منذ تأسيس «روسيا القيصرية» عام 1547، وإعلان إيفان الرابع نفسه قيصرًا لروسيا، ووريثًا شرعيًا للإمبراطورية الرومانية الشرقية، أو “بيزنطة”، وظهور عقيدة “موسكو روما الثالثة”، والصراع الروسي الغربي لا يتوقف، على الرغم من تغير الأيديولوجية، وشكل الدولة الروسية «قيصرية أوتوقراطية– إمبراطورية أرثوذكسية– سوفيتية بروليتارية– جمهورية اتحادية». لقد ظل الصراع قائمًا، وإن تبدلت أشكاله ودوافعه الظاهرة، وما يحدث الآن بين روسيا وحلفائها من ناحية، والولايات المتحدة والناتو من ناحية أخرى، ما هو إلا استكمال لهذا الصراع الأكبر من قضية أوكرانيا، أو حتى توسع حلف الناتو شرقًا. إنه صراع على السيادة الثقافية، والهيمنة السياسية، وعلى الموارد الاقتصادية لأوراسيا، التي تشكل بوابة امتلاك النفوذ الأكبر على أوروبا، والشرق الأوسط، وإفريقيا؛ ومن ثم اكتساب صفة الدولة العظمى، كما أنه صراع بين الغرب وما يمثله من قيم حضارية وثقافية، وروسيا التي ينظر إليها على أنها ذات ثقافة مغايرة بمكوناتها الشرقية في أغلبها، والغربية في بعضها.
تنطلق الدراسة من هذا البعد التاريخي والجيوبوليتيكي لفهم الصراع الحالي وطبيعته، وما هو أبعد منه، فيما يبدو عودًا على بدء لصراع قديم متجدد نشهد الآن أول فصوله الجديدة، وارتداداته على منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني بالفعل عدة توترات وصراعات، يتوقع تصاعدها في الفترة المقبلة، مع رغبة روسية تلقى مساندة من الصين، وبعض القوى الإقليمية الأخرى في العالم، في إعادة تشكيل قواعد النظام العالمي الجديد، بما يتوافق مع حقائق القوى الحالية على الأرض وموازينها، بعدما أصبحت قواعد ما بعد الحرب الباردة غير صالحة للعمل، وغير مقبولة، بحسبهم.
Three-decades-of-deferred-confrontation
ما ورد في البحث يعبر عن رأي الباحث ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير