قاومت الهند- عدة سنوات- مشاركة أستراليا في المناورات البحرية المتعددة الأطراف، قبل أن تتراجع عام 2020. وتمت المناورات البحرية مؤخرًا في أستراليا، بمشاركة جميع القوات البحرية الرباعية (الهند، والولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا)؛ مما يدل على تعميق العلاقات الأمنية بين الهند وأستراليا.
ولكن قبل بضعة أسابيع فقط، رفضت الهند دعوة للانضمام إلى مناورة عسكرية أمريكية- أسترالية، واقتصر دورها على (مراقب)، في محاولة واضحة لتجنب إغضاب الصين في الفترة التي سبقت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. إن التناقض في النهج الهندي يوضح حالة عدم اليقين الكامنة المحيطة بالعلاقات الأمنية بين الهند وأستراليا. وعلى الرغم من المد والجزر في العلاقة، ليس هناك شك في أن العلاقات بين الهند وأستراليا تعمقت خلال العقد الماضي، حيث رفعت الهند مستوى علاقاتها الأمنية مع أستراليا إلى شراكة إستراتيجية شاملة، ووقعت اتفاقية دعم لوجستي متبادل.
إن المخاوف المشتركة بشأن الصين تدفع البلدين إلى التقارب أكثر بكثير من العوامل الاقتصادية، أو غيرها، لكن انزعاج الهند تجاه الشراكات الأمنية بشكل عام، وضرورات سياستها الخارجية المتناقضة، يؤدي إلى وقف التقدم، فنيودلهي تحتاج إلى شراكات لمواجهة الصين، دون الوصول إلى نقطة صدام مُباشر، وتحتاج إلى علاقات مع الغرب، في حين تسعى أيضًا إلى أن تصبح زعيمة للجنوب العالمي.
ويتمثل المتغير الأكثر أهمية في هذا في التناقض بين رغبة الهند في التحول إلى قوة مستقلة لا تدين بالفضل لأحد، وبين علاقات مُستقرة مع الصين، التي كثيرًا ما تظهر رغبة فيها؛ فوفقًا لنظرة الهندية: القوة العظمى المستقلة لا تحتاج إلى شراكات أمنية، ليس فقط لأنها قوية بالقدر الكافي؛ بل أيضًا لأنها تتمتع بعلاقات مستقرة بالقدر الكافي مع جميع القوى. وفي أثناء الحرب الباردة، كانت الهند تنظر بازدراء إلى التحالفات بوضوح أخلاقي أكده حجم الهند النسبي، وأمنها.
ومع صعود الصين، أصبحت الهند أكثر انفتاحًا على الشراكات الأمنية، خاصةً لأن بكين تجبر نيودلهي أحيانًا على مواجهة حقيقة ضعفها النسبي. وفي مثل هذه الأوقات، تميل الهند إلى تعميق العلاقات الأمنية مع أستراليا. على سبيل المثال، دعت الهند أستراليا للانضمام إلى المناورات العسكرية بعد بضعة أشهر فقط من الاشتباكات الخطيرة على الحدود الصينية الهندية. ومع ذلك، ففور احتواء الأزمة، فإن اهتمام نيودلهي بتعميق شراكاتها سيتباطأ.
إن إحجام نيودلهي عن تعميق العلاقات الأمنية مع أستراليا ينبع- إلى حد كبير- من المخاوف من إغضاب الصين. وكما هي الحال مع الحكومات السابقة، كانت الغريزة الأولية لحكومة ناريندرا مودي منذ عام 2014 هي تثبيت استقرار العلاقات مع الصين، والتركيز على القضايا الاقتصادية والتجارية. وانضمت الهند إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي تقوده الصين، وطلبت مساعدة الصين لتصبح عضوًا في مجموعة الموردين النوويين. وسرعان ما أصيبت الهند بخيبة أمل؛ لأن بكين لم تحبط عضوية الهند في مجموعة الموردين النوويين فقط؛ بل إنها أحبطت- مرارًا وتكرارًا- جهود الهند لوضع الإرهابيين الذين يستهدفونها في القائمة السوداء للأمم المتحدة. وفي يونيو (حزيران) 2017، خاضت الصين والهند مواجهة عسكرية بالقرب من التقاطع الثلاثي بين الهند والصين وبوتان. وبعد بضعة أشهر، انضمت الهند إلى أستراليا، واليابان، والولايات المتحدة في إحياء الرباعية.
ومع ذلك، ظلت الهند غير راغبة في السماح لأستراليا بالانضمام إلى المناورات، على الرغم من كونها شريكًا رباعيًّا، ومارست ضغوطًا على اليابان، والولايات المتحدة. وبينما أجرت الهند وأستراليا مناورات عسكرية ثنائية، وعملتا على تحسين العلاقات بينهما، ظلت نيودلهي حذرة من اكتساب الرباعية بعدًا عسكريًّا، لكن هذا تغير بعد المواجهة العسكرية بين الهند والصين في يونيو (حزيران) 2020؛ ففي غضون أشهر، رفعت الهند مستوى علاقتها الأمنية مع أستراليا، ودعتها للانضمام إلى المناورات. كما أسهمت الخلافات الأسترالية- الصينية في تزايد التقارب الهندي- الأسترالي.
وتعد الولايات المتحدة محركًا رئيسًا آخر لتحسن العلاقات بين الهند وأستراليا. ومع أنه قد يكون من غير الدقيق أن نقول إن العلاقات بين الهند وأستراليا هي مسألة فرعية من العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، فإنها تسير بشكل وثيق إلى حد ما. واتبعت العلاقات الهندية الأسترالية الخطوط العريضة للعلاقات بين الولايات المتحدة والهند خلال الحرب الباردة، ثم انحدرت بعد التجارب النووية الهندية عام 1998، قبل انتعاشها لاحقًا منذ ذلك الحين.
ومع أن العلاقات بين الهند وأستراليا اليوم أفضل من أي وقت مضى، فإن آمال الهند في علاقات أكثر استقرارًا مع الصين لم تنتهِ، على الرغم من استمرار المواجهة على الحدود، حيث لا يزال نحو 100 ألف جندي يواجه بعضهم بعضًا، لكن نيودلهي تأمل في التوصل إلى صيغة تفاهم مع بكين، فالهدف الهندي، المتمثل في الحصول على دور في الدبلوماسية العالمية، يعني أن عليها موازنة العلاقات مع دول مثل أستراليا، والتركيز الموسع على العالم النامي، من خلال مجموعة العشرين، وبريكس، وحتى منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة الصين، وهذا يعني أن هناك سقفًا لعلاقات الهند مع أستراليا، ولن تلتزم الهند إلا بالحد الضروري، وهذا سوف يتقلب تبعًا للوضع على الحدود الصينية الهندية، لكن قنوات الاتصال الأمني الهندي- الأسترالي تبقى مفتوحة ما دامت الصين تشكل خطرًا.