مختارات أوراسية

نحو الغالبية العالمية

روسيا بعيدًا عن الحضارة الأوروبية الأطلسية


  • 3 أكتوبر 2022

شارك الموضوع

الكاتب: البروفيسور سيرغي كاراغانوف، عالم سياسي روسي، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي، عميد كلية الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو.

التغييرات الحاصلة في العالم، التي تكتسب يوميًّا زخمًا جديدًا، تجعل من المستحيل إجراء أي تحليل أساسي ومنهجي لما يحدث: “كل التوقعات عديمة الفائدة”، لكني سأقتصر على الملحوظات بشأن بعض الاتجاهات العامة التي- كما يبدو لي- يجب أن يأخذها في الحسبان أولئك الذين يتخذون قرارات سياسية مسؤولة.

سأبدأ بفكرة واضحة، لم تُطبَّق بعد تطبيقًا كاملًا من جانب النخبة الروسية: “اقتصادية، وفكرية، وجزء منها سياسي”. انتهت الفترة التي حاولت فيها روسيا الاندماج في النظام الدولي الذي أنشأه الغرب بشكل أساسي، وكان من الأفضل لو حدث ذلك الانفصال منذ فترة مبكرة. تحول الصراع الآن بين روسيا والغرب إلى مواجهة مباشرة عبر نموذج الحرب الهجينة، وذلك منذ وقت طويل. بغض النظر عن الوضع على الجبهات الأوكرانية، أوكرانيا هي الساحة الأكثر صلة وظهورًا، ولكنها ليست الساحة الوحيدة، وربما لن تكون الساحة الرئيسية لهذه المواجهة. هذا الوضع- من بين أمور أخرى- مؤلم لنا، وكان ثمنًا ضروريًّا علينا دفعه للتخلص من درب الماضي بعد فترة طويلة نسبيًّا من الأوهام والأخطاء التي تم ارتكابها على مدار السنوات الخمس والثلاثين الماضية. أما الجواب عن سؤال: ماذا سيكون المستقبل؟

الشيء الوحيد الواضح، أنه في الفترة الأولى من حدوث التمرد على الوضع العالمي القائم، فإنه يجلب على البشرية “تغييرات غير مسبوقة لم يُسمع بها من قبل”. كما كتب الشاعر الروسي ألكسندر بلوك (1880-1921) هذه السطور في بداية القرن الماضي، التي تنبأ فيها بما أسماه “القرن الصعب للبشرية”. ببساطة، إن العودة إلى الوضع السابق المألوف والمريح نسبيًّا تُعد الآن أمرًا مستحيلًا.

كيف نشأت المواجهة؟

تتكشف بوضوح الآن معالم المعركة من أجل مستقبل روسيا كدولة ذات سيادة، وحضارة أصلية. تبتعد روسيا عن الحضارة الأوروبية- الأطلسية بشكلها الحديث. لقد أعطت روسيا الكثير، لكن من نواحٍ كثيرة لم تعد هناك حاجة إليها، فضلًا عن حقيقة وجود تعارض- بشكل متزايد- بين الطرفين بشأن التقاليد التاريخية الوطنية والمواقف الثقافية والقيم. وفي المقابل، المنطقة الأوروبية- الأطلسية نفسها تتدهور بسرعة، حتى من وجهة نظر نظام الإحداثيات الخاص بها.

سأكرر بعض الأطروحات التي سبق أن نشرتها عن الأسباب الكامنة وراء انفجار النظام الدولي:

  • فقدان التفوق العسكري من جانب الغرب- أساس هيمنة الغرب في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، على مدى القرون الأربعة إلى الخمسة الماضية، كان أولًا وقبل كل شيء التفوق العسكري.
  • استنفاد النموذج الحالي للرأسمالية (الاقتصاد العالمي)، والنمو اللامتناهي للاستهلاك، وتمويل جميع الصناعات، وطمس الخط الفاصل بين الحقيقي والافتراضي، وهو ما أدى إلى تآكل فادح للأساس الأخلاقي، الذي بفضله كانت الرأسمالية في يوم من الأيام مفتاح التقدم (هذه المشكلة ذات صلة أيضًا بروسيا).
  • تقليد النموذج الغربي، وغالبًا عبر نسخه الأكثر أنانية، لحل المشكلات العالمية الحقيقية- تدهور البيئة الطبيعية، والمناخ، والأوبئة، وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية، وتفاقم وضع الحصول على الغذاء، والهجرة، وهلُّم جرّا. كل هذه المشكلات تزداد سوءًا.
  • السبب الرئيسي للانفجار وسمته الرئيسية هو صعود غير الغرب، كما نسميه، بسبب المركزية الغربية المعتادة في التفكير واللغة (على وجه الخصوص وبسبب فقدان التفوق العسكري). سيكون من الأصح تسمية هذه المجموعة من الدول والشعوب بالأغلبية العالمية؛ لأن الغرب في السياق الإنساني العام هو أقلية واضحة ومتقلصة، وقد استعرت من الكاتب الروسي فيودور لوكيانوف، هذه الصيغة. يقترح زملاء آخرون تسمية هذه المجموعة من البلدان بالشرق الكبير. دعونا نرَ أي مصطلح هو المناسب، ولكن عدم وجود الغرب ليس جيدًا بالتأكيد.

هناك أيضًا أسباب أخرى أكثر تفصيلًا تعود إليها هذه التغييرات، من بينها تدهور النخب القيادية في معظم الدول الغربية، بما في ذلك بسبب التطور الهادئ الطويل الأمد للأنظمة السياسية الديمقراطية نسبيًّا، التي (كقاعدة عامة معادية للجدارة). تُظهر النخب الحالية عجزها في مواجهة المشكلات المتراكمة، وتصاعد التناقضات فيما بينها، والإصرار على حصر النفوذ العالمي وفقًا للمعايير التاريخية. إن إثارة أزمة بشأن أوكرانيا، والاتحاد على العداء تجاه روسيا الذي بدأ قبل عقد ونصف العقد، هو عنصر مهم في محاولات الغرب الحفاظ على موقع متميز. تحد روسيا من قدرة الغرب على استخدام العالم كقاعدة موارد، لكن الأهم أنها تقدم مثالًا على المقاومة. سيحاولون أيضًا تقويض روسيا من أجل كشف مؤخرة الخصم الإستراتيجي الرئيسي في العقود المقبلة، وأعني بذلك الصين.

لكن عمليات التدمير الذاتي للغرب، التي عُلِّقت مؤقتًا فقط بسبب الاتحاد ضد روسيا، ستستمر. استمر هذا الضعف الغربي لمدة عقد ونصف العقد على الأقل، لكنه الآن ينتقل إلى مستوى جديد، حيث تتفاقم الميول المدمرة للعالم. لا مفر من موجات جديدة من الهجرة، لا سيما أن هذه النزاعات ترتبط بأزمة الغذاء. من خلال التراجع ومحاولة الهجوم المضاد، يدمر الغرب الأنظمة المتبقية من النظام السابق الذي نظم العلاقات الدولية، والقانون الدولي، بل يتجاهل العادات واللياقة الدبلوماسية. من المحتمل أن تحدث تغييرات حقيقية في السياسة الغربية فقط بعد ثلاث أو أربع دورات انتخابية، ثم يحدث بعدها تغيير كامل للجيل السياسي.

في العقد المقبل، ستؤدي هذه العوامل، بالإضافة إلى عدد من العوامل النظامية الأخرى إلى تنامي عدم الاستقرار، والصراع الدولي، خاصة في الجنوب والشرق، ومرة ​​أخرى في أوروبا. بغض النظر عن كيف ومتى تنتهي العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فإن مستوى التهديد العسكري في العالم ككل، وعلى وجه التحديد لبلدنا، سيظل مرتفعًا جدًّا؛ بل قد يزداد بسبب تصاعد هذا الصراع، أو غيره من الصراعات المحتومة القادمة.

المواجهة اليوم أكثر حدة مما كانت عليه خلال الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين. لقد راهن الغرب ليس فقط على الاحتواء؛ ولكن على تدمير الدولة الروسية بشكلها الحالي. لم تتصاعد الحرب (حتى الآن) إلى مواجهة عسكرية مباشرة؛ فقط لأن الاتحاد الروسي لديه إمكانات نووية قوية، لكن لا ينبغي التعويل على ذلك، فقد انتشرت بالفعل الأزمة العامة لنظام القواعد والقانون إلى المجال العسكري السياسي، مما يزيد المخاطر كثيرًا.

يحاول الغرب (خاصةً الولايات المتحدة) أن يغير اتجاه التنمية العالمية من خلال تغيير ميزان القوى العسكرية، وهو ما لم يكن في مصلحته بعد. سيظهر جيل جديد من الأسلحة مصمم لتحييد الميزة التي حققتها روسيا الآن. على أي حال، فإن مستوى الاستقرار الإستراتيجي الدولي سوف يتراجع. إن الأمل ضعيف في أن تؤدي المواجهة الحالية إلى إنعاش فكرة العدو للوحدة حوله دون مزيد من تفاقم الأزمة، وصولًا إلى تجاوز العتبة النووية، وهو أمر خطير جدًّا. أيضًا بسبب هذه الصفات المميزة للنخب الغربية، هناك حاجة ماسة إلى العمل على تقليل احتمالية نشوب حرب نووية، وخاصةً حربًا نووية حرارية كبيرة. صحيح أنه لم يتضح بعد مع من يمكن تنفيذ هذا العمل.

