يشعر كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء التطورات في أفغانستان، التي من الممكن أن تعيد “أزمة اللاجئين” في أوروبا (2015- 2016)، والتي تفاقم أثرها مؤديًا إلى تدهور لأنظمة الأمن والرعاية الاجتماعية؛ ما أدي إلى زيادة شعبية الجماعات والأحزاب اليمينية المتطرفة، وذلك بعدما اندفع أكثر من مليون شخص إلى أوروبا، مُعظمهم تجاوزوا الحدود التركية، ثم سلكوا ما يُسمى بطريق البلقان (من اليونان إلى مقدونيا الشمالية وصربيا وكرواتيا والمجر وصولًا إلى ألمانيا والنمسا) قبل أن يُغلَق في سلسلة متتالية من عمليات إغلاق الحدود التي انتهت باتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016.
وتأتي الأزمة الحالية لتزيد من تعقيد الموقف؛ حيث يتدافع آلاف الأشخاص للفرار من أفغانستان بعد استعادة حركة طالبان المتشددة السيطرة على البلاد بعد ما يقرب من عقدين من الإطاحة بهم من جانب تحالف تقوده الولايات المتحدة، فأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى وجود (2.2) مليون لاجئ أفغاني في البلدان المجاورة، بالإضافة إلى (3.5) مليون آخرين أجبروا على الفرار من ديارهم داخل حدود أفغانستان، وقد فر ما يقرب من (1.5) مليون إلى باكستان في عام 2020، في حين استضافت إيران (780) ألفًا.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أنها أخرجت ما يقرب من (80) ألف مدني، بينهم أكثر من (73500) من الأفغان، في حين قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها أخرجت أكثر من (15) ألف شخص، بينهم نحو (8) آلاف أفغاني، وتم تسكينهم في مراكز إيواء طارئة في إسبانيا، وألمانيا، وقطر، وأوزبكستان.
كما حذرت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (هي الدنمارك، وبلجيكا، وهولندا، واليونان، وألمانيا، والنمسا) الرئيس التنفيذي للاتحاد من وقف تنفيذ قرار الترحيل لطالبي اللجوء الأفغان الذين رُفضت طلباتهم، مُعتبرين هذا إشارة خاطئة، ومن المرجح أن يحفز مزيدًا من المواطنين الأفغان على مغادرة وطنهم إلى الاتحاد الأوروبي.
وأعلن بيتر زيجارتو، وزير الخارجية المجري، عن موقف بلاده الرافض لأي هجرة أخرى للأفغان إلى أوروبا قائلًا: “لدينا موقف واضح، لقد أخرجنا الأفغان الذين ساعدونا، ولسنا على استعداد لقبول أي شخص آخر، ولا نريد حتى التفكير في الأمر”، وتتوافق سياسات صربيا والنمسا والتشيك وسلوفاكيا وبولندا بشأن هذا الملف.
وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن أوروبا وحدها لا تستطيع تحمل عواقب الوضع في أفغانستان، ويجب أن تحمي نفسها من تدفقات الهجرة غير الشرعية الكبيرة. وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية وحمايتها زيادة أعداد المُهاجرين غير الشرعيين عبر طريق البلقان بنسبة (90٪) مقارنة بالعام الماضي، وأن غالبيتهم قادمون من سوريا وأفغانستان.
وقد شهد عاما 2018و2019 توقيع الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية وحمايتها اتفاقيات لإدارة الحدود، ومنع الهجرة غير الشرعية مع كل من ألبانيا، ومقدونيا، وصربيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، حيث تواجه دول البلقان تحديًّا أمنيًّا واقتصاديًّا خطيرًا؛ لأنها طريق عبور إلى أوروبا الغربية، وشهد عام 2019 إرسال الوكالة الأوروبية قوات عسكرية للانضمام إلى الشرطة في ألبانيا لإجراء دوريات برية وبحرية لمراقبة الحدود وحركة اللاجئين، ومكافحة الجريمة المنظمة.
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن نحو نصف مليون أفغاني قد يفرون من البلاد بحلول نهاية العام، ودعت الدول المجاورة إلى إبقاء حدودها مفتوحة. وتتصدر تركيا وألمانيا واليونان قائمة طالبي اللجوء، بنحو (125000) و (33000) و(20000) على التوالي؛ لذا حثت تركيا الدول الأوروبية على تحمل مسؤولية أي أزمة مهاجرين جديدة، مُعلنة أنها لن تكون “مستودع المهاجرين في أوروبا”، وقررت الحكومة التركية تسريع وتيرة بناء سور حدودي مع إيران لمنع تدفق اللاجئين الأفغان بشكل غير شرعي، وأكملت اليونان بناء جدار بطول 25 ميلًا (40 كيلومترًا) على طول حدودها مع تركيا، وذلك بالتزامن مع زيادة أعداد طالبي اللجوء لحكومتي تركيا واليونان، حيث يلوح شبح أزمة المهاجرين عام 2015، حيث أكد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في أثناء زيارته إلى بلغراد، أن صربيا والمجر ستوقفان أي موجة للهجرة.
