التاريخ والثقافةمقالات المركز

المغول من القبيلة إلى الإمبراطورية


  • 2 أكتوبر 2021

شارك الموضوع

يُطلق اسم المغول على القبائل التي عاشت في المنطقة الواقعة بين نهري (سيحون وجيحون). [1] من الغرب، حتى حدود الصين الجبلية من الشرق، ممتدةً لأقصى الشمال الشرقي لآسيا، ويتوسع البعض في حدودها حتى يصل بها إلى البحر الأدرياتيكي وهضبة منغوليا وسلاسل جبال (تيان شان)، وجبال (ألتاي) وما بينهما من سهول وصحراء حول بحيرة (بايكال) وضفاف الأنهار الموجودة هناك. [2]

طبيعة الجغرافيا وتشكيل القبائل المغولية

كان للطبيعة الجغرافية والمناخية القاسية لهذا الموقع دورها في تشكيل طبيعة القبائل المغولية، سواء في سماتها الشخصية، أو طبيعة الأنشطة التي تمارسها، كالرعي والصيد، ومما يؤكد قسوة تلك الطبيعة أن (صحراء جوبي) التي كان بعضهم يسكنها يعني اسمها الجدب والفقر. [3]

في هذه البيئة القاسية، وكما تتجمع الروافد لتكون النهر، تجمعت روافد عديدة لتكون ما يُطلق عليه المؤرخون القبائل المغولية، وكانت تلك الروافد تضم عرقيات متنوعة، تركية، كقبائل توركش والقرغيز والغُز والقارلوك، وغير تركية، كقبائل الخطا (خيتاي)، وقبائل التتار بتنوعاتها، والكرايت، والنايمان، وبرجقين التي ينحدر منها جنكيز خان. [4]

وفي مناخ كهذا، كان الصراع لغة القبائل المختلفة. الصراع على المراعي وقطعان الماشية والخيل، والصراع على المناطق الممطرة والمناطق التي تمر بها الأنهار، والصراع من أجل بسط نفوذ المغول وطرد القبائل الأخرى لإتاحة أماكن يعيش فيها الأبناء. [5]

ورغم هذه الحالة البدائية، فقد كانت هناك تقسيمات اجتماعية تحكم أغلب القبائل المغولية، حيث انقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات أساسية، أولاها: طبقة النبلاء (ومنهم يكون المسيطرون على القبيلة)، ولهم ألقاب شهيرة، مثل بهادر بمعنى الباسل، وتوبان بمعنى النبيل. [6]، والثانية: طبقة (النوكور) أو الأحرار، وتشبه الطبقة المتوسطة المعاصرة، وعليها يقوم النظام العسكري والسياسي. وأما الطبقة الثالثة فهي طبقة العامة والعبيد. [7]

طعام المغول

كان طعام المغول المعتاد من لحوم الحيوانات، سواء حيواناتهم التي يربونها كالخيول والكلاب، أو الحيوانات غير الأليفة، كالذئاب والثعالب والفئران، وكانت ملابسهم تتسم بالبساطة، ومصنوعةً غالبًا من جلود الحيوانات، أو أصوافها، وأوبارها، ولم تكن ملابس الرجال تختلف كثيرًا عن ملابس النساء.[8]

دينيًّا، كان أغلب المغول يدينون بالشامانية، لكن مع إنشاء الإمبراطورية وتوسعها اعتنق كثير منهم الديانات الإبراهيمية، خاصةً الإسلام والمسيحية، ورغم البدايات الوثنية للمجتمع المغولي قبل نشوء الإمبراطورية، فقد كانت لديهم تشريعات روحية وأخلاقية صارمة، تحمي الأخلاق وتحافظ على الموارد الطبيعية، ويكفي القول إن القتل عندهم جزاء من يبول في نهر. [9]

على تلك الحال من البدائية والتناحر ظلت القبائل المغولية، حتى خرج فيهم زعيم كان له فيهم من الأثر أكبر مما كان للطبيعة، وهو جنكيز خان أو (بورجيكين تيموجين)، المولود في (هينتي) بمنغوليا بين عامي 1154 و1165. [10]

جنكيز خان وتأسيس إمبراطورية المغول

استطاع جنكيز خان خلال سنوات قليلة بين عامي 1206 و1227 أن يوحد القبائل المغولية تحت قيادته، وأن يؤسس دولة تقوم على دستور صارم وضعه بنفسه، هو دستور (ياسا)، وأنشأ مجلسًا للحكم (قوريلتاي) أو (المجلس العام)[11]، ثم بدأ يمد سلطانه ويبسط نفوذه في كل الاتجاهات، حتى بلغت حدود مملكته أغلب آسيا الوسطى غربًا، وفي الشرق ضمت أجزاءً من الصين وشمال شرق آسيا. [12]

حين توفي جنكيز خان كانت دعائم إمبراطوريتة المغول قد استقرت، ولم يكُن الأمر يحتاج إلى أكثر من أن يقسم أجزاءها بنفسه بين بعض أبنائه، مع التوصية بالملك لأوقطاي، الذي خلف والده على مقعد الخاقان الأعظم، ونال الأرض المحصورة في جبار تار باجاي وأطراف بحيرة ألاجول وحوض نهل اليميل، فضلاً عن السيطرة الروحية على جميع الخانات التي نالها إخوته الآخرون: جوجي الذي حظي بالخانية الواقعة بين نهر إرتش وجنوب ساحل نهر قزوين [13]، وجغتاي الذي فاز ببلاد الأويغور وأقاليم ما وراء النهر وكاشغر وبلخ وغزنة، وتولوي الذي كان من نصيبه منغوليا، وشملت خانيته وديان أنهار كرولين وأونون وأرخن. [14]

قضى أوقطاي خان عامين فقط خاقانًا أعظم، حيث توفي عام 629، ليخلفه جيوك خان، ثم مانكو خان، ثم قوبيلاي خان، ثم تيمور خان. [15]، ورغم تراخي قبضة الدولة بعد الخاقانات العظام على الخانات الفرعية، وتفرق الأرض بين أبناء جنكيز وأحفاده، فقد ظلوا على عهد أبيهم، ينفذون وصاياه وقوانينه الصارمة، ويوسعون ملك المغول على حساب الممالك المجاورة التي تعاملوا معها بلا رحمة، وعلى رأسها الممالك الإسلامية، حتى وصلوا إلى عاصمة الخلافة وقتلوا الخليفة المستعصم بعد أن خربوا بغداد تخريبًا تامًّا، ثم تجاوزوها إلى بلاد الشام، ففعلوا بأهلها مثلما فعلوا بغيرهم من القتل والتنكيل، وتوغلوا في شرق أوروبا حتى حدود صربيا والمجر وبولندا وغيرها من الدول الأوربية الحالية. [16]

ولم تمنع القرابة المغول من أن يسطو بعضهم على بعض، أو أن تدور بينهم الحروب الطاحنة، إما لأسباب دينية، أو لأسباب تتعلق بالنزاعات الحدودية، وكان في هذه الصراعات، مع ما جرى من تنامٍ ونهضة للإمارات الموسكوفية بذور تفتت الإمبراطورية العظيمة التي ظلت بقاياها حية حتى عام 1783. [17]، وشغلت في أوج قوتها مساحة تزيد على 28 مليون كيلومتر مربع، وهو ما يعني 20% من مساحة اليابسة، ويصل إلى أربعة أضعاف إمبراطورية الإسكندر الأكبر. [18]


شارك الموضوع