العلاقات مع الغرب

إن المستوى الكبير الذي وصل إليه العداء الغربي ناتج ليس فقط عن رفض روسيا اللعب بالقواعد القديمة، وليس فقط بسبب الرغبة في وقف إعادة توزيع النفوذ المتنامية بسرعة للقوى العالمية، أو خوف الأوروبيين من العودة الحتمية إلى نمط الصراعات الدولية التقليدية، بما في ذلك التنافس العسكري. بادئ ذي بدء، الدوافع موجودة داخل العالم الغربي. روسيا مهمة كعدو لصنع موقف موحد أمامها، وضرورة لتبرير حق النخب في الاحتفاظ بالسلطة في مواجهة الإخفاقات المتنامية لهذه النخب، واستنفاد نموذج التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمعات الذي نشأوا عليه، والذي ينهار الآن. ستؤدي ظاهرة الأزمة الحادة التي لا مفر منها في الغرب إلى تقويض “الإجماع” المناهض لروسيا، وستقود بعض مجموعات النخب والدول الفردية إلى محاولات التغلب على المواجهة الشاملة، لكن المشكلات الهيكلية، على العكس من ذلك، تدفع باتجاه تفاقم هذا العداء من أجل صرف الانتباه عن المشكلات غير القابلة للحل. في المستقبل المنظور، فإن الغرب (بصرف النظر عن الدول الفردية التي ستتمرد عليه، كما آمل) عدو، وغير قادر تمامًا على التفاوض، أو إبرام صفقة معقولة مع روسيا.

هناك قضية خاصة أخرى، وهي التباعد الثقافي، بالنظر إلى أكثر من ثلاثمئة عام من توجه النخب الروسية نحو أوروبا، وخمسمئة عام من تغلغل الثقافة الأوروبية والغربية في الحضارات غير الغربية، التي تتزايد الآن. النموذج المناسب لروسيا، والضروري أن تتبناه، هو أنها “حضارة الحضارات”، أو “عالم من العوالم”، بما في ذلك كونها آخر معاقل أوروبا الكلاسيكية، التي في معظمها تحتضر. على أي حال، لا يمثل التراث الثقافي الأوروبي لروسيا عقبة أمام سياستها المتعددة النواقل والثقافات، ولكنه إحدى الركائز والمتطلبات الأساسية لذلك. بعد كل شيء، تميزت أوروبا في أفضل الأوقات، وفي أفضل مظاهرها، بالرغبة في فتح آفاق عالمية جديدة. لقد ورثنا التسامح الديني والانفتاح الثقافي من حقبة الحكم التتري- المغولي لروسيا. في أثناء بناء إمبراطوريتنا لم ندمر الثقافات والنخب المحلية، على عكس الأوروبيين؛ بل استوعبنا الثقافات والنخب المحلية، وأصبحنا أوراسيين قبل وقت طويل من طرح نظريات الأوراسية. ولكن قبل ذلك، كانت الدول التي قمعت الحضارات الآسيوية العظيمة تطلق علينا اسم “الآسيويون” من باب الانتقاص منا، في حين أصبح “الآسيويون” الآن علامة على النجاح.

من المهم أن نفهم ما يلي: الصراع وجودي فقط للمؤسسة الغربية الحالية، التي نشأت في ظل الهيمنة العالمية خلال الأربعين سنة الماضية، لكنه ليس مصيريًّا لدول الغرب في ذاتها. بالطبع، كانت “الإمبريالية العالمية الليبرالية” في العقود الأخيرة مفيدة جدًّا لهم، لكن يمكنهم الوجود بدونها، ولكن بشكل أكثر تواضعًا، وأكثر هدوءًا، دون التورط في مغامرات خطيرة لا تؤيدها الغالبية العظمى من مواطنيهم، ولا تحتاج إليها على الإطلاق.

من الناحية النظرية في المستقبل (من منظور نحو عشرة إلى خمسة عشر عامًا)، يمكننا أن نتوقع تطبيعًا نسبيًّا للعلاقات بين روسيا والغرب- إذا وصلت النخب ذات التوجهات القومية إلى السلطة في أوروبا، واعترفت بالمصالح الوطنية لروسيا. يمكن لهذه الأنظمة التي ستظهر في أوروبا لا محالة، وسيكون لديها بعض سمات الاستبداد، أن تحمل أيضًا مخاطر إضافية، حتى مع الديناميكيات الإيجابية للعلاقات. في كل الأحوال، لن تكون هناك عودة إلى الماضي الذي يمكن التنبؤ به نسبيًّا.

