مختارات أوراسية

زيارة الرئيس الإيراني في الصحافة الروسية



شارك الموضوع

قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأول زيارة خارجية له منذ تسلمه منصبه، في الخامس من أغسطس (آب) 2021، إلى العاصمة الروسية موسكو، والتقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وألقى كلمة أمام مجلس الدوما، كما أجرى حورًا خاصًا مع قناة روسيا اليوم (RT)، وعُرِضَ بلغات القناة المختلفة، ومنها العربية.

تأتي الزيارة في خضم المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني في فيينا، والأزمة بين روسيا والغرب على خلفية الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، والخلاف بشأن توسع حلف الناتو شرقًا، وهو ما منح الزيارة مزيدًا من الزخم، والمبالغة من كلا الطرفين في أهميتها، رغم عدم وجود أي اتفاقيات جديدة تم توقيعها.

التبادل التجاري بين إيران وروسيا

العلاقات الاقتصادية الإيرانية- الروسية بلغت ذروتها عام 2018، وقد بلغ حجم التجارة المشتركة بين البلدين آنذاك 1.7 مليار دولار أمريكي[1]، ولا وجود- فيما يبدو- لآفاق لزيادة هذا الرقم الذي يبدو محدودًا بالمقارنة على سبيل المثال بتركيا، حيث بلغت التجارة المشتركة بين البلدين في الفترة نفسها ما يقارب الـ 20 مليار دولار[2]، أو مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بلغت 4 مليارات دولار[3]. وتتركز العلاقة التجارية في استيراد روسيا لبعض السلع الزراعية الإيرانية، وحصول الأخيرة على معدات عسكرية، وتقنيات خاصة بالطاقة النووية السلمية، وفي الغالب هناك تنافس بينهما على أسواق الطاقة، لأنهما من كبار منتجي الغاز والنفط.

ثقافيًّا، لا يوجد لإيران تأثير قوي في المجتمع الروسي المسلم، الذي يبلغ عدده أكثر من 25 مليون، حسب إحصاءات عام 2018، الصادرة عن الشيخ راويل عين الدين، رئيس المجلس الروسي للمفتين، أكثر من 98% منهم سنة شافعية وأحناف في الفروع، وأشاعرة وماتريدية في الأصول، ومتصوفة في الطقوس والسلوك. ويتركز الروس الشيعة في جمهورية داغستان الفيدرالية الروسية، في منطقة شمال القوقاز، ويمثلون أقلية، كما يوجد داخل مجتمع المهاجرين في روسيا أقلية شيعية من إيران، وأذربيجان، ومنطقة بامير طاجيكستان[4]. ربما التأثير الإيراني على المستوى السياسي أكبر بكثير من الديني والثقافي، حيث تنشط وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالروسية، وتقدم مواد سياسية تجتذب كثيرًا من مسلميها، وهو ما دفع وزارة العدل الروسية إلى تصنيف بعض كتب روح الله الخميني، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية سابقًا، في “القائمة السوداء” للكتب المحظور تداولها داخل الاتحاد الروسي؛ لما تحتويه من مواد تدعو إلى العنف والتطرف والإرهاب، ومنها كتاب “الحكومة الإسلامية”[5]، وكتاب “الوصية السياسية-الإلهية.. الرسالة الخالدة لسماحة الإمام الخميني للجيل الحالي والأجيال المقبلة بعد رحيله”[6].

تاريخ العلاقات الإيرانية الروسية

تاريخيًّا، شهدت العلاقات بين الإمبراطورية الروسية والممالك الإيرانية (الصفوية – الأفشرية – القاجارية) خمس حروب في الفترة من عام 1651 إلى عام 1828، أدت إلى سيطرة روسيا على مناطق شمال وجنوب القوقاز، التي كانت في حوزة إيران، ودخلت الجيوش الروسية مرتين الأراضي الإيرانية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ودعم تأسيس جمهوريتين انفصاليتين (جمهورية أذربيجان الشعبية)، وعاصمتها تبريز في شمال إيران، ذات الأغلبية الأذرية عام 1945، وأخرى كردية (جمهورية مهاباد) في أقصى شمال غرب إيران، عام 1946، ولولا تدخل بريطانيا والولايات المتحدة آنذاك، وتهديدهما باستخدام القوة ضد الاتحاد السوفيتي، لما رفع دعمه عنهما، مما تسبب في انهيارهما السريع، وهو ما جعل من العلاقات مع روسيا محل شك لدى النخب والقوميين الإيرانيين، وحتى رجال الدين، حيث أطلق الخميني على روسيا لقب “الشيطان الأصغر”.

خلافًا لما يبدو من علاقات “تحالف” بين البلدين، هناك نقاط اختلاف كثيرة، في حين أن نقاط الاتفاق هناك خلاف أيضًا بشأن منطلقاتها، لكن لدى موسكو عدة أولويات تضعها في حساباتها بخصوص العلاقة مع طهران، أبرزها:

  • عدم تحول إيران في اتجاه المعسكر الغربي، مقابل “شرعنة” نفوذها الإقليمي، والاعتراف به غربيًّا، وهو ما يجعلها في موقع مناهض لروسيا وسياساتها في المنطقة، وهو ما ظهر من المحادثة المسربة لوزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، الذي تحدث فيها عن “عدم سعادة روسيا” بإتمام الاتفاق النووي مع الغرب، ومحاولتها “عرقلته”[7].
  • استغلال التفاهم مع إيران بشأن تحييد بحر قزوين، وإبقائه بعيدًا عن أي وجود عسكري أجنبي؛ لكونهما البلدين الأكبر من مجموعة الدول المطلة عليه (تبلغ مساحة بحر قزوين 371,000 كيلومتر مربع، وتطل عليه خمس دول: “إيران– تركمانستان– كازاخستان– أذربيجان– روسيا)، وقد تم بفضل التفاهم الروسي- الإيراني، توقيع «معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين» في 12 أغسطس (آب) 2018، التي نصت، من ضمن بنودها، على “منع وجود قوات مسلحة للقوى الأجنبية الإقليمية والدولية في بحر قزوين”[8]، وهو ما مثل مكسبًا كبيرًا لروسيا في المقام الأول؛ لكونها المتضرر الرئيسي من سماح أي دولة مطلة على البحر بوجود قوات مسلحة أجنبية، وتمكنت من اقتناص هذا الالتزام القانوني بفضل انحياز طهران إلى رؤيتها، على الرغم من معارضتها السابقة لها، وقد رجح بعض المراقبين أن موسكو حصلت على هذا المكسب بناءً على مقايضة طهران على بعض ملفات منطقة الشرق الأوسط.
  • تنظيم العلاقة الخاصة بأسواق النفط والغاز؛ لتجنب حدوث منافسة مع طهران تضر بصادرات روسيا الخارجية.
  • امتلاك النفوذ الأكبر على واردات إيران من الأسلحة، والتقنيات المستخدمة في برنامجها النووي، وهو ما يخلق علاقة طويلة الأمد، وتأثيرًا روسيًّا في السياسة الإيرانية، يضمن- إلى حد كبير- عدم قدرتها على التحول، بشكل كبير أو سريع، باتجاه الغرب، إذا تغيّر النظام، أو غيّر من توجهاته.
  • الفوضى عنصر مهم في علاقة روسيا مع إيران، لا ترضى موسكو عن النظام العالمي الذي تشكل ما بعد الحرب الباردة، وترى في جميع القوى الإقليمية- بما في ذلك إيران، وكوريا الشمالية، وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، وغيرها- وسيلة مناسبة لإشاعة الفوضى، وفقدان واشنطن والغرب القدرة على إدارة العالم وفق منطقهما، وهو ما يمنح موسكو دورًا في ضبطها لا يمكن تجاوزه غربيًّا كما يسود الاعتقاد لدى الكرملين.
  • الدور الإيراني المشاغب للولايات المتحدة، والمزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خلق فراغات تمكنت روسيا من استغلالها، وحصلت بفضلها على دور كان يصعب جدًّا حصولها عليه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؛ فبحسب كثير من المنظرين السياسيين الروس، بفضل الدور الإيراني في المنطقة، تخلت إسرائيل على دعمها لبلدان سوفيتية سابقة، مثل جورجيا، التي تلقت دعمًا عسكريًّا إسرائيليًّا في حرب أوسيتيا الجنوبية 2008، واتخذت موقف الحياد من الصراع في أوكرانيا 2014، وكذلك اقتربت بلدان الخليج العربية أكثر من موسكو.
  • منح استخدام الميليشيات التابعة لإيران لأسلحة روسية في معارك حية، بالتسويق لجودتها وفاعليتها في المعارض، على سبيل المثال، أثبتت صواريخ كورنت-9 إم 133 (9M133 Kornet) المضادة للدبابات فاعلية عالية في مواجهة دبابات ميركافا الإسرائيلية في حرب يوليو (تموز) 2006، في لبنان.
  • سمح الضغط الغربي على إيران باقترابها كثيرًا مع الصين، وهو ما يشكل تحديًّا للسياسة الغربية، تأمل موسكو أنه سيدفع الغرب إلى التعاون معها في لحظة ما؛ لكبح هذا التعاون.
  • يخشى صانع القرار الروسي من أي نزعة انفصالية على أسس دينية إسلامية في روسيا في ظل وجود أعداد ضخمة من المسلمين، الذين يشكلون أغلبية في مناطق حيوية، ومعاناتها تلك النزعة في حقبة التسعينيات في منطقتي شمال القوقاز والفولغا؛ ولذلك تسعى إلى موازنة النفوذ بين المتنافسين داخل العالم الإسلامي؛ حتى لا تنفرد قوة إسلامية بالزعامة المطلقة؛ إيران توازن بها العلاقة مع تركيا، وتوازن عبر علاقاتها بالعالم العربي نفوذ كلا البلدين، وهكذا. وقد ظهرت هذه الموازنة بوضوح في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا في جنوب القوقاز. كما أنه لا توجد خشية من نفوذ إيران على مسلمي روسيا، أو جوارها القريب، مقارنةً بتركيا؛ وذلك لعدم امتلاك طهران أرضية مذهبية تمكنها من ذلك.

بناءً على ما سبق، تعتقد السياسة الروسية أن طهران خدمت إستراتيجية موسكو، واستفادت منها أكثر من الاعتقاد السائد لدى البعض أن إيران هي من استفادت من “الدعم” الروسي المزعوم لسياساتها، في حين فتحت سياسات طهران ما يشبه “البازار” لمقايضات واتفاقيات مع موسكو كان يصعب الحصول عليها لو أن إسرائيل تخشى من الوجود الإيراني. عليها التوقف عن دعم أي بلد في محيط روسيا القريب، واستغلال نفوذها القوي في واشنطن لتقريب وجهات النظر مع موسكو، ودعم تنامي العلاقات الاقتصادية والتقنية بين البلدين، وهو ما يسمح لروسيا باستغلال وجود جالية روسية كبيرة في إسرائيل، مما يعزز من نفوذها. في المقابل، لو أن هناك خشية عربية من السياسات الإيرانية العدوانية تجاهها، فعليها الاقتراب من موسكو، وتأسيس علاقة تعاون مشتركة معها، وعدم الانحياز إلى المواقف الغربية فيما يخص القضايا الخلافية بين الطرفين، وهكذا، وباختصار، تلك هي النظرة الروسية إلى العلاقة مع إيران، التي يسودها الشك والريبة من كلا الطرفين.

أخيرًا، إيران عضو بصفة مراقب في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، وطلبت الحصول على العضوية الكاملة العام الماضي، وما زال الطلب قيد الدراسة، وسط ما يبدو من عدم حماسة روسية لقبوله، وقد سبق لـ «وحدة الرصد والترجمة» عرض مقال يتحدث عن مخاطر قبول روسيا عضوية إيران الكاملة، بعنوان «لماذا منح إيران عضوية كاملة في الاتحاد الأوراسي اقتراح محفوف بالمخاطر؟»، يمكن العودة إليه لفهم التحفظات الروسية على هذا الطلب. إيران عضو أيضًا بصفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وطلبت الحصول على عضوية كاملة، والطلب قيد الدراسة من الصين، التي يبدو أنها أقل تحفظًا من ذي قبل على قبوله.

أبرز ما جاء في الصحف الروسية

الإيرانيون لا يثقون بروسيا

كتبت ماريانا بيلنكايا، في صحيفة كوميرسانت (Kommersant) اليومية، أن إيران “تقدم رئيسها الجديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ ليتعرف إليه عن قرب”، في زيارة تستمر يومين، وسط أحاديث عن “إمكانية إبرام اتفاقيات بقيمة 10 مليارات دولار، لتوريد معدات عسكرية وأسلحة إلى إيران”. بينما “غالبية الإيرانيين لا يثقون بروسيا، ويفضلون الحوار مع واشنطن على الاتصالات مع موسكو، وفقًا لاستطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة جامان البحثية الهولندية في سبتمبر (أيلول) 2021 في إيران، فإن 75% من الإيرانيين لا يثقون بروسيا، ولدى 25% فقط من الإيرانيين وجهة نظر إيجابية تجاه روسيا”.

 

تناول اللقاء- بحسب بيلنكايا- القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها “الوضع في أفغانستان، وسوريا، وقره باغ، والهجوم الإرهابي لجماعة الحوثي في اليمن على منشآت نفطية تابعة لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)، ومطار أبو ظبي”، وكذلك القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل “المفاوضات في فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وإصرار بلدان الخليج العربية على مناقشة برنامج الصواريخ الإيرانية”.

اقتصاديًّا، “نمت التجارة الروسية- الإيرانية، على الرغم من جائحة فيروس كورونا والعقوبات، بنسبة 41% خلال الأشهر التسعة الماضية، وبلغت 1.65 مليار دولار، في حين نمت التجارة بين البلدين عام 2020 بنسبة 39.8%، متجاوزة لأول مرة حاجز الـملياري دولار”، ولكنه- حسب ما نقلت بيلنكايا، عن المسؤولين الروس- “رقم صغير لا يتناسب مع حجم كلا البلدين، والإمكانات الإيرانية، وواردتها من بلدان أخرى”. كما ناقش الجانبان “وثيقة التعاون الإستراتيجي والاقتصادي والعسكري الشاملة بين إيران وروسيا”، التي اقترحتها طهران منذ عامين؛ لتعزيز العلاقة بين الطرفين لمدة 25 عامًا، على غرار الاتفاقية مع الصين، لكنها “ما زالت قيد الدراسة من الطرف الروسي”، وقد أثار هذا الاتفاق “الغامض وغير المعروفة بنوده على الحقيقة، غضب الإيرانيين”، بحسب الصحيفة.

الرأي العام الشعبي في إيران لاقى اهتمامًا في المقال، وفي عدة مقالات أخرى، وحسب ما جاء فيه: “أظهر 52% من الإيرانيين موقفًا إيجابيًّا تجاه الولايات المتحدة، والتعاون معها، مقابل 35% أبدوا الموقف نفسه تجاه إسرائيل. وعارض 71% الاتفاقية مع الصين، ونحو 66% عارضوا إبرام اتفاقية مماثلة مع روسيا. وعارض 71% الاتفاق الأخير بين روسيا وإيران، بشأن بحر قزوين”، وقد نبهت بيلنكايا، في مقالها، إلى أن “البرلمان الإيراني لم يصدق بعد على الاتفاقية رغم توقيعها عام 2018”.

علقت الخبيرة في مركز الأمن العالمي الروسي، يوليا سفيشنيكوفا، على نتائج الاستطلاع الإيراني بالقول: “مزاج الإيرانيين تجاه روسيا يتسم بعدم الثقة بشكل دائم”، ووفقًا لها “فإن المحافظين التقليديين، الذين أصبحوا يتصدرون الآن مركز القيادة الإيرانية، يميلون- بشكل أكبر- إلى التعاون مع روسيا، والابتعاد عن الغرب، في حين أن الإصلاحيين، على العكس من ذلك، يريدون التقارب مع الغرب، ولا يفضلون علاقة قوية مع روسيا”. كما أضافت: “هذا الخطاب المتشكك في روسيا موجود منذ فترة طويلة في إيران، ويصبح مرتفعًا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بزيارة أو مفاوضات أخرى”، وذكرت أمثلة على ذلك، منها: “عشية الانتخابات الرئاسية في إيران، نوقشت مسألة التدخل الروسي المحتمل بجدية، والآن الخلفية المعادية لروسيا ترافق المفاوضات في فيينا، حيث تعتقد بعض القوى الإيرانية أن روسيا غير مهتمة بنجاحها؛ لأن إيران ورقة مساومة لها في مفاوضاتها مع الغرب”. أما بالنسبة لبحر قزوين، فقالت: “لطالما كانت هذه القضية مؤلمة للإيرانيين، حتى إن البعض يعتقد أن لطهران الحق في المطالبة بـ 50% من بحر قزوين بكامله، وهو ما يجعلني غير متأكدة من الحجة الإيرانية التي تدعي أن الانتخابات هي السبب الرئيسي لتأخير التصديق على الاتفاقية”. أما بالنسبة إلى الاتفاقيات التجارية المتوقعة، فقد علقت سفيشنيكوفا بالقول: “هناك اعتقاد من البعض في إيران أن هذه الاتفاقيات ستمكن كلاً من الصين وروسيا من الاستيلاء على إيران”.

على مستوى العلاقات العسكرية، قبل وقت قصير من زيارة رئيسي إلى موسكو، تحدثت وسائل إعلام غربية عن صفقة عسكرية جديدة بين روسيا وإيران بقيمة 10 مليارات دولار لشراء “24 مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو- 35 (Sukhoi Su-35)، ونظامي دفاع جوي من طراز إس-400 تريومف (S-400 missile system)، وقمر صناعي عسكري”. وما يرجح إمكانية صدق هذه التقارير، ما كتبه الخبير العسكري باباك تاغفاي، في صحيفة ذي إندبندنت، عن “عقد بنحو ملياري دولار، ستدفع إيران قيمته بالنفط، أو المنتجات النفطية، حيث لا توجد أموال في الميزانية”.

علق الخبير العسكري الروسي (يوري لامين) على هذه الأنباء بالقول: “الطيران الحربي أولوية بالنسبة إلى إيران، حتى أكثر من منظومة الدفاع الجوي إس-400 تريومف (S-400 missile system)؛ لأن المجمع الصناعي العسكري الإيراني يلبي- بشكل أو بآخر- معظم احتياجات قواته المسلحة، لكنه لا ينتج مقاتلات وطائرات هليكوبتر هجومية حديثة”. كما لم يستبعد أن توافق روسيا على السداد الجزئي عن طريق المقايضة بالسلع الإيرانية، أو حتى بإصدار قرض جزئي مثلما حدث مؤخرًا مع تركيا، مضيفًا: “من الضروري لروسيا إظهار أهمية العلاقات مع إيران، والحفاظ عليها، حيث سيكون هذا العقد مفيدًا جدًّا في سياق تراجع إندونيسيا عن شراء مقاتلات من طراز سوخوي سو- 35 (Sukhoi Su-35)، وعدم اليقين المستمر في إتمام صفقة من الطراز نفسه مع مصر، الذي من المحتمل أن يكون بسبب ضغوط الولايات المتحدة”. وأضاف لامين: “علينا كسر الحصار المفروض على مجمعنا الصناعي العسكري”. فيما يخص قيمة الصفقة، فقد رأى فيها مبالغة، قائلاً: “يمكننا الحديث عن عقد بقيمة من مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار، وليس 10 مليارات دولار، وهذا يكفي فقط للطائرات”، حيث أشار أيضًا إلى أن “عامل المنافسة مع الصين مهم أيضًا، حيث تتمتع بكين بميزة كونها الشريك التجاري الرئيسي لإيران، ولكنّ الإيرانيين مهتمون بالمقاتلات الحربية الروسية أكثر من نظيراتها الصينية، ومن المهم بالنسبة إلى روسيا أن تستحوذ على السوق الإيرانية الآن”[9].

كيف تعامل الرئيس الإيراني مع الكرملين؟

كتب الصحفي الروسي أندريه كوليسنيكوف أن “عقد فلاديمير بوتين لقاء مع المحافظ المتطرف إبراهيم رئيسي، الذي يبدو أنه أكثر تعصبًا حتى من أقرانه المحافظين، انعكس على شكل الاجتماع الذي لم يكن شخصيًا جدًّا؛ حيث جلس الرئيسان على مسافة مناسبة أحدهما من الآخر، عبر فصلهما بواسطة طاولة بيضاوية طويلة، ذات حواف بعيدة”.

 

رحب الرئيس الروسي بضيفه الإيراني، الذي جاء إلى موسكو خصيصًا للقائه رغم جائحة فيروس كورونا. ويعلق كوليسنيكوف بالقول: “بالنسبة إلى السيد رئيسي، يمكن افتراض أن هذه الرحلة كانت ذات أهمية قصوى له؛ ففي ظل العقوبات، لا يكاد يمكنه السفر إلى أي مكان في العالم”.

فيما يخص التقارب بين الرئيسين، قال كوليسنيكوف: “بدا الموقف إلى حدٍ ما في اللقاء أكثر وضوحًا؛ رئيس خاضع للعقوبات، ذهب إلى رئيس آخر يخضع لعقوبات، وهو ما يعزز من الاعتقاد بأنهم شعروا مسبقًا بنوع من التقارب الداخلي، وحتى الخارجي، لقد (كانوا محاطين بالعقوبات، وفي النهاية نفس البلدين)”.

قلل كوليسنيكوف من الدور الإيراني في سوريا، قائلاً: “نظام الأسد كان على وشك السقوط بالفعل بعد التدخل الإيراني، لولا إرسال روسيا قواتها إلى سوريا”، ورأى أن بوتين “أراد أن يظهر للغرب قدرته على إزعاج الولايات المتحدة من خلال هذا اللقاء”، وهو ما شدد عليه المعلق السياسي الروسي دميتري دريزا، بالقول: “إذا كان الشركاء الغربيون لا يريدون احترام روسيا ومصالحها، فسنوسع التعاون الودي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يصنفها ما يسمى بالغرب المتحضر على أنها محور الشر”[10].

فيما يخص تصريح رئيسي بأن إيران تقاوم الولايات المتحدة منذ 40 عامًا، علق بالقول: “ادعى الرئيس الإيراني أن العقوبات الأمريكية لم تمنع التنمية في البلاد، ولكنه صرح في الوقت نفسه بسعيه إلى رفع هذه العقوبات بكل السبل الممكنة؛ ما يعني أنها لم تعد تحتمل بالنسبة إلى إيران”.

علق كوليسنيكوف على صلاة الرئيس الإيراني في الكرملين، بطريقة توحي بالسخرية، قائلاً: “سبق أن نَصَبَ العقيد الليبي معمر القذافي خيمة بدوية في حديقة تاينتسكي في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، لكنها كانت على أي حال في الهواء الطلق إلى جوار جدران الكرملين، في حين أن رئيسي صلّى في الطابق الثاني من المبنى الأول للكرملين، وربما سبقه في ذلك رمضان قديروف، في أثناء انتظاره لقاء بوتين، ولكن خدمة المراسم الرئاسية أكدت أنه لم يفعل ذلك من قبل، ليكون إبراهيم رئيسي هو الأول”[11].

ليس من مصلحة روسيا امتلاك إيران قنبلة نووية

على موقع راسيا سيفودنيا (RT)، علق الكاتب الروسي إسرائيل شامير على زيارة الرئيس الإيراني إلى روسيا، واصفًا إياها بأنها “رسالة شكر إيرانية لروسيا على دعم نيلها عضوية منظمة شنغهاي للتعاون”. وقد عدد شامير أسباب أهمية إيران بالنسبة إلى روسيا، وأهمها: “وجود مصلحة مشتركة بين البلدين في ضرب الجماعات المتطرفة في سوريا، المدعومة من تركيا، وحصول روسيا على حق تحليق طيرانها فوق الأجواء الإيرانية بالاتجاه إلى سوريا”.

فيما يخص الاتفاق النووي، أكد شامير أنه ليس من مصلحة روسيا “أن يكون لدى إيران سلاح نووي”، ولكنه قلل من هذه الإمكانية، معتقدًا أن إيران “ملتزمة ببرنامج نووي سلمي”.

علق شامير على استقبال مجلس النواب في الدوما الروسي للرئيس الإيراني بالتصفيق، وهم يتوقعون أن يطلب رسميًّا الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي، ولكنه “لم يذهب بعد إلى هذا الحد”. ويختتم حديثه عن أهمية الزيارة في الوقت الحالي، بالقول: “عندما تهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات، وحتى بالحرب على روسيا، فإن الصداقة مع إيران لها أهمية خاصة”[12].

محور جيوسياسي جديد في أوراسيا أعمدته الثلاثة: “روسيا وإيران والصين”

وصفت يلينا بانينا، رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما سابقًا، ومدير معهد الإستراتيجيات الروسية، اللقاء بالقول: “تعد زيارة الرئيس الإيراني لموسكو ولقاؤه بالرئيس الروسي بوتين أهم حدث في بداية العام”، وإن إيران تهدف من خلف الزيارة إلى “موازنة التقارب السريع بين إيران والصين، وممارسة مزيد من الضغوط النفسية على الغرب خلال المفاوضات الصعبة في فيينا بشأن ما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني (التخلي عن البرنامج النووي العسكري مقابل رفع العقوبات). وبهذا المعنى، من المهم جدًا دعوة الرئيس الإيراني إلى إبرام اتفاق مع الاتحاد الروسي على غرار الاتفاقية مع الصين، لمدة 25 عامًا”.

اختتمت بانينا تحليلها لأهمية الزيارة بالقول: “يمكن تلخيص زيارة الرئيس الإيراني من خلال القول إننا نشهد بوضوح تشكل محور جيوسياسي جديد في أوراسيا، بين روسيا وإيران والصين”[13].

الخاتمة

بدا التركيز الروسي في تغطية أحداث الزيارة متأثرًا- إلى حد كبير- بالمواجهة الحالية مع الغرب، والتلويح بورقة طهران، وإمكانية توثيق العلاقة معها، وتقوية مركزها التفاوضي لتصبح أكثر تشددًا في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والغرب عامة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار المفاوضات، وتصاعد الصراع في الشرق الأوسط، وإشغال السياسة الأمريكية بمزيد من المشكلات؛ مما يؤدي إلى تبديد طاقاتها على عدة جبهات مختلفة، بدلًا من تركيزها على الصين كما هو معلن في إستراتيجيتها، أو تخيل إمكانية مواجهتها لروسيا من دون عواقب.


شارك الموضوع