تقارير

قراءة في الإستراتيجية الروسية تجاه الفصائل الفلسطينية



شارك الموضوع

تمهيد

علاقة روسيا في حقبها الأربع «القيصرية، والإمبراطورية، والسوفيتية، والاتحادية» بأرض فلسطين قديمة وعتيقة، تعود إلى قرون من الزمن. أما علاقة روسيا بالصراع العربي-الإسرائيلي، وتأسيس “دولة” إسرائيل، فقد بدأت منذ بزوغ هذه الفكرة حتى إعلانها عام 1948، حيث كان لروسيا السوفيتية الدور الأبرز في دعم قيامها، وقد سبقت مناقشة هذه القضية بالتفصيل في أحد تقديرات الموقف الصادرة عن المركز، بعنوان «محدِّدات الموقف الروسي بشأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني» يمكن العودة إليه.

مقدمة تاريخية

تعود بداية العلاقات الروسية- الفلسطينية، إلى نهاية القرن التاسع الميلادي، وبالتحديد بعد «معمودية كيفانس» عام 867، واعتناق السلاف للمسيحية الشرقية، ومعرفتهم بأرض فلسطين من خلال القصص الواردة في العهدين القديم والجديد. وفي بداية القرن الحادي عشر، بدأ كثير من الحجاج الروس بالتوافد على فلسطين، وكان القديس فيودوسي بيشيرسكي من كييف، أول الحجاج الروس تدوينًا لتفاصيل رحلته إلى فلسطين عام 1022، التي شملت «الاستحمام في نهر معمودية المسيح»، وزيارة «موقع الجلجثة» في كنيسة القيامة، وبعدها أصبحت الزيارات الروسية إلى الأماكن المقدسة في فلسطين منتظمة.

في عام 1108، صدر كتاب «حياة الأب دانيال ورحلاته من الأراضي الروسية»، الذي قدم فيه الراهب الروسي دانيال وصفًا تفصيليًّا لمدن فلسطين المختلفة، والأضرحة المسيحية، وحياة السكان المحليين، المسلمين والمسيحيين، والنشاط الاقتصادي. كما بدأ أول تمثيل روسي رسمي على أرض فلسطين بعد الحرب الروسية التركية (1828- 1829). وفي 23 فبراير (شباط) 1828، تأسست أول إرسالية كنسية روسية، وكانت تعنى بتقديم المساعدات للأرثوذكس العرب في المنطقة، وافتُتحَت في هذه الفترة الزمنية مدارس لاهوتية في دير الصليب، ومدرسة مخصصة للبنات في القدس، ومدارس روسية مختلفة في اللد، والرملة، ويافا. وفي 21 مايو (أيار) 1882، بموجب مرسوم صادر عن القيصر ألكسندر الثالث، أُنشئت «الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية» التي ما زالت تمارس أنشطتها حتى الآن.

يصف الدبلوماسي وأستاذ قسم الدراسات الشرقية البروفيسور ألكسندر فلاديميروفيتش كريلوف العلاقات الروسية- الفلسطينية بالقول: «تاريخ العلاقات الشعبية الفلسطينية- الروسية لا يعود فقط إلى عقود؛ بل إلى عدة قرون، حيث كان موقف الشعب الروسي المتعدد القوميات تجاه فلسطين يتحدد- في المقام الأول- من خلال الروابط الدينية والثقافية والتعليمية. لطالما أبدى الفلسطينيون اهتمامًا كبيرًا بالتاريخ، والثقافة، والفن الروسي. كما أسهم موقف روسيا الثابت بشأن التسوية في الشرق الأوسط الداعمة للحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، في تعاون ثنائي إيجابي وديناميكي».[1]

العودة الروسية إلى القضية الفلسطينية

في نهاية حقبة يوسِف ستالين، توقف الدعم السوفيتي لإسرائيل، بعدما تبين عدم صحة التصورات التي قدمها الشيوعيون الموالون لها عن طبيعة الصراع في المنطقة، وفي عهد سلفه نيكيتا خروشُّوف، اتخذ موقفًا مؤيدًا للحقوق العربية، وداعمًا لحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة، وبدأت رسميًّا، منذ عام 1968، العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وحركة فتح بزعامة الراحل ياسر عرفات. مع تولي غورباتشوف زعامة الاتحاد السوفيتي، وبدء برنامجه “الإصلاحي” المسمى «البيروسترويكا والغلاسنوست»، والتقارب مع الغرب، توقف تقريبًا الدعم الروسي للقضية الفلسطينية، واكتفت موسكو بدور الشريك الشرفي للولايات المتحدة، وذلك عبر دعم مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وغير ذلك من المبادرات والاتفاقيات الأمريكية.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، دخلت روسيا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، اتسمت بالفوضى الداخلية، وغياب سلطة القانون، وانتشار بؤر التمرد والصراع والحروب الأهلية في محيطها السوفيتي السابق، واحتكرت الولايات المتحدة عملية السلام احتكارًا كاملًا.

شكلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي عقدت في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2006، وفوز حماس بأغلبية مقاعدها، فرصة مثالية للعودة الروسية من جديد للعب دور في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مستغلة عدم اعتراف المجتمع الدولي بحركة حماس، وحاجة الأخيرة إلى علاقة مع قوى دولية تكسر عزلتها، وهنا تلاقت مصالح كلا الطرفين، وعقد اللقاء الأول لوفد حماس برئاسة خالد مشعل مع سيرغي لافروف، في الثالث من مارس (آذار) 2006، ونتج عنه رفض روسيا وضع حركة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية، كما فعلت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من بلدان العالم.

لقاء سيرغي لافروف مع خالد مشعل في موسكو مارس (آذار) 2006

لقاء سيرغي لافروف مع خالد مشعل في موسكو مارس (آذار) 2006

يمكن التأريخ للعودة الروسية بشكل جدي لمتابعة دورها في ملف التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية بعام 2007، الذي شهد عدة أحداث مثيرة متزامنة؛ إذ تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ترسيخ سلطته، والسيطرة على التمرد في شمال القوقاز، والقضاء على الأوليغارشية المناوئة له، التي كانت تتحكم في اقتصاد البلاد، وإلقاء خطابه الشهير أمام مؤتمر ميونخ للأمن والتعاون، الذي أعلن فيه عدم قبول روسيا بالنظام “الأحادي القطبية” الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة، وقيام حماس بانقلاب عسكري وسيطرتها على قطاع غزة.

تعددت لقاءات قيادات حركة حماس مع المسؤولين الروس، وتبع ذلك انفتاح روسي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وتسابقت بعدها الحركات والفصائل الفلسطينية الأخرى، وعلى رأسها حركة فتح، لزيارة موسكو، وبدأت روسيا تتحدث بعد هذه المرحلة عن ضرورة إنهاء “الاحتكار” الأمريكي لعملية السلام، وأنها لم تعد وسيطًا “نزيهًا”، وطالبت بدلاً من ذلك بالعودة إلى مسار «اللجنة الرباعية بشأن الشرق الأوسط»، المكونة من (الولايات المتحدة، والاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة) التي تأسست في مدريد عام 2002، لتولي مسؤولية قيادة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

سيرغي لافروف يلتقي في موسكو زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الفلسطينين

سيرغي لافروف يلتقي في موسكو زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الفلسطينية

الدوافع الروسية

أثار الموقف الروسي المنفتح على الحوار مع جميع الفصائل والقيادات الفلسطينية، تساؤلات عدة عن الدوافع الكامنة خلف هذا الموقف، خلافًا للخطاب الروسي المعلن، الذي يتحدث عن “رغبة” روسية في خلق “توافق” بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، من أجل “تقوية” موقفها التفاوضي، ولكن الواضح أن لموسكو أهدافًا أخرى، يمكن إجمالها في العناصر التالية:

  • تمثل فلسطين بالنسبة إلى الروس قيمة روحية كبرى لأصحاب الديانات الثلاث (اليهودية، والأرثوذكسية، والإسلامية)، وهم المكون الديني لسكان روسيا.
  • استثمرت روسيا كثيرًا من المال والعمل السياسي والدبلوماسي في فلسطين، سواء بدعمها لليهود والحركة الصهيونية لتأسيس “دولة” إسرائيل، أو فيما بعد بدعم منظمة التحرير الفلسطينية، والحركات اليسارية في سعيها إلى نيل الاستقلال، وتأسيس دولة فلسطينية، ولكنها خرجت في النهاية صِفْر اليدين، واحتكر الأمريكيون وحدهم عملية التسوية، والنفوذ على الفلسطينيين والإسرائيليين.
  • تدعو روسيا علنًا، منذ عام 2007، إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، تؤدي فيه دورًا رئيسيًّا، وتمثل قضية أو بالأحرى “عقدة” الشرق الأوسط، المكان الأبرز لبناء هذه القوة، وإعلان نفسها، ودورها الذي تأمل في الحصول عليه.
  • شكلت حركة حماس، وباقي الفصائل الفلسطينية الأخرى، بوابة العودة الروسية إلى ملف التسوية والمنطقة في تبادل للمصلحة بين الطرفين، وقد لفت هذا التوجه أنظار السلطة الوطنية الفلسطينية للدور الروسي الجديد المتنامي في المنطقة، وكذلك إسرائيل، وبلدان المنطقة، وهو ما جعل لموسكو دورًا لم يعد يمكن استثناؤه كما كان من قبل.
  • في ظل الوجود الروسي الذي يبدو أنه قد أصبح “راسخًا” في سوريا، نتيجة الحرب الأهلية، ووجود حدود مشتركة ومشكلات لم تُحسَم مع إسرائيل، يمكن الدور الروسي النشط في الملف الفلسطيني موسكو من الضغط على تل أبيب، وعقد مقايضات وتفاهمات تفيد وجودها ودورها في المنطقة.
  • الأمن، الذي وصفه المارشال الروسي مخموت أخمدوفيتش غاريف، في إستراتيجية الأمن القومي الروسية الصادرة عام 2008، بأنه يعني لروسيا “أمن الطاقة أولًا”، حيث تكافح روسيا لأجل تنفيذ خطة 2030 لأمن أسواق الطاقة، عبر ربط المستهلكين الكبار بشبكة من خطوط أنابيب الغاز بعقود طويلة الأجل، تضمن هيمنتها على السوق، وامتلاكها لورقة ضغط جيوسياسية، وفي ظل وجود مكامن غنية بالغاز الطبيعي، حسب أغلب الدراسات في منطقة شرق المتوسط، والخلاف بين الأطراف المتشاركة فيه بشأن ترسيم الحدود، وحجم الحصص، وكيفية توزيعها، وتأمين منصات استخراج الغاز الطبيعي من أي هجمات عسكرية، تعتقد موسكو أن بوجود علاقات قوية لها مع الفصائل والقيادات الفلسطينية كافة، وتحالفها مع سوريا، وعلاقاتها مع إيران وحزب الله في لبنان، والعلاقة المميزة مع إسرائيل، ستجعل منها طرفًا مقبولًا من كل هؤلاء المتصارعين، والضامن الأمني للشركات الراغبة في استخراج الغاز الطبيعي من المنطقة، وهو ما يمنحها قدرًا من التحكم في عملية تسويق هذه الثروات الغازية بما لا يتعارض مع مخططاتها التسويقية.
  • أخيرًا، الدور الروسي النشط على الساحة الفلسطينية، وارتباطه بقضايا أمنية تهم إسرائيل وداعميها من القوى الدولية، يشكل ورقة مقايضة لروسيا في ملفات أخرى تهمها في المنطقة، وفي محيطها السوفيتي السابق، على سبيل المثال، دعمت إسرائيل، جورجيا بطائرات مسيرة وتكنولوجيا عسكرية متطورة في حرب أوسيتيا الجنوبية عام 2008، في حين اتخذت موقفًا محايدًا من الصراع في أوكرانيا، وضم/ استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، حيث راعت إسرائيل الحقائق الجيوسياسية الجديدة للدور الروسي التي لم تكن موجودة في 2008.

لقاء دحلان- لافروف

في لقاء هو الأول من نوعه، التقى زعيم التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح، محمد دحلان، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم الثلاثاء الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني). كانت لدى موسكو ودحلان اتصالات نشطة على مدار الأعوام السابقة، ولقاءات دورية في موسكو وأبوظبي، وغيرهما من العواصم العالمية، جمعت بين دحلان والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف. وقد بدا تجنب لافروف لعقد لقاءات علنية مع دحلان، مراعاةً لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس؛ نتيجة الخلاف المشتعل بين الرجلين بشأن إدارة عباس للشؤون الفلسطينية. وفي معرض سؤالنا عما تغير ليدفع لافروف إلى عقد هذا اللقاء “العلني”، لوجود كثير من الأنباء عن عقد عدة لقاءات سابقة لم يُكشَف عنها، استطلعت «وحدة الدراسات الروسية» في «مركز الدراسات العربية الأوراسية» آراء عدة خبراء روس من العالمين بشؤون المنطقة.

لقاء سيرغي لافروف مع خالد مشعل في موسكو مارس (آذار) 2006

لقاء القيادى الفلسطيني محمد دحلان مع لافروف فى موسكو, 3 نوفمبر (تشرين الثاني)

علق الكاتب الروسي، ونائب رئيس الحركة الأوراسية العالمية ليونيد سافين، على الزيارة بالقول: «الفصائل المتصارعة في فلسطين تعتمد على قوى مختلفة، بعضها على إيران، وبعضها الآخر على مصر والسعودية والإمارات»، كما أن بعض هؤلاء الرعاة «يربطون دعمهم للفلسطينيين بمطالب سياسية لا بد من الوفاء بها»، في حين «تقدم موسكو فقط الدعم الدبلوماسي والسياسي، الذي لا يقل قيمة عن الدعم المالي، ويمكن استخدامه كرأس مال سياسي في أي مفاوضات». وهذا الدعم- بحسب رأيه- يمكن ملاحظته ” بوضوح” في “المساعدة” التي تقدمها روسيا للحكومة السورية.

يكمل سافين، بالقول: «لقد فهم العالم العربي أن موسكو- عكس واشنطن، أو العواصم الغربية الأخرى- لا تتخلى عن حلفائها»، وعلى الرغم من “الموقف النقدي” لبعض العرب، على سبيل المثال من “دعم روسيا لبشار الأسد”، أو موقفها “المنفتح على حزب الله”، فإن هذا الموقف “يلقى احترامًا حتى بين معارضي روسيا وسياساتها في المنطقة”؛ لذلك من “المفيد” لبعض القوى إظهار هذه الزيارة على أنها «خطوة نحو مرحلة جديدة في إعادة تنظيم العمليات السياسية في فلسطين». ومع ذلك، ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن روسيا «قدمت منصة لطالبان، التي تعترف بها في الوقت نفسه كمنظمة إرهابية»؛ لذلك قد تكون هناك تفسيرات مختلفة هنا- روسيا تنظر بشكل عملي براغماتي إلى الوضع الداخلي الفلسطيني، وسط “تدهور” صحة محمود عباس (حسب كثير من الشائعات)، واحتمالية “وفاته” في وقت “قريب”، وهو ما يعطي “زخمًا” إضافيًا للاعبين الفلسطينيين الآخرين للمطالبة بتولي السلطة من بعده. وبناءً على ذلك، تسعى «عدة أطراف فلسطينية، إلى جس نبض الطرف الروسي، ومعرفة توجهاته، والتواصل معه تواصلًا مباشرًا، وذلك يتم أيضًا بدعم من رعاتهم الإقليميين في المنطقة»، وعلى هذا الأساس يمكن فهم أسباب زيارة القيادي الفلسطيني محمد دحلان، الذي يترأس «تيارًا له شعبية لا يمكن تجاوزها»، ولقاء وزير الخارجية لافروف لمناقشة «الآفاق المستقبلية لوضع السلطة الوطنية الفلسطينية»، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب “استباقه لزيارة محمود عباس المتوقعة خلال أسابيع قليلة إلى موسكو”.

في حين اتفق باقي الخبراء، ومن بينهم الأستاذ في كلية الدراسات العالمية، بجامعة موسكو الحكومية، البروفيسور غريغوري كوساتش، على أن لقاء دحلان- لافروف، تسعى من خلاله موسكو إلى «عقد تفاهم فيما يبدو بين دحلان وعباس؛ لتجنب حدوث انشقاقات جديدة في حركة فتح، وضمان انتقال سلسل للسلطة متفق عليه»، وكذلك ترى في «علاقات دحلان المتميزة مع بلدان الخليج، وعلى رأسها الإمارات، عاملًا مفيدًا لدعم القضية الفلسطينية، عبر نهج هجين يستغل فيه الفلسطينيون بفصائلهم كافة علاقاتهم مع الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز قضيتهم، بدلاً من التنازع في لعبة محاور إقليمية»، كما أن «عودة دحلان إلى صفوف فتح، مع تياره الذي يحظى بشعبية، تحديدًا في غزة، يمكن أن تخلق موازنة مع الفصائل الإسلامية، وعلى رأسها حماس»؛ وهو ما يضعف حجة إسرائيل القائلة بأنها لا تجد طرفًا فلسطينيًّا “معتدلًا” لخوض المفاوضات معه.

نقطة أخرى أضافها البروفيسور كوساتش، وهي «رغبة روسيا في استغلال تأجيل الانتخابات الفلسطينية لخلق توافق فلسطيني داخل فتح، وبين فتح وحماس، وباقي الفصائل الأخرى، لتنظيم عملية انتخابية متوافق عليها مع الطرف الإسرائيلي، لصعوبة حدوث الانتخابات بدون هذا التفاهم».

الخلاصة

تشكل فلسطين روحيًّا وتاريخيًّا، وأرضًا وقضيةً سياسية، عنصرًا مهمًّا لروسيا في قضايا المنطقة للأسباب السالف ذكرها، وقد شكلت الفصائل الفلسطينية المتصارعة فرصة لها للعودة من الجديد والتأثير في هذا الصراع الممتد من عام 1948، وتمكنت عبر هذه العودة من تحقيق عدة مكاسب.

ترى موسكو الآن أن المكاسب التي حققتها من تواصلها واشتباكها بالحوار مع الفصائل الفلسطينية كافة، يمكن أن تخسرها حال ظل الصراع الفصائلي على ما هو عليه، وأنه بات في غير صالحها؛ ولذلك تسعى إلى خلق تفاهم وتوفق فلسطيني- فلسطيني، يمكنها من القول إن هناك موقفًا فلسطينيًّا موحدًا يدفع إلى عودة المفاوضات من جديد.

يعتقد بعض الخبراء أن بإمكان موسكو أن تؤدي دورًا أكثر فاعلية من واشنطن، لا سيما في ظل تراجع أهمية الشرق الأوسط للأخيرة، وأن تستغل علاقاتها بتركيا وإيران ووكلائهما في المنطقة، وسوريا وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية وباقي القيادات والفصائل الفلسطينية الأخرى، مع ما تتمتع به من علاقة مميزة مع مصر والأردن من ناحية، وبلدان الخليج العربي من ناحية أخرى، وفي ظل وجودها العسكري في سوريا، لتتمكن من التوصل إلى صفقة تسوية كبرى تشمل، إلى جانب فلسطين، سوريا ولبنان؛ للتفرغ بعدها لمشروعات التنمية، وإعادة إعمار سوريا.

يشكل القيادي الفلسطيني محمد دحلان عامل ثقل موازن، حسب المراقبين الروس، وحال نجحت روسيا في عقد مصالحة بينه وبين محمود عباس، وتوحيد كلتا الكتلتين من جديد؛ فإن هذا يمكنه أن يغير المشهد السياسي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر عقدها قريبًا.

يشكل العامل الإسرائيلي عنصرًا مهمًّا في التحرك الروسي نحو سوريا والقضية الفلسطينية، ورغم ما بدا من جفاء بين موسكو والحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينت (أول رئيس وزراء لإسرائيل من أصول ليست روسية)، فقد عقد مؤخرًا لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استمر خمس ساعات في مدينة سوتشي، وقرر بعد ذلك مد زيارته يومًا آخر لمزيد من المفاوضات، وفيما يبدو أن هناك تفاهمات تم التوصل إليها بين الطرفين، تستدعي تنسيقًا روسيًا عالي المستوى مع الطرف الفلسطيني، وتشكيل جبهة قادرة على بدء مفاوضات جديدة، كما يعتقد كثير من المراقبين.


شارك الموضوع