السؤال الأوكراني

سيتم تحديد كثير من السياسات المستقبلية من خلال نتائج “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، التي لم يتم تحديد أهدافها النهائية بعد. الدفاع عن دونباس، وتحرير شرق أوكرانيا وجنوبها، أهداف واضحة، ولكن “نزع النازية” (أو القضاء على القومية الأوكرانية العدوانية) ممكن فقط في حال الاحتلال الكامل لإقليم أوكرانيا الحالية، وتطهيرها سياسيًّا. هذه المهمة يصعب تحقيقها في عالم اليوم، كما أنها تتعارض مع القيم الأساسية لشعوبنا.

نزع السلاح الكامل، ولا ينبغي أن يكون الأمر خلاف ذلك، والوضع المحايد للدولة الأوكرانية، وتحرير واستعادة الشرق والجنوب الشرقي، أمور يمكن تحقيقها، لكن من أجل ذلك، تحتاج روسيا إلى أن تكون جاهزة سياسيًّا وأخلاقيًّا واقتصاديًّا لعملية عسكرية طويلة الأمد، مع تبني خطاب خلفه استعداد جاد للتصعيد مع الغرب عبر استخدام السلاح النووي استخدامًا محدودًا (بدون هذا التهديد الجاد). من غير المرجح أن تتراجع الولايات المتحدة، وخلفها الغرب، للتوصل إلى اتفاقيات نهائية، لا مجرد هدنة مؤقتة. ستتطلب محاولة تحرير كل أو معظم أراضي أوكرانيا الحالية (باستثناء غاليسيا، وبوكوفينا، الأراضي الغربية لأوكرانيا) تعبئة طويلة المدى، وزيادة حادة في تكلفة العملية العسكرية، وخسائر أكبر في الأرواح.

الذكريات التاريخية واضحة تمامًا، إذا لم تنته المعركة الأوكرانية بالنصر، فإن مصداقية السلطة العليا في الكرملين، وجوهر النظام السياسي الحالي، والبلد نفسه، سوف تتقوض كلها لا محالة. ستزداد احتمالية حدوث سيناريو فبراير (شباط) 1917 من جديد، وهو أكثر الأحداث مأساوية في التاريخ السياسي لروسيا منذ زمن الاضطرابات في بداية القرن السابع عشر. في أغسطس (آب) 1991، كان هناك على الأقل جزء من النخبة الروسية لديه القدرة والاستعداد للاستيلاء على السلطة، على الرغم من كل ما اعترى هذه النخبة من مظاهر سوء. الفرق بين المخاطر الحالية وما كان في نهاية القرن العشرين هو أن: “العالم الغربي لم يضع حينئذٍ مهمة القضاء على روسيا، ولم يكن يؤمن بإمكانية عودتها من جديد كقوة عالمية رائدة، وقد حدث ذلك الآن. إذا تعثرنا، سيحاولون حل المشكلة الروسية حلًا نهائيًّا، عبر تفكيك الدولة الروسية نفسها”.

كما وصف الأديب الروسي ألكسندر سولجنيتسين (1918- 2008)- بدقة- أحداث فبراير (شباط) 1917، كانت خيانة النخب هي الحافز الأساسي لسقوط نظام القيصر. الآن يتناقص احتمال هذا الخيار؛ لأن ظروف الكرملين وسياساته في السنوات الأخيرة أسهمت في “تأميمهم”، لكن تقديم دعم طويل الأمد للمجتمع ليس بالمهمة السهلة، خاصةً في مواجهة انخفاض مستويات المعيشة نتيجة الحرب الاقتصادية التي تمتد آثارها إلى الغرب أيضًا. ومع ذلك، فمن الخطر المراهنة على أن الغرب سيتعثر أولًا. لنتذكر تاريخ (1916- 1917)، عندما كان الألمان يخسرون الحرب، ويتدحرجون في هاوية اجتماعية عميقة، وراهن الجميع في روسيا على ذلك، لكن روسيا كانت هي أول من سقط في الواقع؛ بسبب الخلاف الروسي، وتصرفات هيئة الأركان العامة الألمانية التي غذت الحرب، والدور الذي أدّاه البلاشفة. يمكن مواجهة هذا السيناريو من خلال مسار التعبئة الداخلية، واستغلال الصدام الحالي مع الغرب (بما في ذلك في أوكرانيا) على أنه حرب وطنية روسية جديدة، لكن هذا الخطاب يمكن أن ينفر قطاعات كبيرة من المجتمع ضد السلطات والدولة، بعدما اكتسبت عدة قطاعات روسية حياة مريحة، ومستوى من الرفاهية النسبية، بعد أن نجت من قرابة قرن من الصعوبات قبل ذلك.

بعد تحرير معظم المناطق الشرقية والجنوبية لأوكرانيا، يمكن عندئذٍ فقط الحديث عن هدنة، مع أن اتفاق سلام قويًّا نسبيًّا ليس ممكنًا بعد. إضافة إلى ذلك، هذا ممكن فقط في إطار اتفاق عام، بما في ذلك إنشاء نظام جديد للأمن الأوروبي/ الأوراسي، لم تظهر معالمه بعد، ولا يوجد استعداد من المشاركين المحتملين الآخرين للعمل عليه.

على أي حال، بغض النظر عن كيفية حل الوضع الأوكراني، فإن الأمر يستحق الانطلاق من احتمال مواجهة طويلة (نحو خمسة عشر عامًا) متموجة مع الغرب على خلفية زيادة شبه عالمية في الصراع والفوضى في العالم بأسره.

تحصين روسيا دون انعزالها

تتطلب المعركة من أجل بقاء روسيا، والانتقال إلى مستوى جديد من تطورها، تنظيمًا مختلفًا للبلد، والمجتمع. التعبئة الحديثة مطلوبة. يجب أن يكون جوهرها، أولًا وقبل كل شيء، في الكشف الأقصى عن إمكانات الفرد الروسي، وتشجيع التنمية الداخلية الاقتصادية والتكنولوجية والفكرية والروحية والبشرية. بطبيعة الحال، فإن الاستبعاد من عدد من الفرص الدولية يخلق عقبات. من ناحية أخرى، فإنه يحفز الحاجة إلى البحث عن طرق غير قياسية لحل المشكلات الناشئة، ويجعل من الضروري تركيز الموارد، وتوجيهها بكفاءة، والتحرر من عدد من القيود المرتبطة بالالتزامات تجاه الأطراف الخارجية التي تم اتخاذها لصالحهم.

راج في الفترة الحالية مصطلح بناء “الحصن الروسي”. دون تفسير معنى هذا المصطلح، سيبدو غير دقيق؛ لأنه يفترض العزلة والاكتفاء الذاتي، لكن هذا الأخير في ذاته يمثل تهديدًا أيضًا، فهو قانون تاريخي ثابت، حيث يدفعك خصومك نحو تبني نموذج الاكتفاء الذاتي عبر الحرب الاقتصادية؛ ومن ثم الانغلاق والتخلف. لا يمكن لروسيا أن تنغلق على التعاون، بما في ذلك التعاون الفكري مع الأغلبية في العالم. حسنًا، وبالطبع، مع تلك الدول الغربية التي ستكون على استعداد للتفاعل البنّاء معنا.

تحتاج روسيا إلى تحقيق عدد من الأهداف غير المعلنة إلى حد كبير، ولكنها واضحة، وهي:

أولًا: التأميم النهائي للنخب الروسية، واستبعاد العناصر والمشاعر الكومبرادورية والموالية للغرب. يحدث هذا جزئيًّا بسبب هجرة أكثر المعارضين للسلطة تطرفًا، والخوف من أن يتم طرد بقيتهم الباقية من المؤسسة. يؤدي تأثير التدابير الخارجية للضغط الاقتصادي، وكراهية روسيا في الغرب، دورًا مهمًّا، مما يُفضي إلى شعور داخلي بأن “الغرب سيتغلب علينا”. حتى الآن، لم يتم التطرق إلى مشكلة التغريب الثقافي والفكري، وهي عادة إدراك الأحداث من منظور مصادر المعلومات الغربية، بالاعتماد على التقييمات والنظريات القادمة من الغرب.

جزء كبير من مثقفي روسيا اليوم، وخاصة أولئك المنخرطين في العلوم الاجتماعية، مشبعون بعمق بالنظرة العالمية التي جاءت من الغرب. مطلوب من المجتمع الفكري العمل بشكل مكثف على إنهاء استعمار الوعي، والابتعاد عن السياسة الخارجية والتوجه الثقافي والإعلامي تجاه الغرب. إن نقطة التحول ليست أن نستبدل بالثقافة الغربية ثقافة أخرى معادية وعدوانية للغرب، فهذا لن يغير أي شيء في الواقع؛ لأنه سيعني الدرجة نفسها من الاعتماد العقلي فقط، مع الإشارة المعاكسة. المهمة مختلفة؛ نحن بحاجة إلى فتح آفاق أوسع لسياستنا ومجتمعنا.

مع تراجع نفوذ الغرب في السياق الدولي، من الخطأ أن نوليه كثيرًا من الاهتمام. الغرب جزء مهم من العالم، لكنه جزء فقط، وأقل أهمية، وليس كل العالم. في الصورة المعلوماتية والفكرية لروسيا، لا يوجد تقريبًا أشخاص، أو متخصصون، أو نفوذ، أو تأثير، أو متابعة لما يجري مثلًا في إندونيسيا، وماليزيا، والبرازيل، والأرجنتين، والمكسيك، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا، والسودان، وإثيوبيا، وحتى في الصين والهند. هناك حاجة إلى تكثيف حاد وسريع في صنع متخصصين جدد، وتوسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع مناطق مختلفة من العالم، وزيادة كبيرة في دراسة وتدريس تخصصات مثل الدراسات الشرقية، والدراسات الإفريقية، والمعرفة بشأن أمريكا اللاتينية.

ثانيًا: يجب أن يكون البلد، والمواطنون، ورجال الأعمال، مستعدين لعشرة إلى عشرين عامًا من الحياة والتنمية في ظروف الفوضى العالمية الدولية المتزايدة، وتمزق العلاقات المعتادة في الاقتصاد، والمعلومات، وانحلال العولمة البشرية. يتطلب هذا نظامًا اقتصاديًّا مختلفًا نوعيًّا- أكثر تحكمًا من الأعلى، ولكنه أكثر ليبرالية، ومترابط من الأسفل. يبدو أن هذا الهدف قد أُعلن بالفعل في روسيا، لكن العملية لا تزال مستمرة بشكل شبه تلقائي، حيث يعوقها الجمود البيروقراطي الروسي المعروف، والمقاومة السلبية للنخب، التي ترتبط اهتماماتها ومواقفها العقلية بالنظام العالمي السابق. يجب أن يفهم المجتمع أن هذا لا يتعلق برغبات أو طموحات ذاتية لشخص ما؛ بل يتعلق بكفاح طويل وشاق من أجل بقاء الدولة والمجتمع في عالم شديد التنافسية وخطير. هذا هو سبب الحاجة إلى بنا “الحصن”.

ثالثًا، وهي المهمة الأكثر أهمية: ضمان أقصى قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي للاقتصاد الروسي في مواجهة ليس فقط عداء الغرب؛ ولكن في مواجهة انهيار نموذج العولمة (1980- 2000). يجب على المجتمع أن يفهم أسباب ذلك، وأن هذا الانهيار ذو طبيعة موضوعية، تسارعت تسارعًا حادًّا من خلال تصرفات الغرب في السنوات الخمس عشرة الماضية (بعد بدء الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008)، والحرب الاقتصادية على روسيا، التي تهدف إلى القضاء عليها، وعلى النموذج السابق للعولمة، تلك الحرب التي اكتسبت زخمًا منذ عام 2014، ووصلت إلى ذروته عام 2022. يجب أن يكون الأساس هو فهم أن السياسة الاقتصادية الليبرالية المعولمة ليست غير مربحة لروسيا فحسب؛ بل إنها تنهار أمام أعيننا على نطاق عالمي. الاعتماد المتبادل على أساس دولي ينقلب نحو الجانب السلبي في كل مكان.

رابعًا، وأخيرًا: يجب على المجتمع الفكري أن يقوم بعمل منهجي على سيادة المجتمع، وأن تكتسب النخبة نفسها استقلالية الوعي. من الواضح أن العلوم الاجتماعية لا يمكن أن تكون فوق وطنية وعالمية. وكقاعدة عامة، هي تعكس مصالح نخب البلدان التي نتجت فيها، والسمات الجيوسياسية والتاريخية للأخيرة. قدمت سابقًا كثيرًا من البراهين على هذه الأطروحة، على سبيل المثال، التصريحات القائلة بأن الأراضي والموارد الطبيعية ستكون أقل أهمية من رأس المال المالي أو الرقمي في المستقبل، وأن أهمية القوة العسكرية آخذة في التراجع، وأن النفط والغاز سلع لا مستقبل لها، وما شابه ذلك. خبراء العلوم الاجتماعية الغربية يركزون على احتياجات مجموعات محددة جدًا من الدول والنخب. تم الترويج لأطروحة الانخفاض في قيمة اليابسة، واكتساب الأراضي الجديدة بشكل أساسي من جانب القوى البحرية، التي استفادت من التدمير المتعمد للاتصالات داخل القارات، خاصة في أوراسيا. والنتيجة هي أنه لا يزال هناك قليل من الاتصال في روسيا بين المناطق، خاصةً في سيبيريا، والتخلف الصارخ في النقل بين الشمال والجنوب الذي يربطنا بآسيا. هذا مجرد مثال آخر على الاقتراض غير النقدي للأفكار الأجنبية والضارة. وينطبق الشيء نفسه على الاعتقاد شبه العالمي الحديث، بما في ذلك اعتقادنا أن العولمة الاقتصادية ستتوسع وتتعمق.

إن عناصر العولمة- المالية، والطاقة، والسلع، والمعلومات، والترابط الاقتصادي- لن تختفي تمامًا، ولكنها ستضعف. إنهم يتراجعون أمام موجات تأميم وأقلمة السياسة والاقتصاد المذكورة أعلاه. لن يتم حل المشكلات العالمية في العقد القادم عمليًّا على المستوى الدولي. المنافسة الشرسة ستجعلهم إما في الخلفية، وإما ستُخضعهم إذا عاندوا. كان هنري كيسنجر محقًّا عندما صاغ مفارقة قبل نحو خمسة وعشرين عامًا: “عولمة المشكلات تحدث في حين يتم تأميم أدوات حلها”. ومع ذلك، من الضروري أن نكون مستعدين فكريًّا وتنظيميًّا للتعاون في المقام الأول في إطار الغالبية العالمية. قد تصبح هذه المشكلات يومًا ما أساسًا للتفاعل الإيجابي مع الغرب، لكن هذا احتمال بعيد المنال إلى ما لا نهاية.

لا ينبغي أن يؤدي حل المهام المدرجة، بما في ذلك المهام الأيديولوجية، إلى السعي نحو خلق إجماع جديد وهمي، أو عبر القمع الفكري. لقد مررنا بهذه التجربة بالفعل في الحقبة السوفيتية، وكانت أحد أسباب فشل روسيا خلال الحقبة السوفيتية؛ لأننا- ببساطة- لم نعرف ولم نفهم العالم الحقيقي. الأكاذيب العامة، وإخفاء الحقيقة، قادانا إلى الهزيمة من قبل، على سبيل المثال، خلال الحرب الروسية اليابانية (1904-1905). الآن، تؤدي “الصوابية السياسية” الزائفة، و”ثقافة الإلغاء” في الغرب، إلى فقر الفكر والسياسة. ضرورة الحفاظ على حرية المناقشة والإبداع الفكري أمر أساسي وحيوي لروسيا لكي تنتصر في هذه المعركة. قل الحقيقة لنفسك، وللمجتمع، وللسلطات. المهمة ليست سهلة في ظروف المواجهة المفتوحة مع جزء من العالم، والتشديد الحتمي للنظام السياسي داخل البلاد، لكن يجب معالجة هذه المهمة معالجة منهجية، بما في ذلك من خلال الأساليب الإدارية. خلاف ذلك، سوف نخسر مرة أخرى.

مطلوب تعزيز نوعي لنظام التواصل والتفاعل بين السلطات والمجتمع والجهاز الإداري ونخب الفكر. أدّت الثغرات الحالية دورًا سلبيًّا في المرحلة الأولى من “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا- قسم كبير من المجتمع لم يكن مستعدًا لاتخاذ القرار، ولم يفهم حتمية هذه الإجراءات. كان من الممكن تجنب بعض الأخطاء التي ارتُكِبت، لو كان لدينا مجتمع فكري أكثر انفتاحًا، ونظام قادر على تدوين الملاحظات ومناقشتها، ووضع توصيات لصناع القرار للتوجه بها نحو الرأي العام؛ لذلك في السنوات السابقة، لم تُستَغَل الحماسة التي سادت المناطق الشرقية والجنوبية في أوكرانيا، والتي سميت بـ “الربيع الروسي”، عام 2014، ولا الارتباك الذي أصاب كييف ورعاتها الغربيين، وضاعت علينا فرصة كسب الصراع دون حرب. بالنسبة لي شخصيًّا، كان من الواضح أننا وصلنا إلى مرحلة من الجمود الفكري الواضح في الفترة من 2017 إلى 2018، وبسبب هذا الجمود اقتربنا أكثر نحو خطر الحرب، وهو ما حدث في النهاية. موضوع آخر، وهو النقص الحاد للخبرة لدينا فيما يخص شؤون البلدان المجاورة؛ نتيجة تركيز كل اهتمامنا الفكري على الغرب، ونسينا جوارنا القريب الذي كان وما زال وسيظل يمثل أولوية لسياستنا، وهذا يتطلب فهمًا عميقًا ودقيقًا للعمليات الجارية هناك. بدا واضحًا أن تقييمنا للوضع في أوكرانيا كان غير دقيق بالمرة.

في كثير من الأحيان، كتبت عن الحاجة إلى طرح “فكرة روسية” جديدة، وهي أيديولوجية على مستوى الدولة، وخاصة بالدولة. الآن، هناك حاجة ماسة- بشكل خاص- ليس فقط إلى تعبئة القوى الروحية للمجتمع؛ ولكن أيضًا إلى صنع أداة عملية للسياسة الداخلية والخارجية. هذه الفكرة باتت ممكنة الآن أكثر من أي وقت مضى، بل منذ الحرب الوطنية العظمى (1941- 1945). في دونباس، يقاتل الممثلون الشجعان لشعوب كل روسيا المتعددة القوميات، ويموتون جنبًا إلى جنب. في هذه الحالة، تبدو المخاوف السابقة من أن تصبح “الفكرة الروسية” أيديولوجية خطيرة، وتنطوي على أفكار عرقية، لا أساس لها.

