أبحاث ودراسات

تفكيك إيران الثورة لصالح قيام الدولة

هل يكون اتفاق بكين بداية لهذا المسار الطويل؟



شارك الموضوع

صدر يوم العاشر من مارس (آذار) بيان ثلاثي من السعودية، وإيران، والصين عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة لا تتجاوز شهرين، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة عام 2001، إلى جانب اتفاقية أخرى وُقِّعَت في وقت أسبق في مجال التجارة والاستثمار[1]. وقد اصطُلح إعلاميًّا على تسمية هذا البيان بـ «اتفاق بكين».

في أبريل (نيسان) 2021، صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن بلاده تطمح إلى علاقات “مميزة” مع إيران. كما حدد- بوضوح- الموقف السعودي تجاه طهران، بقوله: “لا نريد أن يكون وضع إيران صعبًا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو، وأن تكون لدينا مصالح فيها، ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم إلى النمو والازدهار”. كما تحدث عن ملاحظات السعودية على السياسية الإيرانية، بالقول إن “إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران، سواء في برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية”[2]. جاءت هذه التصريحات على وقع أنباء تناقلت آنذاك عن بدء “حوارات دبلوماسية وأمنية” بين وفود سعودية وإيرانية بوساطة عراقية في بغداد.

لم يكن هذا الاتفاق الجديد مفاجئًا؛ حيث سبقه- كما ذُكر- تصريحات إيجابية من ولي العهد السعودي قبل عامين من توقيعه، عُقدت خلالها مفاوضات ولقاءات متعددة في بغداد، وعمّان، ومسقط، وما بدا من تهدئة في اليمن. ربما كانت المفاجأة الأكبر هي اختيار العاصمة الصينية بكين مكانًا لتوقيع الاتفاق الجديد، وهو ما فتح الباب أمام عدد كبير من التحليلات والتساؤلات عن “الدور” السياسي والأمني الجديد للصين، وموقف الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، وبعض الدول الإقليمية، وعلى رأسها إسرائيل.

 

البعد التاريخي للعلاقات العربية- الإيرانية

يصعب جدًّا (إن لم يكن من المستحيل) دراسة حاضر العلاقات العربية- الإيرانية أو مستقبلها، دون المرور- ولو سريعًا- على بعدها التاريخي. كانت العقلية الإيرانية- وما زلت- مرتبطة بالتاريخ، زاد من هذا الارتباط شعوران يبدوان متناقضين؛ هما: “العظمة” و”المظلومية”، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي طيلة عصرها الحديث، سواء في عهد الشاه، أو ما بعد الثورة. شعور “العظمة”، وتضخم الذات حد “الشوفينية”، تلجأ إليه بعض الأمم التي كانت يومًا ما عظيمة، ووجدت نفسها في حالة من التردي السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، مع عجزها عن وصل ما انقطع من تلك العظمة (التي يُبالَغ فيها كثيرًا أحيانًا). يقابله شعور “المظلومية” كمسكن لهذا الألم من خلال إلقاء المسؤولية على “الخارج”، و”المؤامرات” التي تتعرض لها الأمة “العظيمة” من محيطها، وخصومها؛ خشية عودتها إلى قوتها.

يزداد هذان الشعوران المتناقضان قوةً وتأثيرًا عندما يترافقان مع نهضة وتقدم للجيران المحيطين الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل شأنًا، أو “إخوة صغار”. قد يؤدي هذا الوضع- حسب طبيعة النظام الحاكم وخياراته- إلى صحوة قومية تدفع نحو نهضة شاملة، أو حالة من السخط نتيجة العجز عن اللحاق بالركب، وانتهاج سياسة تخريبية غرضها (المساواة في الانحطاط)، وفي هذا الإطار يمكن أن تجد هذه الأمة لنفسها ميزة تمنحها الغلبة على محيطها. ربما أكثر الأمثلة قربًا من نموذج الحكم الإيراني الحالي (روسيا)- مع الفارق في الحجم والقوة- فهي أيضًا لديها هذان الشعوران، وقد تُرجما إلى حالة من الاستياء والرغبة في تخريب محيطها الأوروبي؛ ليسود “نموذج” الانحطاط، وفي هذه الحالة تضمن لنفسها التفوق بفضل مساحتها ومواردها الطبيعية، وقوتها العسكرية والنووية، وعدد سكانها الأكبر أوروبيًّا.

لم يكن للعرب قبل الإسلام ميراث من الحكم الإمبراطوري، ولا دول ذات قوة وتأثير في محيطها كما كان لإيران في عهودها المختلفة منذ تأسيس الإمبراطورية الأخمينية (522 ق. م– 486 ق. م)، وما أعقبها من دول وإمبراطوريات حتى سقوط إمبراطوريتها الساسانية (224-651) على يد العرب بلا رجعة.

بعدما أدرك الفرس- في ذلك الوقت- أن العرب جاءوا فاتحين مستقرين لا غزاة عابرين، مع عدم امتلاكهم القوة أو القدرة على إزاحتهم، وسط حالة من السخط على السياسة الأموية (التي كانت عنصرية في كثير من جوانبها تجاه الأعراق غير العربية). استغل إمام الدعوة العباسية الأول، محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (679- 744) حالة السخط هذه، ووظفها في صالح «الثورة العباسية» التي تكللت بالنجاح- إلى حد كبير- بفضل جهود الفرس، وأنهت حكم بني أمية عام (750).

حاول أبو مسلم الخراساني (718- 754)، الذي يُروى أنه كان يحلم باستعادة مجد الفرس، استغلال لحظة التحول هذه من خلال الاستقلال فعليًّا بإقليم خراسان الكبرى (إيران، وأفغانستان، وبلدان آسيا الوسطى حاليًا)، وهو مركز ثقل الوجود الفارسي عرقيًّا وثقافيًّا، إلى جانب الترك. فشلت المحاولة بعدما تمكن الداهية أبو جعفر المنصور (714- 775) من وأدها والتخلص منه باغتياله. سعى آل برمك- بوسائل ناعمة- الاستحواذ على الخلافة العباسية (750- 1517) من خلال معادلة “العرب هم الأمراء”، أي أمراء المؤمنين اسمًا بلا رسم، والفرس هم “الوزراء”، أي إنهم الحكام الفعليون والمتحكمون في الدولة، فما كان من هارون الرشيد (766- 809) إلا أن عصف بهم في ليلة وضحاها كأن لم يكن لهم وجود. كانت المحاولة الأخيرة التي بدا أنها قادرة على تحقيق هذا الحلم، عندما وقع الخلاف بين الأخوين (الأمين والمأمون)، وسعي الفضل بن سهل السرخسي (770- 818) الذي تحكم في شؤون الخلافة زمن عبد الله المأمون (786-833) حتى إنه كان أول من نال لقب «ذو الرياستين»، أي قيادة الدولة سياسيًّا من خلال الوزارة، وعسكريًّا من خلال قيادة الجيوش، فلقي مصير من سبقوه بعدما تنبه المأمون لما يرمي إليه.

اشتهر عن الفرس تمتعهم بالذكاء والمكر والدهاء، لكن العرب بعد خروجهم من شبه الجزيرة العربية بعد الإسلام تفوقوا عليهم في كل ما سبق، وخلال التجارب كانت لهم الغلبة في النهاية، وربما هذا أكثر ما يؤلم النخب الإيرانية، وهو ما عبر عنه الفردوسي (940- 1020) في ملحمته الشهيرة «الشاهنامه»، حيث انتصر من كان يُنظر إليهم على أنهم “بدو” بالمعنى السلبي للكلمة على “أهل الحضارة” في كل المواجهات.

لعل الدرس المستفاد من تاريخ هذه المواجهة بين العرب والفرس، وفشلهما في خلق التوافق فيما بينها، أن العرب لم يتمكنوا من سحق الفرس، أو جعلهم مجرد أتباع خاضعين. كذلك، لم يتمكن الفرس من التغلب على العرب، واستخدام الإسلام الذي جاءوا به ليهيمنوا باسمه عليهم. كان المستفيد من هذه المواجهة قوة ثالثة أضعفت العرب والفرس معًا، واحتقرتهم وأسهمت كثيرًا في تراجعهم، وذلك عندما تمكن العسكر الترك من استغلال هذا الصراع وحسمه لصالحهم زمن أبي الفضل المتوكل على الله (822- 861). كذلك رأينا في العصر الحديث أن المستفيد من هذا الصراع دائمًا قوة ثالثة، ربما يتغير اسمها، لكن النتيجة واحدة.

البعد الجيوسياسي للعلاقات العربية- الإيرانية

ربما يكون من المفيد، بل من الضروري، قبل الشروع في نقاش هذا الموضوع المهم، إلقاء نظرة فاحصة على خريطة إيران الحالية، وطبيعة ثقافة ولغة وعرقية وديانة ومذهب غالبية السكان في الدول المجاورة لها.

 

تخبرنا هذه الخريطة عن عدة حقائق يمكنها تفسير كثير من سياسات إيران؛ أولاها أنها دولة تمثل أقلية معزولة عن كل محيطها. تقع إيران في القسم الجنوبي الغربيّ من قارة آسيا، شمال شرقيّ الجزيرة العربيّة، ويحدّها من الشمال جمهورية تركمنستان، وأذربيجان، وأرمينيا، وبحر قزوين. ومن الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الجنوب خليج عُمان والخليج العربي (الذي تطل عليه 7 دول عربية)، ومن الغرب العراق وتركيا. كل الدول السابقة مختلفة عن إيران في العرق، واللغة، والثقافة، والدين، والمذهب (مع استثناء أذربيجان، ففيها غالبية شيعية، لكنها ذات هوية قومية تركية. وفي العراق أكثرية معتبرة شيعية، لكنها أيضًا مختلفة في ثقافتها ولغتها).

وجدت إيران نفسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) محصورة في مساحة (1,648,000) كم²، ويوجد فيها الآن نحو (عشر) عرقيات مختلفة. يبلغ عدد سكان إيران حسب إحصاء عام 2017 أكثر من 80 مليون نسمة من مختلف الأعراق. يشكل الفرس (51%) من سكان إيران (هناك اختلاف وتباين في تقدير النسبة المئوية للفرس). يتألف باقي السكان من أذريين (24%)، وغيلَك ومازاندراني (8%)، وكرد (7%)، وعرب (3%)، ولور (2%)، وبلوش (2%)، وتركمان (2%)، وآخرين (1%)[3]. تعتنق الأغلبية الساحقة من الإيرانيين الإسلام. تشير التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون (99.4%) من السكان، منهم (90- 95%) شيعة، و(5-10%) سنة، ومعظمهم من (التركمان، والعرب، والبلوش، والكرد) الذين يعيشون في المقاطعات الشمالية الشرقية، والجنوبية الغربية، والجنوبية الشرقية، والشمالية الغربية. وفقًا لتقديرات الحكومة الأمريكية، فإن المجموعات الدينية التي تشكل النسبة المتبقية (1%) من السكان تشمل: (البهائيين، والمسيحيين، واليهود، والصابئة المندائيين، والزرادشتيين، واليارسانيين). أكبر ثلاث أقليات غير مسلمة هي: (البهائيين، والمسيحيين، واليارسانيين)[4].

في ظل هذه المساحة، والطبيعة السكانية (المركبة) عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا ولغويًّا وثقافيًّا، والموقع الجغرافي الذي وجدت إيران نفسها فيه محاطة بجيران مختلفين عنها؛ شمالًا: طريقها نحو جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، مغلق، ولا قدرة لديها على اختراقه للتواصل المباشر مع بلدان كلتا المنطقتين ومنهما إلى الصين أو روسيا. شرقًا: وصولها إلى المحيط الهندي ودول جنوب آسيا يمر من خلال أفغانستان أو باكستان، المختلفتين عنها. جنوبًا: على الضفة الثانية من الخليج يوجد سبع دول عربية، للوصول إلى شبه الجزيرة العربية. غربًا: العراق وتركيا، بوابتها للعبور نحو شرق المتوسط أو أوروبا.

وسط هذا الوضع الصعب، لا يمكن لإيران أن تضمن سلاسة طرق التجارة بينها وبين أوروبا وجنوب آسيا والقوقاز وروسيا والصين، دون أن تكون خاضعة لشروط جيرانها، في ظل فقدانها أي وسائل تأثير مباشرة أو غير مباشرة عليهم تضمن لها الاستمرارية. استخدام الخطاب القومي الفارسي يضعف إيران داخليًّا؛ لكونها مجتمعًا متعدد الأعراق، وقد يؤدي إلى صعود التطلعات القومية (الانفصالية لدى البعض)، كما أن تأثيره في محيطها يكاد يكون معدومًا لعدم وجود عمق قومي، مثل العرب في محيطهم، أو حتى تركيا. الهوية الثقافية القائمة على اللغة مفقودة أيضًا؛ حيث لا يتحدث الفارسية خارج إيران سوى أقليات محدودة، وبلهجات مختلفة في (أفغانستان، وطاجيكستان، وأوزباكستان). رفع شعار مثل «باكس أوتومانا»، الذي استخدمته تركيا للترويج لما تسمى “العثمانية الجديدة” من خلال الدعاية لحكمها الإمبراطوري للمنطقة، وما تمتعت به- حسب الادعاء- من سلام ورخاء، غير موجود في الحالة الإيرانية، حيث انتهت إمبراطوريتها الساسانية عام 651، ومنذ ذلك الوقت كانت خاضعة للقوى الإقليمية السائدة، والفترات التي استقلت فيها، وشكلت ما يشبه الإمبراطورية، سواء في الدولة الصفوية (1501- 1736)، والدولة الأفشارية (1736- 1796)، والدولة القاجارية (1785- 1925)، كان تمددها محدودًا، وعلى فترات متقطعة، وغلب عليه عدم الاستقرار، والصراع مع القوى الإقليمية الكبرى، مثل تركيا العثمانية، وروسيا الإمبراطورية، والخضوع للقوى الغربية (بريطانيا) على سبيل المثال.