كما تُشيّد بولندا سياجًا الآن على حدودها الشرقية، في فعل مشابه لما قامت به المجر عام 2015؛ للحد من تدفق اللاجئين عبر نقطة عبور جديدة ركزت عليها الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية وحمايتها، وهي طريق البلطيق (من بيلاروسيا إلى دول البلطيق وبولندا، وبشكل خاص عبر ليتوانيا)، وقد أعلنت بيلاروسيا مؤخرًا أن هناك مجموعات من المهاجرين توجد على حدودها مع الاتحاد الأوروبي، معظمهم من العراق وأفغانستان، وذلك بالتزامن مع حدثين:
1.إقرار مجلس النواب البولندي مشروع قانون يسمح للسلطات بإبعاد أي مهاجرين يعبرون الحدود عبورًا غير قانوني، بغض النظر إذا كانوا طالبي لجوء في بولندا أم لا.
2.إرسال أوكرانيا (38) طنًا من الأسلاك الشائكة إلى ليتوانيا لبناء حاجز جديد.
وقد اقترحت النمسا، وهي من رافضي سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين، إنشاء مراكز إيواء في البلدان المجاورة لأفغانستان حتى تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من ترحيل الأفغان الذين حُرموا حقَ اللجوء، حتى لو تعذرت إعادتهم إلى وطنهم.
لن تُسهم أفغانستان بمفردها في إعادة عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى مستويات عامي 2015 و2016؛ لكن أيضًا هناك تقارير عن حرب طاحنة في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا، وهذا يُهدد استقرار منطقة القرن الإفريقي الهشة بالفعل، والمُتخمة بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى اندلاع موجات من العنف والقتال المحلي والإرهاب في غرب إفريقيا ووسطها؛ وهو ما سيؤدي إلى نزوح كثير من الناس بحثًا عن الأمان.
ما سبق يجعل الاتحاد الأوروبي أمام مُفترق طرق لاختيار سياساته المتعلقة بالهجرة، وقد يكون مُرغمًا على التعامل بشيء من الواقعية مع مخاوف بعض الدول الأعضاء ودول الجوار القريب، خاصةً في البلقان، حيث أشار رئيس الوزراء المجري أوربان، أن البيانات الواردة من أوروبا الغربية، المتمثلة في بعض الحكومات ومنظمات المجتمع المدني التي تُرحب بجميع الأفغان، غير مسؤولة إلى حد بعيد، وهذا سيدفع تلك البلدان (البلقان والبلطيق ووسط أوروبا) إلى تطبيق سياسات غلق للحدود (على سبيل المثال، أعلنت بولندا حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروسيا)، واستخدام القوة لصد اللاجئين، وهذا لن يكون كارثة إنسانية فقط؛ بل ستكون مواجهة بين دول من المفترض أن تكون شريكة في المصالح الجيوسياسية، أو أعضاء في حلف شمال الأطلسي؛ ما سيضعف الاتحاد، ويزيد من مشكلاته الهيكلية، ويسمح بتمدد نفوذ قوى كبرى أخرى، مثل روسيا والصين، ما زالت تضع في أجندتها اعتبارات الأمن القومي، وأهمية حماية بيئة العمل، والخصوصيات الثقافية.
1.النخب الحاكمة الأمريكية لم تعد تضع في حُسبانها التأثرات العالمية لقرارتها بقدر تركيزها على الجبهة الداخلية، وما يتعلق بالبرامج الانتخابية.
2.الهشاشة المؤسساتية في بلدان البلقان قد لا تتحمل أي موجات لجوء أخرى.
3.ستعاني البلدان الحدودية للقارة الأوروبية أخطارًا أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
4.المجتمع الدولي قد يكون على موعد مع أزمة إنسانية عالمية جديدة.
5.أزمة اللجوء ستفتح من جديد سجالات سياسية بشأن العولمة والسياسات فوق القومية.
6.اليمين المتطرف في أوروبا قد يجد له أرضية جديدة بين الناخبين نتيجة الضغط الاقتصادي بسبب الهجرة غير الشرعية.
7.أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية تُظهر بوضوح التناقض البنيوي في مستوى التنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
8.أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية تُظهر التباينات الكبيرة في الرؤى السياسية بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.