الفكرة الروسية للعالم أكثر وضوحًا. نحن “حضارة الحضارات”، على أرضنا جمعنا الشرق والغرب، وجميع الأديان، والشعوب، والحضارات، والأعراق، نحن حصن لكل معارضي الاستعمار الجديد، ومؤيدون عمليون عبر ممارستنا الحية للتطور الحر للحضارات والثقافات المختلفة. نحن نؤيد حق كل فرد في العيش وفق مبادئه وعاداته، ونقف ضد أي هيمنة أو ادعاءات بالحقيقة المطلقة. نضالنا الحالي ضد توسع الغرب، نحن لسنا ضد الغرب في المطلق؛ ولكننا ضد الأسوأ في الغرب الذي يراد لنا تبنيه. أوكرانيا نقطة انطلاق مركزية في نضالنا من أجل نظام عالمي جديد عادل. الرئيس فلاديمير بوتين ذكر كل هذه الأفكار تقريبًا بطريقة أو بأخرى. يبقى أن نعيد صياغتها في أسطر محددة وواضحة، وأن نروج لها ترويجًا هادفًا.

نحتاج- بالطبع- إلى سياسة خارجية جديدة، من خلال حل المشكلات الأمنية الأكثر حدة، التي كانت أوكرانيا المعبر الأكبر عنها، ولكن في إطار “عملية عسكرية خاصة”، تم تقييد أيدي روسيا جزئيًّا، وضعف موقعها على الساحة العالمية الكبرى تكتيكيًّا، حيث اضطرت إلى تركيز مواردها على الاتجاه الأوكراني الأوروبي، لكن هذا تصحيح ضروري وحتمي، وفاتورة لا بد من دفعها؛ ثمنًا لأوهام الماضي، والكسل العقلي. إذا اكتملت العملية بنجاح، فسيتم تعزيز مكانة موسكو في العالم بشكل نوعي؛ أولًا: ستُحَل الأزمة الأمنية الأكبر لروسيا في جناحها الغربي. ثانيًا، وربما يكون هذا هو الأهم: ستعلن روسيا نفسها دولةً قادرةً على تغيير ميزان القوى العام بشكل كبير على المسرح الدولي، وتحديد اتجاه السياسة العالمية.

ما نحتاج إليه بعد ذلك هو سياسة خارجية تهدف- في المقام الأول- إلى خدمة المهام الداخلية.

لكن التسرع المستمر في احتضان الجميع لا معنى له. حان الوقت لتحقيق فكرة بسيطة، ولكنها جديدة لنا. يتمثل أكبر إسهام لروسيا في تشكيل نظام عالمي جديد في تطوير نفسها بنجاح، وضمان الاستقرار في أوراسيا، على الرغم من الاضطرابات العالمية. يجب أن تستهدف إستراتيجية السياسة الخارجية الفوائد الاقتصادية التي تضمن- أولًا- التنمية الداخلية في ظروف الاستقلال الحقيقي، والاعتماد على الذات السائد.

أكرر، كل هذه المهام في سياق مواجهة منهجية طويلة الأمد مع جزء مهم من العالم (الغرب) لا يمكن تحقيقها دون نقل السلطات والمجتمع إلى حالة من التعبئة الأيديولوجية والتنظيمية. السؤال هو: ما المستوى الذي يجب أن تكون عليه؟ حتى الآن، تظهر فقط عناصرها. إما أن السلطات لم تدرك بعد، وإما أنها تخشى أن تقول إن “عشرين عامًا بلا حرب” قد ولت. لقد فُرضت علينا حرب بقاء، ويجب كسبها. إذا لم نتمكن من تحمل ذلك؛ فسوف نتراجع، وسوف يلتهمنا الغرب، ويقضي علينا.

إن النظر إلى تجربة العقود الأربعة الماضية أمر محبط: “كان هناك الكثير مما لا يمكننا أو لا نرغب في فهمه”. لقد ارتكبنا كثيرًا من الأخطاء، ولكن الشيء الجيد- مع ذلك- أننا لسنا فقط على قيد الحياة؛ ولكن أيضًا لدينا فرصة للفوز، شريطة مراعاة دروس الماضي، وتطوير الانفتاح الثقافي لروسيا. يجب أن نستمر في الفوز في هذه المعركة، معركة الفكر، والثقافة، والوعي، مع أن التحديات قوية، وغير عادية من نواحٍ كثيرة. من الضروري عدم فقدان التركيز على المستقبل، وبالطبع استعادة الشجاعة الروسية، عبر العمل الجاد[1].

 

المقال يعبر عن رؤية الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز ولا هيئة التحرير


شارك الموضوع