُفضل دومًا في دعايتها الرسمية تجاوز هذه الحقيقة الثابتة بشكلٍ متواصل.

في اليوم الأول من حكم بايدن: “تم شن هجومين انتحاريين في بغداد. تبنى تنظيم الدولة الإسلامية طبعًا المسؤولية عن العمليات. اتجهت إيران على الفور إلى العراق، وعرضت المساعدة في محاربة داعش، حتى لا يجتاح الإرهاب مرة أخرى بلاد ما بين النهرين”، وبالتالي يمكننا أن نستنتج أن روبرت مالي، يعمل بالفعل: “وأن إيران ستتم إعادة تأهيلها عبر القتال ضد داعش لذلك على الديمقراطيين إزالتها من قائمة الإرهاب، وجعلها مرة أخرى قوة مواجهة لـ«الدولة الإسلامية»”.

كما يجب أن يتوتر الرئيس التركي رجب أردوغان لأن: «جو بايدن سيُظهر تضامنًا أكبر مع الأكراد السوريين من ترامب، الأمر الذي سيعقِّد علاقته مع تركيا».

يقول مالي، أيضًا: «هناك إجماع في الولايات المتحدة على أن البلاد قد استثمرت كثيرًا في الشرق الأوسط دون تحقيق أرباح فعليًّا. لقد سئم الشعب الأمريكي من التدخل الأمريكي في المنطقة».

كما ترون، فإن سياسة بايدن تجاه إيران يتم تخطيطها وتنفيذها من قبل نفس الأشخاص الذين تفاوضوا على خطة العمل الشاملة المشتركة في عهد أوباما، ودعوا إلى تعزيز النظام الأصولي.

في 1 فبراير (شباط) اختبرت إيران. صاروخ مركبة فضائية، ذا الجناحين (الذي سُمي على اسم الإمام جواد الإمام الشيعي التاسع) وهو صاروخ من ثلاث مراحل بطول 25 مترًا ومزود بمحرك يعمل بالوقود الصلب للمرحلتين الأوليين ومرحلة ثالثة تعمل بالوقود السائل. إنه قادر على حمل حمولة 225 كجم (496 رطلًا).

تبلغ قوة دفع الصاروخ 75 كيلو طنًّا، وهو أعلى بكثير من الدفع المطلوب لوضع قمر صناعي في المدار. هذا يجعله أكثر قابلية للمقارنة مع صاروخ باليستي عابر للقارات من مركبة إطلاق فضائية. على سبيل المثال، الصاروخ الباليستي العابر للقارات من طراز (إل جي إم 30 مينتمان) الأمريكي لديه قوة دفع تبلغ 90 كيلوطنًّا.

الصاروخ الإيراني: قادر على الصعود إلى ارتفاع 500 كيلومتر، وبالتالي الدخول في مدار أرضي منخفض، أثناء إطلاقه كصاروخ عابر للقارات، يصل مدى طيرانه إلى 5000 كيلومتر (3100 ميل) بمعنى آخر، يمكنه الوصول إلى بريطانيا العظمى من إيران.

معظم التغطية الإعلامية لإطلاق الصاروخ الإيراني، لم تعكس أهمية المشروع، سواء من حيث ما يقوله عن القدرات العسكرية الإيرانية أو ما يقوله عن نوايا النظام، مع التركيز بدلًا من ذلك على اختيار موعد التجربة. لقد فعل الإيرانيون ذلك بطريقة توضيحية، منتهكين القيود المفروضة على نشاطهم النووي المفروض عليهم بموجب الاتفاق النووي الذي وقعوا عليه في عام 2015.

يقوم الإيرانيون حاليًّا بتخصيب اليورانيوم إلى 20%، وهو أعلى بكثير من 3.67% المسموح به في ما يسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).

إنهم يستخدمون أجهزة طرد مركزي متقدمة محظورة للتخصيب المتسلسل في منشآتهم النووية في نطنز. كما أطلقوا شلالات اليورانيوم مع أجهزة طرد مركزي من الجيل السادس في مفاعلهم النووي تحت الأرض فوردو، في تجاهل تام للاتفاقية. كما يقومون بتجميع تركيز اليورانيوم، أو ما يسمى بالكعكة الصفراء، بكميات أكبر بكثير مما هو مسموح به في الصفقة. إنهم ينتجون معدن اليورانيوم في انتهاك لشروط الصفقة. أخيرًا، اختبروا الآن مركبة إطلاق فضائية يمكن تحويلها بسهولة إلى صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل أسلحة نووية.

تقدم وسائل الإعلام هذه التصرفات العدوانية لإيران في سياق ظهور إدارة جديدة لبايدن في واشنطن. يُزعم أن إيران تتخذ هذه الخطوات الصعبة من أجل إجبار إدارة بايدن على الوفاء بوعدها: “لإعادة الولايات المتحدة إلى معاهدة خطة العمل الشاملة، ورفع العقوبات الاقتصادية”.

في عام 2018، انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وأعاد العقوبات الاقتصادية التي تم رفعها في عام 2015 بعد توقيع الصفقة ويقولون إنه خوفًا من نجاحاتها النووية السريعة، سيتخذ فريق بايدن خطوات عاجلة لتهدئة النظام.

وفقًا لمحللين إسرائيليين، كشف اختبار الصاروخ الإيراني، تمامًا عن عمق الأخطاء الإستراتيجية التي قامت عليها الصفقة التي تصورها وروج لها وأبرمها الرئيس باراك أوباما وكبار مستشاريه.

كان الافتراض الإستراتيجي الرئيسي الذي استرشد به أوباما وفريقه هو أن إيران قوة مسؤولة ويجب أن يُنظر إليها على أنها جزء من الحل – أو حتى كأهم مكون له، وليس على الإطلاق باعتبارها المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط. يقولون إن دعم إيران للإرهاب، والحروب التي يشنها النظام من خلال عملائه وبرنامجه النووي، أصبحت كما يُزعم، عواقب وخيمة لتوازن القوى الإقليمي؛ حيث حصل حلفاء الولايات المتحدة: “في المقام الأول إسرائيل والسعودية، على دعم قوي للغاية في ذلك الوقت، بينما تم استبعاد إيران”.

بناءً على ذلك، قال أوباما إنه لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، من الضروري توسيع قدرات إيران وإضعاف حلفاء الولايات المتحدة. كما قال نائب الرئيس آنذاك بايدن في عام 2013: «كان حلفاؤنا أكبر مشكلة لنا».

جادل أوباما بأن ميزان القوى الجديد يجب أن يعترف بمواقف إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن. أما البرنامج النووي الذي يخالف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي وقَّعتها إيران فيفترض أنه أمر حتمي ومفهوم. وفقًا لمستشاري أوباما، بالنظر إلى حقيقة أن باكستان والهند وإسرائيل على الأرجح لديها ترسانات نووية، فإن رغبة إيران في الحصول عليها تبدو معقولة أيضًا.

بالنظر إلى موقف المفاوضين هذا، فإن إضفاء الشرعية على برنامج إيران النووي، الذي تم توفيره بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، يصبح واضحًا. وفقًا لمحللين عسكريين إسرائيليين، لم يكُن الغرض من الصفقة منع إيران من أن تصبح قوة نووية. بل على العكس من ذلك، كان المقصود منها «تحييد» إسرائيل، ونفي شرعية أي محاولة من قبل الدولة اليهودية لمنع مثل هذا السيناريو.

مع ذلك، في حين أن الحلفاء الآخرين لإسرائيل وأمريكا قد يتأثرون بشدة بميزان القوى الجديد هذا، اعتقد أوباما وشركاؤه الأوروبيون أنهم سيكونون أكثر أمانًا؛ لأن إيران لن تهددهم كقوة مهيمنة إقليمية مستقرة.

ليس من قُبيل المصادفة أن المادة الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة: “ليست ملزمة، وهي التي تدعو إيران إلى الحد من مدى صواريخها الباليستية إلى 2000 كيلومتر (1240 ميلًا)”.

ينظر العديد من المعلقين إلى إدارة بايدن على أنها ليست أكثر من ولاية ثالثة لإدارة أوباما. وهذا صحيح بالتأكيد من وجهة نظر سياسة الإدارة الجديدة تجاه إيران. يتم تخطيط وتنفيذ سياسة الرئيس جو بايدن الإيرانية من قبل نفس الأشخاص الذين تفاوضوا على خطة العمل الشاملة المشتركة في عهد أوباما.

بالإضافة إلى أن أوباما نفسه، كان المسؤول الرئيسي عن خطة العمل الشاملة المشتركة بجانب مالي المذكور أعلاه، الذي يقود الآن المحادثات مع إيران.

في مقال نُشر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في فورين أفيرز، أوجز مالي، وجهات نظره حول الشكل الذي يجب أن تبدو عليه سياسة الإدارة الديمقراطية تجاه إيران. بحسبه: «فإن إستراتيجية ترامب للضغط الأقصى وضعت المنطقة على شفا الحرب، لأنها تقوم على منح حلفاء الولايات المتحدة، وعلى رأسهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فرصة لمحاربة التوسع الإقليمي لإيران وبرنامجها النووي. بعبارة أخرى، كانت تقوم على إعادة بناء وتعزيز ميزان القوى الإقليمي الذي قوَّضه أوباما لصالح إيران وعلى حساب حلفاء أمريكا الإقليميين».

في المقال، قال مالي: «إن الطريقة الوحيدة لمنع الحرب هي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وسياسة أوباما السابقة المتمثلة في تعزيز إيران على حساب حلفاء الولايات المتحدة وخاصة إسرائيل والمملكة العربية السعودية».

في عهد ترامب، يقول محللون إسرائيليون إن احتمالات الحرب تضاءلت. وهي تنمو الآن مع كل تصريح يصدره أشخاص مثل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أو مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

في أوائل فبراير (شباط) حذر كلا المسؤولين الكبار من أن إيران قريبة بشكل خطير من امتلاك قدرة نووية عسكرية مستقلة. وأوضح كلاهما على الفور أن الإدارة تنوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لمعالجة هذه المشكلة.

ينوي فريق بايدن وأوباما تقديم تنازل لا رجوع عنه لإيران: “لتزويد النظام بعائدات بمليارات الدولارات ستذهب إلى خزينته بعد رفع العقوبات”. في المقابل، يطلبون من إيران القيام بلفتة متبادلة. استعادت إيران تخصيبها النووي في فوردو ورفعت مستوى التخصيب على الفور إلى 20%. حتى إذا قامت بإيقاف تشغيل أجهزة الطرد المركزي مؤقتًا لرفع العقوبات، فيمكنها إعادة تشغيلها بمجرد بدء تدفق الأموال.

يكاد يكون من المؤكد أن هذا سيحدث في موعد لا يتجاوز يونيو (حزيران) عندما تجري الانتخابات الرئاسية الإيرانية. الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف سيتنحيان. جميع المرشحين الحاليين من الجناح المتشدد، وجميعهم مؤيدون نشطون للانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة.

لا يسع بايدن، وبلينكين، وسوليفان، ومالي، وزملاءهم فهم هذا الأمر. لذلك، فإن رغبتهم العنيدة في الاستمرار في الضغط على إستراتيجيتهم تُشير فقط إلى أنهم ملتزمون أيديولوجيًّا بشدة بخطتهم وسوف يلتزمون بتطبيقها، حتى لو أدت بالمنطقة إلى الحرب.

خلال سنوات حكم الرئيس ترامب، تم التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة بشكل كامل في إجراءاتهما المشتركة والمنفصلة لتقويض برنامج إيران النووي. من الواضح أن تلك الأوقات قد ولَّت. بينما يشعر فريق بايدن بعدم حاجته لإسرائيل، فإن قدرة إسرائيل على منع إيران من أن تصبح قوة نووية تتلاشى بسرعة.

عندما أعلن رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، في يناير (كانون الثاني) أنه أمر القادة المعنيين بإعداد خطط عملياتية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، افترض معظم المعلقين أن المستهدف من تصريحه هو النظام الإيراني.

جادل آخرون بأنه وجه تحذيرًا لإدارة بايدن. اعتقدت الأولى أن هذه كانت محاولة لإجبار إيران على التراجع عن نقطة اللاعودة النووية. ورأى آخرون في هذا مطلبًا لإدارة بايدن لأخذ موقف إسرائيل على محمل الجد قبل الضغط من أجل رفع العقوبات. مع ذلك، وعلى خلفية التعصب الإستراتيجي لفريق بايدن وسعي إيران الدؤوب لامتلاك ترسانة نووية، من المرجح أيضًا أن جمهور كوخافي المُستهدف لم يكُونوا إيرانيين أو أمريكيين. ربما كانت كلماته مناشدة للجمهور الإسرائيلي، استعدوا لما هو آتٍ.

أوروبا

في إطار مراجعة البنتاغون للوجود العسكري الأمريكي في العالم، أعلن بايدن تعليق انسحاب 12 ألف جندي أمريكي من ألمانيا. في يونيو (حزيران) 2020، أعلن ترامب قرارًا بسحب الجيش الأمريكي من ألمانيا، مما تسبب في قلق أوروبا وكلا الحزبين في الكونغرس.

في أوروبا، تتمثل مشكلة بايدن الرئيسية في إقناع الحلفاء الدبلوماسيين والاقتصاديين والعسكريين الرئيسيين للولايات المتحدة بالإيمان بأمريكا مرة أخرى. يعتقد البعض أن الولايات المتحدة، التي كانت لعقود عديدة أقوى ديمقراطية في العالم، فقدت مكانتها في العالم إلى الأبد.

لقد وصلت سمعة أمريكا على الساحة العالمية إلى نقطة منخفضة؛ لدرجة أنه سيكون من الصعب للغاية الآن إقناع الحلفاء الغربيين الرئيسيين حتى بالحاجة إلى الاتحاد لمواجهة الصين.

تؤدي السياسة الخارجية الغريبة «الجديدة» للولايات المتحدة إلى تنامي الصراعات السياسية بين القوى العالمية الكبرى. وهذا أمر محفوف بتصعيد النزاعات السياسية إلى صراعات عسكرية. إن فريق السياسة الخارجية والاستخبارات حول بايدن «كومة من الغائط» (آسف للمصطلح)؛ لدرجة أنه من الصعب للغاية الثقة بهم والتفاوض معهم. فيما يتعلق بأمن البلاد، يمكن للمرء أن يأمل، كما حدث دائمًا في التاريخ الروسي، أن حليفنا الدائم هو قوتنا العسكرية.

هذا هو السبب في أن حدثًا هامًّا مؤخرًا قد تم الكشف عنه، وهو أن علماء الجيش الروس قد طوروا مفهومًا لمواجهة «العملية متعددة المجالات» الأمريكية: “وهي إستراتيجية كان البنتاغون يطورها بنشاط في السنوات الأخيرة”. يعتمد جوهر هذه الاستراتيجية على توجيه ضربة استباقية جماعية بكل الوسائل المتاحة. يمكن أن يحدث ذلك في حالة وجود «تهديد حربي يلوح في الأفق فوق روسيا»، تم نشر المفهوم في العدد الأخير من المجلة الفصلية «القوات الجوية: النظرية والتطبيق»، التي تنشرها أكاديمية القوات الجوية جوكوفسكي وغاغارين. تم إصدار العدد في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وقد أثار المفهوم بالفعل قلقًا خطيرًا لوسائل الإعلام الغربية والسياسيين والجيش الأمريكي، وقامت بي بي سي، بعمل وثائقي خاص عنه.[1]

ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير 


شارك الموضوع