إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

ظلال دونالد ترمب على سياسات جو بايدن في البلطيق


  • 18 أغسطس 2021

شارك الموضوع

أدت سياسات دونالد ترمب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 2017 إلى 2021، إلى حالة من الترقب في دول وسط أوروبا وشرقها، خاصةً فيما يتعلق بحرصه على التقليل من أهمية حلف الناتو، واستخدام لغة أقل حِدة تجاه الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، لكن لا يُمكن الجزم بأن هذا أدى إلى تغيير جوهري في سياسات البيت الأبيض المتعلقة بالمنطقة الجغرافية المُشار إليها أعلاه؛ ويمكن إعادة ذلك إلى كبار المسؤولين ذوي الخبرة المحيطين بترمب، أو إلى عدم اهتمام الرئيس بتفاصيل السياسة، أو بسبب أفكار ترمب الشخصية التي لم تتمكن من فرض صحتها.

السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوروبا

الآن، بعد أربع سنوات، جاء جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، في مهمة تبدو أسيرة لسابقتها، حيث يعمل الرئيس المنتخب- بجد- لإقناع أصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا بأن التحالفات وفكرة التعددية ستعود إلى قمة الأجندة السياسية. وليس هناك شك في أن بايدن يرى أن سياسة ترمب الخارجية فيما يتعلق بأوروبا ضارة، وبحاجة إلى إعادة تصحيح مسار.

يؤكد جو بايدن، منذ أن كان نائب رئيس الولايات المتحدة (الرئيس باراك أوباما آنذاك)، أهمية حُلفاء الناتو، لا سيما في الخطوط الأمامية، وفي عام 2016، خلال زيارة إلى لاتفيا، صرح قائلًا: “نحن نعني ما نقول، ولن نتنصل أبدًا من أي التزام قطعناه على أنفسنا، فهذا يعني أن شرفنا المقدس على المحك”.

سياسة جو بايدن في منطقة البلطيق

بناءً على ما سبق، فالأجندة السياسة لبايدن في منطقة البلطيق بحاجة واضحة إلى المضي قدمًا، وزيادة مستوى الثقة بين الأطراف، وقد أعرب الناس في ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا عن تفضيلهم لترشيح بايدن خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية[1]. فالمُهم بالنسبة إلى دول البلطيق أن يتحسن الجو السياسي في العلاقات عبر الأطلسي، خاصةً بعدما توترت تلك العلاقات، إبان تصريح ترمب بأن الاتحاد الأوروبي هو “أكبر عدو” للولايات المتحدة[2]. هذا إلى جانب طرحه فكرة “الانسحاب من حلف الناتو”[3].

طرحت سياسة ترمب ثلاثة تساؤلات مهمة لدى دول البلطيق، وهي:

  1. هل ينبغي دعم انسحاب القوات الأمريكية من ألمانيا؟
  2. هل ينبغي دعم انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس كعلامة على التضامن عبر الأطلسي، حتى لو كانت غالبية أعضاء الاتحاد الأوروبي تعارض هذه الخطوة؟
  3. كيف ينبغي التعامل مع المقترحات المتعلقة بالدفاع الأوروبي، والاستقلال الإستراتيجي، التي تهدف- جزئيًّا- إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة؟

وقد بدأت إدارة بايدن التعامل مع هذه التساؤلات بإصدار قرار بتعليق خطة خفض القوات الأمريكية في ألمانيا، مُعتبرًا أن وجودها يصب في المصلحة المشتركة للبلدين، لكن في حقيقة الأمر، يمتد التأثير إلى ما هو أبعد من البلدين، حيث يرفع الضغط من على بلدان البلطيق في مسألة الاختيار بين دعم الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين مثل ألمانيا، أو دعم الولايات المتحدة.

اهتمت دول البلطيق بتصريحات جو بايدن العدائية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووصفه “بالقاتل”، وعدم الرغبة في تكرار سياسة إدارة أوباما “لإعادة ضبط” العلاقة مع روسيا، والتوعد الأمريكي بأن تدفع روسيا تكاليف انتهاكها ما تصفه الأولى بالمعايير الدولية، فهذا يعني لبلدان تلك المنطقة استمرار لسياسة “الردع”، وهذه السياسة في الواقع استمرار لعمل إدارة ترمب، حيث اتُّخذِت خطوات بشأن المشاركة الأمريكية المستمرة في مسائل الأمن الإقليمي، التي تم تجاهلها تمامًا في إدارة أوباما.

وشهدت حقبة ترمب نشر قوات إضافية في بولندا (هناك حاليًا نحو 4500 جندي أمريكي في بولندا، وسيتم تعزيزهم بنحو ألف جندي إضافي). هذا بالإضافة إلى تمركز كتيبة عسكرية أمريكية في ليتوانيا (بين عامي 2019 و2020)، وهي قضية حساسة سياسيًّا بسبب القرب الجغرافي لدول البلطيق من روسيا، لكن المُستهدف من الأمر أن الاقتراب الأمريكي من الفضاء الروسي لم يعد من المحرمات، كما ساهمت الولايات المتحدة بمبلغ (3.7) مليون دولار من خلال مبادرة الردع الأوروبية لفتح موقع عمليات خاص جديد في العاصمة اللاتفية ريغا.

كما تفكر الولايات المتحدة في تعزيز موقفها في رومانيا وبلغاريا ودول البلطيق من خلال عمليات انتشار محتملة “على أساس دائم”، لكن هناك معوقات لحدوث هذا، فبينما تفي دول البلطيق بالتزام الناتو بإنفاق ما لا يقل عن (2٪) من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، تظل مسألة عدم وجود مناطق تدريب عسكرية كافية، أو بنية تحتية قادرة على استقبال قوات أمريكية إضافية، قائمة.

أعلنت وزارة الدفاع الإستونية، عام 2020، أن الولايات المتحدة خصصت (175) مليون دولار مساعدات عسكرية لدول البلطيق، وخصصت واشنطن- لأول مرة- ميزانية منفصلة بقيمة (50) مليون دولار لتعزيز قدرات الدفاع الجوي للجمهوريات السوفيتية الثلاث السابقة، التي يرى كثير من الخبراء العسكريين أن هناك حاجة إلى معالجة نقاط الضعف الأخرى الطويلة المدى لأمن البلطيق. ومع أن قرار المساعدات العسكرية المالية وقعه دونالد ترمب المنتهية ولايته، فإن جو بايدن تعهد بأنه لن يفسد خطط الردع الأوروبية بنقص التمويل، مُتعهدًا بمواصلة الدعم المالي.

أخيرًا، قد يبدو أن ما قبل ترمب، لا يُشبه ما بعده، وقد كانت سنوات حُكمه الأربع مقلقة لدول البلطيق، إلا أن قرارته يمكن الإشارة إليها بأنها هي التي دفعت بايدن إلى عدم التراجع عن الخطوات العسكرية والأمنية الفعلية المتعلقة بالمنطقة، لا سيما أن أولويات إدارة بايدن كانت تنصب على «الصين، وروسيا»، وكان من المرجح أن تبقى دول البلطيق خارج دائرة الضوء، لكن الآن، ومع استمرار جائحة كوفيد- 19، ومحاولة سد ثغرات التمدد الصيني والروسي، صارت منطقة البلطيق من القضايا ذات الأولوية لإدارة الرئيس جو بايدن.


شارك الموضوع