مختارات أوراسية

وجهات نظر أوكرانية

سيناريوهات مختلفة للأزمة مع روسيا

استكمالًا للتقارير والتحليلات التي يقدمها «مركز الدراسات العربية الأوراسية» للأزمة الراهنة بين روسيا والغرب بخصوص أوكرانيا، وتطبيقًا لقيم المركز القائمة على عرض جميع الآراء بشفافية، تقدم «وحدة الرصد والترجمة» التقرير التالي الذي يعرض وجهات نظر أوكرانية بشأن الأزمة، لمجموعة مميزة من الخبراء والمسؤولين السابقين الذين قدم بعضهم رؤيته حصريًّا لمركزنا، وهم:

أندري زاغورودنيوك، وهو رئيس مجلس إدارة مركز إستراتيجيات الدفاع، وزير الدفاع السابق لأوكرانيا (2019-2020).

ألينا فرولوفا، وهو نائب وزير الدفاع الأوكراني (2019- 2020).

أليكسي بافليوتشيك، وهو كاتب وباحث أوكراني، متخصص في الشؤون الدفاعية.

فيكتور كيفليوك: وهو كاتب وباحث أوكراني.

أوليغ ياسينسكي: وهو صحفي أوكراني مستقل، متخصص في الشؤون الجيوسياسية.

هل هناك إمكانية لغزو أوكرانيا؟ ما احتمالات الهجوم الروسي؟

في الأيام القليلة الماضية، اشتعلت وسائل الإعلام العالمية بتداول تقارير وتصريحات من المسؤولين الأمريكيين عن هجوم روسي واسع النطاق محتمل على أوكرانيا في الأيام المقبلة، وصولًا إلى تحديد موعد هذا الغزو المزعوم يوم 16 فبراير (شباط)، وقد رافقت ذلك كله بيانات عاجلة من السفارة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى تحث فيها مواطنيها على مغادرة الأراضي الأوكرانية، بأقصى سرعة، فهل هذا يعني حتمية الهجوم؟ وما الأخطار الحقيقية؟ وكيف يمكن تفسيرها؟ وماذا على مواطني أوكرانيا أن يفعلوا؟

حالة تأهب القوات في جميع أنحاء أوكرانيا

أندري زاغورودنيوك

بدءًا من 12 فبراير (شباط)، بلغ العدد الإجمالي لقوات الاتحاد الروسي على طول الحدود داخل بيلاروس مع الأراضي المحتلة في شرق أوكرانيا والقرم (87) كتيبة تكتيكية- نحو (147.800) جندي، بما في ذلك طائرات مقاتلة، وقطع بحرية.

تم تزويد كل هذه القوات بالأسلحة المناسبة والمعدات العسكرية (انظر الجدول والخريطة)، فضلًا عن الوحدات اللوجستية والطبية العادية، ولكن حتى الآن لا وجود لأي أدلة على الأرض تشير إلى وجود تعزيزات إضافية لازمة لشن هجمات واسعة النطاق.

عدد التشكيلات والمعدات العسكرية التابعة للاتحاد الروسي بالقرب من حدود أوكرانيا
بدءًا من:الأفراد 

الكتائب

منظومة الصواريخ العملياتية التكتيكيةالدباباتالعربات المدرعةالمدفعيةالطائرات المقاتلةالطائرات الهليكوبترالقطع البحريةالغواصات
11 – 202194.0004121133028701660330240506
02 – 2022147.8008748170043002300375240806

تم إنشاء نظام قيادة وتحكم مشترك يعمل في كل من بيلاروس والاتحاد الروسي.

في الوقت الحالي، تنشط القوات الروسية في تنفيذ أنشطة تدريبية عملياتية قتالية بالاشتراك مع القوات المسلحة البيلاروسية، وهي مناورات تعرف باسم «حزم الاتحاد- 2022»، تنتهي في 20 فبراير (شباط)، يشارك فيها نحو (15) كتيبة تكتيكية، ووحدات عسكرية أخرى من الاتحاد الروسي في بيلاروس. بالإضافة إلى ذلك، نُشِرَت وحدات من اللواء الصاروخي (103)، ومنظومات “إسكندر” للصواريخ العملياتية التكتيكية، ومنظومات وقوات أخرى من المنطقة العسكرية الروسية الشرقية.

أماكن وجود القوات الروسية وتطويقها للأراضي الأوكرانية من عدة جهات

أماكن وجود القوات الروسية وتطويقها للأراضي الأوكرانية من عدة جهات

 

في الأسابيع الأخيرة، ارتفع الاستعداد القتالي للوحدات الروسية المتمركزة على الحدود مع أوكرانيا ارتفاعًا ملحوظًا، وهو ما يفسره إجراء التدريبات، وجمع المعلومات، والحرب النفسية، والاستعداد لإجراء عملية عسكرية محتملة.

السيناريوهات الأكثر والأقل احتمالًا

أندري زاغورودنيوك وألينا فرولوفا

لم يتجاوز عدد قوات الاتحاد الروسي وعتاده، بما في ذلك تلك المتمركزة على أراضي بيلاروس الـ (150) ألفًا، وهو ما يخالف التقديرات الغربية التي تحدثت عن وجود (160) ألفًا بالقرب من الحدود البيلاروسية الأوكرانية. في الوقت الحاضر، فإن عدد القوات والعتاد الحالي لا يكفي للقيام بعملية واسعة النطاق تهدف إلى الاستيلاء على التراب الأوكراني بكامله، أو على جزء كبير منه؛ لذلك لا يتوقع في المستقبل القريب حدوث سيناريو الغزو الروسي المزعوم. إضافة إلى ذلك، في الوقت الحاضر، ليس ثمة تدريبات لمئات الآلاف من القوات اللازمة لمثل هذا الهجوم الواسع النطاق.

كما لا تلحظ أي تدابير لإنشاء احتياطيات إستراتيجية، وإعلان التعبئة العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي، وهي إجراءات حتمية في حال حدوث هجوم أو غزو، ولو كان محدودًا. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لمثل هذه العملية عواقب سلبية جدًّا على روسيا؛ إذ إن هجومًا كهذا على أوكرانيا لا تقتصر مخاطره على الجوانب العسكرية فقط؛ بل تشمل العزلة الدولية والعقوبات أيضًا؛ وعليه فإن النتيجة ستكون كارثية بالنسبة إلى روسيا دولةً وشعبًا، وليس الكرملين فقط.

نعتقد أيضًا أن معظم السيناريوهات الأخرى للاستيلاء على مدن وأقاليم منفردة غير مرجحة، بسبب الافتقار إلى الملاءمة السياسية. في الوقت نفسه، نرجح وقوع بعض العمليات العدائية في مناطق معينة، تهدف فقط إلى تشتيت انتباه قوات الدفاع الأوكرانية، وليس الغزو بمعناه الحرفي.

ما زلنا نعتقد أن سيناريوهات القصف المكثف والضربات الصاروخية، التي يمكن أن تؤدي إلى خسائر مدنية على نطاق عريض، غير واقعية؛ إذ إن ذلك سيحبط خطط قادة الكرملين الرامية إلى كسب “قلوب” السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا و”عقولهم”، حتى إن أولئك المتعاطفين مع موسكو قد يفقدون رغبتهم في الحصول على دعم افتراضي من بوتين. ومع ذلك، فإن الضربات الصاروخية والجوية على بعض المنشآت العسكرية، أو مرافق البنية التحتية، ممكنة فقط كوسيلة للضغط النفسي على القيادة الأوكرانية.

في الوقت نفسه، لا تزال مساعي الكرملين للقيام بعمل استفزازي مخطط له أمرًا محتملًا في شرق أوكرانيا، على سبيل المثال، بهدف إضفاء الشرعية على دخول القوات الروسية إلى الأراضي الاوكرانية، أو التصعيد العسكري على خط التماس. وعمومًا فإن تفاقم الأوضاع في شرق أوكرانيا محتملٌ جدًّا.

لا تزال السيناريوهات المختلفة للغزو الهجين بدون عمل عسكري في كثير من المناطق مرجحة بسبب المعلومات المضللة، والاضطرابات السياسية، وتقويض الثقة، مثل الحوادث الإرهابية، وعمليات التخريب، والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية. بشكل عام، نعتقد أن التقييم العام للسيناريوهات لم يتغير مقارنة بتقييمنا قبل أسبوعين، أو ثلاثة أسابيع. هناك قضية منفصلة؛ وهي احتمال وقوع هجوم محتمل على كييف. سننظر في هذه المسألة أدناه، بعد تقييم الوضع في بحارنا.

البحر الأسود وآزوف

ألينا فرولوفا

لا يزال الوضع في البحر الأسود يشهد عدة متغيرات بسبب تعزيز قدرات أسطول البحر الأسود الروسي بواسطة سفن أسطولي المحيطين الهادئ والشمالي؛ لذلك، منذ 9 فبراير (شباط)، توجد في البحر الأسود (12) سفينة إنزال كبيرة من جميع أساطيل الاتحاد الروسي. كما تشير التقديرات إلى أنه يمكن تحميل لواءين من مشاة البحرية بمعدات عسكرية على متن سفن الإنزال هذه. كما تشير أيضًا إلى أن نحو (4000) شخص، ونحو (250) وحدة من المركبات المدرعة، قد يشكلون تهديدًا من خلال إمكانية إنزالهم على ساحل البحر الأسود في أوكرانيا، ولا سيما في منطقة خيرسون، إلى جانب القوات المحمولة جوًا، وتلك المتمركزة في شبه جزيرة القرم، ما يمكن أن يترجم إلى تهديد روسي خطير جنوبي أوكرانيا.

تتمتع روسيا بميزة عسكرية كبيرة في البحر، وبالمخالفة للقانون الدولي، ستفرض حصارًا شبه كامل على البحر الأسود، وربما بحر آزوف، في الفترة من 13 إلى 19 فبراير (شباط) بدعوى وجود مناورات نارية بالذخيرة الحية، وقد يكون هذا الاستفزاز اختبارًا لقدرات روسيا، يسمح بإمكانية تشكيل قوة إنزال، تشتت انتباه القيادة العسكرية والسياسية لأوكرانيا والمجتمع الدولي.

حتى الآن، تتراجع توقعات تطور الوضع في البحر الأسود وبحر آزوف، لكنها ستعتمد- إلى حد كبير- على رد فعل أوكرانيا، وكذلك المجتمع الدولي، على هذا الحصار في حال حدوثه. أما إذا لم يرد العالم بقوة على هذا الاستفزاز، فسوف تكرر روسيا النهج نفسه مرات عدة. إنها مسألة وقت وحسب.

قضية الدفاع عن كييف

أندري زاغورودنيوك

يتركز معظم اهتمام المراقبين في الوقت الحالي على قضية الدفاع عن كييف. من الواضح أن الهدف الرئيسي لأي عدوان روسي محتمل بالنسبة إلى إستراتيجيي الكرملين هو استعادة السيطرة الكاملة على أوكرانيا؛ وعليه سيبدو الأمر أسهل إذا سقطت العاصمة في أيدي قواتهم. في الواقع، تشكل الوحدات العسكرية الروسية الموجودة على أراضي بيلاروس، إلى جانب مجموعات القوات الموجودة على أراضي الاتحاد الروسي، تهديدًا للمناطق الشمالية من أوكرانيا حتى العاصمة كييف؛ إذ إن  عدد القوات والمعدات العسكرية كافٍ من الناحية النظرية لتنفيذ “سيناريو الاستيلاء على كييف” من الناحية النظرية فقط.

في حالة محاولة اختراق الحدود في ولايات تشيرنيهيف، وجيتومير، وكييف، ستتكبد القوات الروسية خسائر كبيرة. فيما يبدو هذا السيناريو حاليًا محفوفًا بالمخاطر بالنسبة إلى روسيا؛ وذلك للأسباب التالية:

أولاً: تكلفة سيناريو الاستيلاء على كييف، من حيث الخسائر المادية والبشرية، ستعادل نفس تكلفة احتلال أوكرانيا بالكامل، نظرًا إلى عدد ونوعية القوات والمعدات المشاركة في الدفاع عن العاصمة الأوكرانية. يتعين  استخدام القوات التكتيكية المحمولة جوًا من الوحدات الهجومية للقوات الروسية، التي يمكن تحييدها من جانب قوات الأمن والدفاع الحالية في أوكرانيا، للاستيلاء على شبكة الاتصالات (وكذا المطارات، ومحطات السكك الحديدية، والجسور)، لكن هذه الإجراءات لا معنى لها بدون تحرك قوات الهيئة الفيدرالية للحرس الوطني الروسي، وجميع الوحدات العسكرية؛ للحفاظ على الأراضي المحتلة. سيكون هذا الهجوم بطيئًا جدًّا، حيث سيلزم الأمر عبور 100 كيلومتر من الحدود من خلال الدفاع المتعدد المستويات لقيادة العمليات الشمالية المعززة بقدرات الحلفاء، في ظل جاهزية هذه القوات للرد.

ثانيًا: السيطرة على مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 3 ملايين نسمة، وكثير منهم على استعداد لمقاومة العدو، مهمة صعبة وغير واقعية بالنظر إلى العدد المطلوب من القوات لتنفيذها، وهو ما لم يتنبه له كثير من المحللين. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب جدًا عزل كييف بسبب تضاريسها المعقدة، فضلًا عن انضمام مجموعات مقاومة من جميع أنحاء أوكرانيا إلى سكان العاصمة. هذا الوضع سيجعل من المستحيل على العدو الاحتفاظ بالعاصمة فترة طويلة؛ ومن ثم فإن هذه العوامل تؤثر بشدة في اتخاذ قرار محاولة الهجوم.

ثالثًا: الآمال الروسية في حصولها على دعم من “الطابور الخامس” لهذا الهجوم ستذهب سدى– نحن لسنا في عام 2014. تعرف أوكرانيا بالفعل ما يجب أن تفعله مع حلفاء الكرملين، وقد أصبح لديها من الخبرة والحنكة ما يمكنها من التصدي لهم بشكل سريع. بالإضافة إلى ذلك، وبعد احتلال شبه جزيرة القرم، والحصار المفروض على “الأراضي الأوكرانية المحتلة مؤقتًا”، حرمت روسيا نفسها من فرصة توفير “موارد مالية” للدفع إلى عملائها المأجورين، إذ لا تتمتع أبواق موسكو بالمزايا التي كانت تتمتع بها قبل 8 سنوات.

رابعًا: يمكن فقط للإستراتيجيين ذوي العقلية الاستبدادية التوهم بوجود فوائد من الاستيلاء على كييف. في الواقع، ستكون أوكرانيا الديمقراطية قادرة على البقاء حتى لو تم الاستيلاء على العاصمة. لن يعترف الأوكرانيون أو العالم بأي حكومة “دمية” محتملة موالية لموسكو؛ أي إن الحسابات التي تقول إن الاتحاد الروسي، بعد استيلائه على كييف، سيختار سلطة موالية له وينسحب بعد إحكام سيطرته على أوكرانيا، لا طائل من ورائها.

لكن الأمر الرئيسي هو أن أي سيناريوهات للاستيلاء على كييف ربما تكون مرجحة.

جاهزية قوات الأمن والدفاع الأوكرانية

فيكتور كيفليوك

أوكرانيا مستعدة اليوم للدفاع عن البلاد وعاصمتها كييف. ونحن نستعد لإعداد هذا التقرير، تحدثنا إلى عدد كبير من المسؤولين، ويمكننا أن نؤكد أنه لا أحد يتجاهل التهديدات التي أمامنا. ستواجه محاولات غزو الأراضي الاوكرانية مقاومة كبيرة جدًا من قواتنا. ووفقًا لتقديراتنا، ارتفع مستوى استعدادنا ارتفاعًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:

أولاً: ارتفعت درجة التسليح ومستواه ارتفاعًا كبيرًا، بما في ذلك من خلال توريدات الأسلحة الأخيرة من البلدان الشريكة والصديقة.

ثانيًا: أًعيد نشر جزء من القوات الأوكرانية بالقرب من الحدود البيلاروسية، ويمكن للجميع مشاهدة تدريبات الوحدات في المناطق الشمالية.

ثالثًا: تجري حاليًا تدريبات واسعة النطاق في عموم البلاد؛ بهدف تنسيق الإجراءات في حالة السيناريوهات ذات الصلة، أي إن القوات الأوكرانية حاليًا في حالة استعداد قتالي متزايد.

كل هذا يؤكد أن القيادتين العسكرية والسياسية تأخذان التهديدات المحتملة على محمل الجد، وتعملان بمقتضاها. بالإضافة إلى ذلك، بدأت قوات الدفاع الإقليمية مؤخرًا في الانتشار والتدريب بنشاط. بالطبع، لا يمكننا التحدث عن أقصى استعداد للدفاع، لكن عشرات الآلاف من الأشخاص لديهم الآن الاستعداد الأخلاقي والجسدي للمقاومة، ويعرفون ما يجب فعله في حالة الطوارئ، وسيعملون معًا بشكل متضافر. وقد وردت تفاصيل التدريب في بيان مشترك لوزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة.

يشير هذا المستوى من الإعداد إلى أن تنفيذ أي من السيناريوهات المذكورة أعلاه، وخاصةً الاستيلاء على كييف، أصبح أكثر صعوبة على الروس. إذا جرت محاولة للقيام  بهذه العملية، فستواجه بمشكلات كبيرة في حركة المعدات الثقيلة- بفضل الطقس الدافئ، والأراضي الموحلة بالطين، وسيكون حجم الخسائر المادية والبشرية معلومًا للجميع، بما في ذلك الروس؛ بفضل وسائل التواصل الاجتماعي- أما إذا كان الروس مستعدين لرؤية صور السيارات المحترقة، وتسلُّم جثث مئات أو آلاف القتلى من مواطنيهم، فهو سؤال بلاغي بلا معنى.

تعاني النخبة الحاكمة الروسية تراجعًا في شعبيتها بشكل دوري، كما أن دعم المواطنين الروس لـ “ضرورة” الحرب مع أوكرانيا منخفض باستمرار؛ بسبب “الخوف من حرب كبرى”. بالإضافة إلى ذلك، ستُفعَّل العقوبات الاقتصادية “الكارثية” على الفور، مقابل تقديم المساعدات المكثفة لأوكرانيا. فيما سينتج عن هذه العقوبات- مع عوامل أخرى- مناخ لبدء حالة من الصراع داخل النخب الروسية. كل هذه العوامل تجعل سيناريو قيام القوات الروسية بـ “نزهة” إلى كييف سيناريو غير محتمل.

دوافع مواقف قادة الدول الغربية وتقييماتهم

أوليغ ياسينسكي

لعل السؤال المطروح بعد ما تقدم من شرح، هو: ما أسباب التصريحات الأمريكية بوجود غزو وشيك؟ وما دوافعها؟

أولاً: من بين نيّات روسيا الكثيرة، قد تكون هناك خطط للهجوم في ظل سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك الاستيلاء على كييف، يمكن لروسيا استخدامها في غياب تماسك المجتمع الأوكراني، وضعف استعداد قوات الدفاع/ أو نقص الدعم الدولي. في ظل ما سبق، تعمل روسيا باستمرار على تعديل الخطط وتكييفها بناءً على الوضع المتغير، ورد فعل أوكرانيا والمجتمع الدولي.

ثانيًا: دعونا لا ننسى أننا في حالة حرب هجينة، يكون فيها التأثير المعلوماتي جزءًا مهمًا من الهجوم أو الدفاع، ومن الواضح أن شركاءنا الغربيين يرون في الكشف عن المعلومات بشأن نيّات القيادة الروسية فرصة للضغط وضبط النفس، وكأن لسان حالهم يقول لبوتين: “عليك أن تكون حذرًا، نحن نعرف خططك ونستعد لها”.

الوقوف في وجه سيناريوهات الكرملين، والرفض المطلق لفكرة إشعال حرب كبرى، والاستعداد لإنزال عقوبات فورية وموجعة بحق موسكو، ذلك تحديدًا ما يعوق خطط بوتين.

ما الذي ينبغي لأوكرانيا والسكان المدنيين فعله؟

أندري زاغورودنيوك- ألينا فرولوفا- أليكسي بافليوتشيك- فيكتور كيفليوك- أوليغ ياسينسكي

إن الرغبة في المقاومة، وإظهار رباطة الجأش، وعدم الذعر، تؤدي دورًا مهمًّا. وفي بعض الأحيان توجه هذه الأمور مجرى أحداث التاريخ. حتى الآن، نشهد رد فعل صحيحًا جدًّا من السلطات تجاه السكان، مفاده: “لا داعي للذعر”. تشير استطلاعات الرأي المحدثة باستمرار إلى عدم قبول السكان المحليين لأي غزو روسي محتمل، وإلى الاستعداد للمقاومة، حتى في ظل هذه الموجة الخطيرة من المعلومات المتدفقة.

بالنسبة إلى القطاع الخاص والشركات التي ترغب في المساعدة، فإنه يمكنها القيام بذلك من خلال الاستجابة لنداء قيادة قوات الدفاع الإقليمية، إذا طلبت المساعدة، وعليها ألا تتأخر عن الاستجابة قدر المستطاع.

من المهم أن يظل السكان في حالة هدوء، وعلى الراغبين في التطوع المشاركة في أنشطة الدفاع المدني، والاستعداد للدفاع عن النفس المحتمل في الأحياء، والشوارع، والأزّقة، ومراقبة المحرضين والمشتبه فيهم المحتملين من الطابور الخامس التابع لروسيا، وإبلاغ وكالات إنفاذ القانون عنهم، دون التعرض المباشر لهم.

يثبت الأوكرانيون لأنفسهم وللعالم استعدادهم الجاد والحازم للدفاع عن أنفسهم، وهذا هو بالضبط العنصر الأساسي في إستراتيجية المقاومة الناجحة[1].

الهستيريا الإعلامية بشأن “الغزو الوشيك” لأوكرانيا

أوليغ ياسينسكي

إن الهستيريا الإعلامية الحالية بشأن “الغزو الوشيك” من روسيا لأوكرانيا، لا تصمد أمام أي تقييمات سياسية أو عسكرية جادة. بغض النظر عن تقييماتنا لحكومة بوتين وسلطات كييف، في الوقت الحالي، فإن أي عملية عسكرية من جانب روسيا ضد أوكرانيا ستكون غير مربحة وغير مناسبة، أولاً وقبل كل شيء للكرملين نفسه. بالنسبة إلى جميع السلطات الأوكرانية في فترة ما بعد أحداث الميدان الأوروبي 2014، كانت أطروحة شن روسيا حربًا على أوكرانيا، ليست فقط الحجة الدائمة المفضلة لديهم لتغطية فشلهم الاقتصادي والسياسي؛ ولكن أيضًا لتبرير النضال المتزايد ضد بقايا المؤسسات الديمقراطية في البلاد، وقبل كل شيء، الصحافة المستقلة. في الحادي عشر من فبراير (شباط) 2022، بقرار غير قانوني صادر عن مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أُغلِقَت آخر قناة تليفزيونية معارضة في البلاد، وهي قناة ناش (НАШ).

لأول مرة منذ عام 2014، وافقت السلطات العسكرية الروسية والأوكرانية على تقييم الوضع على الحدود. لم يكن تركيز القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية أعلى مما كان عليه منذ بضعة أشهر، أو سنة، أو ست سنوات، ولا يوجد دليل على خطر حدوث غزو روسي مباشر. فيما يتعلق باحتمالية ذلك – على عكس كل المنطق العسكري – فقط الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأوروبيون الرئيسيون، وعلى رأسهم بريطانيا العظمى الأكثر عدوانية، يصرون على وجود “غزو” روسي “أكيد” لأوكرانيا.

يبدو استخدام مصطلح “الحرب الروسية- الأوكرانية” أكثر من مريب. إن قوة كلا الجيشين، ومستوى تدريبهما القتالي اليوم لا وجه فيه للمقارنة، وفي ظروف عدم تدخل الناتو في النزاع، وهو أمر محسوم بالفعل، فإن خطر “الحرب بين روسيا وأوكرانيا” لا أساس له من الصحة. في الواقع، الترويج الغربي اليوم لخطر الإطاحة بحكومة كييف الحالية من خلال القوة المسلحة ما هو إلا كذبة كبرى. حكومة كييف هي المشروع الرئيسي والوطني الوحيد الذي يصب في المصلحة الجماعية للغرب من أجل زعزعة استقرار الحكومة الروسية، لكن الحكومة الأوكرانية نفسها اليوم لا تحظى بشعبية كبيرة، والنتائج الاجتماعية لجميع إصلاحاتها منذ انقلاب 2014 كارثية على المستويات كافة، إلى درجة أن الحفاظ عليها في شكلها الحالي هو أفضل هدية لبوتين كحجة روسية يمكن من خلالها الترويج لدى كل دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، لمصير أي دولة تكون السلطة فيها موالية للغرب، ومعارضة لموسكو.

بالتأكيد، الأوضاع في روسيا ليست مثالية، وليست خالية من الخطايا، وهي أقل حتى من أن توصف بأنها ديمقراطية، ولو بحدها الأدنى، ولكن إذا ما قورنت بالأوضاع التي عليها أوكرانيا، تبدو روسيا وكأنها بلد مزدهر جدًّا، ومكان أقرب بكثير إلى “الحلم الأوروبي” الذي وعد به الغرب الأوكرانيين في أثناء أحداث الميدان. لا يشكل الفشل السياسي الحالي لأوكرانيا أي تهديد لسلطة فلاديمير بوتين؛ بل على العكس من ذلك، إنه يعزز موقعه داخل روسيا. سيكون التهديد الحقيقي لروسيا هو انضمام أوكرانيا إلى الناتو، مع النشر اللاحق للصواريخ الموجهة إليها من على أراضيها، لكن من الواضح للجميع أن هذا لن يحدث في المستقبل المنظور. والتكلفة السياسية والاقتصادية لغزو أوكرانيا ستكون باهظة، وموسكو تدرك ذلك جيدًا، فضلًا عن الصدمة التاريخية الرهيبة التي سيخلفها الاشتباك العسكري بين شعبين شقيقين، بينهما من أواصر القرابة ووشائج الدم والصداقة والروابط الثقافية الكثير على الرغم من كل جهود السياسيين لتمزيقها.

الدعاية الرسمية الأوكرانية، التي تتجاهل عادةً كثيرًا من تناقضاتها، تنكر خطر الغزو الروسي اليوم، وفي الوقت نفسه تحاول تشكيل ميليشيات عسكرية من السكان المدنيين “لمقاومة المعتدي”، وتتحدث عن حتمية “حرب عصابات ضد الغزاة.” بالتأكيد يمكن العثور على أفراد من الميليشيات والأنصار بين السكان الذين خدعتهم الدعاية المعادية لروسيا على مدى السنوات السبع الماضية، لكن من المشكوك فيه جدًا أن تحظى هذه الحرب الافتراضية ضد القوات الروسية المحتلة في أوكرانيا بشعبية حقيقية.

بعيدًا عن الحشد الإعلامي الغربي الحالي الذي عمَّ الكوكب بأسره، والهستيريا المفتعلة بشأن “الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا”، الذي تواطأت فيه جهات إعلامية وبحثية من المفترض أنها جادة وذات “مصداقية”، وتبين أنها تعمل في خدمة مخابرات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن أحد أهم الأهداف الحقيقية من وراء كل هذا التحشيد الإعلامي، هو الرغبة في منع التقارب الاقتصادي والسياسي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، الذي من شأنه أن يمنع مزيدًا من السيطرة الكاملة للشركات الغربية على سوق الطاقة والمواد الخام العالمية. آمل أن يتحمل منظمو العرض الإعلامي الحالي المسؤولية لعدم تحويله إلى استفزازات عسكرية يمكن أن ترتد عواقبها بعيدًا جدًا عن الحدود الأوكرانية الروسية.

ما ورد في التقرير يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير 

تحرير ومراجعة: أحمد دهشان

ترجمة من الروسية: أحمد قاسم

ترجمة من الأوكرانية: ياروسلافا بيريبينوس


شارك الموضوع