عندما تم “استعادة” خيرسون، فقد أصبحت عاصمة لإحدى مناطق روسيا – مثل بيلغورود أو كورسك أو دونيتسك أو سيمفيروبول. إذا كنت لا تهتم بضياعها فأنت لست روسيًا. الروس الآن يضغطون على أسنانهم من الألم والبكاء والمعاناة وكأن قلوبهم ممزقة، حيث سيقتل أطفالهم وإخوانهم وأمهاتهم وزوجاتهم أمام أعينهم. إذا لم تتأذى الآن بسبب كل ذلك، فأنت لا تساوي شيئًا.
هناك شخص واحد هو المسؤول عن كل ذلك، وإلا: فما هو معنى الأوتوقراطية التي لدينا؟ نحن نمنح الحاكم القوة المطلقة لكي ينقذنا جميعًا: “الشعب والدولة والمجتمع” في اللحظات الحرجة. حتى لو كان هذا الحاكم يحيط نفسه ببطانة سوء شريرة أو يبصق على قيم العدالة الاجتماعية، ورغم أن هذه الأمور كلها مزعجة، لكن الشعب مستعد للتسامح معه فقط إذا تمكن من انقاذنا.
لو لم يتمكن الحاكم الأوتوقراطي من حمايتنا، فما هو مصيره؟ سيكون بكل بساطة مثل مصير “ملك الأمطار”، كما تحدث عنه عالم الأنثروبولوجيا الإسكتلندي چيمس چورج فريزر، في الأسطورة: “يتم قتل الملك المقدس لو لم يسقط المطر في الوقت المحدد”.
الاستبداد أيضًا له جانب سلبي، الاستحواذ على القوة المطلقة وكامل السلطة لتحقيق النجاح، ولكن أيضًا تحمل كامل المسؤولية بشكل منفرد عند الفشل. على القائد أن يسأل نفسه: ما الذي يريده حقًا؟
الانتقال الفوري من الديكتاتورية السيادية إلى القيادة العقائدية، أي تبني أيديولوجية سياسية واضحة لقيادة الدولة والمجتمع، وهو ما كاد أن يفعله القائد، لكن كالعادة تراجع مرة أخرى، حتى ضاعت خيرسون تقريبًا. لا يمكن في ظل هذا الوضع أن نطلب شيء من الجنرال سيرغي سوروفيكين، أو أن نأمل في أن ينقذنا أو نحمله مسؤولية الفشل. إنه ليس سياسيًا، إنه مسؤول عن الجانب الفني للجبهة، وتعليق أي فشل على قيادته غير مجدي، المسؤول عن الفشل شخص واحد فقط، وينبغي أن نسمي الأسماء بمسمياتها بعيدًا عن لباقة فن العلاقات العامة الذي لم يعد له مكان في ظل هذه المواقف الحرجة. استخدام أسلوب التقنيات السياسية الدعائية لم يعد يجدي نفعًا على الإطلاق، نحن في مرحلة مفصلية يتم فيها كتابة التاريخ، وستنطق كلماته بعبارات أكثر فزاعة من أي نقد يمكن قوله الآن.
بالنسبة لنا، خسارة هذه الحرب لن تكون مجرد خيانة لتاريخنا وحسب، بل خطوة نحو هرمجدون. لن تقبل موسكو شروط الغرب المنتصر، الذي يمثل حضارة “الشيطان”. هذا يعني أن الأسلحة النووية التكتيكية بل والأسلحة النووية الاستراتيجية، قابلة للاستخدام. ستكون عندها هذه هي النهاية تحت ضغط الظروف (أنه أمر سيء جدًا وشديد الفزاعة). لقد قامت السلطات الروسية بإجراء عدد من التصحيحات العسكرية والسياسية في السلوك العام لما تسمى “العملية العسكرية الخاصة”، أما (لماذا تأخرت هذه المسألة فهي قضية منفصلة). لكن كل هذه التغيرات لم تنجح (حتى الآن).
على القائد أن يتوقف عن اللعب، ويتبنى “الفكرة الروسية”، إنها وحدها القادرة على تغيير كامل المشهد، ومن الحماقة أن نخشى من طرح أيديولوجيتنا ثم نجد أنفسنا على مشارف الهزيمة فنضطر إلى استخدام سلاح سيؤدي إلى التدمير الكامل للبشرية. لا توجد وسيلة أخرى لكي ننتصر ونحمي أنفسنا وكذلك البشرية من خطر الفناء سوى العودة إلى فكرتنا وأيديولوجيتنا وطرح مطالبنا بوضوح. تخيل وجود إمكانية لفعل شيء جديد أو القول بأننا “لم نبدأ بعد”، مجرد حديث دعائي، لا تستطيع السلطات في روسيا القيام بأي شيء آخر. لقد تم الوصول إلى الحد الأقصى بالفعل، والوسائل التقنية البحتة لتحقيق النصر غير متوفرة.
يجب أن تتحول “العملية العسكرية الخاصة” إلى حرب شعبية كاملة بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل ما تعنيه “الفكرة الروسية”. كما يجب أن تتغير الدولة الروسية بأكملها لشيء مختلف عما هي عليه الآن.[1]
تنويه هام: تؤكد هيئة التحرير وجميع العاملين في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن ما ورد في هذا المقال لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن آراء المؤسسة أو توجهاتها، والغرض الرئيسي من ترجمة هذا المقال هو تعزيز المعرفة بشكل أوسع بكل ما يدور في الداخل الروسي من نقاشات وجدالات على وقع الحرب الحالية.