غير مصنف

جنوب شرق آسيا في عصر تنافس القوى العظمى


  • 5 مايو 2021

شارك الموضوع

عندما عملت دبلوماسيًّا سنغافوريًّا، سألت ذات مرة نظيري الفيتنامي عما يعنيه تغيير القيادة الوشيك في هانوي، بالنسبة لعلاقات بلاده مع الصين أجاب: «يجب على كل زعيم فيتنامي أن ينسجم مع الصين، ويجب على كل زعيم فيتنامي أن يقف في وجه الصين، وإذا لم تتمكن من القيام بالأمرين معًا في الوقت نفسه، فأنت لا تستحق أن تكون زعيمًا».

عندما يبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن ولايته، يجب على فريقه أن يلتفت إلى هذه الكلمات. جنوب شرق آسيا هو مركز المنافسة بين الصين والولايات المتحدة. بدرجاتٍ مختلفة وبطرقهما الخاصة، تبنَّت كل دولة في المنطقة نهجها تجاه الصين والولايات المتحدة أيضًا.

لطالما كان جنوب شرق آسيا مفترق طرق إستراتيجيًّا، حيث تتقاطع مصالح القوى العظمى وتتعارض أحيانًا. إنها بطبيعة الحال منطقة متعددة الأقطاب ولم تخضع مطلقًا لسيطرة أي قوة خارجية واحدة، باستثناء فترة وجيزة من الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. تُعد المنافسة الحالية بين الصين والولايات المتحدة مجرد مرحلة أخرى من ديناميكية عمرها قرون رسخت غريزة التحوط والتوازن في آنٍ واحد بالحمض النووي السياسي للمنطقة.

يبدو أن الأمريكيين يجدون صعوبة في فهم ذلك. هناك ميل قوي للنظر إلى المنطقة من منظور ثنائي: إذا لم تكن المنطقة «خضراء» فهي «حمراء»؛ إذا كانت الديمقراطية لا تتقدم، فلا بد أن تكون في تراجع؛ إذا لم تحتضن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الولايات المتحدة، فإنها في خطر أن تستولي عليها الصين. أدى هذا الموقف التبسيطي إلى العديد من الإخفاقات السياسية بما في ذلك، حرب فيتنام، الأكثر كارثية.

تُقدم ثلاثة كُتب بارزة تصحيحات في الوقت المناسب لهذه النظرة المُضللة من خلال حسابات كل دولة على حِدَة، لشرح التناقض وعدم الارتياح اللذين ينظر بهما جنوب شرق آسيا إلى دور الصين في المنطقة. يعتبر كتاب موراي هيبيرت، الرائع والأضخم: (تحت ظل بكين) هو الأكثر تفصيلًا ودقة من بين الكتب الثلاثة.

مثل هيبيرت، يركز سيباستيان سترانجيو، على علاقات الصين مع دول المنطقة في كتابه (في ظل التنين: جنوب شرق آسيا في القرن الصيني) بينما يضع ديفيد شامبو، في كتابه (حيث تلتقي القوى العظمى: أمريكا والصين في جنوب شرق آسيا) إطارًا جديداً، حيث تلتقي القوى العظمى حول موضوع المنافسة الأمريكية-الصينية.

لا شك في أن حجم الصين ووزنها الاقتصادي يُثيران المخاوف بين جيرانها في جنوب شرق آسيا، وهي مخاوف تفاقمت بفعل السياسة الخارجية العدوانية للرئيس شي جين بينغ. لكن يجب موازنة هذه المخاوف مقابل ضرورة الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع أكبر قوة في آسيا. لن تقبل أي دولة في جنوب شرق آسيا علاقة حصرية مع الصين أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى. ببساطة لن تختار أي دولة طرفًا واحدًا.

غالبًا ما يفترض العديد من المراقبين الخارجيين، ربما بشكل غير واعٍ ولكن لا يزال مُهينًا: «أن دول المنطقة كلها فاسدة بشكل لا يمكن إصلاحه، أو ساذجة نهائيًّا، أو ذات عقلية بسيطة؛ لدرجة أنها ستبيع مصالحها الوطنية مقابل فوضى عارمة». مؤلفو هذه الكُتب الثلاثة، لا يرتكبون هذا الخطأ.

لا ينبغي تجاهل العلاقات الاقتصادية، ولكن لا يقوم أي عضو من أعضاء الآسيان بتشكيل علاقاته مع الصين فقط على أساس التجارة والاستثمارات بل تظل القومية قوة سياسية فاعلة.

هيبيرت بارع بشكلٍ خاص في فضح التيارات السُّفلية، والتي يصفها بجدارة بأنها «مزيج مُعقد من الأمل والقلق، والترقب وعدم الارتياح» الذي يكمن تحت سطح علاقات الصين مع جيرانها الجنوبيين الأصغر. هذا صحيح حتى مع الدول التي تعتمد بشكل كبير على الصين، مثل كمبوديا ولاوس. من بين أقوى أقسام كتاب هيبيرت، تلك التي يدرس فيها هذه البلدان، ويكشف عن تعقيد المواقف تجاه الصين، وكيف لا يزال بإمكان الدول الصغيرة ممارسة القوة على الرغم من اعتمادها على بكين. على سبيل المثال، يُلاحظ كيف أمضى قادة لاوس، وهي دولة «قليلة السكان ومثقلة بالديون» خمس سنوات في الجدل مع الصين حول مشروع للسكك الحديدية لتأمين شروط «يمكنهم التعايش معها».

تصادف أن أكون في مدينة فيينتيان، عاصمة لاوس، في أوائل عام 2016 عندما عقد حزب لاو الثوري الشعبي الحاكم مؤتمره الوطني العاشر. أخبرني صديق، وهو عضو في الحزب: «أنه سيتم فصل بعض كبار الشخصيات لكونهم مؤيدين للصين». لكنني كنت متشككًا.

لكن اثنين من أعضاء المكتب السياسي، الرئيس والأمين العام شومالي ساياسوني، ونائب رئيس الوزراء سومسافات لينجسافاد، قد أُقيلوا بالفعل.

تمتلك لاوس مؤسسات حقيقية، وأهمها حزب طليعي على الطراز اللينيني ومصالحه هي الأسمى، وعلى الرغم من أنها مُحاصرة من قبل الصين وليس لديها مجال كبير للمناورة: إلا أنها تستخدم هذه المؤسسات بأفضل ما تستطيع.

على النقيض من ذلك، فإن كمبوديا، يسميها شامبو: «الدولة العميلة الصينية الكاملة في الآسيان». إنه وصف اتفق معه فيه هيبيرت. على عكس لاوس فإن القيادة في كمبوديا شبه شخصية تمامًا: فقد وصف رئيس الوزراء هون سين، دعم الصين بأنه «خيار كمبوديا السياسي».

مع ذلك، لا يشعر الجميع في كمبوديا بالحماس بشأن تبعية الرئيس هون سين، للصين. في يناير (كانون الثاني) 2018، كتب حاكم مقاطعة (كرونج برِيه سيهانوك) رسالة إلى وزارة الداخلية يشكو فيها من أن الاستثمار الصيني أدى إلى زيادة الجريمة وتسبب في «انعدام الأمن في المقاطعة». إنها حتمية بيولوجية يجب معها أن تنتهي القيادة الشخصية لهون سين. قد يكون وضع كمبوديا كدولة عميلة للصين مجرد مرحلة.

تُوضح هذه الكُتب أن للصين التزامات جسيمة في جنوب شرق آسيا: على الرغم من أنها ليست بالضرورة تُشبه تلك التي حددها المراقبون في الغرب.

يميل بعض المحللين الغربيين، على سبيل المثال، إلى النظر بحذر لارتباطات بكين بمجتمعات الشتات الصينية، معتبرين هذه الأقليات بمثابة طابور خامس مُحتمل. ادعى شي جين بينغ: «دعم جميع الصينيين» لنسخته من «الحلم الصيني». مما أثار الشكوك حول نوايا الصين.

لكن الكُتب الثلاثة توضح أنه في جنوب شرق آسيا، حيث تكون العلاقات بين السكان الصينيين والسكان الأصليين غالبًا محفوفة بالتوترات الكامنة، فإن الشتات الصيني ليس ميزة واضحة على الإطلاق لبكين. يُدرك المؤلفون أنه لا توجد علاقة ارتباط بسيطة بين العرق والتأثير. إنه مجرد وجود لمجتمعات عرقية صينية في دول جنوب شرق آسيا، ولا تخدم بالضرورة مصالح بكين.

في عام 2018، أثناء الانتخابات العامة الماليزية، قام السفير الصيني بحملة علنية لدعم زعيم حزب الائتلاف الحاكم للعرقية الصينية، منتهكًا بذلك قاعدة أساسية للسلوك الدبلوماسي: «عدم التدخل، بالشؤون الداخلية». كانت النتيجة أن خسر الائتلاف الحاكم، وسرعان ما أعاد خليفته التفاوض على العديد من المشاريع الاقتصادية المدعومة من الصين. خلال زيارة للصين في وقتٍ لاحق من ذلك العام، حذر مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي الجديد (الذي شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء من 1981 إلى 2003). بوضوح من أن الإجراءات الصينية في المنطقة قد تشبه «نسخة جديدة من الاستعمار».

يميل المراقبون الغربيون إلى رؤية تصرفات الصين في بحر الصين الجنوبي؛ حيث تتعدى بثبات على الحدود البحرية لجيرانها، باعتبارها أوضح مثال على طموحات بكين التوسعية. كما أوضح هيبيرت وسترانجيو، مع ذلك، في جنوب شرق آسيا، هناك قدر كبير من القلق بشأن أنشطة الصين في منطقة مائية أخرى: نهر ميكونغ، الذي يمر عبر خمس من الدول الأعضاء العشر في الآسيان، ولا يحظى بالاهتمام الكافي من المتخصصين في العلاقات الدولية.

يُذكر سترانجيو القراء بأن: «النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين يتدفق عبر نهر ميكونغ إلى جنوب شرق آسيا» وأن «سيطرة الصين الشبيهة بالصمامات» على الروافد العليا للنهر: «تمنح بكين سيطرة كبيرة» على تدفقه جنوبًا. تعمل مشاريع بناء السدود الصينية في أعالي نهر ميكونغ، بالفعل على تقليل تدفق المياه إلى أسفل مجرى النهر. في الوقت الذي لا يزال الاقتصاد الكمبودي واللاوسي، يعتمدان فيه إلى حدٍّ كبير على زراعة الكفاف.

لذا قد لا يهتم القادة في كمبوديا ولاوس كثيرًا بما تفعله الصين في بحر الصين الجنوبي، لكن سيتعين عليهم التفكير مليًّا في قضية من المحتمل أن تشكل تهديدًا وجوديًّا لسبل عيش شعوبهم. إذا لم تجعل تصرفات الصين في نهر ميكونغ، بنوم بنه وفيينتيان يعيدان التفكير في كيفية إدارة علاقاتهما مع الصين فيجب على أعضاء الآسيان الآخرين إعادة النظر في علاقة المنظمة بهم.

إدارة عدم الثقة

قد يندهش بعض القراء من الاقتراح القائل بأنه في منطقة ما في ظل قوة عظمى، تتمتع منظمة إقليمية متعددة الأطراف بنفوذ حقيقي. إنها منظمة الآسيان من تفعل ذلك. لا يتعامل أي من هذه الكُتب بشكل مناسب مع المنظمة. ديفيد شامبو، هو الوحيد الذي خصص فصلًا لها.

على الرغم من ذلك، فهذا التجاهل ليس مفاجئًا. قليل من علماء السياسة يفهمون حقًّا كيف تعمل الآسيان، والغرض الأساسي من تأسيسها، والقائم على عدم حل المشكلات كما يتخيل البعض، بل إدارة عدم الثقة والاختلافات بين أعضائها، وتحقيق الاستقرار في منطقة، حيث حتى الكياسة في العلاقات لا تُعتبر أمرًا مفروغًا منه، وبالتالي تقليل فرص تدخل القوى العظمى.

حتى بعض قادة دول الآسيان لا يبدو أنهم يفهمون ذلك. في يوليو (تموز) 2012، عندما كانت كمبوديا تشغل منصب رئيس المنظمة، فشلت المنظمة للمرة الأولى في الاتفاق على بيان مشترك لوزراء الخارجية. حيث رفض وزير الخارجية الكمبودي هور نامهونج، قبول أي حل وسط بشأن الصياغة المتعلقة ببحر الصين الجنوبي، وأصر على عدم ذكر هذه القضية على الإطلاق.

من الواضح أنه فعل ذلك بأمر من الصين؛ فو ينغ، نائبة وزير الخارجية الصيني، بالكاد كلفت نفسها عناء إخفاء حضورها الطائر في اجتماع ليس لديها عمل فيه لتحضره.

لكن بعد أسبوع واحد فقط، أقنع مارتي ناتاليجاوا، وزير خارجية إندونيسيا آنذاك كمبوديا بالانضمام إلى إجماع الآسيان بشأن بحر الصين الجنوبي. تم أخذ نص البيان إلى حد كبير من وثائق تم الاتفاق عليها مسبقًا، وفي بعض الحالات، كانت اللغة النهائية أقوى من الحلول الوسط التي رفضتها كمبوديا في الأسبوع السابق فقط.

أثبتت محاولة بنوم بنه، العشوائية لإرضاء بكين: أنها خرقاء بشكل فريد وفي النهاية مجرد مضيعة للوقت. لا يمكن أن يكون رؤساء فو ينغ، في بكين سعداء للغاية لأن اليد الثقيلة للصين مكشوفة بشكل صارخ بلا هدف. منذ ذلك الحين، لم تكُن كمبوديا شديدة التعنت بحماقة في المناقشات حول بحر الصين الجنوبي. لا يحتاج أي بلد تحديد مصالح بكين الوطنية من أجل الحفاظ على علاقة وثيقة مع الصين. باستثناء الحالة المحدودة لكمبوديا، لا يرى أي عضو من أعضاء الآسيان حاجة لمواءمة مصالحها بدقة عبر المجالات المختلفة مع أي قوة رئيسية واحدة. إن دبلوماسية الآسيان وأعضائها هي بطبيعة الحال مختلطة وليست أحادية الجانب.

يدعي شامبو أن: «دول الآسيان مُقيدة بالفعل بعدم انتقاد الصين علنًا أو بشكل مباشر». لكن دول الآسيان لا تنتقد علنًا الولايات المتحدة أو أي قوة كبرى أخرى أيضًا. إنهم لا ينتقدون الآخرين علانية ليس لأنهم «مُقيدون» من قبل أي شخص، ولكن لأن النقد العلني يمنع الخيارات، ويقلل من مساحة الدبلوماسية.

لا تستطيع البلدان الصغيرة المناورة إلا من خلال الفجوات بين علاقات القوى الكبرى. الغرض الأساسي من المنتديات التي تقودها الآسيان مثل قمة شرق آسيا السنوية، والتي تجمع الدول الأعضاء في الآسيان مع دول مثل: أستراليا والهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، تعظيم تلك المساحات البينية، وتعميقها. ودعم تعددية الأقطاب الطبيعية في المنطقة.

الموازنة الأمريكية

بعض القوى الخارجية بالطبع، مهمة أكثر من غيرها. في غياب الولايات المتحدة، لا يمكن لأي مجموعة من القوى الأخرى أن توازن الصين. لن يقول كل عضو من أعضاء الآسيان ذلك علنًا، ولكن يبدو أن معظم الأعضاء يدركون هذه الحقيقة. في نهاية الثمانينيات، أجبرت السياسات الداخلية الفلبينية والكارثة الطبيعية للقوات الأمريكية على إخلاء خليج سوبيك وقاعدة كلارك الجوية.

في عام 1990، أبرمت سنغافورة، التي طالما دعمت الوجود العسكري الأمريكي في جنوب شرق آسيا، مذكرة تفاهم مع واشنطن تسمح لبعض القوات الأمريكية باستخدام منشآت سنغافورية. في ذلك الوقت، انتقد العديد من أعضاء الآسيان الصفقة بصوتٍ عالٍ وبشدة. لكن لم يكن هناك من همس ولو بكلمة واحدة: «عندما وقَّعت سنغافورة اتفاقية بشأن تعاون دفاعي وأمني أكبر مع الولايات المتحدة في 2005، أو عندما تم تجديد مذكرة 1990 في 2019».

يعكس هذا التغيير في المواقف قلق المنطقة المتزايد من السلوك الصيني والذي توثقه الكُتب الثلاثة. كثيرًا ما تُثير السياسة الصينية المُعارضة. على سبيل المثال، يكشف كلٍّ من هيبيرت وسترانجيو، بالتفصيل مشروع سد مييتسوني في ميانمار. كما يشير سترانجيو، منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها ميانمار اتفاقية السد مع شركة صينية مملوكة للدولة في عام 2006: «كانت المعارضة شبه شاملة على المستوى الوطني».

تم تعليق المشروع في عام 2011، ولكن كما كتب هيبيرت، في وقتٍ متأخر من عام 2019: «أدى ضغط السفير الصيني إلى إعادة إحياء المشروع؛ وهو ما أشعل احتجاجات متجددة في جميع أنحاء البلاد».

من المزايا العظيمة لكتاب شامبو، تحليله التفصيلي لكيفية عدم تأثير بصمة الصين المتنامية في جنوب شرق آسيا، على تقليص العلاقات الاقتصادية أو الأمنية مع الولايات المتحدة. بل إن العلاقات مع الولايات المتحدة قد توسعت في بعض الحالات.

على عكس العديد من العلماء الآخرين، يُدرك شامبو أن دول جنوب شرق آسيا لا ترى الخيارات المتاحة لها من حيث المحصلة الصفرية الثنائية.

مع ذلك، كان شامبو عن صواب جزئيًّا، فقط عندما خلص إلى أن: «جنوب شرق آسيا، لم تكن أبدًا تتمتع بعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة، والعكس صحيح، مما كانت عليه في عهد أوباما». كان من المُريح سماع رئيس أمريكي يتحدث عن جعل آسيا الشغل الشاغل للسياسة الخارجية الأمريكية.

كان من الممتع أن خصص الرئيس باراك أوباما، بعض الوقت لحضور اجتماعات الآسيان. كانت زيارته إلى ميانمار عام 2012، بهدف تشجيع تحررها الأولي من نظامها الاستبدادي، بمثابة ضربة جريئة. كانت صياغة الشراكة عبر المحيط الهادئ، إنجازًا كبيرًا في منطقة تمثل فيها التجارة إستراتيجية رئيسية لكل دولها.

لكن القوة الناعمة، التي كان أوباما يتمتع بها بوفرة، ليست كافية بدون ممارسة القوة الصارمة، ولم يكُن لدى أوباما سوى القليل من الجرأة لفعل لذلك.

في عام 2012، توسطت إدارته في صفقة بين بكين ومانيلا بخصوص جزيرة سكاربورو شول، في بحر الصين الجنوبي. عندما تراجعت الصين عن شروط الصفقة برفضها إخراج سفنها من المنطقة المتنازع عليها، لم تفعل واشنطن شيئًا.

في عام 2015، وعد شي، أوباما بأن الصين لن تقوم بعسكرة بحر الصين الجنوبي. لكن عندما فعلت بكين ذلك من خلال نشر القوات البحرية وخفر السواحل لتخويف الدول المطالبة بحقوقها في الآسيان عام 2016، لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا مرة أخرى.

أدى فشل أوباما قبل عدة سنوات، في عام 2013، إلى فرض خط أحمر على استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية، إلى تقويض مصداقية القوة الأمريكية وقد لاحظت الصين ذلك.

كان رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للشراكة عبر المحيط الهادئ عند توليه منصبه في عام 2017، بمثابة صفعة مُوجعة لأصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها.

لكن ليس كل ما فعله كان خطأً بالضرورة. على الرغم من عدم الترابط والقسوة بدا أن ترمب يفهم غريزيًّا أهمية إظهار القوة الصارمة. عندما قصف سوريا في عام 2017، أثناء تناول العشاء مع شي، فعل الكثير لاستعادة مصداقية القوة الأمريكية من خلال إظهار استعداده لاستخدام القوة.

كما رفض ترامب صراحةً مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي، ومكَّن الأسطول الأمريكي السابع من إجراء عمليات حرية الملاحة لتحديها. حرية الملاحة حق، ولا تحتاج الدول الأخرى إلى إذن الصين لممارسته. على النقيض من ذلك، خلال ولاية أوباما الثانية، تنازع البنتاغون ومجلس الأمن القومي بصوت عالٍ حول الحكمة من مثل هذه العمليات، مما قوض تأثيرها المقصود.

لأنه كان نائب للرئيس أوباما، لا يستطيع بايدن أن ينأى بنفسه بسهولة عما حدث في عهد أوباما. الصديق والعدو على حدٍّ سواء سيفحصان كل تحركات بايدن بحثًا عن أي علامة ضعف. من المرجح أن يقوم بتعديل السياسة الأمريكية، ولكن لن يُغير الاتجاه بشكل أساسي، بشأن الصين والتجارة.

ستعمل إدارته على صياغة السياسات وتوصيلها بمزيد من التماسك والمراعاة للأصدقاء والحلفاء أكثر من إدارة ترامب. ربما ستتحسن أجواء الدبلوماسية الأمريكية بعد الضجة والفوضى التي سادت سنوات ترامب.

كل هذا سيكون موضع ترحيب. لكن لن يكون هناك شيء سوى الهباء إذا تراجعت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مرة أخرى إلى إحجام أوباما عن استخدام القوة الصارمة.

يجب أن يكون بايدن، حذرًا بشأن الترويج للقيم الأمريكية، ردًّا على لامبالاة ترامب بها. هذه القيم ليست بالضرورة أصلًا إستراتيجيًّا في جنوب شرق آسيا حيث لا يتقاسمها الجميع. مصطلح «الديمقراطية» هو مصطلح أولي، أما «حقوق الإنسان» فإنها تخضع للعديد من التفسيرات، وجنوب شرق آسيا بشكلٍ عام تركز على حقوق المجتمع أكثر من تلك الخاصة بالفرد.

لم تنشر الولايات المتحدة قوات في البر الرئيسي لجنوب شرق آسيا منذ نهاية حرب فيتنام. بصفتها موازنًا خارجيًّا، ستجد الولايات المتحدة دائمًا صعوبة في تحديد كيف ينبغي لها أن تضع نفسها: «في موقف قوي جدًّا ضد الصين يُثير مخاوفها من التورط في المنطقة؛ أم الموقف السلبي للغاية الذي سوف يُثير مخاوف من هجرها». لكن يجب على بايدن، أن يتجنب خطأ أوباما في التفكير بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى التقليل من أهمية المنافسة لتأمين تعاون بكين في قضايا مثل تغير المناخ.

كما يجب أن يعلم أي طالب جامعي في العلاقات الدولية: التعاون ليس خدمة تمنحها دولة لأخرى. إذا كان ذلك في مصلحتها، فإن بكين ستتعاون. يمكن للدول أن تتنافس وتتعاون في نفس الوقت. هذا الفهم هو في الأساس ما تتوقعه جنوب شرق آسيا، من الولايات المتحدة الأمريكية.[1]

ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير 


شارك الموضوع