ما بين تقارب عاطفي اتّسم بالودّية على مستوى الصداقة بين الشعبين، وتعاون دفاعي أصبحت بموجبه إسرائيل ثاني أكبر مورّد للأسلحة للصين بعد روسيا، أحرزت العلاقات الثنائية الصّينية الإسرائيلية تقدّمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وصولًا إلى الشمولية في الشراكة الاقتصادية بين البلدين. غير أنّ تنامي العلاقات بين الصين وإسرائيل غالبًا ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أضفى على شؤون إسرائيل الدبلوماسية حيال الصين الطابع “المضطرب”، إثر التقلّب المتكرر في المواقف، والتبدل في القرارات إلى حد التراجع عن بعض المحادثات، والاتفاقيات، والصفقات.
ومع أن إسرائيل قد تلجأ إلى رد أسباب الاضطراب إلى التضارب في المصالح، فإن السلوكيات الإسرائيلية فيما يتعلق بالصين ”ليست نتيجة تفضيلات داخلية بقدر ما هي نتيجة الضغوط الأمريكية“[1]. وأمام ما تظهره تقلّبات العلاقات الصينية الإسرائيلية من غياب صيغة إستراتيجية خاصة، وقرار سياسي مستقل للتقارب من الصين لدى الإدارة الإسرائيلية، يبدو أنّ سعي الصين إلى تطوير العلاقات مع إسرائيل يصطدم بمدى جدية إسرائيل وقدرتها على التفرد في صنع القرارات الخارجية. فما أوجه التقارب الصيني الإسرائيلي؟ وما التحديات التي تعوق استتباب العلاقات الصينية الإسرائيلية وتطورها؟
أكّد السفير الصيني السابق في إسرائيل «دو وي» ودّية العلاقات الثنائية مع إسرائيل، بالإشارة إلى أنّ المجموعتين العرقيتين الصينية واليهودية ودودتان، تحترم كل منهما الأخرى، وتتشاركان السراء والضراء. فلطالما عبّرت الصين عن جهودها لتعزيز المعرفة بالصين بين جيل الشباب في إسرائيل، وتقوية أواصر التفاهم والتقارب بين الشعبين. قدّمت إسرائيل- بدورها- إسهامات إيجابية في تنمية الصداقة مع الصين وتوطيدها.
بصورة عامة، أتاح التعاون العملي في مجالات التجارة والسياحة للصداقة الإسرائيلية الصينية أن تنتقل من جيل إلى جيل، كما تأسست في سبيل تطوير هذه الصداقة مؤسسات اجتماعية عدة. لم تتوان جمعية الصداقة الإسرائيلية الصينية -من جهتها- عن التوجه بالشكر إلى الشعب الصيني على رعايته المتفانية للمهاجرين اليهود، وأعربت عن مواصلة دعم السفير الصيني وعمل السفارة الصينية في إسرائيل بقوة، وتشجيع الناس على التبادلات الشعبية بين إسرائيل والصين، وتعزيز التعليم الثقافي والصيني بين البلدين[2].
على مستوى التبادل الثقافي، تعد قضية اللاجئين اليهود داخل الصين موضوعًا ثقافيًّا وطنيًّا رئيسيًّا، حيث عملت الصين على تحويل القاعة التذكارية للّاجئين اليهود في شنغهاي إلى قاعدة تعليمية وطنية، إلى جانب عقد دورات تدريبية قصيرة في الجامعات الصينية لتعليم الهولوكوست. في الإطار عينه، توالت المبادرات الصينية والإسرائيلية- رغم مراحل انقطاع العلاقات الدبلوماسية- للتعبير عن التقارب الودّي والامتنان العميق للصداقة المشتركة بين الصين وإسرائيل؛ فكانت الصين- على سبيل المثال- السبّاقة إلى إقامة أول معرض يعكس الهولوكوست في شنغهاي عام 1991[3]، وأنتجت إسرائيل- بدورها- شريط فيديو، عام 2015، بعنوان “شكرًا”؛ للتعبير عن الامتنان الشعبي والحكومي الرسمي للصين وشنغهاي لمساعدة اللاجئين اليهود”[4].
استُهلّت العلاقات الثنائية العسكرية بين الصين وإسرائيل في ستينيات القرن الماضي، أي منذ ما قبل نشوء العلاقات الثنائية الدبلوماسية بين الطرفين، حيث اتخذت هذه العلاقات إطار التعاون الدفاعي، وانحصرت في مجال تجارة الأسلحة بين الطرفين. وعلى الرغم من محدودية العلاقات، فإن التعاون الدفاعي أسهم في تطوير قدرات الصين الدفاعية، كما شكل نقلة نوعية في التحديثات التكنولوجية العسكرية للجيش الصيني. غير أنّ اشتداد الحرب الباردة في العالم جعل من المتعذر على كل من الصين وإسرائيل استغلال الفرصة لإقامة علاقات طبيعية، نظرًا إلى انتماء الطرفين إلى معسكرين مختلفين، وهو ما تسبب في تراجع موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين، بفعل تزايد الضغوط الأمريكية.
اتخذت علاقة التعاون الدفاعي بين الصين وإسرائيل ما أطلق عليها «دبلوماسية السلاح»- Arms Diplomacy- بعد محادثات سرية بين الطرفين بعيد انتهاء الحرب الإسرائيلية- العربية في يونيو (حزيران) عام 1967، حين عمدت قوات الدفاع الإسرائيلية إلى تصدير المخزونات الضخمة من الأسلحة السوفيتية التي استولت عليها من الجيوش العربية إلى الصين، إذ كانت المعدات العسكرية الصينية سوفيتية الصنع.
عادت الصين وأعلنت اهتمامها بالتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية- بشكل غير مباشر- في السبعينيات، من خلال زيارة الوفد الصيني للجناح الإسرائيلي في معرض باريس الجوي عام 1975. كانت هذه المبادرة بمنزلة الخطوة الرسمية الصينية الأولى نحو تطوير العلاقات بين البلدين؛ بدافع زيادة القدرة التكنولوجية العسكرية للصين، وتحديث الدفاع وتكنولوجيا الأسلحة بالتكافؤ مع سياسة «دينغ» للتحديثات الأربعة لعام 1978.
عام 1979، أسهمت معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل في تخفيف وطأة أي ردود فعل عربية تجاه توجّه الصين نحو إعادة استئناف العلاقات مع إسرائيل وتطويرها، بعدما كانت سياسة الصين في الشرق الأوسط قد تركزت على توطيد العلاقات مع الدول العربية ودعمها في وجه أي عدوان إسرائيلي/ غربي. وفي فبراير من العام نفسه، خطا رجل الأعمال اليهودي «شاؤول أيزنبرغ» الخطوة الإسرائيلية الرسمية الأولى نحو استئناف العلاقات مع الصين، حيث قاد وفدًا من مسؤولي الدفاع الإسرائيليين في زيارة رسمية سرية إلى قاعدة عسكرية في ضواحي بكين، بل تبرع بطائرته الخاصة لنقل الوفد في تلك الرحلة الأولى إلى الصين. والجدير بالذكر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت «مناحيم بيغن» وافق على إرسال الوفد إلى الصين، لكنه أحال قرار الصفقة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي «عيزر وايزمان»، الذي أمره بالموافقة شخصيًّا على ما يمكن وما لا تستطيع الشركات الإسرائيلية بيعه للصين[5]. لم يلعب «آيزنبرغ» دور الوسيط فحسب؛ بل عاد وبنى إمبراطورية مالية في شرق آسيا، وكان من أوائل الغربيين الذين يمارسون أعمالًا تجارية في الصين، كما استخدم علاقاته لإثارة اهتمام الصين بالأسلحة الإسرائيلية، وتعزيز تجارة الأسلحة بين الطرفين.
باشرت الصين تعاونها مع إسرائيل في تجارة الأسلحة بداية الثمانينيات، حيث تمثّل أول تعاون دفاعي في هذا الشأن في شراء الصين ذخيرة دبابات من إسرائيل. غير أنّ الشحنة الأولى من الذخيرة وصلت سرًّا إلى الصين عام 1981، على الرغم من بدء توطيد الثقة بين الطرفين حين وافق المسؤولون الصينيون على توقيع عقود أسلحة تقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، لكنهم رفضوا القدوم إلى إسرائيل[6].
أدى توريد الأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية إلى الصين دورًا جوهريًّا في التحديث العسكري للصين. في أعقاب حملة القمع في «ميدان تيانانمين» عام 1989[7]، مكّنت الحكومة الإسرائيلية الصين من الالتفاف على العقوبات العسكرية الأمريكية والأوروبية المفروضة على بكين، والحصول- بشكل غير مباشر- على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية بعدما لم تتمكن من الحصول عليها عقب إلغاء صفقة «لؤلؤة السلام» «Peace Pearl»، التي كان قد تقرر عقدها مع الولايات المتحدة الأمريكية[8].
في التسعينيات، أصبحت إسرائيل ثاني أكبر مورد للأسلحة للصين بعد روسيا، بنسبة 20%. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام «SIPRI»، صدّرت إسرائيل إلى الصين ما قيمته 356 مليون دولار من الأسلحة بين عامي 1990 و2001 على وجه التحديد. وقد بلغ إجمالي الصادرات الدفاعية الإسرائيلية للصين- وفق تقديرات الخبراء- نحو ملياري دولار أمريكي بين عامي 1980 و2000. وفي حين نظرت الحكومة الإسرائيلية إلى الطلب الصيني على التكنولوجيا الدفاعية على أنه فرصة لزيادة صادرات إسرائيل؛ سعت الصين إلى تحديث مقاتلاتها ودباباتها، وتطوير طائرات المراقبة الصينية، واكتساب تكنولوجيا أنظمة الرؤية الليلية، وخبرة أنظمة الحرب الإلكترونية التي تفوقت فيها الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًّا.
بينما تبيع الصين الأسلحة لإيران، التي تُعد داعمة للإرهاب والتطرف بالنسبة إلى إسرائيل، وتصدر إسرائيل الأسلحة إلى الهند وفيتنام وتايوان، التي تعدّها الصين مصدر تهديدات أمنية خطرة؛ تتعاون الصين وإسرائيل منذ نشأة العلاقات الثنائية الدبلوماسية بينهما على مكافحة الإرهاب والتطرف، فقد أجرت الهيئات الوزارية الصينية والإسرائيلية- المعنية بالأمن العام، والأمن القومي، والإدارات الأخرى ذات الصلة- تعاونًا مشتركًا مثمرًا في مكافحة الإرهاب، ونزع التطرف، وحماية الأمن القومي. تولي الصين- من جهتها- اهتمامًا خاصًا لحفظ الأمن العام، ومكافحة الاختطاف، كما تهدف إلى التعلم من أمن إسرائيل في التعامل مع الأحداث والمدن الواسعة النطاق. في المقابل، تجد إسرائيل أنّ تعزيز التعاون الأمني مع الصين قد يوفر لها سبيلًا إلى دفع جهودها ضد برنامج إيران النووي، والصواريخ الباليستية، وعملية السلام في الشرق الأوسط. وبينما ترى الصين أنّ الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد إلى حل النزاعات، ومعالجة مختلف القضايا الأمنية مع الدول كافة في الشرق الأوسط، فإن السياسة الأمنية لإسرائيل تجاه الصين تتضمن بعض التنسيق عبر القنوات الخلفية مع واشنطن لتجنب إحداث أي احتكاك في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، أو التسبب في انتكاسة في تطوير العلاقات الأمنية والدبلوماسية بين إسرائيل والصين[9].
مهّدت المعاملات العسكرية الطريق لتطبيع العلاقات الصينية الإسرائيلية، ولكن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين لم تتحقق إلّا بعد مرور 43 سنة من اعتراف إسرائيل بجمهورية الصين الشعبية خلال الخمسينيات؛ بفعل عوامل عدة على الساحة الدولية، أبرزها الحرب الباردة بين الشرق والغرب، والنزاع العربي الإسرائيلي.
بعد منتصف الثمانينيات، تطورت التبادلات غير الحكومية بين الصين وإسرائيل في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والثقافة، والسياحة، والأحزاب السياسية، والمجتمعات عامةً، تطورًا سريعًا، واستُوفيت شروط إعادة بناء العلاقات الرسمية بين الجانبين. في 30 سبتمبر (أيلول) عام 1987، التقى عضو مجلس الدولة الصيني، يرافقه وزير الخارجية حينئذ «وو شيويه تشيان»، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإسرائيلي «شيمون بيريز» في نيويورك. بعد ذلك بوقت قصير، أُنشئ «مكتب تل أبيب لخدمات السفر الدولية الصينية» و«مكتب الاتصال في بكين» التابع للأكاديمية الإسرائيلية للعلوم والإنسانيات، وبحلول عام 1991، تمتعت كل من المؤسستين المذكورتين أعلاه بحقوق دبلوماسية[10].
ومع تبني سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، انتعشت العلاقات مع إسرائيل تدريجيًّا، وأقيمت بالفعل العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل. في 24 يناير (كانون الثاني) 1992، وقع وزيرا خارجية الصين وإسرائيل رسميًّا بيانًا بشأن إقامة علاقات دبلوماسية، معلنين إقامة علاقات ثنائية رسمية على مستوى السفراء. وبعد مدّة وجيزة عام 1993، وقعت الصين وإسرائيل اتفاقية الخدمات الجوية المدنية، وافتتحت شركة «إل عال» الإسرائيلية خطي “تل أبيب- بكين”، و”تل أبيب- هونغ كونغ”، كما افتتحت شركة «هاينان إيرلاينز» الصينية خطي “بكين- تل أبيب”، و”شنغهاي- تل أبيب”، ثم في يونيو (حزيران) عام 2005، أعلنت الصين إدراج إسرائيل في قائمة البلاد المقصودة لدى المواطنين الصينيين عند السفر إلى الخارج.
بُعيد الدخول في علاقات دبلوماسية مع الصين، تمكّنت إسرائيل من إقامة علاقات دبلوماسية مع الهند، ومنغوليا، وفيتنام، ودول آسيوية أخرى، كما ساعدت الصين إسرائيل على استكشاف وضع التعاون الدولي بشكل أكبر بعدما كانت علاقاتها تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، وكان تعاونها مقتصرًا على المصالح المشتركة مع الغرب. في منحى آخر، أتاحت العلاقات الثنائية الدبلوماسية مع إسرائيل المجال أمام الصين لتنفيذ سياسة خارجية أكثر توازنًا وواقعية في الشرق الأوسط، وأداء دور بنّاء في النزاع العربي الإسرائيلي. وقد استطاعت الصين تعزيز العلاقات الصينية- الأمريكية، وتنمية التبادلات الثنائية الاقتصادية والتجارية مع دول الغرب.
بالتوازي مع بناء ثقة سياسية متبادلة ومتينة، تطور التعاون الثنائي بين الصين وإسرائيل في مجالات الاقتصاد، والعلوم، والتكنولوجيا، تطورًا سريعًا في السنوات الأخيرة، وتعزز التعاون العلمي في مجالات التجارة، والزراعة، والصناعة، والصحة، والتعليم، كما حقق نتائج يصفها الطرفان بـ “المثمرة” على مستوى التبادل الثقافي والأكاديمي.
في الإطار الثقافي، نشطت التبادلات الثقافية بين الصين وإسرائيل في مجالات الفن، والآثار الثقافية، والأفلام، والتليفزيون، والأدب، حين أولى الجانبان عناية خاصة بالصداقة التاريخية بين الشعبين؛ ومن ثم برزت أهمية تعزيز الانسجام الثقافي بينهما. عام 2007، أقيم “مهرجان الثقافة الصينية” في إسرائيل، كما أنشأت الصين معهد كونفوشيوس في جامعة تل أبيب، ليُنشَأ معهد آخر في الجامعة العبرية في القدس عام 2014. وفي عام 2009، أقامت إسرائيل حدث التبادل الثقافي الواسع النطاق «Perceive China · Israel Tour»، وقد شاركت إسرائيل لأول مرة في معرض شنغهاي العالمي عام 2010، ثم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، افتتحت الصين «المركز الثقافي الصيني» في تل أبيب، لتترسخ بذلك الثقافة الصينية في إسرائيل.
بفعل الجهود المشتركة من الجانبين، حققت العلاقات الثنائية الصينية الإسرائيلية نقلة نوعية مفاجئة، حينما أعلنت الصين وإسرائيل، في بيان مشترك، إقامة شراكة مبتكرة وشاملة، وإنشاء نظام تعاون شامل ومنهجي بين البلدين. بالنسبة إلى الصين، تتمتع إسرائيل بمزايا بارزة في الابتكار التكنولوجي، وبيئة استثمار اقتصادية وتجارية جيدة ومناسبة لأن تكون لها مشاركة نشطة وفعالة في مشروع طريق الحرير الجديد. لم تتوانَ إسرائيل- من جهتها- عن ملاقاة الصين في مبادراتها، والسير نحو تقوية أواصر الصداقة مع الصينيين، وتعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي مع الحكومة الصينية، على الرغم من التصادم في السياسات الإستراتيجية. وفي مطالعة لتطور العلاقات الثنائية الحكومية، نعرض- بإيجاز- أبرز الاتفاقيات المشتركة بين الطرفين:
اتفاقية التجارة الحكومية بين الصين وإسرائيل، وقد تم التوقيع عليها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1992، ومنح كل جانب للآخر وضع الدولة الأولى بالرعاية، وأُنشئت لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة.
اعتراف إسرائيل رسميًّا بوضع الاقتصاد الكامل للسوق الصينية، في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2005، الذي أصبحت بموجبه الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك تجاري في العالم.
وقّع الطرفان اتفاقيات عدّة في إطار اقتصاد السوق، تعنى بحماية التجارة والاستثمار، وتجنب الازدواج الضريبي، إلى جانب اتفاقيات تعاون تناولت موضوعات مختلفة، منها: التبادل الثقافي، والطيران المدني، وتصدير العمالة، والتعليم، والسياحة، والبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، والصناعة، وأطر البحث والتطوير التكنولوجي والابتكار التقني لتعزيز البحث والتطوير الصناعي، بالإضافة إلى عقد مذكرات تفاهم بشأن خطة تنفيذ ذهاب فرق السياحة الصينية إلى إسرائيل، والتعاون الرياضي، وبشأن إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الابتكاري بين البلدين.
آلية التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، عقدتها الحكومتان الصينية والإسرائيلية في مايو (أيار) 2013، وسرعان ما تبعتها توجيهات حكومية إضافية وحوافز للوزارات للتعاون مع الشركات الصينية. وقد رحبت إسرائيل علنًا بمشروعات البنية التحتية الصينية، وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الصين بوصفها “الاقتصاد الرئيسي الأسرع نموًا في العالم”، وتنويع أسواق التصدير ومصادر الاستثمار بعيدًا عن شركائها التقليديين. وقد تزامن هذا التعاون مع طرح الصين المبادرة الإستراتيجية الهادفة إلى إعادة إحياء طريق الحرير القديم.
إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الإبتكاري في مايو (أيار) 2014، وفي إطارها اتفق الطرفان على مواصلة تنفيذ التعاون الابتكاري في إطار آلية اللجنة الصينية الإسرائيلية المشتركة للتعاون الابتكاري، وتعزيز التعاون العملي بين البلدين في المجالات المدنية، مثل خطة التبادل للموظفين العلميين والتكنولوجيين الشباب، والمختبرات المشتركة. وقد بُنيت في هذا السبيل سلسلة من منصات التعاون للابتكار وريادة الأعمال، مثل مراكز نقل التكنولوجيا الدولية، ومجمعات الابتكار، ومراكز التعاون الابتكاري.
اتفاقية التجارة الحرة، أطلقت الصين وإسرائيل الجولة الأولى من المفاوضات بشأن هذه الاتفاقية في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2016، وقد هدف الطرفان بذلك إلى توسيع نطاق النقل الجوي، وفتح طرق تجارية جديدة، ورفع العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية بينهما إلى مستوى جديد. وبعد تلك الاتفاقية، ازداد عدد الزيارات المتبادلة بين الصين وإسرائيل من السياح ورجال الأعمال زيادة ملحوظة.
اتفاقية ميناء حيفا الطويلة الأمد بين الصين وإسرائيل، عُقدت في مارس (آذار) 2015 حين فازت مجموعة شنغهاي الدولية للميناء، المملوكة للدولة في الصين Shanghai International Port Group (SIPG)، بالمناقصة الإسرائيلية لتشغيل الميناء الشمالي في حيفا، وقد تعهدت الصين من خلال مجموعة شنغهاي ببناء «محطة حيفا بايبورت» الجديدة باستثمار بلغت قيمته 1.7 مليار دولار أمريكي، وبعقد مدته 25 سنة.
اتفاقية بشأن إصدار متبادل لتأشيرات متعددة للزوار من رجال الأعمال والسياح والعائلات، وقعتها الحكومتان لتسهيل تبادل الأفراد بين الصين وإسرائيل، ودخلت حيّز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
مشروعات التعاون الرئيسية في بناء البنية التحتية والنقل في الموانئ وغيرها في إطار البناء الصيني المشترك للحزام والطريق، وهو ما مكّن إسرائيل أن تُسهم من خلال هذه المشروعات في مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” الصينية، كما أصبحت إسرائيل عضوًا مؤسسًا للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
الشراكة المبتكرة والشاملة[11] أُعلنت في 21 مارس (آذار) 2017، في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل. يلتزم الجانبان بموجبها باستكشاف التعاون المبتكر وتعميقه على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، وعلى النحو الذي يخدم مصالحهما التنموية الأساسية، ومصالح الشعبين. وبفعل هذه الشراكة، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وإسرائيل، عام 2017، نحو (13.121) مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 15.6٪.
ومن أبرز ما تضمّنه إعلان الشراكة: تعزيز التعاون الابتكاري الثنائي والثلاثي في مجال البنية التحتية في إطار مبادرة “الحزام والطريق” والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية؛ وتعزيز التبادلات والمشاورات والتعاون في مختلف الموضوعات التي تعزز الرخاء والاستقرار في العالم في المنظمات والمحافل الدولية؛ وتنفيذ الآلية الخاصة بالتبادل الأكاديمي، وحوار هيئة الفكر والتدريب الرسمي في مجال الابتكار؛ وتشجيع تبادل الزيارات بين وفود قادة الابتكار الشباب، وجعلها منصة للاتصال والتعاون في المستقبل.
خطة عمل التعاون الابتكاري بين الصين وإسرائيل (2018-2021)، صاغ الطرفان، في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، خطة التعاون الثنائي في مجال الابتكار المدني، كما أعلنا استعدادهما لاستكشاف نماذج تعاون جديدة، وتعزيز قدرات الابتكار الخاصة بشكل مشترك، ودعم وتعزيز النمو في القطاعين العام والخاص، وكذلك بين الشركات والمستثمرين والجامعات ومؤسسات البحث العلمي.
التعاون في مجالات الطاقة وحماية البيئة، تمكنت الصين من التعاون مع إسرائيل في المجال البيئي، بحيث توافق الطرفان على أهمية السيطرة على تلوث الهواء، وإدارة النفايات، والتكنولوجيا البيئية، والرصد البيئي، والتشريعات البيئية، وإنفاذ القانون في القضايا البيئية، وتنمية المدن المنخفضة الكربون، والاستخدام الفعال للطاقة والطاقة المتجددة، والمجالات الأخرى ذات الصلة.
التعاون في مجال المياه، أولت الصين أهمية كبرى للتعاون مع إسرائيل في حماية مصادر المياه، وتنقيتها ومعالجتها، ومعالجة مياه الصرف الصحي، والتحكم في تلوث المياه من مصادر غير ثابتة، وحماية الخزانات الجوفية، وإصلاح الأنهار، وتحلية مياه البحر، وإعادة استخدام موارد المياه.
وبحلول عام 2019، قبل تفشي وباء كورونا العالمي «Covid-19»، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وإسرائيل (14.767) مليار دولار أمريكي، كما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في قارة آسيا، وثالث أكبر شريك تجاري في العالم، وهو ما أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية، التي عبّرت عن امتعاضها صراحة على لسان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في رسالة وجهها إلى الإسرائيليين عام 2018، معلنًا فيها عدم رغبة الولايات المتحدة أن يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من الوصول إلى البنية التحتية الإسرائيلية، وشبكات الاتصالات الإسرائيلية، ومعارضتها لأي نوع من التعاون الذي قد يعرض الشعب الإسرائيلي للخطر، ويهدد بالمثل قدرة الولايات المتحدة على التعاون مع إسرائيل.
لم يقابل التعاون الدفاعي بين الصين وإسرائيل في مراحله الأولى بردود فعل أمريكية، حيث كانت الولايات المتحدة تستحسن وجود الثقل الصيني كقوة موازية للنظام السوفيتي في الثمانينيات. على العكس من ذلك، عمدت الولايات المتحدة إلى الدخول في صفقات دفاعية مع الصين، كان أبرزها مشروع «لؤلؤة السلام» في عهد الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان». غير أنّ هذا المشروع شكّل في ذاته نقطة التحوّل في العلاقات مع الصين، بعدما انسحبت الأخيرة من الاتفاقية بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين عقب سياسة “القمع” التي استخدمتها الصين في وجه المحتجين في حادثة «ميدان تيانانمن» عام 1989.
تطورت السياسة الإسرائيلية تجاه الصين مع تطور السياسات الأمريكية، وهو ما تسبب في حالة من الاضطراب والانقطاع المزمن في العلاقات الصينية الإسرائيلية، إلى حين استئناف العلاقات الدبلوماسية عام 1992. ومع تنامي القوة الاقتصادية للصين في العالم، وتنامي العلاقات الصينية الإسرائيلية بشدة، تزايد قلق الولايات المتحدة بشأن الصين وطموحاتها بالنسبة إلى إسرائيل، وبدأ موقف الولايات المتحدة بالتغير تجاه التعاون الصيني الإسرائيلي، وخاصة التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة.
في مناسبات عدة، أبدت الولايات المتحدة تحفظات الإدارة الأمريكية على الأعمال الإسرائيلية المشتركة مع الصين. في أكتوبر (تشرين الأول) 1993، صرّح مدير وكالة المخابرات المركزية «جيمس وولسي»، في شهادته أمام لجنة في مجلس الشيوخ: ”نعتقد أن الصين تسعى إلى الحصول على تكنولوجيا عسكرية متطورة من إسرائيل، لا ترغب الشركات الأمريكية والغربية في تقديمها“[12].
استمر الحذر الأمريكي من أي اتفاق دفاعي صيني مع إسرائيل، ما لم تمنح واشنطن إسرائيل الموافقة الضمنية على كل اتفاق بعينه، أو الضوء الأخضر صراحةً. وقد ظهر التصادم في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد الأنباء التي تلقتها الولايات المتحدة بشأن نقل نظام باتريوت الى الصين، والتي على إثرها أرسل المفتش العام لوزارة الخارجية «شيرمان فونك» فريقًا إلى إسرائيل للتحقيق في الادعاءات رغم نفي الإدارة الإسرائيلية للأمر[13]. عقب الحادثة، حاولت واشنطن فرض قيود على التعاملات العسكرية الإسرائيلية المستقبلية التي من شأنها تهديد مصالحها، وحظرت نقل تكنولوجيا الأسلحة إلى الصين.
في حادثة مغايرة، عارض الرئيس بيل كلينتون رسميًّا صفقة نظام «فالكون» المتطور لتتبع الطائرات الاستطلاعية، وأنظمة الإنذار المبكر، والمراقبة المحمولة جوًّا، التي كانت إسرائيل تأمل بيعها للصين، مع أنّ الصفقة لم تتضمن نقل أي تكنولوجيا أمريكية، لكن في يوليو (تموز) عام 2000، وفي أعقاب أشهر من الضغوط الأمريكية على إسرائيل، أعلن رئيس الوزراء «إيهود باراك» إلغاء الصفقة[14]، والتراجع عن الاتفاقيات الموقعة بعدما سددت الصين مدفوعات نظام فالكون، التي تقدر قيمتها بمليار دولار أمريكي.
وفي يوليو (تموز) عام 2005، كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن إلغاء وزير الدفاع الإسرائيلي «شاؤول موفاز» رحلته إلى الولايات المتحدة في أعقاب مطالب الولايات المتحدة بتقديم اعتذار مكتوب عن الصادرات الأمنية الإسرائيلية إلى الصين. ومع تدهور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، كان على «موفاز» أن يطلب من أشخاص من خارج وزارة الدفاع أن يرأسوا فرق تفاوض مع الولايات المتحدة؛ لأنه لم يُعثَر على شخص مناسب ومقبول لدى الأمريكيين في وزارة الدفاع. وفي شهر أغسطس (آب) من العام نفسه، استقال «عاموس يارون»، المسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ بسبب الجدل المحيط بعملية نقل الأسلحة إلى الصين، ومسؤولية تضليل واشنطن، وإساءة التعامل مع القضية.
دفعت هذه الأحداث إسرائيل إلى محاولة كسر القيود التي رافقت قراراتها منذ نشأة العلاقات الدبلوماسية مع الصين، والسعي نحو صناعة “القرار المستقل” في سياستها الخارجية عامة، وفي علاقاتها مع الصين على وجه أخص. ومع تنامي التعاون والشراكة مع الصين، رحّبت إسرائيل بالمشروعات الصينية للاستثمار في البنية التحتية، والمشاركة في مبادرة «الحزام والطريق» بوصفه المشروع التجاري العالمي الأضخم للحكومة الصينية. من هنا، توافقت إسرائيل في مناقصة «مرفأ حيفا» مع العرض الصيني، وفي يوليو (تموز) عام 2018، نُقلت إدارة الجزء الأول من الميناء الجديد إلى الشركة المستثمرة «منظمة شانغهاي SIPG» وفقًا لعقد مدته 25 عامًا. ولكن مع توارد معلومات عن أنّ الصفقة لم تتضمن مشاركة أي من مجلس الوزراء الإسرائيلي، أو مجلس الأمن القومي[15]، أدى هذا إلى ردود فعل عنيفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية.
طالبت الولايات المتحدة إسرائيل بتفتيش ميناء حيفا، حين عبّرت عن القلق من أن وجود الشركة الصينية يمكن أن يوفر فرصة للمراقبة التكنولوجية لما يجري في الميناء، بما في ذلك جمع المعلومات عن العمليات الإسرائيلية- الأمريكية المشتركة[16]. غير أنّ إسرائيل رفضت الطلب الأمريكي، واحتجّت في المقابل بالحركة الدؤوبة للسفن والبواخر الصينية التي يشهدها «ميناء مدينة سياتل» في ولاية واشنطن الأمريكية، كما برّرت موقفها هذا وشراكتها مع الصين، بأنّ «إيطاليا»، “الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية”، تستعد لتسليم الصين إدارة أربعة موانئ تاريخية ضمن مبادرة «الحزام والطريق».
من وجهة نظر الولايات المتحدة الرسمية، كان لا بد من “احتواء” الصين، وليس تعزيزها، فقد جعل النمو الاقتصادي السريع من الصين دولة منافسة للولايات المتحدة اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا؛ وعليه، تنظر الولايات المتحدة اليوم إلى الصين على أنها تهديد للسياسة الأمريكية؛ حيث قوضت المصالح الأمنية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة عبر مضيق تايوان. وفي الآونة الأخيرة، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها للضغط على إسرائيل، ومعارضة الامتيازات الممنوحة للشركات الصينية، وتلك التابعة للحكومة الصينية- التي تتعاقد مع ميناء حيفا، وشركة هواوي وغيرها- لمنعها من القيام بأعمال تجارية في إسرائيل. ويبدو أنّ هذه المعارضة لم تعد أمريكية وحسب؛ حيث نقلت صحيفة “هآرتس” تقريرًا عن «المعهد اليهودي للأمن القومي» يؤكد خلاله ضرورة معالجة الاستثمارات الصينية في إسرائيل؛ لأنها تشكل خطرًا على أمن إسرائيل الاقتصادي، وتهديدًا للمصالح الأمريكية في المجالات الأمنية، والعسكرية، والإستراتيجية.
تتعدد الآراء بشأن صواب المواقف الإسرائيلية إزاء تنامي الشراكة الإستراتيجية مع الصين، من جهة، وتصادمها مع سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، والمصالح الأمريكية في المنطقة، من جهة أخرى؛ فبينما يوصِّف البعض السياسة الإسرائيلية بالجهل تجاه مخاوف الولايات المتحدة الجدية من الامتداد الإستراتيجي للصين، يرجع آخرون هذا الصدام إلى الأخطاء المنهجية للسياسة الإسرائيلية، حيث إنّ قراءة إسرائيل الخطأ للمخاوف الأمريكية تنبثق من منهجية عملية صنع القرار على مستوى السياسة الخارجية الإسرائيلية، بل تمتد بجذورها إلى تأزم العلاقات السياسية بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية، حين أيّد مسؤولو حزب العمل والليكود سياسات من شأنها تقويض العلاقات الإستراتيجية الإسرائيلية مع واشنطن.
في مقابل الآراء المختلفة، تعترف إسرائيل رسميًّا بأنّه كانت هناك أخطاء منهجية ارتكبت فعلًا من جهتها، حيث قوّضت سياسات المسؤولين الإسرائيليين تجاه الصين ثقة الحليف الوحيد لما يسمّى “الدولة اليهودية”. ففي محاولة لحسم الجدل بشأن أزمة صفقة “باتريوت” مع الصين، قال وزير الدفاع السابق «موشيه أرينز» إنّه ”مع أنّ الاتهامات غير صحيحة تمامًا، فإن الولايات المتحدة لديها أسباب تدعو إلى الشك، لأنّه في الماضي كانت هناك مزاعم بأن بعض الأنظمة الإسرائيلية التي تضمنت بعض المكونات الأمريكية قد بيعت للصين“. واعترف «أرينز» بأنّ هذا التوتر المزمن بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الصين ”قد أُهمِلَ فترة طويلة جدًّا“، ونصح كلًا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية “باحترام” المخاوف الأمنية لكل منهما[17].
تندفع الصين في سياستها الشرق أوسطية نحو توطيد علاقتها الثنائية مع إسرائيل، من خلال تقوية أواصر الصداقة بين الشعبين، ونشر الثقافة الصينية في المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدفاعي والتكنولوجي المبتكر، والتوسع في الشراكة الاقتصادية على نحو شامل في المجالات الإستراتيجية كافة. تجد إسرائيل- من جهتها- في العلاقات الودية التقليدية مع الشعب الصيني، قاعدة تاريخية، وثقافية، وعاطفية مشتركة للتقارب مع الصين، في حين أصبح تنامي الاقتصاد الصيني في العالم يشكل القوة الدافعة لإسرائيل لخوض الشراكة الشاملة مع الصين، بما من شأنه أن يعزز من موقع إسرائيل التجاري، وعلاقاتها التعاونية مع الشرق.
على الرغم من الاختلاف العام في التوجهات السياسية والمصالح الدولية، ومنها اختلاف وجهات النظر بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكثير من القضايا الدولية، فإنه لا توجد خلافات، أو صراعات، أو تضارب مصالح مباشرة بين الصين وإسرائيل تعوق تطور العلاقات الثنائية. غير أنّ العلاقات الصينية الإسرائيلية غالبًا ما تأثّرت واضطربت بفعل التأثر بالمناخ الدولي، وتدخل القوى الخارجية التي تعترض تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية، وتقيّد القرار السياسي الخارجي للحكومة الإسرائيلية.
ولمّا كان التقارب الصيني الإسرائيلي قد اصطدم بمصالح الولايات المتحدة، تنافرت العلاقات الإسرائيلية الأمريكية إثر الاندفاع الإسرائيلي تجاه المبادرات الصينية، والتغاضي عن التهديدات الإستراتيجية المحتملة. لقد قابل هذا التقارب محاولة واشنطن استعادة السيطرة على القرار السياسي الإسرائيلي في العلاقة مع الصين، ومنع الأخيرة من الوصول إلى التكنولوجيا الدفاعية الأمريكية، أو اكتساب موطئ قدم في البحر المتوسط عبر ميناء حيفا، والتمكن من مراقبة التحركات الأمريكية، والتجسس على الأسطول الأمريكي.
وبينما أصبحت إسرائيل حذرة في شراكاتها مع الصين، من أجل تفادي نقل التكنولوجيا والأسلحة المشتركة الصنع مع الولايات المتحدة إلى الصين، فإنّ المعاندة الإسرائيلية في الشراكة الشاملة مع الصين تستمر في إثارة قلق الإدارة الأمريكية. وعلى الرغم من تعدد الآراء بشأن طبيعة الأخطاء الإسرائيلية في إدارة العلاقة مع الصين، والاعتراف الإسرائيلي بإهمال الأزمة، فإنه يمكن- في الحقيقة- تأكيد التكامل في الإستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية، والتوافق المسبق في السياسة الخارجية، والقرار الموجّه من الإدارة الأمريكية، والسعي المشترك للحد من نقل التكنولوجيا الدفاعية والأسلحة الصينية إلى إيران، ودول أخرى في الشرق الأوسط.
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير