التاريخ والثقافةمقالات المركز

الأمير تِيمور.. إسكندر من سمرقند


  • 12 ديسمبر 2021

شارك الموضوع

في التاريخ الإنساني أسماء تركت بصماتها المميزة في صفحاته، منها الأمير تيمور، أو تيمور لنك[1]. وبعيدًا عن الصفات الصعبة التي أسبغها مؤرخون وباحثون على الأمير تيمور، يؤكد واقع الحال أنه لم يكن ليبني ذلك المجد إلا لذكائه وحنكته وقدراته الفائقة، التي تجعله واحدًا من المحاربين العظام والفاتحين الكبار عبر التاريخ، وأنه كان مؤسسًا لإمبراطورية حكمت أجزاء كبيرة من العالم، إما من عاصمة ملكه سمرقند، وإما من عواصم أخرى فتحها هو وخلفاؤه من بعده، واستقروا فيها.[2]

تختلف الأقوال في أصول نسب الأمير تيمور، فبينما على شاهد قبره في سمرقند أن نسبه يعود إلى تومان خان من سلالة جنكيز خان، يذكر تيمور في مذكراته أن نسبه يعود إلى يافث بن نوح، عليه السلام (رواية توراتية لا دليل علمي او تاريخي على صحتها)، في حين يوجد على شاهد القبر أن تسلسل نسبه يعود إلى امرأة حملت بولدها الذي هو أحد أجداد تيمور، من نور دخل عليها من أعلى الباب، وأن هذا النسب يمتد إلى علي بن أبي طالب.[3]

ومن الأساطير الأخرى التي يحكيها الشاهد أن أحد أجداد تيمور رُزِق بابنين توأمين: “قجولاي وقابول”، وأن قجولاي رأى في منامه نجمين يلمعان في صدر أخيه، فلما قص الرؤيا على أبيه (تومان خان) أسرع بعقد اجتماع لأركان الدولة، وأصدر قرارًا بأن تكون الخانية بعده لأبناء قابول، والوزارة لأبناء قجولاي[4].

قصة تيمور لنك

وُلِد الأمير تيمور، في مدينة شهر سبز (المدينة الخضراء) جنوب سمرقند بأوزبكستان الحالية.[5]، وذلك في التاسع من إبريل (نيسان) عام 1336، وكان أبوه أحد رؤساء قبيلة برلاس المغولية، أما أمه فيعود نسبها إلى جنكيز خان[6]، وقد تعلم العربية في صباه، كما تعلم ركوب الخيل والصيد وفنون الحرب مع أقرانه من أبناء قبيلة برلاس حتى صار أفضلهم. وساعده أصله الممتد إلى جنكيز خان، وحياته في قبيلة برلاس، على اكتساب سمات القوة والزعامة والتطلع الدائم إلى مكان أفضل، كما كان لنشأته الدينية مع أبيه وبعض المشايخ في محيطه دور كبير في نزعة التدين التي اتسم بها.[7]

عمل تيمور في شبابه بالرعي، وكانت أفضل هواياته الصيد ولعب الشطرنج. أما بداية ظهوره في عالم السياسة فكانت حين جعله طوغلوق تيمور وزيرًا لابنه إلياس خوجة، في حملته على بلاد ما وراء النهر بعد وفاة كازغان، آخر إيلخانات تركستان، لكن علاقة تيمور بإلياس سرعان ما ساءت، فهرب وانضم إلى الأمير حسين حفيد كازغان، وتزوج أخته وظل يترقى في بلاطه حتى صار أحد أركان دولته.[8]

تحالف الأمير تيمور

تَحالف تيمور لنك مع الأمير حسين وخاض صراعًا قويًّا ضد إلياس خوجة، لكنه هزمهما فهربا إلى قندهار ثم سيستان، حيث نجحا في بناء جيش قوي هاجما به إلياس خوجة، واستطاعا السيطرة على بلاد ما وراء النهر[9]، إلا أنهما اختلفا وصارت بينهما حرب انتهت بانتصار تيمور ودخوله سمرقند وإعلان نفسه حاكمًا عليها في 14 إبريل (نيسان) عام 1370، حيث عقد جلسة للقوريلتاي أعلن خلالها رغبته في استعادة أمجاد دولة المغول.[10]

بعد تأسيس الدولة أخذ تيمور يتوسع شرقًا وغربًا، حيث فتح بلاد خوارزم عام 1372، وسيطر على صحراء القبجاق وإقليم خراسان وأفغانستان عام 1385، ثم أذربيجان وفارس وأصفهان، ثم دخل صراعًا مع طوقتاميش خان القبجاق وهزمه عام 1389، ودمر بلاده وضم أرضها إلى إمبراطوريته، قبل أن يتوجه إلى إيران ليقضي بها خمسة أعوام بدأت 1392 لإخضاع ثورة أهلها، ثم توجه إلى العراق فخرب واسط والبصرة والكوفة وديار بكر، واتجه إلى أرمينيا وجورجيا، حيث فعل بهما ما فعل بإيران والعراق.[11]

في الشرق غزا تيمور الهند وسحق جيوشها عام 1397، واحتل عاصمتها دلهي وخربها[12]، ثم عاود حملاته غربًا في حملة عُرفت باسم حملة السنوات السبع بدأت عام 1399، افتتحها تيمور باكتساح إقليم قره باغ/آرتساخ، ثم تبليسي عام 1399، ثم سيواس عام 1400، ثم عينتاب، ثم حلب وحماة والسلمية، ثم دمشق التي سلمت بعد مقاومة، فأشعل فيها النار ثلاثة أيام، حتى أصبحت أثرًا بعد عين، ثم دمر طرابلس وبعلبك، ودمر ماردين وحمص، ثم عاد إلى بغداد فحاصرها حتى دخلها فأحرقها وقتل كثيرًا من أهلها[13]، ثم تحرك بجيوشه نحو آسيا الصغرى عام 1402، حيث اصطدم بالجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول يلدريم “الصاعقة” في معركة أنقرة، فانتصر انتصارًا ساحقًا، وأسر السلطان العثماني الذي مات أسيرًا في مارس (آذار) عام 1403.[14]

هزيمة تيمور لنك

لم يهدأ تيمور ولم يقنع بما حقق، فبدأ يعد العدة لغزو الصين، وجرد لذلك جيشًا ضخمًا تحرك به عام 1404. ورغم شدة البرودة ونصائح أطبائه بالتروي حتى يمر الشتاء أصر تيمور على إتمام حملته، فحدث ما حذره منه الجميع؛ حيث عانى جيشه الويلات، وخاض هو صراعًا عنيفًا مع المرض انتهى بموته في 18 فبراير(شباط) 1405، فنقل أتباعه جثمانه إلى سمرقند، حيث دُفن هناك في ضريحه المسمى “كور أمير”،ويعد اليوم بطلا قوميًّا لجمهورية أوزباكستان، وتملأ تماثيله أهم مدنها.[15]

وهكذا مات تيمور لنك بعد أن بنى إمبراطورية ضخمة، امتدت من غرب الصين حتى آسيا الصغرى وشرق أوربا، ومن جنوب الهند وبلاد فارس حتى هضاب منغوليا.[16] أما كيف سارت أمور تلك الدولة بعد موته فتلك قصة أخرى، تحتاج إلى مساحة أخرى.

 

ما ورد في المقالة يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع