تواجه الهند عجزًا بين الواردات والصادرات العسكرية بنحو ملياري دولار، حيث تصدر بما قيمته 1.1 مليار دولار، فيما تستورد بقيمة 3.1 مليار دولار سنويًّا؛ لذا أكدت الحكومة الهندية الحالية تعزيز تصنيع الأسلحة المحلية لخفض وارداتها من البائعين الأجانب، وتصدير الأسلحة. وتهدف مسودة سياسة ترويج الإنتاج العسكري والصادرات الدفاعية إلى إنشاء صناعة دفاعية بقيمة 25 مليار دولار بحلول عام 2025، بما في ذلك تصدير مواد دفاعية بقيمة 5 مليارات دولار.
عام 2020، أعلنت وزارة الدفاع الهندية خطة طموحة لتقليل اعتمادها على واردات الأسلحة الأجنبية. وأصدرت الوزارة قوائم تحتوي على 310 معدات عسكرية وأنظمة دفاعية من المقرر تصنيعها في الهند بين عامي 2020 و2027. تحتوي هذه القوائم على تصنيع طائرات هليكوبتر بحرية متعددة المهام، وصواريخ متوسطة المدى مضادة للسفن، وطائرات بدون طيار، وقطع مدفعية، ودبابات مدرعة. وخصصت الحكومة الهندية في ميزانيتها الدفاعية عام 2023 نسبة 75 في المئة من الميزانية لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية المحلية الصنع.
إن الاهتمام الرئيس للصناعات المحلية هو إنتاج المواد الدفاعية في الوقت المناسب، وتلبية المتطلبات العسكرية للمشترين الأجانب، وقوات الدفاع الهندية. ولم تكن الهند تقليديًّا دولة مصنعة للأسلحة، حيث اعتمدت- اعتمادًا أساسيًّا- على البائعين الأجانب لتلبية احتياجاتها العسكرية. لقد كان إنتاج الأسلحة دائمًا مسألة أمن قومي في محيط مُضطرب؛ لذا حصلت صناعة الدفاع على دفعة كبيرة منذ عام 2005، حيث أُنشئت لجنة للمشتريات الدفاعية. ووضعت اللجنة الأساس للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال تصنيع الأسلحة من خلال تشجيع القطاع الخاص على تحمل عبء عمل شركات القطاع العام. كما اقترحت اللجنة توسيع نطاق تصنيع الأسلحة بإشراك القطاع الخاص ضد احتكار شركات القطاع العام.
وجنوب آسيا منطقة معقدة ومتقلبة، تضم ثلاث قوى نووية. وكان التهديد الصيني الباكستاني المشترك هو الذي دفع التوقعات الأمنية لنيودلهي في السنوات الأخيرة، وسرّع اهتمامها بإنتاج الأسلحة المحلية، في حين حافظت باكستان على مكانتها كثالث أكبر مستورد للأسلحة في جنوب آسيا، بزيادة بنسبة 14 في المئة في الفترة من عام 2013 إلى عام 2022. أصبحت الصين خامس أكبر مستورد للأسلحة في العالم بنسبة 4.6 في المئة من واردات الأسلحة العالمية في الفترة من عام 2018 إلى عام 2022.
وأدى التوتر بين الهند والصين بشأن الحدود في السنوات الأخيرة إلى تفاقم الوضع؛ مما أدى إلى عسكرة الحدود، والاهتمام بالتصنيع العسكري. ودفع هذا نيودلهي، وهي المشتري التقليدي للأسلحة الروسية، إلى تغيير نهجها، ودخلت ضمن أكبر 25 دولة مصدرة للسلاح. وتواجه نيودلهي منافسة شديدة، لكنها استطاعت أن تضع قدمًا لها في جنوب آسيا، لا سيما في ميانمار وسريلانكا، بالإضافة إلى صفقة كبيرة مع الفلبين لشراء صورايخ كروز براهموس الأسرع من الصوت، بقيمة 375 مليون دولار، كما وقعت ماليزيا صفقة لشراء سرب مكون من 16 طائرة قتالية خفيفة، فيما شكل اختراق الهند للسوق الإفريقية للصناعات العسكرية نجاحًا استثنائيًا بعدما وقعت مع نيجيريا عقدًا بقيمة مليار دولار لتعزيز وإمداد شركة الصناعات الدفاعية النيجيرية (DICON) بما يلزمها لتصبح مكتفية ذاتيًّا بنسبة 40 في المئة مِن التصنيع المحلي، وإنتاج المعدات الدفاعية بحلول عام 2027.
وتصدّر الهند- بشكل أساسي- مروحيات قتالية مُتعددة المهام، وإلكترونيات طيران، وأسلحة خفيفة، ومعدات حماية الشخصية، ورادارات، وقطع غيار وتجميع رئيسة. وركزت الهند أولًا على تطوير تكنولوجيا الأسلحة الخاصة بها قبل الانتقال من البيع من أجزاء التجميع الفرعي إلى حزمة كاملة من أنظمة الأسلحة، على أن يتم التركيز على الإنتاج الضخم، وتصدير منصات الصواريخ، مثل صواريخ براهموس، ونظام إطلاق الصواريخ المتعدد (MBRL)، ونظام أكاش للدفاع الجوي، والألغام المضادة للدبابات، والمدافع، والقطع البحرية.
وقد واجهت صناعة السلاح الهندية عثرات أدت إلى إلغاء الإكوادور عقدًا لشراء سبع طائرات هليكوبتر خفيفة من طراز “Dhruv Advanced” عام 2015، حيث تم توقيع صفقة بقيمة 45.2 مليون دولار عام 2009، لكن في غضون سنوات قليلة من الخدمة، تحطمت أربع طائرات مِن أصل سبع بسبب أعطال ناتجة مِن عيوب تصنيع. كما شهدت الهند ما يقرب مِن 50 حادثة جوية لطائرات هليكوبتر عسكرية محلية الصنع في الفترة بين عامي 1963 و2023. وفي عام 2016، رفضت البحرية الهندية استخدام النسخة البحرية من طائرة “إل. سي. إيه. تيجاس” لعيوب تقنية وفنية، فيما سقط صاروخ براهموس- بشكل غير مقصود- لخطأ فني في الأراضي الباكستانية.
لكن، وبالرغم من الصعوبات، تهدف الهند إلى أن تصبح أحد كبار مصدري الأسلحة، ويبدو أن هُناك إدراكًا بأنها ستحتاج إلى استكشاف الأسواق الدولية، وتطوير مشترين موثوق بهم؛ من خلال الانخراط في الجهود الدبلوماسية، وتعزيز إستراتيجيات مبيعات الأسلحة، والاهتمام بجودة أسلحتها وفعاليتها، فعلى الرغم من النجاح النسبي، فإن صناعات الأسلحة الهندية ليست في الصدارة، وأمامها طريق طويل لتطوير التكنولوجيا الخاصة بها، والتخلص من الأخطاء الفنية، والأعطال الميكانيكية، ونقص الدعم الفني والتشغيلي للعملاء بعد إتمام الصفقات.