فاز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونُصِّب رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، وكان ترتيبه السادس والأربعين بين رؤسائها، وأعرب عن نيته العودة إلى علاقات أقل انقسامًا مع الناتو، واستمرار دعم دول البلطيق. وهذا يطرح تساؤلًا عن تأثير التغييرات السياسية في التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق.
يجب الإشارة أن التخطيط والتعاون العسكري، وإرسال المستشارين، يستند إلى دورات من السياسة؛ لذا قد تستغرق إدارة جديدة (أو أعيد انتخابها) بضع سنوات لصياغة إستراتيجية جديدة للأمن القومي. وبحلول الوقت الذي يتم فيه الانتهاء من هذا الصياغة وتسليمها إلى المسؤولين لبدء تعديل خططهم السياسية والأمنية والعسكرية من جديد، يكون قد انقضى بالفعل نصف الفترة الرئاسية الأمريكية على الأقل؛ ومن ثم فإن تنفيذ السياسة الدفاعية على الأرض في النصف الأول من ولاية أي رئيس أمريكي هو في الأساس إرث من الفترة الرئاسية السابقة، فقد كان تنفيذ السياسة الدفاعية خلال العامين الأولين، أو نحو ذلك من ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، هو إرث الرئيس باراك أوباما، ما قد يعني- فعليًّا- أن العامين الأولين من سياسة بايدن الدفاعية سيكونان إرث ترمب. وبسبب هذا التضارب المُتأصل بين التخطيط والانتخاب والسياسة والوقت، من الصعب على رئيس واحد مثل بايدن أن يُقر سياسات دفاعية، وخططًا مستقرة في ظل دورات السياسة، والإدارات الرئاسية المختلفة التي لم تعد تتطابق في كثير من الأحيان.
تتعاون الولايات المتحدة مع دول البلطيق، وخاصة إستونيا، بشأن الأمن السيبراني، وهذا يعد أحد المجالات التي تستفيد فيها الولايات المتحدة من إستونيا، فالأخيرة لم تبنِ فقط واحدة من أكثر الشبكات الإلكترونية تعقيدًا في أوروبا؛ ولكنها أيضًا تتعامل بشكل مُبكر مع التهديدات الناتجة عن التكتيكات السيبرانية وحروب المعلومات، إلى جانب محاولات القرصنة والاختراق، وقد سمح ذلك للولايات المتحدة بالاطلاع والإلمام بالتكتيكات السيبرانية المحتملة لأي هجوم مستقبلي يستهدفها، أو يستهدف حلفاءها في حلف الناتو.
تعتمد الإستراتيجية الدفاعية في دول البلطيق على مبادرة الاطمئنان/ الردع الأوروبية– الأمريكية (EDI)) لعام 2014، حيث تم تمويل مشروعين رئيسيين:
الأول تم في قاعدة أوماري (Ämari) الجوية في إستونيا، بقيمة 10.8 مليون دولار.
الثاني: إنشاء قاعدة عمليات خاصة جديدة في ريغا عاصمة لاتفيا، بقيمة 3.7 مليون دولار، إلى جانب مستودع مركبات وذخيرة.
منذ عام 2017، تعرض التمويل للتوقف أو التقليل، بعدما طلب الرئيس السابق ترمب زيادة مالية كبيرة لـ “مبادرة الاطمئنان/ الردع الأوروبية- الأمريكية”، من 3,4 مليار دولار عام 2016 إلى 4,8 مليار دولار عام 2017، هذا إلى جانب توقف التمويل عام 2019 لدفع «تكاليف جدار ترمب الحدودي مع المكسيك»، وليس من المُرجح أن تكون إدارة بايدن أكثر كرمًا، حيث استمر تخفيض المخصصات المالية للمبادرة لعام 2021 بنسبة 25%، وستكون هذه هي السنة الثانية على التوالي التي ينخفض فيها تمويل مجالات التعاون السيبراني.
بالنظر إلى تقلص ميزانية (EDI) للسنة المالية 2021، إلى جانب تكاليف الإبقاء والتعزيز العسكري الأمريكي في ألمانيا، قد ينتقل التعاون العسكري الأمريكي مع دول البلطيق من المجالات العالية التقنية والتكلفة إلى مسائل تتعلق بالتخطيط الروتيني، مثل تحسين البنية العسكرية التحتية، وعمليات التدريب المشترك. وبالفعل خُصص 436.4 مليون دولار للبنى التحتية، بعدما كان 539.6 مليون دولار في السنة المالية 2020، وبالمثل خُصص للعمليات المشتركة 384 مليون دولار بعدما كان 424 مليون دولار عام 2020، وانخفض تمويل عمليات التبادل الإلكتروني للبيانات من 608.7 مليون دولار في السنة المالية 2020 إلى 293.8 مليون دولار في السنة المالية 2021 [1].
هذه المحاور الأساسية للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول البلطيق مُخيبة لآمال النخب الأطلسية التي ترغب في استيعاب قدر أكبر من القدرات العسكرية، لكن عمومًا لا تملك تلك الدول البنى التحتية العسكرية اللازمة لأي عمليات نشر عسكري، بغض النظر عن تداعيات هذا الأمر على الوضع الجيوسياسي، وما قد ينتج عنه من تدهور أكبر في العلاقات الأطلسية- الروسية، مع أن الاستثمار المستمر للولايات المتحدة في تمويل مشروعات البنية التحتية العسكرية هذه قد «يدل على أنها تدرس بجدية وتخطط- على الأرجح- لأن تضع قدمها في دول البلطيق في أي لحظة مستقبلية».
استنتاجات