تسعى الولايات المتحدة الأمريكية- جاهدة- إلى “احتواء” إيران من خلال العقوبات الاقتصادية؛ لمنعها من التوصل لصنع قنبلة نووية، والتصدي لنفوذها في الشرق الأوسط مخافة أن تتخذ لها مرسى في مياه البحر الأبيض المتوسط. ومع استمرار تصدّع العلاقات الأمريكية- الإيرانية، تزايدت التصدعات في البنية الاقتصادية للبلاد، مخلّفة تداعيات كبرى على البنى السياسية والاجتماعية، إذ أحدثت شرخًا في الداخل الإيراني ما بين مؤيد ومعارض للسلطة الحاكمة؛ خوفًا من أن تلجأ إلى بيع ثروة إيران الطبيعية، أو التنازل عن جزء من أراضيها للصين مقابل الدعم. وتعتمد إيران- من جهتها- على الصين للنجاة من غرق محتوم، حيث إنّ الصين لطالما حمتها من نتائج العقوبات الدولية، بالإضافة إلى كونها أكبر شريك اقتصادي “موثوق” به لإيران.
أمّا هدف الصين من المبادرة بإعادة ترميم ما تصدّع في البنيان الإيراني وتطويره، فلا ينحصر في المصلحة الاقتصادية المتمثلة في ضمان مورد ثابت طويل الأمد للثروة النفطية والغازية الإيرانية؛ بل يتعدّى ذلك إلى التكامل مع إستراتيجية الصين الشاملة لاستعادة الدور “المتفوق” في السياسة الدولية كقوة عظمى. وتتبلور أهمية الاتفاقية مع إيران في ضرورة السير قدمًا في تنفيذ مخطط «الحزام والطريق» الذي تمتلك إيران فيه موقعًا إستراتيجيًّا، مع ما يعني ذلك من انتهاز الفرصة لتحدّي النفوذ الأمريكي في المنطقة. وحيث إن الولايات المتحدة عادت إلى سياسة التهديد بإغراق إيران بالعقوبات الاقتصادية، وامتداد هذه العقوبات إلى الشركات الصينية العاملة في إيران عامةً، والمتعاونة مع السلطات الإيرانية في جانب الطاقة بشكل أخص؛ فإننا نسعى في هذا القسم إلى معرفة البنود الاقتصادية المحدّدة في اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران، وأبعادها من منحى الاقتصاد السياسي، ودراسة الأثر المحتمل للعقوبات في الشراكة الاقتصادية بين الصين وإيران.
بالنسبة إلى الصين، ليست الشراكة مع إيران سوى جزء من خريطة طريق متكاملة اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وتجاريًّا، لإعادة بناء إمبراطورية الشرق التاريخية، واستعادة نفوذها الإستراتيجي في السياسة الدولية على الممرات المائية، والمعابر البرية، والموارد الطبيعية على طول امتداد طريق الحرير. وترتكز الرؤية الصينية للاتفاقية الإستراتيجية الشاملة مع إيران على المبدأ السياسي الذي تنطلق منه الصين في رسم سياساتها الخارجية وشراكاتها الاقتصادية مع الدول، بأنّ الدولة العظمى هي التي بإمكانها ضم الدول الأصغر أو الأضعف إلى منطقة نفوذها اقتصاديًّا. وتسعى الصين- وفق هذه السياسة- إلى جعل الدولة المعنية شريكة للصين اقتصاديًّا، ولكن على أرضها، في مواردها الطبيعية، وقدراتها، ومرافقها العامة والخاصة، ضمن نطاق حدودها، بحيث تتمكن الصين من بسط سلطتها ونفوذها من خلال استثماراتها التي تجيز لها حيازة مقدّرات الدولة مدة من الزمن، والأخطر أن يكون باستطاعتها تملّك المرافق الاقتصادية ضمن نسبة محددة، حال تخلف الدولة عن مستلزماتها.
يوصّف التوسّع في الاقتصاد السياسي الصيني بأنّه “أسرع توسع مستدام من جانب اقتصاد رئيسي في التاريخ”، فقد شهد التاريخ المعاصر تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والانتقال إلى بناء نظم الدولة الاشتراكية خلال المرحلة الممتدة من عام 1949 إلى 1956، واستكمال انتعاش الاقتصاد الوطني من خلال إصلاح الزراعة، والتجارة، والحرف اليدوية، والصناعة، وإعطاء الملكية العامة لمواد الإنتاج دورًا رياديًا في الاقتصاد الوطني.
تاريخيًّا، يعد النظام الاقتصادي الاشتراكي للصين أساس نظامها السياسي الاشتراكي السائد في سياستها المحلية، حيث يقوم على مبدأ تحويل الملكية الفردية إلى جماعية، والملكية الرأسمالية إلى اشتراكية، ويشكل بذلك هيكلًا اجتماعيًّا اقتصاديًّا لاقتصاد الدولة. في واقع الأمر، يمتلك الحزب الشيوعي الصيني الحكم على اقتصاد البلاد، والسيطرة على المصارف والشركات التي أصبحت في غالبيتها مملوكة للدولة بعدما عمد إلى تعيين أعضاء من الحزب الشيوعي مكان المديرين التنفيذيين للشركات. وبعد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني عام 1976، وضعت الصين سياسة “التحديث الاشتراكي بالخصائص الصينية” لاقتصادها السياسي، الذي يركز على البناء الاقتصادي للدولة، وتبني سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي عام 1979. وقد حقق نجاحًا كبيرًا في تطوير الصناعة الاقتصادية الصينية الحديثة، التي رفعت لاحقًا القوة الاقتصادية للصين في العالم لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع أن تصبح الأولى خلال العقد المقبل.
وبعدما تحركت الصين نحو اقتصاد السوق خلال السبعينيات، لجأت إلى الانفتاح على الأسواق العالمية من خلال سياسة “الشراكات الاقتصادية”، والاستثمار القائم على حصة الشركات المملوكة للدولة في المشروعات التجارية والإنمائية. غير أنه في هذا الإطار، تتزايد المآخذ بشأن الاستثمار المفرط للشركات المملوكة من الدولة، مع الحذر في أن معظمها تغيب عنها الكفاءة نتيجة تسهيلات القروض والائتمانات المنخفضة الفائدة المتاحة للشركات المملوكة للدولة، من البنوك العائدة للحكومة الصينية. وحيث يؤخذ أيضًا أنّ النسبة الأكبر من قروض المصارف الحكومية الصينية موجهة إلى الشركات المملوكة للدولة، وليس للأفراد، لوحظ ارتفاع نسبة الادخار في الفئة العمرية المتراوحة بين سن الـ 30 و60. ولعلّ خير دليل على صحة هذه المآخذ هو مؤشر الفساد المرتفع بين الشركات المملوكة للدولة، الذي يقابل دائمًا بحملات مكافحة الفساد من جانب الحزب الشيوعي الصيني، كأداة يستخدمها الحزب في أثناء الانتخابات. ومع الإصلاحات الكبيرة التي نفذها الحزب الشيوعي الصيني لتطوير الإستراتيجية الشاملة للصين، ما زال بإمكان الصين تطبيق تعديلات جوهرية على سياساتها الاقتصادية، على النحو الذي يوسّع من آفاق الاستثمارات الصينية الخاصة في الخارج ومجالاتها، بالتعاقد مع الدولة.
تكمن أهمية سياسة «الإصلاح والانفتاح» في أنها عملت على “إيقاظ التنين النائم” دوليًّا، بحيث تحررت قوة الإنتاج الصينية، وزادت من قوة الصين الوطنية زيادة ملحوظة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الخارج، مع ما يعنيه ذلك من استخدام رأس المال الأجنبي، والمشاركة في التعاون التعاقدي مع الدول الأجنبية، ومنظمة التجارة العالمية، واستمرار التمسك بسياسة خارجية سلمية ومستقلة. غير أنّ هذا التحرر يعد- من جهة مباينة- تحولًا جوهريًّا في طبيعة الاقتصاد السياسي للصين، من حيث دورها الحديث في نظام العولمة النيوليبرالية، على اعتبار أن الصين استبدلت، في إطار سياستها الاقتصادية الخارجية، بنظامها الاشتراكي نظامًا رأسماليًّا موازيًا يمكّنها من منافسة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، أو “الرأسمالية العالمية”، بحيث أصبح رأس المال الصيني هو “القوة العابرة للحدود” والمحركة لسياستها الخارجية في النظام المستحدث.
قبيل إطلاق مبادرة طريق الحرير الجديد «الحزام والطريق»، باشرت الصين تعزيز تحالفات اقتصادية دولية، في إطار «منظمة شنغهاي للتعاون» التي أنشئت عام 1996، وتم تجديدها مؤخرًا مع انضمام الهند وباكستان، ومجموعة «البريكس» بين البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا عام 2010، مرورًا بشراكة «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» (AAIB)، ووصولًا إلى “مبادرة الحزام والطريق”.
شكّل إطلاق مبادرة «الحزام والطريق» نقطة انطلاق للاقتصاد الصيني نحو العالمية، وبالتوازي كان المفصل لصعود الصين السياسي كقوة عظمى. سعت الصين إلى ترجمة رؤيتها السياسية من خلال سياساتها وشراكاتها الاقتصادية مع الدول، بالتحول نحو بناء إطار دولي بديل للنظام الاقتصادي العالمي الخاضع “للهيمنة” الأمريكية، فاتبعت الصين لذلك منهج “القيادة الاقتصادية” لتوسيع شبكة نفوذها الإقليمية والعالمية. بنتيجة الأمر، أسهمت المبادرة في تعزيز الاقتصاد الصيني، مع نمو اقتصاد طريق الحرير، وتنامي النفوذ السياسي للصين على طول خريطة الحزام والطريق. وبالفعل نجحت الصين في خلخلة القبضة الأمريكية على الاقتصاد العالمي من خلال ربط الاقتصاد الصيني بالأسواق العالمية بدءًا من أسواق آسيا الشرقية، مرورًا بأسواق آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وعبورًا من السوق التركية إلى الأسواق الأوروبية بريًّا، بالإضافة إلى التحكم في أسواق الخليج الآسيوي الجنوبي بحرًا، وصولًا إلى أسواق خليج شرق إفريقيا، وعبر البحر الأحمر إلى الأسواق الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
ولمّا كان نجاح المبادرة، وما يتعلق بها من نمو الصين الاقتصادي، وتوسّع نفوذها السياسي، مرتهنًا بالأمن والاستقرار في المناطق المذكورة أعلاه، وبالأخص منها دول آسيا الوسطى الحدودية الصين، ومنطقة الشرق الأوسط؛ فقد تطلب هذا الأمر من الصين أن ترسم بعناية سياساتها وشراكاتها مع الدول المعنية، على النحو الذي تتحقق به مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، ويتوسع به نفوذها العسكري، وتحفظ به أمن استثماراتها. من هنا، تأتي الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران في حلّة شراكة اقتصادية وتجارية، وتعاون داعم لتطوير قدرات إيران عسكريًّا، غير أنها تبطن في ثناياها مصلحة للصين في إعادة تصويب النهج العسكري الإيراني، وإضعاف المشروع العَقَدي الإيراني ونفوذ إيران وأحلافها إقليميًّا، من خلال شراء هذا الاستقرار.
لا شك أن الوضع الاقتصادي، والأمني، والاجتماعي لم يكن مستقرًا على مستوى البيئة المحلية الإيرانية خلال السنوات الماضية، ولم تكن علاقات إيران الدبلوماسية والتجارية في محيطها الخارجي علاقات حسنة. وقد زاد من القلق الدولي بشأن وضع إيران، سياستها “المتطرفة” تجاه الأزمات في المنطقة من حيث تدخلاتها غير المباشرة عبر وسطاء وأحلاف لها في النزاعات القائمة في سوريا، واليمن، والعراق. وبالنظر إلى الصعوبات المحيطة، والعقوبات التي حاصرت الاقتصاد الإيراني من كل نحو وصوب، وجدت إيران في الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة مع الصين منفذًا من سياسة العزل الأمريكية، وسلّم نجاة تستعيد به إيران حريتها ونموّها في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والمالية، والتقنية. كما تمكّن الاتفاقية إيران من جهة أخرى من الاستفادة من الأموال الإيرانية المجمدة في «بيجينج» بفعل العقوبات، بحيث تمكن الاتفاقية الصين من أن تعيد هذه الاستحقاقات بشكل غير مباشر إلى إيران عبر استثماراتها في البلاد.
وتوفّر الاتفاقية لإيران مدخلًا إلى إعادة تعزيز الشراكات التجارية الدولية، وتعزيز المناخ الاستثماري للدولة، وتقوية الأدوات الاقتصادية للسياسة الخارجية المستخدمة في الحفاظ على أمن الدولة والدفاع عنها، واستعادة نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي الشامل إقليميًّا من خلال دورها الجوهري في مبادرة الحزام والطريق. وفي حين تتوخى إيران من خلال الاتفاقية تحدّي الولايات المتحدة الأمريكية، والتغلّب على سياساتها في الشرق الأوسط من خلال سياسة “التوجه شرقًا”، إلى جانب أنّ الاتفاقية قد تشكّل أيضًا عقبة أمام تسوية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنها سوف تعيد بناء الاقتصاد السياسي الإيراني وتعزيزه.
يمتاز الاقتصاد الإيراني بالإمكانات الاستثمارية الكبرى نتيجة موقع إيران الجغرافي والإستراتيجي إقليميًّا، وغنى البلاد بالموارد الطبيعية، والمواد الخام من النفط والغاز والفحم والمعادن، بحيث تمثل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لإيران 0.17% من الاقتصاد العالمي. كما أنّه من أبرز ما يميز الدولة الإيرانية هو القيمة الكبرى للموارد البشرية والقوى العاملة غير المكلفة، فقد قُدّر إجمالي عدد السكان في إيران بنحو 84.0 مليون شخص في عام 2020 وفقًا لأحدث أرقام التعداد من «Trading Economics»، وهو ما يشكّل نسبة 1.08% من إجمالي سكان العالم. وكانت إيران قد سجّلت فوائض تجارية منذ عام 1999، مع تسجيل ارتفاع في شحنات النفط والغاز الطبيعي التي شكّلت حينها 82% من إجمالي الصادرات الإيرانية.
ومع ذلك، فإن سوء الإدارة الاقتصادية للحكومة الإيرانية أثّر تأثيرًا لافتًا في الاقتصاد الإيراني. محليًّا، تفرض السلطات الإيرانية سيطرتها التامة على الاقتصاد السياسي للدولة، وعائدات الموارد الوطنية، وعائدات النفط والغاز تتخطى نسبتها الستين في المئة (60%) من الناتج المحلي الإجمالي. كما يتصف الاقتصاد الإيراني بالطبيعة الريعية للحكومة، من خلال عملية تأميم مؤسسات القطاع الخاص بنسبة تتخطى الثلاثين في المئة (30%)، ثم إعادة خصخصتها مجددًا تحت سيطرة السياسيين؛ ممّا حولها إلى منشآت شبه حكومية؛ وبهذا تحول الاقتصاد السياسي الإيراني تدريجيًّا إلى نظام سلطوي غير منتظم؛ لافتقاره إلى إستراتيجية اقتصادية ووطنية متماسكة تحمي المصلحة العليا للوطن.
من جهة أخرى، سرت منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عقب إسقاط حكم الشاه، سياسة اقتصادية معارضة للنظام الرأسمالي عامة، وللسياسات الغربية على وجه أخص، تركت بدورها تبعات خطرة على الاقتصاد الإيراني. فقد خلقت سياسة إيران المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية توترًا في العلاقات بين البلدين، بلغت أوجّها مع حادثة اقتحام مجموعة من الإيرانيين المتطرفين للسفارة الأمريكية في طهران، وأخذهم الطاقم الدبلوماسي رهائن. وبنتيجة هذه الواقعة، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية أولى عقوباتها على إيران عام 1979، لتعود وتتبعها عقوبات أمريكية ودولية عدة ارتبطت بتوسيع إيران برنامجها النووي وتطويره.
تفاقمت حدّة التوتر مع إعلان إيران التوسع في برنامجها النووي، دون توضيح أهدافها النهائية، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أصرّ الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2006 على وجوب فرض عواقب لردع إيران عن تخصيب اليورانيوم، ثم عاد ودفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الاعتراض على نشاط إيران النووي في تقرير رفعته إلى الأمم المتحدة؛ ما استدعى من مجلس الأمن الدولي فرض أولى العقوبات الدولية للمجلس على إيران بين عامي 2007 و2010 بموجب القرارات 1747، 1803، و1929. بين عامي 2011 و2013 فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات ثانوية على استيراد النفط من إيران، وقد أيدتها فيها دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما خلّف آثارًا سلبية كبرى في الاقتصاد الإيراني. ومع أواخر عام 2013 انطلقت المفاوضات في جنيف بين إيران ودول الـ «5+1»، تم الاتفاق خلالها على السماح للمراقبين الدوليين بالوصول إلى المعلومات عن البرنامج النووي، ودخول مواقع المنشآت، إلى جانب شروط أخرى، ثم في عام 2015 أقرّ مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2231، الذي يؤيد الاتفاق النووي، ورفع عقوبات مجلس الأمن المتعلقة بالمجال النووي عن إيران فور استيفاء الشروط المنصوص عليها في الاتفاق. وبالفعل تم تبني الاتفاق النووي مع إيران بحيث رفعت العقوبات الثانوية مع إبقاء العقوبات الأمريكية الرئيسية، غير أن الموقف الأمريكي سجل تراجعًا عن الاتفاق بسبب ما قيل إنها “أخطاء” في الاتفاقية، إلى أن يعيد الكونغرس دراستها.
عادت العقوبات الدولية واتخذت منحى تشدديًّا مع تقلبات موقف الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وعدم تعاون إيران- من جهة ثانية- في تطبيق الشروط، في ظل استمرار العقوبات. وقد خلّفت العقوبات أضرارًا كبرى على الاقتصاد الإيراني بعد الانتكاسة في نسبة الاستثمارات الأجنبية، ومعدّلات الإنتاج والتصدير والاستيراد. بعد سنوات من العقوبات الدولية، تقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 6.5% عام 2019 بحسب صندوق النقد الدولي، فيما فقد أكثر من مليون شخص وظائفهم، وارتفع التضخم إلى ما يقرب من 30.5% في عام 2020 مع تضاعف أسعار السلع الأساسية. ومع تشديد العقوبات، انخفض معدل النمو الاقتصادي لإيران؛ ممّا زاد على أثره معدل البطالة؛ نتيجة إفلاس كثير من الشركات المحلية، وإغلاق كثير من الشركات الأجنبية فروعها في إيران. وقد سجّل مستوى معدل البطالة في إيران 9.40% عام 2020، في انخفاض ملحوظ بعدما سجل معدل 12.3% عام 2018، ثم 10.6% عام 2019. أمّا الأخطر فهو أن إيران أصبحت تُعد واحدة من أولى الدول العشر في العالم التي سجلت أعلى معدل تضخم في العالم، الذي يعود بشكل رئيسي إلى العقوبات الأمريكية والدولية التي حاصرت الاقتصاد الإيراني، ويضاف إليها في المقابل الاستياء الاقتصادي، وعدم ثقة الشعب بخطط الحكومة، حيث إن القلق من زيادة الأسعار بسبب العقوبات أدى الى ارتفاع في نسبة الزيادة في السلع الاستهلاكية؛ مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع، وزيادة التضخم.
وبحسب تقارير البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران 191.72 مليار دولار أمريكي عام 2020، غير أنّ إيران سجلت عجزًا تجاريًّا قدره 632 مليون دولار في الربع الثالث من عام 2020. وقد ارتفع الدين الخارجي في إيران إلى 9142 مليون دولار أمريكي عام 2020 من 9031.30 مليون دولار أمريكي عام 2019. من جهة ثانية، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران إلى 905.60 مليون دولار أمريكي عام 2019، بعدما سجّل 2428.20 مليون دولار أمريكي عام 2018؛ انعكاسًا لواقع غياب الحرية الاقتصادية، وارتفاع سعر الفائدة إلى نسبة 18.00%، والأخطار إثر العقوبات. وفي منحى آخر، نشطت عمليات التهريب للسلع الاستهلاكية والإستراتيجية على حد سواء، حيث تقدّر قيمة البضائع المهرّبة بنحو ثلث معدّل التجارة الإيرانية.
ولمّا كان للإنتاج النفطي ولأسعار النفط تأثير مباشر في الناتج المحلي الإجمالي لإيران، يجدر الذكر أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا خفف بنسبة كبيرة من وطأة العقوبات على إيران. وفي حين أنّ قطاع الطاقة والنفط هو الأكثر تأثيرًا في ميزان التجارة في إيران، حيث يشكّل أعلى نسبة في الصادرات بـ 69%، تؤكد تقارير البنك الدولي أنّ قطاع الخدمات هو أكبر قطاع في الاقتصاد الإيراني، حيث يمثل 51% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل إنتاج النفط 23% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في إيران، في حين يساهم التصنيع والتعدين بنسبة 13%، والزراعة بنسبة 10%، وتمثل الكهرباء والغاز وتوزيع المياه 7% من إجمالي الناتج.
وكانت إيران قد لجأت إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية لزيادة حجم التجارة والاستثمار، وتمكنت بالفعل من تحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، والإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد، التي كانت أول شريك استيراد رئيسي لإيران، يوم سمحت حكومة دبي للمستثمرين الإيرانيين بفتح المؤسسات، وسهّلت التجارة والسفر بين البلدين، إلى حين أن خضعت بالمثل للقرار الدولي؛ إذ أمر البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة بتجميد 41 حسابًا لرجال أعمال إيرانيين، وتقييد سفرهم وتجارتهم ووصولهم إلى بضائعهم ومودعاتهم. دفع هذا الموقف التجار الإيرانيين إلى التحوّل نحو الاستثمار في تركيا، التي سهّلت بدورها إعادة التصدير إلى الدول الأوروبية؛ ممّا أسهم في تحسين العلاقات الإيرانية التركية مع ارتفاع حجم التجارة بين البلدين.
ومع تزايد العقوبات ازدادت الفرص التجارية الإيرانية الصينية، بعدما تضاعفت بدورها حركة الواردات والصادرات بين البلدين، وعزّز من العلاقات قرار الصين تعزيز التجارة بين البلدين منذ عام 2015؛ وبهذا أصبحت الصين اليوم الشريك التجاري الرئيسي لإيران إلى جانب العراق، حيث يسجل للتجارة مع الصين 21% من إجمالي الصادرات، و17% من الواردات، في حين يتوزع الباقي من إجمالي الصادرات على العراق بنسبة 21%، والإمارات العربية المتحدة بنسبة 14%، وأفغانستان بنسبة 6.8% (قبل تسلم طالبان الحكم)، ويتبع هذه الدول كوريا الجنوبية، وتركيا، والهند بنسب متفاوتة.
كانت الصين من أوائل الدول الداعمة لإيران في قضيتها أمام مجلس الأمن الدولي، بحيث دعت الصّين مرارًا إلى التفاوض مع إيران للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، بدلًا من فرض عقوبات وضغوط اقتصادية. وبعدما سعت الصين إلى تقوية أواصر علاقاتها السياسية والتجارية مع إيران، تستكمل الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة التقاء مصالح الطرفين، على قاعدة أن كل طرف يجد الآخر شريكًا إستراتيجيًّا مهمًّا له للمرحلة المقبلة.
تمت صياغة الأهداف الرئيسية لوثيقة التعاون “مع مراعاة السياسات الإستراتيجية الثنائية، وقدرات التعاون، والفرص والظروف الحقيقية”، ومع الحرص على المراجعة الفعالة والمستمرة للتعاون الاقتصادي المشترك لتذليل العقبات والتحديات. وتشمل مجالات أربعة “مفضّلة” للتعاون: الطاقة، والطرق السريعة، والسكك الحديدية، والاتصالات البحرية انطلاقًا من دورها المركزي في مبادرة الحزام والطريق، والتعاون المصرفي الرفيع المستوى، والتعاون السياحي والعلمي والأكاديمي والتكنولوجي، وتبادل الخبرات، والقضاء على الفقر. غير أنّ الاتفاقية تركت الآفاق مفتوحة أمام البلدين لتوسيع تعاونهما الإستراتيجي الشامل «في جميع المجالات»، استنادًا إلى المبادئ و”المصالح المشتركة”، ووفقًا لمبادئ التجارة بين المؤسسات الاقتصادية، بحسب المادة الخامسة من نص وثيقة التعاون بشأن الإجراءات التنفيذية.
وقد نصّت المادة الثانية من وثيقة الاتفاقية الصينية الإيرانية، التي تحمل عنوان «المأمورية» أنّه بالنظر إلى الإمكانات الكبيرة للتعاون، سيعمل الأطراف معًا لتحقيق أهداف اقتصادية، وتجارية، وإنمائية، وتقنية، وعسكرية مشتركة في إطار وثيقة التعاون. ومن أوجه التعاون الاقتصادي المحددة في الاتفاقية: العمل على توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وتعزيز التفاعل بين المؤسسات العامة والخاصة والمناطق الحرة والخاصة، وزيادة التأثير في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياحة، والمشاركة الإستراتيجية في المجالات الاقتصادية المختلفة.
تمثل الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران أداة من أدوات السياسة الخارجية الصينية، تسعى من خلالها الصين- بشكل رئيسي- إلى تحدي الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها المهيمنة في الشرق عامة، وتجاه إيران على وجه أخص، كما تهدف إلى تعزيز علاقتها السياسية والدبلوماسية مع إيران من جهة، ونفوذها الإقليمي مع الدول المحيطة بإيران من جهة ثانية، من خلال الدور المعزز لإيران في مبادرة الحزام والطريق الصينية. وتقوم مبادرة الحزام والطريق في صلبها على رسم خريطة تعاون بين الدول في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والمالية، والتنموية. ومن قراءتنا لوثيقة الاتفاقية الصينية الإيرانية، وبعدما كنّا أحطنا فيما سبق بمعرفة واقع الاقتصاد السياسي للطرفين، والرؤية المتقابلة للصين وإيران بشأن الاتفاقية، نعرض فيما يلي أبرز أبعاد الاتفاقية، وما قد تخلّفه من آثار على المستويين السياسي والاقتصادي.
أكثر ما يخشى منه الشعب الإيراني في الاتفاقية هو استغلال الصين موارد إيران الطبيعية، أو تنازل الدولة عن هذه الموارد للصين مقابل الدعم الاقتصادي والسياسي. وقد يثبت للرأي العام الإيراني صوابه في هذه المخاوف، إذا ما دقّقنا في قراءتنا لنص الاتفاقية على ما تضمنته من تحفظات وملاحظات صينية، تكفل بموجبها الصين حقوقها المكتسبة و”المستدامة” من النفط الإيراني، مقابل ما تستثمره من رأس مال ضخم في تطوير قطاع الطاقة وترشيده، مع إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، وتحرير التجارة النفطية المحاصرة للدولة الإيرانية.
تنص وثيقة التعاون على إنشاء آلية للاستيراد “المستدام” للنفط الخام من إيران، وتبدي الصين في هذا الشأن حذرها من أن تتراجع إيران عما يبدو وكأنه اتفاق مغلق بين الطرفين، بحيث جاء في الملحق رقم (1) من نص الوثيقة أن الصين «تأمل أن تعالج إيران مخاوف الصين بشأن عودة الاستثمار في قطاع النفط الايراني».
من ناحية أخرى، سجلت الصين ملاحظة أخرى في نص الاتفاقية، تحدد من خلالها الهدف أو الغاية من الشراكة في مجال الطاقة، بحيث تكون الصين هي المستفيد الأول أو الأوحد. فقد جاء في الملحق رقم (2) من نص الاتفاقية، وموضوعه (أهم العناوين لبرنامج الشراكة الشاملة 25 عامًا)، أن يسعى الطرفان في مجال الطاقة والنفط على «تشجيع الشركات من كلا الجانبين على تطوير حقول النفط الإيرانية من خلال الشراكات أو المشروعات المشتركة “لتزويد الطاقة التي تحتاج إليها الصين”»، بما يدل أن غاية الشراكة تزويد الصين بالطاقة[1].
وفي سبيل تسهيل تزويد الصين بالطاقة، سوف يعمل الطرفان على إنشاء خزانات النفط والغاز والبتروكيماويات في البلدين، وبناء وتطوير قدرات خطوط نقل الطاقة الإيرانية من أنابيب النفط والغاز والمنتجات البترولية. وبالإضافة إلى الطاقة النفطية، سوف تمسك الصين بجميع موارد الطاقة في إيران، حيث تعمل الشركات الصينية على تمويل مشروعات الطاقة الكهربائية، والطاقة الحرارية، والطاقة الكهرومائية، وسوف تستثمر في الثروة المائية، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وإقامة السدود وشبكات الري والصرف، ومحطات تحلية المياه الكبيرة.
قد يكون البُعد الأخطر للاتفاقية هو البند الذي يلحظ فيه أي قارئ لنص الاتفاقية، انتقاصًا من السيادة الإيرانية من حيث سلطتها على إيراداتها المالية، وحريتها في إدارة هذه الإيرادات المستحقة من بيع ثروتها النفطية. فقد جاء في البند الأول من الملحق رقم (1) من نص الاتفاقية، الذي يعالج في موضوعه الأهداف الأساسية للاتفاقية، أنه «يتعين على الجانب الصيني الانتباه للاستخدام الأمثل للموارد المالية التي تم الحصول عليها من بيع النفط للصين»؛ وبهذا سمحت إيران للصين بأن تفرض رقابة على أموالها العائدة من بيع النفط للصين.
تتكفّل الصين بموجب الاتفاقية أن تحقق «الارتقاء بمكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مبادرة “طريق الحزام”» من خلال الاهتمام بالاحتياجات الوطنية والإقليمية لتطوير النقل المتعدد الأوجه بريًّا، وبحريًّا، وجويًّا. وحيث يلحظ أن الاتفاقية شملت استثمار الصين في جميع القطاعات بشكل إستراتيجي شامل، فإن كل تعاون اقتصادي تقوم به إيران في أي من القطاعات مع دول الإقليم، يكون حكمًا بالتعاون مع الصين وبرعايتها.
على سبيل المثال، تنص الاتفاقية على تطوير الخدمات والسلع المشتركة بين الصين وإيران وتصديرها إلى بلدان المنطقة، ومشاركة الصين في الإنتاج ونقل الكهرباء بين إيران والدول المجاورة، وتسهيل تصدير الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية. كما تهدف الاتفاقية إلى «تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة في مجال التعاون السياسي الثنائي، والإقليمي، والدولي»، والتعاون في القضايا الإستراتيجية من الناحية العسكرية، والدفاعية، والأمنية.
تتوخى إيران من خلال الاتفاقية أن تحسّن من صحة اقتصادها المتهالك، وأن تستعيد بذلك ثقة الشعب الإيرانية في سياسات الحكومة الاقتصادية بعدما ترك التضخم الاقتصادي آثارًا شديدة السلبية في معدلات الفقر والبطالة في البلاد. فقد جاء في نص الاتفاقية، تعاون إيران مع الصين على «إطلاق مشروعات الإسكان، لا سيما للسكان ذوي الدخل المنخفض»، و«تطوير البنية التحتية، والمنتجات والخدمات السياحية، ودعم التراث الثقافي، والصناعات اليدوية»، و«التبادل العلمي والتعليمي والمنح الحكومية» وغيرها. غير أنّ من منحى عكسي، من المحتمل أن تؤدي الاتفاقية إلى إثارة استياء الشعب الإيراني من الحكومة حيال المنافسة الصينية، إن بفعل «التسهيلات القانونية الخاصة الممنوحة للمستثمرين الصينيين»، أو بسبب «تشجيع المستثمرين الصينيين على الاستثمار في المناطق الاقتصادية الحرة والخاصة»، وتحكم الشركات الصينية في جميع القطاعات داخل إيران.
في ظل ما تعانيه إيران من عقوبات اقتصادية أمريكية ودولية، وبالنظر إلى طبيعة العقوبات التي شكلت حصارًا على إيران، وقيدًا على حركتها التجارية؛ ترتب على تنفيذ الاتفاقية بشكل مباشر كسر الحصار عن إيران، وتحرير سياستها الاقتصادية من خلال مشاركتها الفعالة في مبادرة «الحزام والطريق». وفي هذا السياق، نصت الاتفاقية على التعاون في إنشاء الممرات الإقليمية والدولية الشمالية، والجنوبية الغربية (موانٍ ومرافئ)، وتعزيز التشاور والتعاون والمشاركة الفعالة مع دول آسيا الوسطى، وتركيا، وجمهورية أذربيجان، وتطوير بناء ممر السكك الحديدية لزيارة المقامات (ومنها باكستان، والعراق، وسوريا)، بالإضافة إلى الطرق السريعة وسكك الحديد (شرق إيران وغربها)؛ وبذلك تكون الصين قد تمكنت من وضع اليد على أهم مرافق إيران بجهاتها الأربع: المواصلات البرية شرق إيران وغربها، والممرات المائية من جهة شمالها وجنوبها.
تحقق الاتفاقية استقلال الصين وإيران عن الاقتصاد الغربي من حيث تطوير الجيل الخامس للإنترنت، ومعدات الاتصالات، وأنظمة التشغيل، والخدمات الأساسية لأجهزة الكمبيوتر، والهواتف المحمولة، ومضادات الفيروسات، والتقنيات الذكية، ومجالات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مشروعات طيف الترددات الراديوية والفضائية.
إلى جانب الأبعاد الرئيسية السابقة الذكر، أبرز الأهداف “الطويلة الأمد” تناول «البحث بشأن إمكانية إنشاء النظام المالي الدولي الشامل، باستخدام قدرات الصين»، وهو ما يمكّن الصين وإيران من الاستقلال عن النظام المالي القائم على العملة الأمريكية، وتدويل العملة الصينية. وقد اتفق الطرفان على تطوير التعاون المالي والمصرفي والتأميني في إطار مبادئ السوق وقوانينها في البلدين، باستخدام الموارد المختلفة و«التغطية التأمينية للمشروعات المالية الإيرانية الكبرى»، من خلال اتفاقيات التبادل النقدي، وإنشاء البنك الصيني الإيراني المشترك.
لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إخضاع إيران وإقصائها عن المضي قدمًا بتطوير برنامجها النووي، رغم ما خلّفته العقوبات الأمريكية والدولية من آثار مهلكة في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي داخل إيران، غير أن ضراوة الحصار الاقتصادي دفعت إيران نحو أحضان الصين، الداعم الأقوى لها في الساحة السياسية الدولية، والشريك الأكبر “الموثوق” به اقتصاديًّا. انتهزت الصين- بدورها- الفرصة لضم إيران اقتصاديًّا، حيث توفّر الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع إيران للصين الوقود النفطي والاقتصادي الكافي للتوسع في مبادرة الحزام والطريق؛ ومن ثم كسر “الجبروت” الأمريكي المسيطر على النظام العالمي اقتصاديًّا وماليًّا، مقابل صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية حاكمة.
ممّا تقدّم، تنذر الاتفاقية الصينية الإيرانية بأننا مقبلون على مرحلة من التحول الجذري في الاقتصاد السياسي العالمي، تنقلب به موازين القوى الدولية بمختلف أبعادها الاقتصادية، والمالية، والسياسية بين الشرق والغرب، بحيث تحقق الاتفاقية للصين ولإيران الاستقلالية في الاقتصاد التكنولوجي، كما في إنشاء نظام مالي موازٍ عماده العملات الوطنية خارج قيد نظام الصرف العالمي. وفي حين تسهم الشراكة الصينية الإيرانية في تقوية الاقتصاد المحلي والدور الاقتصادي لإيران إقليميًّا من خلال كسر الحصار الاقتصادي عنها، وتعزيز مشاركتها الفعالة في مشروع “الحزام والطريق”، فإنّها قد تكون لها أبعاد سلبية متمثلة في احتكار الصين للموارد النفطية، وموارد الطاقة الإيرانية، ومنحها حق الرقابة على إيرادات إيران المالية؛ مما قد يزعزع ثقة الشعب الإيراني بالسياسة الاقتصادية للحكومة الإيرانية، ويزعزع الاستقرار داخل إيران.
ما ورد في البحث يعبر عن رأي الباحث ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير