تدخل العلاقات الصينية الفيتنامية مرحلة جديدة من الثقة السياسية المتبادلة الكبيرة، والتعاون الأمني الأكثر صلابة، والتعاون الأعمق المتبادل المنفعة، والدعم الشعبي الأقوى، والتنسيق المتعدد الأطراف الوثيق، والتعامل تعاملًا أفضل مع الخلافات، حسبما قال شي جين بينغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، الذي صرح بذلك خلال اجتماع مع الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ، في هانوي، يوم الثلاثاء.
وقال محللون إن زيارة شي، الأولى منذ ست سنوات للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، ستعزز أيضًا بناء مجتمع صيني- فيتنامي ذي مستقبل مشترك؛ مما يفيد الشعبين، وكذلك استقرار المنطقة.
وصل شي إلى هانوي، عاصمة فيتنام، يوم الثلاثاء، في زيارة دولة تستغرق يومين. وفي أثناء هبوطه في مطار نوي باي الدولي، تلقى شي ترحيبًا حارًّا، حيث استقبله رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشين على المدرج، كما استقبله أكثر من 400 ممثل من مختلف القطاعات من الصين وفيتنام في المطار.
وأقام نغوين فو ترونغ مراسم ترحيب للرئيس شي في القصر الرئاسي، أعقبها إطلاق 21 طلقة مدفعية تحية، وامتلأت الطرق الرئيسة في هانوي، الثلاثاء، بالأعلام الوطنية لكل من الصين وفيتنام، بالإضافة إلى أعلام الطرفين. وبالقرب من الفندق الذي سيقيم فيه شي، حمل السكان المحليون، والطلاب الصينيون، والمغتربون، أعلام البلدين للترحيب به.
وقال مواطن صيني عاش في فيتنام 13 عامًا لصحيفة غلوبال تايمز إنه متحمس جدًّا وفخور بزيارة الرئيس شي. كما أعرب عن امتنانه للتطور المستقر للعلاقات الصينية الفيتنامية؛ وهو ما أتاح الفرص لكثير من السكان الصينيين والمحليين.
رحبت فيتنام بشي، واستقبلته بأعلى مستوى بروتوكولي، لا تُظهره في كثير من الأحيان لقادة الدول الأخرى، وهو ما قال عنه محللون إنه يوضح الأهمية الكبيرة التي توليها فيتنام للعلاقات مع الصين، وكذلك خصوصية العلاقات الثنائية وأهميتها. ووفقًا لتقارير إعلامية، سيعقد الزعيم الفيتنامي نغوين فو ترونغ، أيضًا، حفل وداع لشي يوم الأربعاء.
وقال محللون إنه منذ العام الماضي، قام الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ، ورئيس الدولة لجمهورية فيتنام الاشتراكية فو فان ثونغ، ورئيس الوزراء فام مينه تشين، بزيارة الصين على التوالي، وحافظ الجانبان على تبادلات متكررة ورفيعة المستوى، مشيرين إلى أن المباحثات مع شي جين بينغ كانت إيجابية. ومن شأن زيارة الدولة التي تستغرق يومين أن تدفع العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة.
خلال اجتماعه مع الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي ترونغ، قال شي إن الصين تنظر دائمًا إلى علاقاتها مع فيتنام من منظور إستراتيجي وطويل الأجل، وإن الصين تأخذ علاقاتها مع فيتنام على أنها أولوية في دبلوماسية الجوار.
ذكرت وكالة أنباء شينخوا أن الصين وفيتنام اتفقتا على بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك، يحمل أهمية إستراتيجية.
وبما أن عام 2023 يصادف الذكرى السنوية الخامسة عشرة للشراكة التعاونية الإستراتيجية الشاملة بين الصين وفيتنام، قال محللون من الصين وفيتنام إن زيارة شي ستشكل علامة بارزة؛ لأن الصين وفيتنام جارتان صديقتان للاشتراكية.
بينما يتغير الوضع الجيوسياسي الدولي الحالي بسرعة، وأصبح جنوب شرق آسيا في طليعة المنافسة بين القوى الكبرى، فإن بناء مجتمع صيني فيتنام ذي مستقبل مشترك يحمل أهمية إستراتيجية، وهو أمر ليس مهمًّا فقط للصين وفيتنام، الدولتين الاشتراكيتين، بل للمنطقة بكاملها. وقال جي هونغ ليانغ، مدير مركز أبحاث الأمن البحري بين الصين والآسيان في جامعة قوانغشي للقوميات، لصحيفة غلوبال تايمز، إنه: “سيضيف أيضًا زخمًا جديدًا إلى الاستقرار الإقليمي، وبوصفهما ممثلين للاقتصادات الناشئة الجديدة، فإن الصين وفيتنام تتقاسمان مهمة مشتركة فيما يتصل بتنميتهما، وتواجهان تحديات خارجية مختلفة، بما في ذلك تأثير تدابير الحماية، والأحادية من جانب الولايات المتحدة والغرب”. كما أضاف: “إن مجتمع الصين وفيتنام ذا المستقبل المشترك، سيساعد الجانبين على تقاسم مزيد من فرص التنمية، وإضافة المرونة في مواجهة التحديات”.
