مقالات المركز

الصين والدبلوماسية الإسرائيلية المضطربة


  • 17 فبراير 2022

شارك الموضوع

في شهر يونيو (حزيران) عام 1950، التقى ممثلون عن الصين وإسرائيل لأول مرة في موسكو للتناقش في مسائل محددة متعلقة بإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين. غير أنّ مسار تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية، منذ ذلك الحين، كان دائم التعرج، وغالبًا ما اصطدمت العلاقات بعقبات، كما لاقت انعطافات غير متوقعة.

لطالما عبّر كلا الطرفين الصيني والإسرائيلي عن إرادة فعلية ومسعى جاد في سبيل توحيد الرؤية بشأن العلاقات الثنائية، وتقريب وجهات النظر بشأن القضايا والأزمات، محليةً كانت أو إقليمية أو دولية. بيد أنّه يمكننا أن نرجع حقيقة النمط المتقلّب في العلاقات الصينية الإسرائيلية إلى عاملين رئيسيين، هما: علاقات الصداقة والوديّة التاريخية بين الشعب الصيني واليهود من جهة، المتسمة بطابع الاستدامة التي دائمًا ما خدمت كبوصلة لإعادة تسيير العلاقات في مسارها الصحيح، وهو ما أفصح عنه السفير الصيني الجديد لدى إسرائيل «كاي ران» عند قبول أوراق اعتماده في القصر الرئاسي الإسرائيلي، بالقول: ”ساعد شعبا الصين وإسرائيل كل منهما الآخر “برؤية الحقيقة في الشدائد”“[1].

في الجهة المقابلة، تأثرت العلاقات الصينية الإسرائيلية بشدة بالضغوط الأمريكية، والنزاعات الإقليمية والصراعات العربية الإسرائيلية، فقد شكّل هذا التضعضع الإسرائيلي أمام هذه التحديات الخارجية السبب الرئيسي للتراجع عن استكمال إقامة العلاقات الدبلوماسية إلى حين انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وتخفيف حدّة النزاع العربي الإسرائيلي. وبالفعل، شكّلت مرحلة الانتقال من حالة الحرب إلى محادثات السلام في البيئة الدولية نقطة التحول الجوهرية في المسار التاريخي للدبلوماسية بين الصين وإسرائيل. وما بين تفاعل بفضل الثوابت الذاتية في الودية بين الطرفين، وانفعال بفعل التغييرات الموضوعية في البيئة الخارجية، تمضي الصين في شراكة مبتكرة وشاملة مع إسرائيل، وتدخل العلاقات الثنائية مرحلة جديدة من التطور.

الرؤية الصينية للعلاقات الثنائية مع إسرائيل

بالنسبة إلى الصين، يخدم التقارب الصيني الإسرائيلي تعزيز سياسة الإصلاح والانفتاح والتحديث الصينية، من خلال إثبات قدرتها على إقامة علاقات دبلوماسية حسنة، وشراكات اقتصادية شاملة ومبتكرة مع إسرائيل “الحليف الأول للند الأمريكي”. في السياق نفسه، تتطلع الصين أن يُسهم هذا التقارب في خلق وضع مؤاتٍ لتنمية العلاقات الصينية الأمريكية، انطلاقًا من العلاقات الوطيدة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

في منحى آخر، تثمّن الصين الجهود المشتركة مع إسرائيل لتعزيز التنمية النشطة والطويلة الأمد للشراكة الصينية الإسرائيلية، وتتوخى الاستفادة من المزايا التي تتمتع بها إسرائيل في الابتكار التكنولوجي والدفاعي، والاستثمار في ما تجده “بيئة اقتصادية، وتجارية، واجتماعية جيدة”. هذا وتسعى الصين إلى جذب إسرائيل إلى محيط نفوذها على طريق الحرير الجديد، عبر زيادة استثماراتها في البنى التحتية والمرافق العامة الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ما سبق، تأمل الصين أن تمكّنها شراكتها مع إسرائيل من استكشاف أفق أوسع للتعاون على الساحة الدولية، وبشكل أخص مع المجتمعات الغربية، في ضوء قوة التأثير اليهودي (اللوبي الصهيوني) في الغرب. في الإطار عينه، تتوخى الصين أن تؤدي العلاقات الصينية الإسرائيلية دورًا بنّاءً في عملية السلام في الشرق الأوسط، وتنفيذ سياسة خارجية أكثر توازنًا وواقعية في النزاع العربي الإسرائيلي، بصفتها أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ ومن ثم تعزيز دور الصين كدولة عظمى قوية، وقادرة، و”حيادية” في العالم.

الرؤية الإسرائيلية للعلاقات الثنائية مع الصين

لا تجد إسرائيل في علاقتها مع الصين خلافات مباشرة، أو تضاربًا في المصالح، لكنّ إسرائيل تعلم- علم اليقين- أنّ هذه العلاقات محكومة مباشرة بفعل الضغوط الأمريكية، كما أنّها تتأثر بشدة بالتحديات الخارجية، سواء أكانت متعلقة بالنزاعات الدولية أم الصراعات العربية الإسرائيلية. ومع ذلك، ترى إسرائيل أنّ إقامة علاقات دبلوماسية وشراكات اقتصادية وثيقة مع الصين، ستساعد على تغيير مكانتها الدبلوماسية والاقتصادية المعزولة نسبيًّا في الشرق والشرق الأوسط، حيث إنّ تجارة إسرائيل مع محيطها المباشر ضئيلة.

ولمّا كانت مجمل التجارة الإسرائيلية تتم تقريبًا عبر مواني «حيفا» و«أشدود» و«إيلات»، وجدت إسرائيل أنّ التعاون مع الصين في إطار مشروع «الحزام والطريق» فيه تكامل مع “الأجندة الإسرائيلية”. في المقابل، تدرك إسرائيل أنّ استثمارات الصين النشطة في البنية التحتية الإسرائيلية، وفي إدارة هذه المواني، تنطوي على أخطار واضحة، وتهديد لمصالح إسرائيل المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى وجه أخص في حيفا، حيث ميناء أسطول الغواصات الإسرائيلي، والأسطول السادس الأمريكي.

رغم التحديات، تستمر إسرائيل في تأكيد إرادة تعزيز التعاون الإسرائيلي مع الصين، ودعم الجهود المشتركة بينهما للتنمية. وقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي «ريفلين» في الحادي والعشرين من شهر أبريل (نيسان) 2021، بمناسبة قبول أوراق اعتماد السفير الصيني الجديد لدى إسرائيل «كاي ران»، أنّ ”إسرائيل مستعدة لبذل جهود نشطة لزيادة تعزيز تنمية العلاقات بين إسرائيل والصين“، مضيفًا أنّ ”إسرائيل لن تنسى أبدًا المساعدة المتفانية التي قدمها الشعب الصيني للاجئين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية“[2].

نشأة العلاقات الصينية اليهودية

يُعتقد عمومًا أنّ العلاقات الودّية والمتقاربة عاطفيًّا بين الصين وإسرائيل ترجع في حقيقتها إلى التلاقي بين الحضارتين الصينية واليهودية منذ القرن الثامن الميلادي تقريبًا، حين كان اليهود أفرادًا قصدوا الصين خلال ارتحالهم على طريق الحرير للتجارة والعمل، فاستقروا في المدن الصينية الكبرى، وأشهرها مدينة «كايفنغ»، عاصمة الصين في ذلك الحين. وقد شكلت مرحلة الاضطهاد العرقي لليهود (الهولوكوست) خلال الحرب العالمية الثانية، نقطة تحول مركزية في العلاقات الصينية- اليهودية، إذ كان الصينيون أول المتعاطفين مع القضية اليهودية والداعمين لليهود. تعزّز هذا التقارب مع قبول «شنغهاي» لجوء اللاجئين اليهود بمنحهم ”تأشيرة مدى الحياة“ «生命签证» دون أي شرط؛ ليستقروا في ما عرف لاحقًا بـ «حي هونغكو اليهودي».

ومع بداية القرن العشرين، انتقل كثير من اليهود الروس إلى مدينة «هاربين» شمال شرق الصين، إثر التعرّض للاضطهاد في مسقط رأسهم. ومع أن الشعب اليهودي يمثل أقلية، ويلتزم بتقاليد خاصة، أعجب الشعب الصيني بالثقافة اليهودية، والصورة النمطية لليهود. وقد نجح اليهود في جعل الصين “الشيوعية” ملاذًا لعقيدتهم، حيث ”تسمح الصين بتأسيس مجتمعات يهودية في الصين، ويسمح للحاخامات بالدخول والعمل؛ لأن اليهودية لا تعظ، على عكس الأنشطة التبشيرية المسيحية، ولا تشكل اليهودية أي تهديد سياسي للحكومة“[3].

تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية

في قراءة شاملة ومتعمقة لمسار تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية، يرى »يوجيان هوا«، نائب مدير معهد الدراسات الدولية في أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، وجمعية الشرق الأوسط الصينية، أنّ تاريخ العلاقات الصينية الإسرائيلية الممتد إلى 70 عامًا في “الصين الجديدة”، يمكن تقسيمه- بشكل أساسي- إلى أربع مراحل[4]. وبالاستناد إلى هذا التقسيم، نلقي بدورنا الضوء على أبرز المحطات التي أثّرت في مسار تطور العلاقات.

المرحلة الأولى: ”الفترة المضطربة“، التي حدّدها «يوجيان» بالفترة الممتدة من عامي 1948- 1949 (إعلان تأسيس إسرائيل وجمهورية الصين الشعبية) حتى عام 1955. نلحظ في هذه المرحلة أنّ الجانبين أظهرا نهجًا وديًّا في بداية العلاقة من خلال الترحيب المتبادل من الطرفين بإقامة الدولتين، كما كانت الحكومة الإسرائيلية أول من اعترف رسميًّا بجمهورية الصين الشعبية في الشرق الأوسط. غير أنّ الطرفين أضاعا فرصة إقامة علاقات دبلوماسية نتيجة اندلاع الحرب الكورية، حيث أدّت الضغوط الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية إلى وقف الاتصالات والمفاوضات الإسرائيلية مع الصين للبت في أمر إقامة علاقات دبلوماسية.

ولم تباشر الصين وإسرائيل الدخول في علاقات دبلوماسية، إلّا بعد انتهاء الحرب الكورية، وعقد مؤتمر باندونغ الذي دعا إليه عام 1955 في إندونيسيا بمشاركة 29 دولة، وقد تبنّت الدول بموجبه «مبادئ السلام العشرة» بهدف تخفيف حدة النزاع والتوتر بين الشرق والغرب في خطوة نحو تعزيز التعاون وحركة “عدم الانحياز”. غير أنّ تطور العلاقات بين الصين والدول العربية عاد وفرض تعديلات على سياسات الحكومة الصينية في الشرق الأوسط؛ إذ أصدر رئيس مجلس الدولة حينئذ «تشو إنلاي» تعليمات بشأن العلاقات الصينية الإسرائيلية، أمر فيها: “أجلوا إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لكن يمكن الحفاظ على العلاقات التجارية”.

المرحلة الثانية: فترة التجميد والاغتراب، وكانت بين عامي 1956 و1976، وفيها تراجعت العلاقات الثنائية الصينية الإسرائيلية بعد مؤتمر باندونغ، فقد استنكرت الحكومة الصينية- بشدة- الحرب العربية الإسرائيلية الثانية (حرب قناة السويس) عام 1956، التي شنّتها إسرائيل بالتشارك مع بريطانيا وفرنسا لمهاجمة مصر. نتيجة الحروب، تدهورت العلاقة بين الصين وإسرائيل، كما توقفت الاتصالات بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية، ودخلت العلاقات الصينية الإسرائيلية في فترة “تجميد” استمرت 20 عامًا. على العكس من ذلك، نفذت الصين تعديلات كبيرة على سياستها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، لجهة التحول نحو تطوير العلاقات مع الدول العربية.

على الرغم من التباعد في العلاقات الثنائية الرسمية بين البلدين، فإنّ العلاقات الودّية والصداقة بين الشعب الصيني واليهود في مختلف أنحاء العالم لم تنقطع. كان من شأن هذا التقارب العاطفي بين الشعبين الإسهام في سد الفجوة بين الصين وإسرائيل، وقد أدّى بعض السياسيين اليهود، ومن أبرزهم وزير الخارجية الأمريكية «هنري كيسنجر»، دورًا مهمًّا في ترميم العلاقة بين الصين وإسرائيل، وتحسين علاقة الصين بالغرب.

المرحلة الثالثة: فترة التعافي التدريجي، من عام 1977 إلى عام 1991. ابتدأت هذه المرحلة على نحو تمهيدي مع نهاية الثورة الثقافية الصينية “الثورة البروليتارية الكبرى” عام 1976، حيث لجأت الصين إلى التعديل البراغماتي لسياستها الخارجية، مع استمرار التمسك بالمبادئ الخمسة التي حدّدتها لعلاقاتها الدبلوماسية في الخمسينيات[5]. وقد كان التطور الإيجابي للأحداث على الساحة الدولية المحرك الأبرز تجاه إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بدءًا من التحول العالمي من المواجهة العسكرية إلى المفاوضات السياسية، مرورًا بانتهاء حرب الخليج، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وصولًا إلى انتهاء الحرب الباردة، وهو ما جعل من تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية أمرًا طبيعيًّا.

مع تعافي العلاقات الصينية الإسرائيلية تدريجيًّا، اتخذت إسرائيل إجراءات لتعزيز تنمية العلاقات مع الصين، حيث خصصت ميزانية لإعادة فتح القنصلية العامة في هونغ كونغ بعدما ظلّت مغلقة طوال سنوات عشر. عقب هذه الخطوة، تطورت التبادلات غير الحكومية بين الصين وإسرائيل في مختلف مجالات الاقتصاد، والتجارة، والثقافة، والسياحة، والأحزاب، والمجتمعات السياسية على نحو سريع. وفي 24 يناير (كانون الثاني) من عام 1992، وقع وزيرا خارجية الصين وإسرائيل رسميًّا بيان إقامة علاقات دبلوماسية، وتم إعلان إقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء.

المرحلة الرابعة: فترة ”الشراكة التنموية الودية“، المستمرة منذ عام 1992. على مدى ما يقارب ثلاثة عقود ماضية، تقدّم التعاون الودي بين الصين وإسرائيل تقدمًا سريعًا، وبزخم جيد، نحو مزيد من التبادلات الاقتصادية، والتجارية، والاجتماعية، والإنسانية، بالإضافة إلى التعاون المكثف والمتعمّق بين الجانبين في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وقد تمكّن الطرفان من الحفاظ على أطر هذا التعاون؛ بالحرص على حسن إدارته، وسبل تطويره نحو شراكة شاملة من خلال إنشاء القنوات الحكومية، والآليات الإجرائية اللازمة، مثل اللجنة المشتركة للتعاون الابتكاري، وآلية التعاون الاقتصادي والتقني، واللجنة المشتركة للاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا.

غير أنّ اللافت أنّه قد زار الصين طوال هذه المرحلة كل رئيس ورئيس وزراء إسرائيلي تقريبًا، في حين أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني «جيانغ زيمين» لإسرائيل عام 2000 كانت الزيارة الرسمية الأولى والأخيرة إلى إسرائيل طوال عقدين، إلى حين زار نائب الرئيس الصيني «وانغ كيشان» إسرائيل في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2018؛ بهدف إجراء محادثات رفيعة المستوى بشأن التعاون الاقتصادي.

وممّا يطرح تساؤلات أكثر عن مدى التقارب السياسي في العلاقات بين الصين وإسرائيل من عدمه، حقيقة انعدام المحادثات الرسمية الرئاسية بين الطرفين طوال عقود ثلاثة حتى تاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2021، حين أجرى الرئيسان «إسحاق هرتسوغ» و«شي جين بينغ»، محادثة هاتفية مطولة، تعدّ “تاريخية” بطبيعتها؛ لأنها أول محادثة هاتفية ثنائية رئاسية بين البلدين.

أمّا الحدث الأخطر دبلوماسيًّا، الذي كاد يودي مؤخرًا بالعلاقات الدبلوماسية الصينية الإسرائيلية إلى مصير غير محمود، فكان العثور على السفير الصيني في إسرائيل «دو وي» جثة هامدة داخل مسكنه في تل أبيب، يوم الأحد 17 مايو (أيار) 2020. وممّا أثار التساؤلات عن طبيعة الوفاة أن السفير نشر مقالًا قبل يومين من وفاته في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، بعنوان «التعاون الإسرائيلي الصيني هو انتصار لكلا الطرفين»، علّق فيه «دو وي» على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو». وكان «بومبيو» قد صرّح بأنّ أي استثمار صيني في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة هو “خطر أمني”، انطلاقًا من قلق الولايات المتحدة المتزايد بشأن دور الصين في ميناء حيفا، ومحطة «سوريك 2 » لتحلية المياه، التي كان من الممكن أن تكون من أكبر محطات تحلية المياه في العالم، ولكن الصين خسرت المناقصة نتيجة الضغوط الأمريكية على إسرائيل.

على الرغم مما تداولته وسائل إعلام عدّة عن احتمال أن تكون حادثة وفاة السفير الصيني في إسرائيل “جنائية” وليست طبيعية[6]، فإنّ الصين اختارت اتخاذ نهج فعال وبنّاء للتعامل مع الحادثة رغم حساسيتها السياسية، حيث جاء في الموقف الرسمي للصين على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية «تشاو ليجيان» أنّه وفقًا للحكم الأولي، توفي المبعوث «دو وي» بشكل غير متوقع لأسباب صحية بدنية، مؤكدًا الحاجة إلى مزيد من التحقق، ومعلنًا أنّ وزارة الخارجية تبذل قصارى جهدها للقيام “بعمل جيد” في أعقاب الحدث.

الخلاصة

طوّرت الصين وإسرائيل علاقات تعاون تجارية، وعسكرية، واقتصادية وإستراتيجية شاملة مع إسرائيل؛ لتتكامل بذلك العلاقات الثنائية الدبلوماسية بين الطرفين، مع الصداقة التاريخية الوثيقة التي تجمع بين الشعب الصيني واللاجئين اليهود من مختلف بلدان العالم، الذين كانوا قد لاقوا الترحيب، والتعاطف، والدعم لقضيتهم من الصين.

إلّا أنّ علاقات الصين الدبلوماسية مع إسرائيل في السنوات العشرين الماضية لم تكن دائمة التناغم، بل عانت مراحل اضطراب وانقطاع، ليتم ذوبان الجليد في العلاقة تدريجيًّا، ثم العودة إلى التدهور، فالتعافي والتطور. ولمّا كان استمرار هذا الاضطراب يرجع- بشكل رئيسي- إلى النزاعات الإقليمية التي تخوضها إسرائيل في الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية الإسرائيلية غير المستقلة نسبيًّا تجاه الصين نفسها؛ فقد جعل هذا الوضع من الصعب على الصين أن تتخذ إجراءات أقل تقييدًا في تطوير العلاقات الإسرائيلية الصينية.

لنا- بالاستناد إلى ما تقدم- أن نحدد الخصائص التي تتطبّع بها العلاقات الصينية الإسرائيلية؛ إذ يعززها طابع الودية والانسجام العاطفي الذي يشكل الأرضية المشتركة للعلاقة، من حيث الثقافة، والصداقة التقليدية بين الشعبين الصيني واليهودي. وفي الوقت عينه، يغلب على العلاقات الصينية الإسرائيلية الطابع المضطرب؛ لأنها تتسم بالحساسية تجاه العلاقة الوطيدة القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة المنافسة للصين، كما تحيط بها هالة من الحذر؛ إذ تراعى بها الصين حقيقة الصدام في وجهات النظر الإستراتيجية مع إسرائيل. وعليه، فإنّ جميع أوجه التقارب بين الصين وإسرائيل توحي بأن تطور العلاقة نحو الشراكة الشاملة الإستراتيجية لا يتعدى حدود كونه تعاونًا عمليًّا بطبعه، بل قد يكون هذا التعاون غير متكافئ في نمطه. وفي العموم، يمكن القول إن العلاقات الصينية الإسرائيلية هي ذات طبيعة جدلية؛ ومن ثم فإنّ التقارب والتطور في الشراكة يجب ألا يفترض أن العلاقة بين الصين وإسرائيل إيجابية. وبالمثل، فإنّ العقبات التي تواجه العلاقات الصينية الإسرائيلية رغم شدّتها، لا تعني بالضرورة أن العلاقات الصينية الإسرائيلية في أزمة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الباحثة ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع