أبحاث ودراساتالطاقة والبيئةمختارات أوراسية

المبادئ والنهج.. رؤية من روسيا

استعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران



شارك الموضوع

لعبت الأفكار والجهود الدبلوماسية الروسية دورًا رئيسيًّا في التفاوض وصولًا لاعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) لحل الموقف مع البرنامج النووي الإيراني. كانت مساهمة روسيا في النتيجة الإيجابية للمحادثات بين مجموعة من ست دول (بريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا والولايات المتحدة) وإيران متعددة الجوانب. وقد تراوحت بين المفاهيم والأساسيات الشاملة مثل «النهج التدريجي والمتبادل» إلى مقترحات تقنية بحتة بشأن معالجة الجوانب المختلفة للوضع الصعب والمتناقض إلى حدٍّ كبير (مثل إعادة تحديد الغرض وتحويل مرفق تخصيب اليورانيوم في فوردو). كذلك كانت المساعدة التي قدمتها شركة روساتوم الحكومية للطاقة النووية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية الروسية، عاملًا حاسمًا سُمح لطهران بجعل برنامجها النووي متوافقًا مع الأطر المتفق عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي تمكين الأطراف من بدء التنفيذ العملي لخطة العمل الشاملة المشتركة في 16 يناير (كانون الثاني) 2016.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية والخطوات المحدودة التي اتخذتها إيران لتقليل الامتثال للاتفاق ردًّا على هذا الانسحاب، تدعو روسيا باستمرار إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، والتي ينبغي أن تشمل جميع الأطراف الأصلية في الصفقة لاستئناف امتثالهم الكامل لشروطها. أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في بيانه في مؤتمر موسكو لمنع انتشار الأسلحة النووية لعام 2019، إلى أنه: «على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها واشنطن، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تفقد أهميتها. لقد جعلت من الممكن حل جميع الأسئلة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطهران، وأقامت نظامًا من الشفافية القصوى بشأن البرنامج النووي الإيراني، ونحن مقتنعون بأنه سيكون من مصلحة جميع الدول الحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة وتهيئة الظروف المواتية للوفاء المستمر والشامل والجاد خلال الإطار الزمني المتفق عليه».

خلال مؤتمر صحفي بعد محادثات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 24 سبتمبر (أيلول) 2020، أكد الوزير لافروف، أيضًا أن: «الطريقة الوحيدة للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة هي ضمان الوفاء المتسق والشامل من قبل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك جميع التزاماتهم. مع الامتثال الصارم للشروط والأطر الزمنية المتفق عليها في عام 2015، والتي تمت صياغتها رسميًّا في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231».

خلال حملته الانتخابية الرئاسية، قال جو بايدن في عدة مناسبات إنه سيكون مستعدًّا لاستئناف مشاركة الولايات المتحدة في خطة العمل الشاملة المشتركة في حالة فوزه في الانتخابات. وكتب في مقال رأي لموقع «سي إن إن» الإلكتروني: «إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى الاتفاقية كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات على باقي الملفات الأخرى». وكرَّر موقفه هذا بعد الانتخابات الرئاسية.

في هذا التقرير، يعرض ثلاثة خبراء روس وجهات نظرهم الشخصية حول المبادئ والنهج الرئيسي لاستئناف الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة من قبل جميع الأطراف الأصلية في الصفقة، وحول الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في هذه العملية.

عندما يشير المؤلفون إلى «استعادة الفاعلية» و «استئناف الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة» في هذه الورقة، فإنهم ينطلقون من افتراض أن جميع الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة تقريبًا منذ انسحابها من الصفقة، وكذلك خطوات الرد عليها التي اتخذتها طهران، قابلة للعكس. هناك عدد قليل من «الأمور التي لا رجعة فيها»، مثل التطوير المستمر للمعرفة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم (البحث والتطوير) أو الوضع في منشأة فوردو- لكن هذه المتغيرات لا تمثل عقبات لا يمكن التغلب عليها، ومن الممكن حلها بشكل فعال من خلال إيجاد آلية جديدة للجنة المشتركة كما يمكن لواشنطن وطهران حل قضية التعويضات التي تثيرها إيران إذا توفرت الإرادة السياسية الكافية لدى الجانبين.

العوامل الرئيسية للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة

قبل مناقشة استعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة، دعونا نلقِ نظرة على العناصر الرئيسية التي سهلت أولًا عملية التفاوض المستدامة، ومن ثم أتاحت التوصل إلى اتفاق بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو (تموز) 2015. نحن نعتقد أن هذه التجربة لها تأثير كبير من الأهمية للجهود المبذولة لاستعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة.

العوامل التي سهَّلت عملية التفاوض الناجحة تشمل اعتراف إدارة أوباما بأن العقوبات لا يمكن أن تجبر طهران على التخلي عن تطوير التقنيات النووية وأن التقدم النووي الإيراني لا يمكن إيقافه بالوسائل العسكرية. وأن أي ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية لن تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة كان قرار واشنطن بالتخلي عن فكرة السعي لتغيير النظام في إيران في تلك المرحلة واستعدادها للتعايش السلمي مع إيران قرارًا أساسيًّا آخر على طريق التقدم في قضية البرنامج النووي الإيراني.

خلقت إستراتيجية واشنطن الجديدة المتمثلة في متابعة حل دبلوماسي للمسألة النووية الإيرانية وسياستها في التعامل المباشر مع طهران الظروف اللازمة لتطوير عملية التفاوض بين «المجموعة السداسية» الدولية وإيران. وفي الوقت نفسه، لعبت الإرادة السياسية على أعلى المستويات – خاصةً في واشنطن وطهران – دورًا رئيسيًّا في جعل هذه العملية مستدامة وتمكينها من الوصول إلى نتيجة ناجحة.

من بين العناصر الأساسية الأخرى للنجاح، كانت الرغبة الإيرانية والأمريكية في السعي لتحقيق تسوية جادة (تم الاتفاق على إطارها العام في سلسلة من الاجتماعات الثنائية السرية في سلطنة عمان) واستعداد جميع الأطراف في عملية التفاوض متعددة الأطراف للسعي إلى نتائج مبنية على أساس توازن دقيق للمصالح تشمل الحقوق وكذلك المسؤوليات.

من العناصر الرئيسية الأخرى للنجاح في المحادثات قرار جميع الأطراف بالتركيز على قضية البرنامج النووي الإيراني وعزله عن القضايا الإقليمية، وكذلك عن برنامج الصواريخ الإيراني.

تعزَّزت فاعلية المفاوضات من خلال توفر قنوات متعددة للمحادثات في وقتٍ واحد. يمكن أولًا مناقشة الحلول الفردية ومسودات القرارات على المستوى الثنائي (في الصيغة الإيرانية الأمريكية، أو روسيا وإيران، أو المجموعة الأوروبية وإيران، أو روسيا والولايات المتحدة) ثم على نحو متعدد الأطراف من قبل جميع المشاركين. في بعض الأحيان، تمت مناقشة قضايا محددة من قبل عدد صغير جدًّا من الأطراف التي لديها أكبر قدر من المساهمة.

كان من المهم جدًّا لإجراء حوار متعدد الأطراف وفعال، أن الأطراف كانت على استعداد لفصل المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني وعزله عن التأثير السلبي لخلافاتهم العديدة على مسائل أخرى (بما في ذلك الانقسامات العميقة بين موسكو وواشنطن بشأن سوريا وأوكرانيا والعقوبات).

أخيرًا، يجدر إبراز دور العلاقات الشخصية بين المفاوضين. على الرغم من الاختلافات والانقسامات العميقة للغاية في بعض الأحيان حول مسائل السياسة، تعامل المشاركون في الماراثون التفاوضي مع بعضهم البعض باحترام عميق، والتي نتج عنها روح تعاون مفيدة، أدت إلى النجاح النهائي للمحادثات.

استعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة: المبادئ والنهج

تحديد الأهداف، كما ذكرنا سابقًا، يشير مصطلح «استعادة الفاعلية» إلى التوصل إلى نتيجة تستأنف فيها الولايات المتحدة بالكامل مشاركتها في الاتفاق النووي والامتثال له بعد الانسحاب من جانب واحد في مايو (أيار) 2018، ثم اتخاذ عدة خطوات تتعارض مع خطة العمل المشتركة الشاملة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2231) خاصة فيما يتعلق بالعقوبات ضد إيران، مع عودة إيران بالتوازي إلى امتثالها الكامل لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة.

الجانب العملي من المسألة. يجب أن يشتمل على استعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي تعني في المقام الأول رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ووقف الجهود النووية الإيرانية غير المسموح بها في المرحلة الحالية من خطة العمل الشاملة المشتركة. من جانبها سيتعين على إيران خفض مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الحدود القصوى المتفق عليها واستعادة وضع التشغيل المتوافق مع خطة العمل الشاملة المشتركة في منشأة فوردو (ربما مع بعض التوضيحات المتفق عليها والتي يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليها من خلال قرارات اللجنة المشتركة من أجل معالجة «اللارجعة» المذكورة أعلاه). سيتعين على إيران أيضًا إدخال أسطولها من أجهزة الطرد المركزي في حالة امتثال نوعي وكمي لخطة العمل الشاملة المشتركة.

على حد علمنا، لا يرى الفريق الدبلوماسي للرئيس روحاني أي مشاكل مستعصية قد تعرقل حلًّا سريعًا لهذه القضايا من جانب إيران، على الرغم من أن التفاصيل العملية قد تتطلب بعض العمل من قبل الخبراء (بما في ذلك الجهود المشتركة)، وبعض هذه التفاصيل قد تستغرق وقتًا لتنفيذها. قد تكون هناك حاجة لإعداد نوع من «خارطة الطريق» لعودة واشنطن وطهران إلى الامتثال الكامل والشامل لخطة العمل الشاملة المشتركة. هناك أيضًا بعض الجوانب المحددة حيث تكون العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة أمرًا مستحيلًا. تشمل هذه الجوانب: «المعرفة والخبرة الهندسية الإضافية في أجهزة الطرد المركزي التي اكتسبتها إيران نتيجة لأعمال البحث والتطوير في تلك الفترة الفاصلة». بالنسبة للولايات المتحدة، قد يستغرق رفع أو التنازل عن مجموعة كاملة من العقوبات وقتًا (يعتمد مقدار الوقت على العقوبات المحددة المعنية). قد يكون الأمر معقدًا أيضًا بسبب الخلاف السياسي الداخلي حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، والذي من غير المرجح أن ينتهي إذا اتخذت واشنطن القرار السياسي بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. قد يكون رفع بعض العقوبات «غير النووية» (التي لا ترتبط مباشرة بخطة العمل الشاملة المشتركة) مستحيلًا تمامًا لأسباب سياسية محلية. سيتطلب ذلك نهجًا مرنًا من واشنطن وكذلك من طهران.

يجب أن تتضمن قائمة الخطوات الأمريكية ما يلي:

  • إلغاء المذكرة الرئاسية المؤرخة بتاريخ 8 مايو (أيار) 2018، بشأن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، واستئناف الامتثال الأمريكي الكامل لشروط الصفقة دون أي شروط مسبقة إضافية.
  • التراجع عن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 19 سبتمبر (أيلول) 2020، وكذلك أغسطس (آب) 2020. بشأن إعادة عقوبات مجلس الأمن الدولي المفروضة على إيران؛ كذلك إلغاء الأمر التنفيذي الرئاسي اللاحق الصادر في 21 سبتمبر (أيلول) 2020، بشأن فرض عقوبات على الأشخاص أو الكيانات القانونية المشاركة في توريد أو بيع أو نقل الأسلحة التقليدية أو مكوناتها إلى طهران؛ أيضًا إلغاء أي مشاريع قوانين لاحقة للكونغرس.
  • رفع عقوبات الأمم المتحدة أحادية الجانب المفروضة بعد 8 مايو (أيار) 2018، على الأشخاص والكيانات القانونية الإيرانية، وكذلك الأشخاص والكيانات الخاضعين لولاية دول أجنبية، بما في ذلك روسيا.

الجانب السياسي من المسألة

هناك العديد من أوجه عدم اليقين في الأفق السياسي التي ستقف في طريق الاستعادة الكاملة لفاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة. ستفرض هذه الشكوك بالتأكيد إطارًا زمنيًّا ضيقًا لتحقيق نجاح مبكر محدود على الأقل سيكون ضروريًّا لخلق زخم سياسي إيجابي في الولايات المتحدة وإيران وفي العلاقات بين البلدين. عدم اليقين الرئيسي هو قدرة الرئيس جو بايدن (الذي دعا إلى الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة) وفريقه الرئاسي الجديد على مقاومة محاولات إجبارهم على التخلي عن هذا الهدف أو جعله مرهونًا بشروط مستحيلة. بعد ذلك لا ينبغي لأحد أن يقلل من المخاطر المحتملة الناجمة عن حالات الأزمات المفاجئة، سواء الاستفزازات العرضية والمتعمدة، ومن الأمثلة على هذا النوع الأخير اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

أما بالنسبة لإيران، فإن حملتها الانتخابية الرئاسية ستلعب دورًا كبيرًا. من ناحية أخرى، يحتاج الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف بشكلٍ عاجل إلى وضع يمكِّنهما من إظهار علامات التحسن الاقتصادي وتأمين عمليات ضخ مالية سريعة في الاقتصاد الإيراني يمكن رؤيتها للإيرانيين.

لكن هذا لا يعني أن طهران ستكون مستعدة لتقديم تنازلات إضافية فيما يتعلق بتغيير معايير خطة العمل المشتركة الشاملة، أو قبول بعض الترتيبات الثنائية الإضافية مع الولايات المتحدة، أو حتى إجراء محادثات ثنائية منفصلة (ناهيك عن المحادثات السرية – على الأقل بالصيغة المستخدمة في 2013). ستؤدي مثل هذه التنازلات الإضافية (حال حدثت) إلى زوال سياسي فوري لروحاني وظريف والتجمعات السياسية التي يقودونها على الرغم من الفوائد الاقتصادية المحتملة. كل هذه الاعتبارات تملي الحاجة إلى إرادة سياسية لاستعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة، والاستعداد للتسوية في طهران وواشنطن، مع وجود وعي بعامل الوقت. بعد ذلك، قد يصبح «المزيد مقابل المزيد» ممكنًا مع الإدارة الإيرانية القادمة. بدون استئناف الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، ستظل الآمال في التوصل إلى صفقة محتملة مجرد تفكيرٍ بالتمني.

المبادئ والنهج

من المهم أن تلتزم جميع الأطراف في هذه العملية بمجموعة معينة من المبادئ:

أولاً: يجب ألا تكون هناك تغييرات على نص خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) نفسها. قد تميل واشنطن إلى تأجيل مواعيد نهائية معينة أو إضافة قيود على قدرة إيران الصاروخية. من جانبها، قد يكون لدى إيران مخاوف بشأن بعض عناصر الصفقة الأصلية، لا سيما في ضوء كيفية تنفيذها في 2015-2020. يمكن مناقشة مثل هذه القضايا – ولكن دون تحويلها إلى شروط مسبقة لاستعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة بشكلٍ كامل. أيضًا، يجب إجراء أي مناقشات من هذا القبيل بعد الاستعادة المذكورة، ولكن ليس قبل ذلك. يجب بذل كل جهد لتجنب الانطباع بأن إيران (أو أعضاء آخرين في خطة العمل الشاملة المشتركة) عليهم دفع ثمنٍ ما مقابل عودة واشنطن للانضمام إلى الصفقة. كما لا ينبغي إعطاء أي مصداقية لفكرة أنه سيكون من الأسهل بطريقةٍ ما على الولايات المتحدة وإيران العودة إلى نسخة «مبتورة» من خطة العمل الشاملة المشتركة (المُشار إليها باسم “JCPOA-minus”) من شأن ذلك أن يتسبب في صعوبات جديدة في إقامة توازن جديد للمصالح. كما أنه سيعقِّد إجراءات الموافقة على الاتفاقية الناتجة، حيث ستحتاج طهران، وخاصةً واشنطن بعد ذلك، إلى استكمال الإجراء الوطني اللازم بشأن اتفاقية جديدة بدلًا من الاتفاقية الحالية والتي تمت مراجعتها بالفعل. كل هذا سيستغرق وقتًا أطول، والوقت قصير جدًّا بالفعل.

ثانيًا: يجب أن يظل التركيز حصريًّا على برنامج إيران النووي. يجب أن تبقى الجهود المبذولة لاستعادة فاعلية خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) بأكملها ضمن الإطار الأصلي للصفقة؛ بعبارة أخرى، يجب أن تركز على القضية النووية ولا شيء غير ذلك. يجب الترحيب ببناء حوار موازٍ بين واشنطن وطهران (بالإضافة إلى دول أخرى) حول القضايا الإقليمية من أجل تخفيف التوترات في الشرق الأوسط – لكن التقدم في هذا الحوار لا ينبغي أن يكون مرتبطًا بإحراز تقدم في القضية النووية. ينبغي عدم صرف الانتباه وتبديد الطاقات عن المحادثات بشأن استعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة أيضًا، يجب أن تكون المفاوضات منفصلة لوجستيًّا عن الجهود المبذولة في خطة العمل المشتركة الشاملة لضمان البصيرة السياسية الصحيحة. يمكن اعتبار المناقشة الوزارية حول الوضع في الخليج العربي التي نُظمت في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 أثناء الرئاسة الدورية الروسية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمثابة خطوة أولى في هذا الاتجاه. كذلك وضع تدابير لمنع المزيد من التصعيد وإنشاء نظام أمن جماعي موثوق في الخليج العربي هو أيضًا هدف مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لعقد اجتماع عبر الفيديو لرؤساء الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا وإيران.

ثالثًا: يجب استخدام آليات خطة العمل الشاملة المشتركة نفسها قدر الإمكان منذ البداية. لن يكون هذا بمثابة عامل إضافي لبناء الثقة فحسب، بل سيمكن أيضًا من إيجاد حل سريع لمختلف القضايا التي ستظهر، لا سيما تلك التي تتطلب جهودًا من المشاركين الآخرين. يبدو أن اللجنة المشتركة قد تكون أيضًا المنصة الأكثر ملاءمة من الناحية السياسية لاستئناف الاتصالات المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. علاوة على ذلك، من المهم جدًّا أن تتمكن اللجنة المشتركة من تسهيل مجموعة من الأشكال المختلفة للمحادثات، أي متعددة وثنائية الأطراف، ورسمية وغير رسمية.

النقطة الرابعة والأخيرة: البناء على النقاط التي تمت مناقشتها بشكل متبادل، لأجل دعم خطوات الثقة أحادية الجانب رسميًّا من قبل الولايات المتحدة وإيران (لا تتعلق بالضرورة بخطة العمل الشاملة المشتركة) يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًّا في المرحلة الأولية. من شأن هذه الخطوات أن تساعد في عكس ديناميكيات خطة العمل الشاملة المشتركة السلبية وتسهيل استئناف الامتثال الكامل لبنود الصفقة. يمكن أن تشمل الخطوات الأمريكية تدابير إنسانية لرفع القيود المفروضة على صادرات الأدوية والمعدات الطبية إلى إيران، بما في ذلك تلك اللازمة لمكافحة جائحة كوفيد-19. كذلك تمكين إيران من استئناف صادرات النفط المحدودة، وتخفيف القيود على القطاع المصرفي.

أيضًا رفع التهديد بالعقوبات المفروضة على دول ثالثة وشركاتها بسبب مشاركتها في الأنشطة المتعلقة بالمشاريع المعتمدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في أراك وفوردو، وكذلك بمحطة بوشهر للطاقة النووية. يمكن لخطوات إيرانية متبادلة أن تكون ذات طبيعة إنسانية. إذا كان ذلك ممكنًا فقد تتضمن أيضًا خطوات نووية متبادلة يمكن اعتبارها جهودًا أولية لجعل برنامج طهران النووي متوافقًا مع خطة العمل الشاملة. على سبيل المثال قد تشمل عدم تجاوز عتبة التخصيب البالغة 3.67% (الحد الأقصى لمستوى التخصيب المنصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة).

دور روسي محتمل

بالطبع، يجب أن تقوم الولايات المتحدة وإيران بالجزء الأكبر من الجهد السياسي المطلوب لاستعادة فاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة. يمكن للمشاركين الآخرين في العملية المساهمة، بالطرق التالية:

  • المساعدة في بدء وتشكيل هيكل الحوار بين جميع الأطراف في الاتفاقية.
  • متابعة الأنشطة الاقتصادية المشتركة الفعالة مع إيران.
  • تقديم المساعدة بالتدابير العملية لجعل البرنامج النووي الإيراني متوافقًا مع خطة العمل الشاملة المشتركة.

ينطبق هذا أيضًا على روسيا.

كانت العوامل الأساسية التي فرضت طبيعة مشاركة روسيا في محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة كما يلي:

  • حماية وتعزيز نظام منع انتشار الأسلحة النووية على الصعيدين العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز الجهود المبذولة للدور المركزي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية في حل الأزمات المتعلقة بعدم انتشار الأسلحة النووية.
  • الرغبة في منع حدوث مواجهة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وتحوله إلى صراع مسلح على مقربة مباشرة من الحدود الروسية.
  • الحاجة إلى تطبيع الوضع مع إيران وتهيئة مناخ ملائم للتجارة الثنائية والتعاون الاقتصادي.
  • تعزيز الدور المركزي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الحفاظ على السلام والأمن.

نعتقد أنه اعتبارًا من ديسمبر (كانون الأول) 2020، تظل القائمة أعلاه دون تغيير صالحة فيما يتعلق بالمصالح الوطنية الروسية، والتي ستوجه السياسة الروسية المستقبلية بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. كما هو موضح أعلاه، أعرب كبار المسؤولين الروس باستمرار عن دعمهم السياسي لفكرة أن جميع الأطراف الأصلية في خطة العمل الشاملة المشتركة ينبغي أن تستأنف جميع التزاماتها بموجب الخطة من أجل تنفيذها بالكامل. كما شددوا على أن روسيا تولي أهمية كبيرة «لاستعداد طهران على الفور لاستئناف والامتثال الكامل لجميع متطلبات خطة العمل الشاملة المشتركة بمجرد حل مخاوفها المشروعة بشأن عدم امتثال بعض الأطراف الأخرى».

تظل قنوات الاتصال الروسية السياسية والإستراتيجية الأخرى مع طهران، بما في ذلك تلك المستخدمة لمناقشة قضايا خطة العمل المشتركة الشاملة، مفتوحة بالكامل، على الرغم من جائحة كوفيد-19. على سبيل المثال، قام محمد جواد ظريف، بثلاث زيارات إلى موسكو في يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2020 وما مجموعه 31 زيارة منذ تعيينه وزيرًا للخارجية. بناءً على جميع العوامل الموضحة أعلاه، تسعى روسيا إلى الاستعادة الكاملة لفاعلية خطة العمل الشاملة المشتركة، ونعتقد أنها ستكون على استعداد لتقديم مساعدة نشطة في تسهيل الحوار المطلوب من أجل العودة الشاملة إلى الوفاء بجميع التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي هذا السياق، نتذكر أنه في يونيو (حزيران) 2012، استضافت موسكو إحدى جولات المفاوضات بين إيران ومجموعة من ست دول حول البرنامج النووي الإيراني.

مع ذلك، لا جدوى من توقع أن روسيا ستكون مستعدة لدفع ثمن تصرفات إدارة ترامب بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة التي لم تعرض وجود تلك الصفقة للخطر فحسب، بل ألحقت أيضًا أضرارًا بالمصالح الروسية.

قبل استئناف تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) بالكامل، سيتعين على الولايات المتحدة أولًا تنظيف الفوضى التي أحدثتها قراراتها في 2018-2020 دون تأخير. يتضمن ذلك، من بين أمور أخرى معالجة قضية «التعويضات» التي أثارتها طهران.

لا ينبغي لأي شخص أن يتوقع أن تتمكن روسيا بسرعة من تقديم مساهمة مباشرة في تحسين الوضع الاقتصادي في إيران لأن أولوية طهران هي استئناف صادرات النفط، في حين أن روسيا نفسها هي واحدة من المصدرين الرئيسيين للنفط والغاز في العالم. الدور الرئيسي هنا يجب أن تلعبه الصين ودول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن المستوردين الرئيسيين التقليديين للنفط الإيراني مثل كوريا الجنوبية واليابان.

يمكن لروسيا أن تلعب دورًا مركزيًّا في جعل البرنامج النووي الإيراني متوافقًا مع متطلبات خطة العمل الشاملة المشتركة. بالنظر إلى الدعم السياسي الروسي للتنفيذ الشامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، ومواردها التكنولوجية، وتجربتها في التعاون مع إيران. سيكون من المنطقي اقتراح إمكانية استئناف الصناعة النووية الروسية لمشاركتها في المشاريع الفنية اللازمة لجلب الطاقة النووية الإيرانية. البرنامج يتوافق مع خطة العمل الشاملة المشتركة. لا يزال لدى (روساتوم) خبرة كبيرة في المشاركة بالمشاريع النووية الأجنبية والدولية المعقدة.

لكن من ناحية أخرى، أصبح الوضع بشأن هذه المسألة أكثر تعقيدًا مقارنةً بكيفية استمرار الأمور قبل توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015.

أظهرت الدروس المستفادة من المشاركة في المشاريع الفنية في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة 2015-2020، المخاطر المالية العالية المرتبطة بها الناجمة عن التغييرات المحتملة في سياسة الولايات المتحدة وإمكانية فرض عقوبات جديدة تهدف إلى تقويض الاتفاقات التي توصلت إليها الإدارة الأمريكية السابقة. من وجهة نظر مصالح الصناعة النووية الروسية، فقد تدهور الوضع بالفعل منذ إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة؛ حيث قامت إدارة ترامب ببناء إطار قانوني يمكن استخدامه لفرض قيود خارج الحدود الإقليمية ضد (روساتوم) والشركات التابعة لها والكيانات القانونية والأشخاص الآخرين لدورهم في المشاريع التي نشأت من خطة العمل الشاملة المشتركة. لقد خلقت الإجراءات الأمريكية الأحادية الجانب بالفعل عقبات أمام تنفيذ روسيا لمشروع بوشهر للطاقة النووية، والذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه «لا يمكن المساس به» من قبل جميع الأطراف المشاركة في حل أزمة البرنامج النووي الإيراني، وهو أحد المشاريع الرئيسية وفقًا لمشروع إيران النووي، وحقها في برنامج للطاقة النووية السلمية تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تجد الصناعة الروسية نفسها الآن في نوع من الفخ؛ لأن الإدارة الأمريكية السابقة طلبت من روسيا (بموافقة إيران) إزالة المواد المخصصة لتصنيع ألواح الوقود في مفاعل طهران للأبحاث للتخزين المؤقت في الأراضي الروسية (اليورانيوم ألومينيد) – لكن إدارة ترامب أصدرت تشريعًا يهدِّد بفرض عقوبات على إعادة تلك المواد إلى إيران.

كما أن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، أثبت صحة حجة بعض المحللين السياسيين المؤثرين الذين ينتقدون اتفاق القيادة الروسية على إزالة المواد والمنتجات النووية من إيران إلى روسيا، وبالتالي لعب دور «رجل القمامة في العالم»، على حد تعبيرهم. كانت مثل هذه الأصوات موجودة دائمًا في روسيا، لكنها أصبحت الآن أكثر بروزًا.

كما تم تأجيج هذه المشاعر من خلال المبادرة الأخيرة في مجلس الشيوخ الأمريكي لفرض عقوبات على الشركات والمنظمات الروسية، ومن المحتمل أن تشمل (روساتوم) بحجة عدم وفاء روسيا المزعوم بالتزاماتها بموجب المادة السادسة من معاهدة حظر الانتشار النووي.

من الواضح أنه قبل أن تتمكن روسيا من الانضمام إلى أي من هذه المشاريع، يجب عليها أولًا ضمان استبعاد خطر فرض عقوبات مستقبلية على المشاركة الروسية في المشاريع المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة في إيران أو على مشاريع الطاقة النووية السلمية الروسية الإيرانية. يجب أن يشمل ذلك تأكيدات/ضمانات من الإدارة الأمريكية بأن العقوبات لن تُفرض على (روساتوم) أو الشركات التابعة لها، أو أي كيانات قانونية أخرى أو أشخاص مشاركين في مثل هذه المشاريع، وأن التعاون النووي الروسي الإيراني لن يصبح هدفًا لعقوبات الولايات المتحدة من جانب واحد. بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على الأطراف تطوير آلية جديدة من شأنها أن تجعل أي إزالة لمواد الصناعة النووية الإيرانية بمشاركة روسية قابلة للتراجع في حالة الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الصفقة.

في ضوء كل هذه الاعتبارات، سيتعين مناقشة إمكانية مشاركة روسيا في المشاريع الفنية المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة بتفصيل كبير بين موسكو وواشنطن، بما في ذلك المشاورات رفيعة المستوى، من أجل وضع الشروط المطلوبة للكيانات القانونية الروسية للانضمام إلى مثل هذه المشاريع.

بشكلٍ عام، يجب ألا تكون هناك تغييرات على نص خطة العمل الشاملة المشتركة – لكن يجب على الأطراف أن تهدف إلى تطوير آلية من شأنها أن تمنح جميع الجهات الفاعلة الرئيسية درجة من الثقة بأن واشنطن لن تعلن انسحابًا أحاديًّا آخر من الصفقة بعد وصول إدارة جديدة. بالنظر إلى المستقبل والتفكير في اتفاقية متابعة محتملة على أساس مبدأ «المزيد مقابل المزيد» (تمت الإشارة إلى إمكانية مثل هذه الاتفاقية من قبل الرئيس جو بايدن) فلا توجد أسباب تدعو روسيا إلى عدم دعم أي خطوات تساعد على تخفيف التوترات في الشرق الأوسط وتطبيع الوضع مع إيران، والمساعدة على استعادة التعاون التجاري والاقتصادي الطبيعي مع طهران-طالما أن هذه الخطوات تعكس توازنًا في المصالح لجميع الأطراف المعنية. كذلك يمكن أن يخدم المفهوم الأمني الذي اقترحته روسيا منطقة الخليج، ليصبح منطلقًا لمثل هذا التفكير طويل الأمد المبني على الحوار. [1]

المشاركون في إعداد البحث

سيرغي باتسانوف: سفير روسيا الاتحادية في مؤتمر نزع السلاح في جنيف (1989-1993).
فلاديسلاف تشيرنافسكيخ: باحث مشارك، مركز دراسات الطاقة والأمن  (CENESS0).
أنطون خلوبكوف: مدير مركز دراسات الطاقة والأمن  (CENESS).

ما ورد في البحث يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير 


شارك الموضوع