قال نغوين تانغ نغي، نائب العميد القائم بكلية العلوم والتكنولوجيا في الصين: “إن زيارة شي لا تهدف إلى توطيد العلاقات بين البلدين وتقويتها فقط؛ بل تعكس أيضًا تعديلات السياسة في الوقت المناسب من جانب الزعيمين للتكيف مع الاتجاهات والتطورات في العالم والمنطقة”.
زيارة الدولة التي يقوم بها شي مميزة؛ لأنها لا تقترن فقط باجتماعات متعددة الأطراف، وهو ما يوضح الأهمية الكبيرة التي توليها فيتنام والصين للعلاقات الثنائية. وستعمل هذه الزيارة على تعميق التعاون والتنمية بين البلدين في مختلف المجالات، مثل السياسة والأمن، وخاصة في تطوير البنية التحتية، والتعاون التجاري، وفقًا لنغي.
تعد الصين قوة دافعة في مجال التكنولوجيا، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، كما أنها تحتل مكانة رائدة في دعم الصناعات والبنية التحتية. وقال نغي: “في المستقبل، ستكون مجالات مثل التعاون التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد، مجالات محتملة لتعزيز التعاون المتبادل- بشكل أعمق- بين الصين وفيتنام”. وأكمل نغي: “نظرًا إلى موقع فيتنام الجغرافي، فإن دورها بين دول جنوب شرق آسيا يتعزز بشكل متزايد، ويمكن أن يساعد التعاون الأفضل بين الصين وفيتنام الصين على الدخول- بعمق- في سوق الآسيان”.
كما أعرب نجوين كوانغ فينه، نائب رئيس جمعية الصداقة الفيتنامية الصينية، عن توقعات كبيرة للتعاون المستقبلي بين الصين وفيتنام. وقال كوانغ: “إن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وفيتنام لا يزال يتمتع بإمكانات ضخمة، مشيرًا إلى أن المنتجات الزراعية والمائية الوفيرة في فيتنام يمكنها أن تلبي متطلبات الصين، كما أن كثيرًا من السلع الصينية تحظى بشعبية كبيرة بين المستهلكين الفيتناميين”. وفي الوقت الحالي، يلتزم البلدان بالتنمية الخضراء، واستخدام الطاقة النظيفة، وتطوير الاقتصاد الرقمي، مما يعني أنه بإمكانهما تكملة نقاط القوة لدى كل منهما لتحقيق التنمية المشتركة.
باللإضافة إلى ذلك، هناك كثير من أوجه التشابه بين الصين وفيتنام في مسارات التنمية الخاصة بهما، ويمكن أن يكون تبادل النظريات والخبرات العملية من أبرز معالم تعاونهما. وقال كوانغ: “إن التحديث على الطراز الصيني له أهمية تنويرية، ويستحق الرجوع إليه فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في فيتنام”.
وقال محللون إن التجارة الثنائية بين الصين وفيتنام تواصل الحفاظ على زخم تنمية جيد، ووُضِعَ أساس متين لتعاون أوسع، مشيرين إلى أنه منذ عام 2016، ظلت فيتنام أكبر شريك تجاري للصين داخل الآسيان. وأظهرت البيانات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية، يوم الثلاثاء، أن القيمة الإجمالية للواردات والصادرات بين الصين وفيتنام وصلت إلى 1.45 تريليون يوان في الأحد عشر شهرًا الأولى من هذا العام، بزيادة سنوية قدرها 3.6%، أعلى من معدل النمو الإجمالي للتجارة الخارجية للصين خلال الفترة نفسها.
كما أولت بعض وسائل الإعلام الغربية اهتمامًا وثيقًا بزيارة شي إلى فيتنام، حيث زار الرئيس الأمريكي جو بايدن الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا في سبتمبر (أيلول)، ورفع العلاقات الفيتنامية الأمريكية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة. وقال نغي: “إن فيتنام تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية، وإن الادعاء بأن فيتنام تتعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة الصين لا أساس له من الصحة”.
إن العلاقة الجيدة والمتنوعة بين فيتنام والصين رَعَتها وطوّرتها أجيال من القادة من كلا البلدين، وليس لدى فيتنام أي سبب للتحالف مع طرف ثالث لمواجهة الصين، كما أنه ليس لديها سبب للسماح لدول أخرى باستخدام فيتنام لمهاجمة الصين، بحسب نغي. كما أكد نغي أن: “ازدهار العلاقات بين الصين وفيتنام واستقرارها، لا يحمل أهمية خاصة للحزبين وشعبيهما فحسب؛ بل له تأثير أيضًا في المشهد الأمني والسياسي والاقتصادي في شرق آسيا”.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.