عسكريًّا، تعرضت إيران عبر التاريخ لغزوات خارجية من العراق أو شبه القارة الهندية أو أفغانستان أو من خلال الأوزبك في آسيا الوسطى والروس من جنوب القوقاز أو من الغرب عن طريق تركيا. لم يكن لدى إيران شبكة أمان أو قوة موالية عازلة قادرة على مواجهة القوى الخارجية الراغبة في غزوها؛ لذا كانت المعركة دائمًا داخل الأراضي الإيرانية لافتقادها عنصر التأثير، فكانت أشبه بجزيرة معزولة وسط محيط مختلف عنها. شكلت جميع هذه العوامل عقدة وأزمة جيوسياسية لإيران، حاول كل من حكموها حلها دون جدوى. ربما نجح الشاه- جزئيًّا- في علاج هذه المشكلة من خلال أداء دور الوكيل الإقليمي لصالح قوى عظمة مهيمنة (الولايات المتحدة في هذه الحالة) كما كان يسمى “شرطي الخليج”، لكن إشكالية هذا الدور تكمن في تبعية إيران، ومحدودية ما لديها من هامش مناورة واستقلالية مرتبط برغبات الأصيل، وإمكانية التخلي عن هذا (الوكيل) لو وجد البديل، أو انتفت التحديات التي أدت إلى منحه هذا الدور، وهو ما حدث مع الشاه، وأسهم- إلى جوانب عوامل أخرى كثيرة- في سقوط حكمه. تغير المشهد عام 1979 مع تغير نظام الشاه، وسيطرة الخميني على السلطة.

الطائفية هي الحل

رفع روح الله الخميني، عندما سيطر على الحكم، شعار “لا شرقية، لا غربية، جمهورية إسلامية”، وشعار “استقلال، حرية، جمهورية إسلامية”. لاقت هذه الشعارات “الثورية” شعبية واسعة، وبالتحديد من تيارات الإسلام السياسي التي وجدت في إيران النموذج المماثل لما يطمحون إليه لحكم المنطقة. بعد نشر النسخة النهائية للدستور الإيراني يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، الذي نص في المادة 12، على أن: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، ويبقى هذا المبدأ قائمًا وغير قابل للتغيير إلى الأبد”[5]. أفقد هذا النص، الثورة وشعاراتها “الإسلامية” زخمها، وحصرها في الإطار الطائفي بدلًا من الإطار الإسلامي الواسع، وهو ما جعل الكثير من الحركات الإسلامية يعيبون النظام الإيراني عليه. لكن، بعيدًا عن هذه الانتقادات التي تبدو غير واقعية (بالنظر إلى مصالح إيران القومية). لم يكن لإيران من بد أو وسيلة لمعالجة أزمتها الجيوسياسية سوى طريقين: التصالح مع جيرانها، والعمل على تشبيك المصالح معهم، أو الصدام والاشتباك عبر استخدام الوكلاء المحليين، ورفع شعارات طائفية تستخدم فيها “عظمتها” المتصورة كدولة كبرى ذات حضارة وإرث عريق، إلى جانب “مظلوميتها” المدعاة، وتوسيعها لتشمل عموم الشيعة، من خلال استخدام التشيع، واستجلاب أحداث الماضي وإسقاطه على الحاضر، وكأننا أمام مواجهة “حق” مقابل “باطل” كما تجسد في معركة كربلاء (680).

اتبعت السياسة الإيرانية بعد وفاة الخميني، وتولي علي خامنئي، سياسة هجينة. داخليًّا، عملت على تعزيز الهوية القومية الفارسية في إطارها (الثقافي)، دون التطرق إلى الجوانب العرقية؛ نظرًا إلى ما سلف من تنوع المجتمع الإيراني، وكون كثير من القيادات الإيرانية في الواقع غير فارسية (يقال إن علي خامنئي ينتمي إلى القومية الأذرية، ويجيد اللغة التركية). لعل أبرز الأمثلة على ذلك استحضار التاريخ الفارسي وعظمته، ونصب تماثيل في جميع المدن الإيرانية لباعث القومية والثقافة الفارسية أبي قاسم الفردوسي، واحتقار أو الانتقاص من تاريخ الجيران، وبالتحديد العرب، واعتبارهم غير أنداد لهم. خارجيًّا، استخدام الخطاب الطائفي الشيعي، وتحفيز بعض الجماعات الشيعية على الثورة والتمرد على الدولة، وتشكيل ميليشيات، وعمل قطيعة مع تاريخ الجماعة المسلمة عبر اختزال هذا التاريخ في المظالم، وتصويره انحرافًا كاملًا عن الإسلام.

وسط هذا المحيط، وجدت إيران أن (العالم العربي) هو المكان المثالي لممارسة سياساتها الجديدة؛ نظرًا إلى فشل الدول العربية مجتمعة في التأسيس لمنظومة أمن جماعي عربي، وتشتتها وتفككها، ودخولها في صراعات سياسية وعسكرية داخلية (أدى غزو صدام حسين للكويت إلى إسقاط ما تبقى من النظام السياسي العربي الرسمي)، إلى جانب فشل الدولة العربية ما بعد الاستقلال في التأسيس لدولة مواطنة حقيقية، وتعرض الشيعة للتهميش أو الإقصاء في بعض الحالات. كذلك يتمتع العالم العربي بموقع جغرافي فريد من نوعه، يمكن إيران من الوصول إلى الأسواق الأوروبية عبر شرق المتوسط، والتأثير في سياسات القوى الكبرى لما تمتلكه المنطقة من ثروات طبيعية، يؤثر غياب الاستقرار فيها في الاقتصاد العالمي، وكذلك وجود إسرائيل في القلب منها، مع ما تتلقاه من دعم أمريكي لا محدود. أخيرًا، الوجود الشيعي المتناثر في العالم العربي له عدة مزايا جغرافية (الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية؛ الأكثرية الشيعية في العراق بما تحتويه من مراقد ومركزية حوزة النجف، وثروات نفطية في الجنوب، وارتباط مباشر بالحدود مع سوريا؛ نظام الحكم السوري الذي يوفر لإيران التواصل برًّا إلى لبنان، وتقديم الدعم لحزب الله، والوصول إلى شاطئ المتوسط؛ الحوثيون في اليمن، وإمكانية الوصول إلى البحر الأحمر والحدود الجنوبية للسعودية).

دعمت إيران، عسكريًّا وسياسيًّا وماليًّا، حزب الله في لبنان، وحركتي الجهاد وحماس في غزة، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. رغم حفاظ حركة الجهاد الإسلامي على حلفها مع إيران، وما يسمى “محور الممانعة” في المنطقة، وثباتها على مواقفها تجاه هذا الحلف، فإن نصيب الأسد من الدعم والمساندة كان- وما زال- يوجه إلى حماس. فور ما بدا من صعود للإخوان في المنطقة، بعد وصولهم إلى السلطة في مصر (الدولة العربية الأكبر)، قلبت حماس “ظهر المجن”- كما يقال- لإيران ومحورها. هنا يظهر- بوضوح- هشاشة أي تحالف إيراني لا يعتمد على الوحدة الطائفية منطلقًا له. عادت حماس بعد فشل مشروع الإخوان، وفتحت اتصالات مع إيران ومحورها، ولاقت ترحيبًا كبيرًا، مع “الصفح” عما بدر منها. يعود ذلك- إلى حد كبير- إلى أهمية أن يكون لإيران علاقة مع الإخوان بوصفهم أكبر جماعات الإسلام السياسي السنية، ومن خلال هذه العلاقة يمكن أن تسوق لعلامتها التجارية “الإسلامية”، وحماس على وجه الخصوص تشكل أهمية خاصة لأنها قادرة على إزعاج إسرائيل، وخلق ردع مضاد لحماية برنامج إيران النووي، كذلك هي ورقة ضغط على القاهرة لثنيها عن أي مشاركة جادة في حلف عسكري موجه ضد إيران، من خلال قدرتها على خلق مشكلات أمنية في غزة أو سيناء.

بعيدًا عن الجدل الشهير بشأن ما يسمى “التشيع العربي” مقابل “التشيع الصفوي”، فإن تحول إيران إلى المذهب الشيعي بقرار سياسي من الشاه إسماعيل الصفوي (1487- 1524)، وإن كان يهدف- في المقام الأول- إلى حفظ سلطة وشرعية حكم الصفويين لإيران في مواجهة الدولة العثمانية، خلق لإيران- لأول مرة منذ سقوط الإمبراطورية الساسانية (651)، وتحول إيران إلى الإسلام- شخصيتها المستقلة المتميزة داخل العالم الإسلامي بعدما فشلت كل محاولات “الشراكة” بين العرب والفرس. يعتقد- إلى حد كبير- أنه لولا هذه الخطوة التي اتخذها إسماعيل الصفوي بجعل التشيع المذهب الرسمي للدولة، لتحولت إيران إلى ولاية عثمانية، أو على أقصى تقدير نالت وضعية خاصة شبيهة بتلك التي كانت عليها مصر في الحقبة الخديوية (1867- 1914)، حيث لم يكن هناك من دافع لدى الفرس إلى القتال ومواجهة العثمانيين لأجل بقاء حكم الصفويين، فكلاهما (العثمانيون والصفويون) تركي، وسني، وذو جذور صوفية، وبعد تسمية السلطان سليم الأول (1470- 1520) بالخلافة عام 1517، امتلك العثمانيون شرعية دينية، إلى جانب سيطرتهم على الطرق التجارية الكبرى، وهو ما كان سيسهم- كثيرًا- في تطوير الاقتصاد الإيراني آنذاك، لكن هذا التحول المذهبي ودمجه مع القومية مكّن إيران من الحفاظ على استقلاليتها، وعدم تبعيتها للقوى المهيمنة، لكنه خلق معضلة (الانعزالية) عن التاريخ والمحيط الإسلامي. سعى الخميني ومن جاءوا من بعده إلى حل تلك المعضلة من خلال رفع لواء (الطائفية)، واحتكار تمثيل الشيعة في العالم، وادعاء الدفاع عن مظلوميتهم، وتحول طهران إلى مرجعية للمذهب والتاريخ المضاد المخالف لتاريخ الجماعة المسلمة.

أخيرًا، يبدو أن خيار إسماعيل الصفوي، قد وافق هوى الغالبية من النخب الفارسية، كل ما يقال عن “الاضطهادات” الشنيعة، و”المقاومة” الكبرى من الفرس لمواجهة فرض التشيع، تبدو مبالغات غير منطقية في ظل 12 مواجهة حربية رئيسة شنها العثمانيون “السُّنّة” ضد الدولة الصفوية والدول التي خلفتها في الفترة من 1514 إلى 1823، ودخول العثمانيين مبكرًا العاصمة تبريز عام 1514. لو كان هناك حقًا رفض لهذا التحول أو مقاومة له، لوجد العثمانيون العون والدعم من القاعدة الشعبية لتثبيت حكمهم على الأراضي الإيرانية، أو تعيين حاكم “سُنّي” موالٍ لهم.

فشل المشروع الإيراني

في هذا القسم، لا حاجة إلى الحديث عن أرقام وإحصاءات، أو التنظير والعودة إلى التاريخ، كل ما نحتاج إليه هو عبارة واحدة (انظر حولك) لوضع بلدان ما يسمى “محور الممانعة”. كما يرى الجميع اليمن مدمرة بعدما أدخلها الحوثيون في دوامة من العنف والصراعات الداخلية والخارجية، وانتقلوا من المدرسة الهادوية داخل المذهب الشيعي الزيدي، المتوافقة- إلى حد كبير- مع عقائد الجماعة المسلمة وتاريخها إلى المدرسة الجارودية الأكثر تشددًا وانعزالية، وصولًا إلى فقدانهم هويتهم (الزيدية) حتى أصبحوا أقرب ما يكونون إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، وهو ما قد ينذر بانقراض هذا المذهب الإسلامي المهم، حيث يمثل شمال اليمن ثقله. سوريا تحطمت، وأمامها عقود من الزمن لتعود من جديد كدولة، وأراضيها مقسمة بين عدة قوى دولية وإقليمية، وأهم من ذلك ما تعرضت له من تمزيق لنسيجها المجتمعي. العراق، رغم كل ثرواته، يعيش حالة من الفوضى والتردي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لبنان تحول إلى دولة مفلسة، وحزب الله الذي كان يُنظر إليه حتى وقت ليس بالبعيد في القاهرة وباقي العواصم العربية على أنه حزب مقاوم، تحول أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى ناطق فعلي باسم السياسة الإيرانية، وذراع عسكرية لها في المنطقة، وانتهى النزاع مع إسرائيل بعد حرب تموز (يوليو) 2016، ووضع قوات اليونيفيل، لتشكل حاجزًا بينه وبين إسرائيل، وفائض قوته توجه أولًا إلى الداخل اللبناني عبر أحداث 7 أيار (مايو) 2008، ثم تورط في العملية السياسية الداخلية وحماية الفاسدين، وصولًا إلى المشاركة العسكرية في سوريا والعراق واليمن، والانخراط في جميع صراعات إيران في المنطقة، واعترافه الفعلي بإسرائيل بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

داخليًّا، يعاني الشعب الإيراني (الشاب في أغلبيته) ترديًا اقتصاديًّا، وتفككًا اجتماعيًّا، وسط حالة سخط عام وتفجر مستدام للتظاهرات الشعبية. باختصار، لم تتمكن السياسة الإيرانية من ترجمة “انتصاراتها” العسكرية إلى مكتسبات جيوسياسية مستقرة تؤدي إلى عوائد اقتصادية، ربما النجاح الوحيد (القابل للتحقق) امتلاكها قنبلة نووية، وإذا حدث هذا فلن يغير كثيرًا في المعادلة؛ فليس باليورانيوم والنووي تحيا الشعوب، ولا وجود لأي قوة خارجية تهدد باحتلال إيران، وقدراتها التكنولوجية والعسكرية لا تمكنها من استخدام النووي، وإذا تمكنت من ذلك فسيكون هذا الاستخدام لمرة واحدة ووحيدة، لتلقى بعدها ردًا نوويًّا مماثلًا يعيدها إلى الوراء عدة عقود.

الدعاية الثورية، والخطب الحماسية، والأفكار الأيديولوجية، لم تعد تمثل جاذبية لدى الجيل الحالي من الشباب الإيراني، فضلًا عن محيطها الخارجي، في ظل معركة قائمة على معادلة جديدة؛ ألا وهي (النماذج) الاقتصادية، ومعدلات الرفاهية والاستهلاك التي تسعى إليها الشعوب، ومن ضمنهم الشعب الإيراني، الذي يقارن وضعه بأوضاع جيرانه، سواء بلدان الخليج العربية، أو أذربيجان، أو حتى بعض بلدان آسيا الوسطى (حديثة العهد بالاستقلال منذ 1991)، وتمكنها من تحقيق نهضة اقتصادية، وحريات اجتماعية واسعة.

الاستنتاجات

لم يكن “اتفاق بكين” وليد اللحظة؛ بل سبقه عدة تصريحات ومبادرات، تبعها عملية تفاوض طويلة استمرت عامين، ونتيجة لرغبة متبادلة (سعودية– إيرانية) للتوصل إلى تفاهمات مشتركة.

أدت بغداد دورًا محوريًّا في التفاوض بين الطرفين، وكذلك عمّان ومسقط، لكن هذه الأطراف كانت بمنزلة منصات للحوار، وعاملًا مسهلًا له، دون امتلاك قدرة على ضمان أي اتفاق بين الطرفين، وهو الدور الذي قامت به بكين؛ لما تتمتع به من علاقة مميزة مع الرياض وطهران، ولكونها الرئة الاقتصادية الأساسية للأخيرة.

يبدو من الواضح أن واشنطن لا تمتلك القدرة أو الرغبة في التورط العسكري في أي صراع مع إيران بعد تجاربها في المنطقة: أفغانستان (2001)، والعراق (2003). كذلك لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي يضمن عدم امتلاك إيران قدرات نووية عسكرية، أو بشأن دورها الإقليمي. لا تعتمد السياسة السعودية- كما هو واضح- على عودة ترمب، ولا تعول على الجمهوريين في العموم (كما روج البعض). كما أن هذه العودة (المفترضة) لا تشكل- بالضرورة- عوامل تغيير جوهري في السياسات الأمريكية في ظل الفوضى السياسية الداخلية في واشنطن العاصمة، وحالة الاستقطاب الحاد بين الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي)، وعدم وجود دلائل تشير لإستراتيجية أمريكية متماسكة بشأن قضايا المنطقة.

تشير جميع الدلائل- بالنظر إلى التجارب التاريخية، والتنامي الكبير للاقتصاد الصيني، ومشروع الحزام والطريق الطموح- إلى دور صيني سياسي وعسكري يبدو لا مفر منه، لكن على الأقل في المستوى المنظور، لن يكون هذا الدور قادرًا على ملء الفراغ الأمريكي، أو الحلول محله.

وصلت إيران إلى أقصى حدود توسعها الإقليمي المرتبط بوجود جماعات شيعية مستعدة للتعاون معها، في ظل دولة ضعيفة غير قادرة على ردعها. كما يقال “لكل شيء إذا ما تم نقصان”، لقد أصبح النفوذ الإيراني بالفعل أمرًا واقعًا، ولا مجال لتوسعه أكثر مما بات عليه، وتحول من قيمة إلى عبء مضاف إلى أعباء إيران الداخلية، ولم تتمكن من ترجمته إلى مكاسب حقيقية ترتد على الشعب، أو تقوّي النظام.

اختار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التوقيت الصحيح، والخيار الصعب في الوقت لاتخاذ هذه الخطوة؛ ففي ظل اشتعال الحرب الروسية- الأطلسية، وانشغال الغرب وروسيا فيها، وحالة التمدد القصوى، مع الضعف الأقصى الذي أصاب إيران ومحورها، وبعدما تمكن من توحيد مجلس التعاون الخليجي تحت القيادة السعودية منذ «بيان العلا» في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2021، يترافق كل هذا مع انتعاش اقتصادي سعودي كبير، وفوضى سياسية في واشنطن، وتل أبيب، قرر خوض المعركة الأصعب على إيران؛ ألا وهي معركة (النماذج)؛ التنمية مقابل الخراب، الاستقرار مقابل الفوضى، السلام مقابل الصراع، تشبيك المصالح مقابل تشابك المصالح.

جزء كبير من قوة إيران تستمده من حالة الفوضى، والصراع، والانحطاط، وإثارة الحروب والنزاعات الطائفية، حيث “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وهو ما يضعف معارضة الداخل ويحرجها، ويلغي التناقضات والحاجات المطلبية بين أطراف ما يسمى “محور الممانعة”، ويظهر إيران في صورة الحامي للشيعة ومستقبل وجودهم، في حين أن السلام والهدوء، أو على أقل تقدير تبريد الصراع، يفتح المجال للنقاش بشأن الأزمات الداخلية، وما أكثرها في إيران، ولدى حلفائها.

رغم تفضيل السياسة الإيرانية للصراع على الوفاق، فإنها باتت منهكة، وغير قادرة على تحمل كلفة هذا الصراع في ظل تحولها- كما سلف- إلى عبء عليها، وعلى حلفائها، وسط توترات داخلية وتظاهرات مطلبية لا تتوقف، وخشية المرشد الأعلى علي خامنئي من المستقبل إذا غيبه الموت، والحاجة إلى فترة من الهدوء والوحدة داخل أقطاب النظام المختلفة لضمان نقل سلسل للسلطة لمن سيخلفه.

تبدو إيران مقبلة على تغييرات كبيرة ما بعد خامنئي، شكلها وحجمها أمر يصعب التكهن به، لكن التغيير بات أمرًا لا مفر منه وسط اختلال في معادلات القوى وموازينها دوليًّا وإقليميًّا، والأهم داخليًّا من خلال جيل جديد من الإيرانيين بات يشكل الأغلبية، ولا تعنيه الثورة وشعارتها.

أبرز نقاط الضعف في السياسات العربية التي أخذت على عاتقها مواجهة النفوذ الإيراني: (غياب الإستراتيجية، والتعويل على دور الولايات المتحدة، وعدم وجود سياسة طويلة المدى). تشير السياسات الجديدة التي ينتهجها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى إدراك لنقاط الضعف هذه، وهو ما يظهر- بوضوح- في التعامل السعودي مع الملف اللبناني، وانتهاج سياسة ذات نفس طويل لتفكيك نفوذ إيران الذي بُنِيَ على مدى أربعة عقود ووصل إلى ذروته، وفي الوقت نفسه لا يمكن إنهاؤه بين ليلة وضحاها، مع وجود رغبة جادة في تشبيك المصالح مع إيران.

تحول إيران من الثورة إلى الدولة، وتفكيك الأولى وترسيخ الثانية، عملية طويلة، وربما لن تبدأ إلا بعد تولي مرشد جديد، وقد تكون بحاجة إلى عقدين لحدوثها وتثبيتها. دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، لديها دور كبير في الإسهام في نجاح هذا التحول، وربما يكون الاتفاق الحالي مجرد بداية لمسار طويل.

هناك أطراف إقليمية (إسرائيل تحديدًا)، وبعض المستفيدين من تأجيج هذا الصراع داخل كلا المعسكرين، لن يكونوا مرحبين بهذا الاتفاق، وسيعملون على محاولة إفشاله، وهو أحد التحديات الكبرى لهذا الاتفاق، إلى جانب السياسة الأمريكية غير القابلة للتنبؤ.

الاتفاق لا يعني تحولًا من الخصومة إلى الصداقة فورًا، أو نهاية للتوترات؛ بل بداية لمحاولة حلها. ما حدث يمكن اعتباره “اتفاق نيّات” بضمانة ورعاية صينية، وانعكاساته على ملفات (اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان) ستحتاج إلى مزيد من الوقت، تتخللها عقبات كثيرة، لكنه- كما سلف- بداية، ومحصور- ابتداءً- في تطوير العلاقة بين الرياض وطهران، وبالتدريج سينسحب على ملفات أخرى. الولايات المتحدة كانت، وما زالت، وستظل- على الأقل على المدى المتوسط- الحليف الرئيس للسعودية، كما أن سياسات الأمير محمد بن سلمان- كما هو واضح- قائمة على التنوع؛ من خلال “سياسة متعددة النواقل”، ولا يعني منح بكين دورًا في هذا الاتفاق أنها باتت بديلًا عن الولايات المتحدة. ربما يفتح هذا الاتفاق (إذا نجح) المجال أمام الحديث بجدية عن نسخة عربية لـ «اتفاق وستفاليا».

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع