قدمت مؤسسة السياسة التقدمية تقريرًا بعنوان: “صور المستقبل لروسيا: سيناريوهات وتقييمات”، صيغت من خلاله أربعة محاور لتطوير البلاد بعد “انهيار النظام العالمي”. يرى الخبراء أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو عودة “الاتحاد السوفيتي” في نسخته الثانية؛ أي محاولة “إعادة إنتاج التجربة السوفيتية”. كما يمكن لروسيا أن تتبع مسار “السياسة الاقتصادية الجديدة”، في نسختها الجديدة، التي تبناها البلاشفة عام 1921، لمواجهة الكساد الاقتصادي عبر فتح المجال أمام التجارة الحرة، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، أو أن تصبح “القطب الأوراسي” الأكبر، أو تركز على شعار وحدة الأمة، الذي تجلى في شعار “Z”، الذي استُخدِمَ بعد بدء “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا. بحسب المحللين السياسيين، فإن الأرجح هو أن روسيا تنتظر مزيجًا من كل هذه “الصور”.
ذكر أوليغ بوندارينكو- مدير المؤسسة- في أثناء تقديمه التقرير في مؤتمر صحفي، يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن النقاش بشأن “صورة مستقبل روسيا” بدأ بمقال من رئيس الدائرة الرئاسية، ألكسندر خاريتشيف، حيث ركز على مفاهيم مثل “رواية الدولة”، وأوضح السيد بوندارينكو أن “تقريرنا مبني على مبدأ مناقشة المؤلفين”. ومن بين هؤلاء المؤلفين أيضًا إيليا غراشينكوف، رئيس مركز تطوير السياسات الإقليمية، وسيرغي سيريبرينيكوف، الأستاذ في الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة.
صحيح أنه من المستحيل إنشاء نظام اقتصادي “مغلق تمامًا” في العالم الحديث؛ لذلك نحن نتحدث أكثر عن نظام “الاكتفاء الذاتي”، مثل النظامين الأمريكي والصيني على سبيل المثال. وفقًا للخبير الاقتصادي، يمكن إحياء هذه “الصورة” من خلال التغلب على الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الروسي؛ “من خلال زيادة إنتاجية العمل، وإدخال الدولة نظامًا للتسعير”. كما أشار سيريبرينيكوف إلى أنه لتحقيق السيادة التكنولوجية يجب تقنين التجسس الصناعي؛ لأنه من ضمن التطور السريع للاقتصاد الصيني. يفترض السيناريو الاستثمار العالمي في البنية التحتية: “مدن وطرق، وأنظمة إيكولوجية جديدة من شأنها توفير فرص العمل، والنمو السكاني، وإعادة التوطين العكسي”.
وتابع سيريبرنيكوف قائلًا إن المحيط الاجتماعي لـ”اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية” المفترض في نسخته الجديدة” هو عودة إلى نظام التعليم والطب السوفيتي: “إذا أُغلقت الحدود أمام أولئك الذين يرغبون في العلاج في أوروبا، وهو ما أعطى دفعة لتطوير الطب المحلي”. أخيرًا، يجب “عكس الثقافة الوطنية والتاريخ الروسي، وإضفاء الشرعية عليهما، والاعتراف بهما”، وهو ما سيؤدي إلى ظهور “هوية ذاتية جديدة”. وفقًا للخبير، يمكننا- في هذه الحالة- أن نتوقع بروز شخصيات ثقافية وأدبية جديدة، على غرار ميخائيل شولوخوف، وفلاديمير ماياكوفسكي، وسيرغي آيزنشتاين.
يجب إعادة هيكلة السوق الروسية مع الأخذ في الحسبان ثلاثة مكونات: الثورة الصناعية الرابعة، والتعاون التكنولوجي والعلمي مع البلدان التي يمكن لروسيا أن تصبح “منارة” لها، فضلًا عن موقف جديد تجاه الناس. يمكن إحياء هذه “الصورة” من خلال “تعظيم الحرية داخل البلد”. كما يعتقد العالم السياسي أنه “كلما زاد الضغط علينا من الخارج، في محاولة لدفعنا إلى الاكتفاء الذاتي، زادت أهمية تحرير المساحة في الداخل”. يجب أن تكون هناك طبقة من الرجال الأحرار، في حين أوضح غراشينكوف أننا نتحدث عن “الوطنيين التقدميين” الذين “لا يترددون في انتقاد الدولة”، ولكنهم في الوقت نفسه “يعرضون تقديم خبراتهم وخدماتهم، ويمكنهم أيضًا تحمل المسؤولية”.
في “السياسة الاقتصادية الجديدة”، في نسختها المفترضة، فكرة الرأسمالية العادلة مهمة. عندما تطور تقنية ما، عليك أن تفهم ما إذا كنت ستصبح مليارديرًا، أو فقط ستضيع وقتك وجهدك وموهبتك في تقديم أفكار لا يمكن تنفيذها أبدًا. الآن تُظهر الرأسمالية الروسية أقصى قدر من الاغتراب: لحظة أن تفعل شيئًا، فإن الدولة تضغط أو تحتكر الصناعات، ولا تسمح بدخول أي شخص.
قال أوليغ بوندارينكو إن سيناريو “القطب الأوراسي” له عيب؛ لأن “الصين تدعي هذا الدور بجدية بالغة”، ولأجل أن تنافسها روسيا “من المهم جدًا أن يكون لديك نموذج التنمية الاقتصادية الخاص بك”؛ حينها يمكن لروسيا أن تصبح مركزًا بديلًا، وعليها طلب في أجزاء مختلفة من العالم. لا يرغب الجميع في رؤية نفس ميكي ماوس بألوان بشرة وأشكال عيون مختلفة. وأضاف الخبير السياسي أن هذه “الصورة” تستند إلى أيديولوجية القيم التقليدية القريبة من آسيا. وأوضح الخبير أن “مستوى حالات الطلاق والإجهاض في بلادنا هو الأعلى في أوروبا؛ لذلك عليك أن تبدأ من الرأس، وتهيئة الظروف والأجواء التي تسمح لروسيا بالتطور الديمغرافي حتى لا تموت”. كما أننا بحاجة إلى تشجيع أولئك الذين غادروا البلاد ويريدون العودة، هؤلاء هم الأشخاص الذين يعرفون كيفية استخدام عقولهم، وكسب المال والابتكار. ولكن من أجل هذا، من الضروري خلق ثقافة جديدة للعمل والنجاح الصادق حتى تتمكن البلاد من تجميع طائراتها الخاصة، وليس فقط الانخراط في التجسس الصناعي، والواردات الرمادية، كما أشار بوندارينكو.
لا ينبغي للمرء أن يفترض أن أيًا من “الصور” المعروضة يمكن تجسيدها في شكلها النقي، كما أوجز بوندارينكو. في رأيه، تنتظر روسيا “مجموعة انتقائية” من الجوانب الفردية لكل هذه السيناريوهات، قد يكون كل منها ذا صلة في وقت أو آخر[1].
ما ورد في المقال يعبر عن آراء المؤلفين، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير