مختارات أوراسية

سلاح بوتين السري بشأن الطاقة: «مصرفي سابق في مورغان ستانلي»


  • 6 مارس 2023

شارك الموضوع

صعود التكنوقراط الروس من الشباب ذوي المعرفة العميقة بالغرب إلى المستويات العليا للسلطة في الكرملين

تحتاج روسيا- عاجلًا- إلى تطوير أسواق جديدة لشركات النفط والغاز الخاصة بها، حيث قطعت العقوبات الغربية العمود الفقري لاقتصادها. إنها تعتمد الآن على مصرفي سابق في “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley)، يبلغ من العمر 37 عامًا؛ للحفاظ على تدفق الأرباح.

بافيل سوروكين، نائب وزير الطاقة الروسي، هو جزء من كادر مكون من التكنوقراط الشباب ذوي المعرفة العميقة بالغرب، الذين تتبعهم فلاديمير بوتين، وصعَّدهم إلى المراتب العليا في السلطة. درس السيد سوروكين الشؤون المالية في لندن، ثم تفاوض على صفقات كثيرة مع بلدان إفريقيا والشرق الأوسط. كما أدّى دورًا مبكرًا في تطوير آلية “أوبك بلس”، وهي شراكة بين صناعة النفط الروسية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تقودها السعودية.

في العام الماضي، كان سوروكين مؤثرًا في مبالغته بشأن تأثير الأضرار التي لحقت بخط الأنابيب الذي تسيطر عليه روسيا على البحر الأسود، وهي خطوة أخافت الغرب، ودفعت أسعار النفط إلى الصعود إلى الأعلى، وفقًا لسكرتيره الصحفي السابق، وصحفي سابق في وكالة الأنباء الروسية التي تديرها الدولة.

(لم يستجب السيد سوروكين ووزارة الطاقة الروسية والكرملين لطلبات التعليق).

في الشهر الماضي، أدّى سوروكين دورًا أساسيًّا في تحديد أسعار ثابتة لتصدير النفط الروسي الرئيسي من فئة خام نفط الأورال، بدلًا من السماح للأسواق بتحديد مقدار الرسوم التي تتقاضاها الشركات، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر. ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تحصيل ضرائب بقيمة 8.2 مليار دولار لصالح خزانة البلاد التي تعاني ضائقة مالية.

لقد تمكن السيد سوروكين وزملاؤه حتى الآن من تجاوز العقوبات، مع أن روسيا وُضِعَت تحت ضغوط اقتصادية شديدة، لكنها لم تصبح عاجزة بعد. ستزداد هذه المهمة تعقيدًا مع ترسيخ التأثيرات الطويلة المدى للعقوبات، لكن المحللين يقولون إنهم تحدوا التوقعات خلال أول عام كامل من حرب أوكرانيا.

قال فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في شركة بيانات السلع الأساسية كبلر (Kpler)، إن السيد سوروكين أصبح “السلاح السري” لروسيا في الحد من تأثير العقوبات الغربية. وقال إنه يعتقد: “أن كثيرًا من حلفاء أوكرانيا قد قللوا من شأن خبرة الجيل الجديد في الكرملين من صانعي القرار المدربين في الغرب”. لقد تحول بوتي، الذي كان محاطًا منذ فترة طويلة بجواسيس سابقين، وأصدقاء، ورجال أعمال من سانت بطرسبرغ، إلى هؤلاء القادمين الجدد، الذين يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، ولكنهم في الوقت نفسه ملتزمون بأيديولوجيته القومية.

قال السيد كاتونا إن السيد سوروكين: “مثال حي على شيء لم يكن موجودًا في الاتحاد السوفيتي- إنه جزء من سلالة جديدة من الشباب الذين لديهم عدة خيارات مختلفة، لكنهم قرروا العمل في الحكومة الروسية”.

أدت الحرب في أوكرانيا إلى هز أسواق الطاقة العالمية والتحالفات القديمة. روسيا، التي كانت تعتبر أوروبا في يوم من الأيام أكثر زبائنها ربحية في مجال الطاقة، ترسل الآن كثيرًا من إنتاجها إلى الهند والصين، اللتين تشتريانه عادة بخصومات كبيرة مقارنة بأسعار السوق. ويرجع ذلك- جزئيًّا- إلى تلك الخصومات، حيث تراجعت عائدات النفط والغاز الطبيعي الروسية بنسبة 46% في يناير (كانون الثاني) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفقًا لبيانات صادرة عن وزارة المالية الروسية. للتعويض عن تلك الإيرادات المفقودة، تحتاج روسيا إلى تنمية شركاء تجاريين جدد. يُظهر السيد سوروكين وشركاؤه بعض النجاح في هذا المجال: “صدرت روسيا أكثر من 8 ملايين برميل من النفط في يناير (كانون الأول)، وفقًا لمؤسسة كبلر– وهي أعلى خمسة أشهر مسجلة في حجم المبيعات التي لم يتم الوصول إليه منذ أبريل (نيسان) 2020، على الرغم من بيعها عادةً بسعر خصم يبلغ نحو 30 دولارًا للبرميل.

تضمنت الجهود التي قام بها سوروكين رحلة في سبتمبر (أيلول) إلى عاصمة جمهورية الكونغو برازافيل، في رحلة استغرقت 20 ساعة، وكان في استقباله رئيس البلاد. على مدار يومين، في أثناء جلوسه على كراسي ذهبية وسط الأعمدة وأشجار النخيل في القصر الرئاسي الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، أبرم السيد سوروكين صفقة لروسيا لتوريد منتجات النفط إلى جمهورية الكونغو برازافيل، ولشركتين روسيتين لبناء خط أنابيب يبلغ طوله 625 ميلًا، وتبلغ قيمته 850 مليون دولار، وفقًا لوثيقة اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال والمسؤولون الحاليون والسابقون الذين اطلعوا على الزيارة. (لم ترد وزارة النفط الكونغولية والحكومة في برازافيل على طلبات التعليق).

في الشهر السابق، التقى سوروكين وفدًا من أفغانستان، الواقعة تحت حكم حركة طالبان، الجماعة الأصولية التي حارب أسلافها الاتحاد السوفيتي. قال مساعد سابق اطلع على تفاصيل الاجتماع، إن سوروكين لم يكن منزعجًا عندما عرض الأفغان مقايضة الزبيب والأعشاب بالوقود. كشفت حكومة طالبان والكرملين في وقت لاحق عن صفقة لتزويد كابول بالبنزين الروسي. (لم ترد وزارة التجارة والصناعة الأفغانية على طلب التعليق).

كما أجرى السيد سوروكين محادثات مع البحرين؛ لجعل المملكة الخليجية الصغيرة مركزًا لتجارة النفط الذي توفره الشركات الروسية، كما قال أشخاص مطلعون على الأمر. تظهر سجلات الجمارك أنه تم التعامل مع بعض معاملات النفط بين البلدين في العام الماضي. (لم ترد الحكومة البحرينية على طلب التعليق).

نظام جديد

داخل الكرملين، من بين المسؤولين الصاعدين الآخرين نائب وزير المالية الروسي أليكسي سازانوف، البالغ من العمر 39 عامًا، الذي تلقى تعليمه في أكسفورد، وعمل مع السيد سوروكين في إرنست ويونغ (Ernst & Young) في موسكو. إلى جانب السيد سوروكين، يؤدي الآن دورًا رئيسًا في إيجاد طرق لسد العجز السريع في روسيا. كما أصبح دينيس ديريوشكين، المحلل السابق في بنك أوف أمريكا (Bank of America)، رئيس الأبحاث في وزارة الطاقة في سن 29 عامًا، ممثلًا لروسيا في اجتماعات أوبك الاستشارية المصممة للمساعدة على زيادة أسعار النفط إلى الحد الأقصى.

مستشار السيد بوتين الاقتصادي الأكثر نفوذًا، مكسيم أوريشكين، الذي حصل على وظيفته في سن 38 عامًا، عمل سابقًا في بنك كريدي أجريكول (Crédit Agricole) الفرنسي. قاد إستراتيجية ناجحة لدفع الشركات الأجنبية إلى شراء الغاز الطبيعي الروسي بالروبل، وليس بالدولار أو اليورو، لتجاوز العقوبات.

ولد السيد سوروكين في موسكو، لكنه نشأ في قبرص في عائلة من الدبلوماسيين الروس. عاد إلى روسيا ليبدأ حياته المهنية محاسبًا في “إرنست ويونغ”، ثم أصبح محللًا كبيرًا في سن 26 عامًا في “ألف بنك” (Alfa-Bank)، أكبر بنك خاص في روسيا، قبل فترة وجيزة من حصوله على درجة الماجستير في المالية من جامعة لندن. انتقل لاحقًا إلى مكتب مورغان ستانلي في موسكو. في عام 2015، صنفته شركة (Extel and Institutional Investor) واحدًا من كبار المحللين في قطاع النفط والغاز في روسيا، ودول أوروبا، والشرق الأوسط، وإفريقيا.

(امتنع متحدث باسم مورغان ستانلي عن التعليق).

بصفته مصرفيًّا شابًا، كان يُنظر إليه على أنه نجم صاعد، وزميل متواضع كان يتناول الغداء بانتظام في مطعم محلي أوكراني، ويتناول العشاء في مطاعم آسيوية راقية، كما قال الأشخاص الذين عرفوه في ذلك الوقت. لكنهم قالوا إنه تميز أيضًا بآراء محافظة ومتشددة بشأن السياسة الروسية. قال زميل سابق إنه انتقد الانفتاح السياسي لروسيا في التسعينيات، وقال زميل سابق آخر: “لقد أراد أن يجعل روسيا عظيمة مجددًا”.

الصعود السياسي

في عام 2016، قام ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي ثم نائب رئيس الوزراء الآن، باختطاف سوروكين من بنك وول ستريت (the Wall Street bank)، وجعله مسؤولًا عن مركز أبحاث الطاقة التابع لمجموعته. أقام السيد سوروكين علاقة مع السيد نوفاك الذي يتصف بالبرود. بدأ الأخير بمخاطبته باسمه المستعار “باشا”، وهو اختصار لكلمة بافل، ودعوته كثيرًا إلى نزهات الشواء في منزله الريفي خارج موسكو، وفقًا لأشخاص يعرفونهم.

سرعان ما أصبح السيد سوروكين، لاعبًا أساسيًّا في الأحداث الدبلوماسية من خلال مرافقته السيد نوفاك مترجمًا له. لقبه المحيطون في ذلك الوقت بـ”الصبي الصغير” لنوفاك، وأكسبته مهاراته في اللغة الإنجليزية لقبًا آخر؛ “المترجم الفوري”. كما أقام صداقة دائمة مع أديب الياما، المستشار القديم لوزراء الطاقة السعوديين، وكذلك مع رئيس منظمة أوبك الراحل محمد سنوسي باركيندو. (لم يرد السيد الياما على طلب التعليق). ساعد بناء تلك العلاقات- جزئيًّا- السيد نوفاك على التخطيط لتحالف مع أوبك بقيادة السعودية أدى إلى إنشاء (أوبك بلس) عام 2016، حيث حصلت روسيا على صوت أكبر في سوق النفط العالمية. وافق التحالف بعد ذلك بوقت قصير على خفض الإنتاج الذي نجح في رفع الأسعار.

خلال اجتماع في عام 2018، سأل السيد بوتين السيد سوروكين عمّا يفعله للحكومة. وردًا على ما ورد في نص الكرملين لمحادثاتهم: “مشروع كبير كنا نعمل عليه مؤخرًا هو اتفاق للحد من الإنتاج بين روسيا ودول أوبك”. قال الرئيس الروسي: “حان الوقت إذن لترقيتك”. في غضون أيام، عُيِّنَ السيد سوروكين نائبًا لوزير الطاقة.

كان السيد سوروكين مُصرًا على وطنيته. مثلما قال: “طيلة حياتي، عندما كنت طفلًا، عشت وذهبت إلى المدرسة في الخارج، وكنت أعلم دائمًا أنني أريد العودة إلى وطني”– طبقًا لما قاله لبوتين في النص الذي نشره الكرملين.

قاد نائب الوزير أيضًا خطوات لتحديث قطاع الطاقة في البلاد، حيث أطلق في الآونة الأخيرة محطات وقود تعمل بالغاز الطبيعي، الذي تمتلك روسيا أكبر موارده في العالم، وخطة وطنية لتقليل استهلاك الطاقة.

حملة إعلامية

بعد فترة وجيزة من توليه منصب نائب الوزير، قام السيد سوروكين بتعيين أرسيني بوغوسيان، الذي كان آنذاك صحفيًّا يبلغ من العمر 27 عامًا، للتعامل مع علاقاته العامة. غادر السيد بوغوسيان روسيا بعد أن علم أنه سيُستدعَى إلى خط المواجهة في أوكرانيا في أواخر سبتمبر (أيلول)، وانشق منذ ذلك الحين.

قال المساعد الصحفي السابق إن السيد سوروكين برز في البيروقراطية المهنية بعاداته الغربية، حيث كان يتناول وجبات خفيفة من شرائح الأناناس، ويشرب الويسكي في الاحتفالات بدلًا من الفودكا، ويتفاعل مع الإعلام مباشرة بعيدًا عن قيود العلاقات العامة الحكومية: “لقد أراد أن تكون له صفحته الخاصة على موقع يوتيوب، وكان يرد على الاستفسارات الصحفية في غضون ساعة”. قال السيد بوغوسيان: “كان الأمر مثيرًا”. كما قال بوغوسيان إنه مع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، أصبح سوروكين أقل قابلية للتواصل معه، إما برفض الرد على الاستفسارات الصحفية، وإما بإصدار البيانات في ساعات كما كان يفعل في الماضي.

في إحدى الأمسيات من شهر مارس (آذار) من العام الماضي، أخطر اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين الذي تسيطر عليه روسيا الوزارة بأن منشآته قد تضررت بسبب عاصفة. يُصدر خط الأنابيب 1.2 مليون برميل يوميًّا من الخام الكازاخستاني من خلال ميناء روسي على البحر الأسود، يُضَخ الجزء الأكبر منه بواسطة شركة شركة شيفرون (CHEVRON) وإكسون موبيل (ExxonMobil)، اللتين تمتلكان حصة أقلية في مسار الخط الخاص بالتصدير. (امتنعت شيفرون عن التعليق، ولم ترد شركة إكسون موبيل على طلب التعليق).

قال الكونسورتيوم إن الحادث نابع من “إزاحة إطار الطاقة من أحد الخراطيم العائمة”، ولم يتسبب في حدوث اضطراب كبير، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الحكومية “تاس” في ذلك الوقت. بدأ السيد سوروكين عملية رد الفعل الإعلامي في وزارة الطاقة الروسية، وساعد على تحويل الحادث إلى حدث عالمي، وفقًا للسيد بوغوسيان وإيليا خازاغيفا، اللذين أدارا تغطية قطاع الطاقة في وكالة “تاس”، التي تركت روسيا منذ ذلك الحين، واتخذت موقفًا مناهضًا للحرب.

قال السيد بوغوسيان، إنه جاء إلى السيد سوروكين بمسودة بيان إعلامي خاصة بالحادث. بعد التشاور مع الكرملين، قال السيد سوروكين إن الأمر لم يكن صعبًا بما يكفي، وفقًا لبوغوسيان. طلب السيد سوروكين مرارًا وتكرارًا إجراء تعديلات على رسالة مسجلة على شريط فيديو خلال الـ12 ساعة المقبلة لجعلها مزعجة بشكل متزايد، كما قال مساعده الصحفي السابق. انتقلت فقرات السياق عن النطاق والتأثير المحتمل للاضطراب من أسفل إلى أعلى بيانه.

قال السيد بوغوسيان: “لقد أراد الكرملين أن يُبقى الغرب على الحافة”، وقد التقطت وسائل الإعلام الروسية الرسائل. قالت السيدة خازاغيفا إنه بعد إبلاغها في البداية أن الحلقة كانت بسيطة نسبيًّا، أمرها محرروها بالتركيز على مجموعة من نقاط الحوار التي تزيد من أخطار الاضطرابات المطولة في الأسواق الأمريكية والصينية والأوروبية. أرسل إليها رئيس تحريرها رسالة بريد إلكتروني يخبرها فيها بالتواصل مع السيد سوروكين، من بين آخرين للتعليق.

(لم تستجب “تاس” لطلب التعليق).

قالت شركة تشغيل خطوط الأنابيب (CPC)، التي أحالت طلبًا للتعليق على بياناتها العامة السابقة، في ذلك الوقت، إن اثنتين من ثلاث نقاط تحميل بحرية قد تضررت بسبب العاصفة، وسيتطلب إصلاحها من أسبوعين إلى أربعة أسابيع. وحذر سوروكين في التليفزيون الرسمي الروسي من أن العطل سيتطلب نحو شهرين من الإصلاحات، مع خسارة في الصادرات تصل إلى مليون برميل في اليوم. ارتفعت أسعار النفط العالمية على الفور بنسبة 5 في المئة.

تظهر بيانات كبلر أنه في غضون يومين، استؤنف التحميل من المحطة، وأعلنت (CPC) العودة إلى السعة الكاملة في غضون شهر[1].

 

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع