في كتابه الأخير «القيادة.. ست دراسات في الإستراتيجية العالمية»، الصادر عام 2022، قال هنري كيسنجر، إن “الفترة من عام 1914 إلى عام 1945 يمكن اعتبارها حرب الثلاثين عامًا الثانية”.
يمكننا أن نتفق مع هذا الرأي- إلى حد كبير- لأنه في الواقع حصلت حربين عالميتين، نتج عنهما دمار لا يحصى، وتضحية وحرمان للشعوب الأوروبية والآسيوية، حتى يستقر كل من النظام العالمي الجديد، والمجتمع الأوروبي/ الغربي نفسه. كانت نتيجة “حرب الثلاثين عامًا الثانية”، القضاء على القطبية البينية الغربية، مع هزيمة ألمانيا واليابان واحتلالهما، وإنشاء القطبية العالمية عبر العمل وفق الدليل الأوروبي لإدارة العالم، بما أن كلا الجانبين من المواجهة الأيديولوجية استخدم منتجات الفكر السياسي الأوروبي، إلا أنهما مختلفان (الرأسمالية مقابل الاشتراكية).
يمكن قول الشيء نفسه عن الفترة من عام 1994 إلى الوقت الحاضر، عندما كان النظام الدولي الجديد يهتز في إطار “لحظة الأحادية القطبية” السيئة السمعة، في حين كان العالم- في الواقع- متعدد المراكز، ويعكس التنوع الثقافي والحضاري الذي قمعته قرون من الهيمنة الغربية، لكن في هذه المرة قُمِعت روسيا أيضًا. كانت هذه الفترة أيضًا عاملًا لبدء حرب جديدة، يمكن اعتبار أن إعلانها تم بقرار من الغرب عندما تم توسيع الناتو عام 1994. أدى هذا حتمًا إلى أزمة في علاقات الغرب مع روسيا – كما اتضح فيما بعد في الأزمة الأوكرانية. حذر الدبلوماسي جورج كينان من “العواقب الوخيمة لتوسيع الحلف”. تحدث الرئيس بيل كلينتون عن “عزل روسيا” في أثناء قمة الناتو في يناير (كانون الثاني) 1994، وقال الصحفي توماس فريدمان: “لقد أطلق الغرب بالفعل الرصاصة الأولى. وإذا كانت روسيا- وفقًا لبوشكين- تحذر، ثم تترك الباب مواربًا لفتح مجال نحو العودة، فقد أُطلقَ هذا التحذير من خلال خطاب بوتين في مؤتمر ميونخ عام 2007”.
أحداث الميدان الأوروبي، وما تلاها من انقلاب في أوكرانيا، ثم رفض المقترحات الروسية في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بشأن حل سياسي ودبلوماسي لمشكلة الأمن الأوروبي، أدت بالأزمة إلى مرحلة حادة نراقب تطورها منذ ذلك الحين. كانت هذه الأحداث بمنزلة عامل تمهيد لما جرى فجر الرابع والعشرين من فبراير (شباط) 2022، وبدء روسيا “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
ساعدت تجربة العام الماضي على توضيح طبيعة الأزمة الأوكرانية وجوهرها، التي لم تكن مرئية عشية 24 فبراير (شباط) من العام الماضي. يجب أن تكون هذه التجربة أساسًا لنا لتطوير إستراتيجية واقعية من شأنها أن توفر استجابة مناسبة للتحدي المعقد المتمثل في قيام الدولة الروسية. إضافة إلى ذلك، فإن التحدي ليس (عسكريًّا- سياسيًّا) فحسب، ولكن أيضًا على مستوى الهوية والتاريخ، وهو ما لا يمكن المبالغة في خطورته. يتطلب منا هذا الوضع موقفًا مناسبًا، واستخدام جميع الوسائل والأساليب المتاحة لخوض النضال، ومنع التسويات والحلول التي لن تؤدي إلى سوى تأجيل عودة الصراع بشكل أكثر حدة.
جذور الأزمة في علاقاتنا مع الغرب وأسباب تفاقمها
نحن في المرحلة الأخيرة من عدة دورات تاريخية ذات مدد مختلفة لسياسة الغرب المعادية لروسيا. خصوصية الوضع الحالي هي أنه من خلال مساهمتنا الحاسمة في الانتصار على ألمانيا النازية، فقد أسهمنا في استعادة وحدة الغرب، التي قُوِّضَت عبر توحيد ألمانيا تحت قيادة بسمارك. بسبب العامل النووي، اتخذ الصراع مع بلدنا شكل حرب باردة ومواجهة أيديولوجية. هذا الشكل المجمد “تلاشى” حتمًا مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.
الغرب لا يخفي الطبيعة الحاسمة للمواجهة الحالية: “إما نحن وإما هم”.
يكمن ضعف الموقف الغربي في أن المعنيّ بإشعال الصراع مع روسيا، هو النخب التي “لا تستطيع أن تفعل غير ذلك”، لكن عامة الناس غير مهتمين بأي صراع جديد مع روسيا، ولديهم مشكلاتهم الخاصة مع هذه النخب. هناك أيضًا اختلافات بيننا في درجة الطبيعة الوجودية للصراع: “نحن نتحدث عن تهديد الدولة التاريخية”. أما في الغرب، فالأمر يتعلق بالحفاظ على “الإمبراطورية العالمية كطريقة معتادة للوجود، وعدم الرغبة في التكيف مع التعددية العالمية المتغيرة نوعيًّا، التي أصبحت أيضًا فجأة تنافسية جدًّا”؛ لذلك يمكننا أيضًا التحدث عن أزمة سياسة الاحتواء الغربية، ليس تجاه روسيا والصين فحسب؛ ولكن تجاه بقية العالم، الذي قرر أن يتخذ آفاقًا تنموية دون الاعتماد على النظام الاستعماري الجديد، كما كان يحدث سابقًا. الأمر فقط هو أن روسيا، بحكم رسالتها التاريخية، ووجود إمكانات ردع نووي مماثلة للولايات المتحدة (بالإضافة إلى الاكتفاء الذاتي من الموارد)، لا يسعها إلا أن تكون “في طليعة” هذا الصراع العالمي، الذي يعكس نقطة تحول في التنمية العالمية والسياسة.
لهذا السبب تحديدًا، لدى النخب الغربية كراهية خاصة لروسيا؛ لأنهم يفهمون أن موسكو والكرملين لا يمكن تجاوزهما. لقد أصبحنا اختبارًا وتحديًا صعبًا لشمولية النظام الغربي وعالمية إحداثياته.
للمرة الثالثة في التاريخ، أصبحت أوكرانيا (بموافقة جزء كبير من السكان، ليس فقط من ينتمون إلى القومية الأوكرانية) أداة لسياسة الغرب المعادية لروسيا. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يكن أمام روسيا، التي كانت في وضع صعب، وشعرت بعدم اليقين التاريخي، فرصة للانتصار عسكريًّا على الغرب في أوكرانيا- يجب الاعتراف بذلك، وليس إلقاء اللوم عليه. الآن ليس لدينا الحق في التراجع، لا يمكننا أن ننجح إلا من موقع الثقة المطلقة في صوابنا، وإخلاص روايتنا التاريخية، مقابل زيف رواية الخصم.
لقد أظهر مسار “العملية العسكرية الخاصة”، والضغط الاقتصادي غير المسبوق على روسيا، فعالية العقوبات المرتدة كوسيلة للتأثير في المجتمع الغربي. وهذه إضافة جديدة إلى مجموعة نقاط الضعف الداخلية الخطيرة للغرب، بما في ذلك المواجهة داخل الولايات المتحدة نفسها، في ظل صراع يبدو أنه طويل الأمد، تبين فيه أن الغرب غير مستعد له، وكان اعتماده على نجاح الحرب الخاطفة العسكرية والاقتصادية في الشهور الأولى من بدء “العملية العسكرية الخاصة”. خارجيًّا، ظهر- إلى حد كبير- الفشل الرئيس للغرب، وذلك عبر رفض بقية العالم الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا. الآن، تُهيَّأ الظروف لاستعادة الإمبراطورية العالمية للغرب، التي يشكل الاتحاد الأوروبي/ الناتو العمود الفقري لها.
الهدف الإستراتيجي
المهمة الإستراتيجية لروسيا لها بعدان: الأول في اتجاه أوكرانيا، والثاني في اتجاه الغرب. من الواضح بالفعل للكثيرين أننا نتحدث عن حرب غير مباشرة بالوكالة من الغرب على روسيا. إضافة إلى ذلك، فقد تبين أن الغرب بعد أن فقد كل الحذر، متورط- بشكل متعدد الأوجه- في الصراع في أوكرانيا. لقد تم تجاوز كثير من “الخطوط الحمراء”، التي من المفترض أن تكون في المواجهة بين القوى النووية الرائدة، وهو ما يثير مسألة الحاجة إلى “ردود” واضحة من جانبنا. في الأساس، استعادة الثقة في الردع النووي الذي مثل أساس الاستقرار الإستراتيجي العالمي.
إن الحقائق التي أظهرتها “العملية العسكرية الخاصة”، وبشكل محدد: (الانتقال إلى الدفاع، والتعبئة الجزئية، والحملة المنهجية لتدمير البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا في قطاع الطاقة في المقام الأول، والتكيف الشامل للقوات المسلحة الروسية مع الطبيعة الناشئة لمسرح العمليات)، أما على المستوى الإقليمي والسياسي فكان: (دمج جمهوريات دونباس ومنطقتين أوكرانيتين داخل روسيا، وإضفاء الطابع المؤسسي على “العملية العسكرية الخاصة” في السياسة العالمية، ودمج “العملية العسكرية الخاصة” في الحياة اليومية للبلاد)، قد وفرت أسسًا لإعادة تقييم شامل للوضع. يشير هذا إلى المسار نحو تنفيذ مناورة عسكرية سياسية واسعة في كلا الاتجاهين الجيوستراتيجي المترابط (الأوكراني والأوروبي/ الأوروبي الأطلسي).
الهدف من وراء كل ذلك هو ضمان أمن روسيا ضمانًا موثوقًا به ومتوقعًا بالوسائل العسكرية، أي تحقيق ما لا يمكن القيام به بمساعدة مسودات وثائق 15 ديسمبر (كانون الأول) 2021. في الوقت نفسه، ينبغي للمرء أن ينطلق من غياب أي إمكانية للتوصل إلى تسوية تفاوضية في الأفق المنظور، سواء مع أوكرانيا، أو أوروبا ككل من 10 إلى 15 سنة؛ ومن ثم الحاجة إلى العمل من جانب واحد.
نقطة أخرى مهمة، ينبغي النظر إليها، وهي الإرهاق المتوقع للمجتمع الروسي من الصراع الذي طال أمده في أوكرانيا، والحيرة بشأن عدم القدرة على إنهائه بسرعة بعمل حاسم. وبناءً على ذلك، فإن تأكيد أن الوقت مناسب لنا أمر مشكوك فيه. لكن من الجدير بالذكر أن البلاد كانت تتطور في الاتجاه الخاطئ فترة طويلة، وانتشرت الأوهام بشأن حسن نية الغرب، وعدم وجود تنمية بديلة عن النموذج الغربي. قد يكون للتأخير في الاستجابة للتحدي الغربي من خمس إلى سبع سنوات أخرى عواقب وخيمة على مستقبل روسيا. بالطبع، لن يقبل الغرب استكمال “العملية العسكرية الخاصة” بشروطنا. هذا حافز لتغيير البلد على أساس التغلب على المركزية الغربية التي طغت على فكرنا في الشؤون الخارجية. بدلًا من ذلك، علينا التركيز على ما يسمى بـ “محور الاتجاه نحو الشرق” في مكانتنا الدولية. يجب إعطاء الأولوية لما أحدثه الصراع في أوكرانيا من نقاط تحول هذا العام. كل شيء آخر ثانوي، وكذلك علاقاتنا مع أوروبا، التي ليس لها- على أي حال- آفاق إيجابية. باختصار، ليس لدينا ما نخسره هنا، وهذا ليس خطأنا.
يمكن أن تكون النتيجة المُرضية “للعملية العسكرية الخاصة”، أي (تعريف النصر)، هي إعادة التنظيم الإقليمي والسياسي لكل أوكرانيا الحديثة على أساس جيوسياسي وأيديولوجي جديد. إن الحفاظ على وجود نظام كييف، حتى إذا بقي في قطعة أرض معزولة وصغيرة من أراضي أوكرانيا الحديثة، تجعله على صلة مباشرة جغرافيًّا للتواصل مع الغرب، لا يعني فقط “التعثر” الروسي في أوكرانيا، وهو ما يناسب الغرب، ولكن أيضًا خلق تهديد عسكري مباشر من الناتو على حدودنا الغربية. في ظل وجود (300.000) من قوة الرد السريع التابعة للناتو، يساندها (250.000) جندي من الجيش البولندي، مع تهديد دائم بفرض حصار كامل على منطقة كالينينغراد وأسطولنا في بحر البلطيق، وانضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، فضلًا عن احتمال نشر الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى في أوروبا. سنواجه احتمالًا حقيقيًّا لوقوع مواجهة عنيفة مع الغرب على طول حدودنا الغربية كلها، ومعها لا يمكن افتراض أن الصراع ستكون نتائجه في صالحنا، بما في ذلك من حيث الوقت. هذا الوضع سيجعلنا تحت الضغط باستمرار، ولو لم تحدث حرب مباشرة عنيفة، سنكون في حالة استنزاف، مع تهديد دائم لأراضينا، مما يعني خرقًا لكل عوامل التوازن، والدفع ربما نحو تصعيد نووي، وحرب عالمية ثالثة. هذا الخيار سيكون لنا بمنزلة تعذيب للذات.
ما شكل الإستراتيجية الوقائية المناسبة لروسيا؟
يبدو أن إستراتيجية وقائية (شبيهة بـ”العملية العسكرية الخاصة”) بفرض صراع مباشر مع الناتو، تعمل في الوقت نفسه على مستويين لتحقق الانتصار (التصعيد الداخلي والنوعي) استجابة للتحدي الغربي. يمكن أن نتحدث عن إعلان “حالة حرب فعلية مع حلف الناتو”، بعد ثلاثين عامًا من الاسترخاء، بما في ذلك ماديًّا ومعنويًّا ونفسيًّا (لتجد أوروبا نفسها في أحد صراعات ما قبل الحداثة)، وهي ليست مستعدة لذلك،؛ ومن هنا جاءت محاولة شن الهجوم على روسيا بأيدي نظام كييف. لقد بدأ العد التنازلي فعليًّا لهذا الصراع منذ انقلاب فبراير (شباط) 2014. قد تضيع هذه اللحظة إذا لم نستغلها الآن. نحن نتحدث عن نقل الصراع إلى فضاء الناتو، بالإضافة إلى التهديد الواضح باستخدام الأسلحة النووية، وبدء الأعمال العدائية في هذا الفضاء. بدون ذلك، لن نتمكن من استخدام هيمنتنا بالكامل.
إن عقيدتنا في استخدام الأسلحة النووية تترك لنا الحق في تفسير ما الذي يشكل تهديدًا لوجود دولتنا. يبدو أن مقال هنري كيسنجر، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2022، في مجلة ذا سبيكتاتور (The Spectator)، والمقال المشترك في 7 يناير (كانون الثاني) 2023، بقلم كوندوليزا رايس وروبرت غيتس، في صحيفة ذا واشنطن بوست (The Washington Post)، يظهران فهمًا للتهديد الذي يمثله هذا التطور، بما في ذلك الرد على الإمدادات الغربية من المركبات المدرعة إلى كييف، فضلًا عن احتمال “تحالف الراغبين” بقيادة الولايات المتحدة لدخول أراضي أوكرانيا، متجاوزة القرار الجماعي لحلف شمال الأطلسي. تم تلخيص هذه الانعكاسات تلخيصًا أكاديميًّا أنيقًا من خلال مؤسسة راند (RAND Corporation)، في دراستها الأخيرة “كيفية تجنب حرب طويلة الأمد (في أوكرانيا)”. يوصي المؤلفون بإخضاع سياسة واشنطن لأولويتين رئيستين: (منع استخدام الأسلحة النووية من جانب روسيا، ومنع التصعيد إلى مستوى الصراع المباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي). كلاهما لم يُستبعَد، ويتم النظر فيه بشكل منفصل. كل شيء آخر، بما في ذلك القضية الإقليمية، ومدة الصراع، وشكل اكتماله، هو ثانوي لهم.
من حيث الجوهر، تتحدث الدراسة عن ضرورة الضغط على إدارة بايدن لخلق حوافز لكي تدخل كييف في مفاوضات؛ لأن الصراع الذي طال أمده ليس في مصلحة الولايات المتحدة، وتكاليفه تفوق بكثير الفوائد المحتملة، خاصة أن روسيا قد استوعبت بالفعل العقوبات الغربية، في حين أن الولايات المتحدة والغرب، اللذين لا يتورطان تورطًا مباشرًا في الصراع، غير قادرين على التأثير في مساره ونتائجه. يشار إلى أن لا أحد (كيسنجر فقط يلمح إلى احتمال حدوث شيء في هذا الصدد في المستقبل) يفكر في تسوية شاملة، لكلٍ من الأزمة الأوكرانية، وتحديث البنية الأمنية الأوروبية، التي بدونها لن توحي أي ضمانات أخرى لموسكو بالثقة، التي قُوّضَت بالفعل، وربما لفترة طويلة، مما يعني أن الضمانات يجب أن تكون ذات طبيعة “مادية”، تشمل السيطرة على الأراضي والمؤسسات.
كبرنامج إيجابي مضاد، يمكننا أن نقترح عقد مؤتمر سلام أوروبي، أو بدلًا من ذلك، عقد مؤتمر أوروبي آسيوي بمشاركة الصين والهند، لم يتم عقده بعد نهاية الحرب الباردة. سيصلح وضع أوكرانيا كدولة أوروبية (بالقياس مع ألمانيا الأوروبية- في تحدٍّ لأوروبا الألمانية)، وسيؤكد عدم قبول إحياء الفاشية/ النازية والقومية العدوانية بأي شكل من الأشكال، مع تحديد واضع لأسباب الحرب العالمية الثانية ونتائجها، لمنع التلاعب المستقبلي في التاريخ. كذلك سيناقش هذا المؤتمر المفترض، نزع السلاح النووي، وعدم نشر الأسلحة في الفضاء: (على وجه الخصوص، يمكننا إعلان دعم معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017، ودعوة الولايات المتحدة إلى العمل بالتوازي مع الأعضاء الآخرين في “الدول الخمس النووية”، وغيرها من الدول للانضمام إليها بشكل جماعي).
سيؤدي التوصل إلى هذا الشكل الجديد من العلاقات الأمنية والسياسية، إلى تراجع قيمة الغرب وقدرته، والوقت سيكون في صالحنا وملكنا. سوف نستفيد من الإرث السوفيتي، ليس المادي (النووي) فقط؛ ولكن أيضًا الإرث الإستراتيجي، إذا وضعنا في الحسبان “الطريقة الخاصة لإدارة السياسة الخارجية من خلال التهديد بالحرب على الإمبرياليين” كما فعل خروشوف، الذي بفضل أزمتي برلين والكاريبي، خلق الظروف المناسبة لحل مشكلة برلين الغربية، وإطلاق عملية الحد من التسلح بين موسكو وواشنطن. هذه المرة، ستكون أهم ميزة لدينا هي عدم مبالاتنا، واهتمامنا بالمناطق الأخرى خارج أوكرانيا الحديثة.
أما فيما يتعلق ببقية العالم، فسيتم تأكيد الحقيقة التاريخية،؛ وهي أن النظام العالمي الجديد، بما في ذلك النظام النقدي والمالي، لا يمكن أن يكون أداة لشن الحروب على الآخرين. إن الدول غير الغربية التي تشكل الأغلبية في العالم ستحتقر أن “الأوروبيين المتحضرين” فشلوا- مرة أخرى- في الاتفاق فيما بينهم، وبسبب هذا الفشل وضعوا العالم على شفا كارثة نووية. ستكون هذه تجربة تحررية من حيث التخلص من التبعية الاستعمارية الجديدة، مع دور قيادي جديد لروسيا. سيتم تعزيز الإيمان بالردع النووي، الذي سيستفيد منه الجميع.
فيما يتعلق بالتنمية الداخلية، ستحصل روسيا على المكان والزمان اللذين يسمحان لها بتكرار الاختراق الاقتصادي والتكنولوجي للنموذج السوفيتي لعقود ما بعد الحرب العالمية الأولى. هذه ضرورة غير قابلة للجدال إذا أردنا وضع البلاد كمركز ثقافي وحضاري لعالم متعدد الأقطاب، لكي تكون ليس نظيرًا للولايات المتحدة/ الغرب فقط، ولكن للصين أيضًا). من المستحيل الاستغناء عن ضمان معدلات عالية من النمو الاقتصادي، وكذلك من دون تشكيل فضاء سيادي، على مستويات وطنية، وتعليمية، وثقافية مفتوحة للعالم بأسره[1].
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.