مقالات المركز

استقبال تاريخي لولي العهد السعودي في واشنطن وتطور كبير في العلاقات

الـ”F-35″ وحل الدولتين أبرز الملفات بين ترمب وبن سلمان


  • 23 نوفمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: greekreporter

في 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه يعتزم تصنيف المملكة العربية السعودية “حليفًا رئيسًا من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)”. وعلى نحو منفصل، ذكر البيت الأبيض أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقعتا إعلانًا مشتركًا بشأن استكمال المفاوضات بشأن التعاون النووي المدني، الذي من شأنه أن يرى الشركات الأمريكية تتشارك مع المملكة لإنتاج الكهرباء المدنية، وليس القنابل.

عاد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة بعد سبع سنوات، ونجح في العودة إلى بلاده بكل ما طلبه تقريبًا. ومع ذلك، عاد ترمب خالي الوفاض فيما يخص بندًا رئيسًا واحدًا في قائمة أمنياته. ترمب حريص على انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم. وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) 2022، تولى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصبه، وصرّح بأن أحد أهدافه هو توقيع المملكة العربية السعودية على الاتفاقيات.

قال ولي العهد مؤخرًا: “نريد أن نكون جزءًا من اتفاقيات إبراهيم، ولكننا نريد أيضًا أن نتأكد من تأمين مسار واضح لحل الدولتين”. ووفقًا لتقارير صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يضغط الأمير محمد بن سلمان على الإدارة الأمريكية لتقديم ضمانة ثابتة وملزمة لإطلاق مفاوضات تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في غضون خمس سنوات.

ولكن يبدو أن العقبة التي تحول دون تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية لا تعتمد على ترمب، أو نتنياهو، أو ولي العهد السعودي. ووفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في الفترة من 5 فبراير (شباط) إلى 11 مارس (آذار) 2025، يعتقد 16% فقط من الإسرائيليين اليهود أن التعايش السلمي ممكن، مع أن 40% من الإسرائيليين العرب يعتقدون أن حل الدولتين يمكن أن ينجح. حتى تتمكن حكومة إسرائيلية جديدة من تولي القيادة، وتعزيز فوائد السلام مع الجيران، بدلًا من الإبادة الجماعية، ستظل اتفاقيات إبراهيم هدفًا بعيد المنال.

الفاعل الحاسم في الشؤون العالمية

يصف الدبلوماسيون والمحللون وصناع السياسات المملكة العربية السعودية بأنها فاعل حازم قادر على تشكيل النتائج الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية بعيدًا عن حدودها.

  • اقتصاديًّا: عززت المملكة العربية السعودية مكانتها المحورية في سوق الطاقة العالمية من خلال دورها المؤثر في تحالف “أوبك +”. وقد منح هذا الموقف للرياض نفوذًا متزايدًا على تسعير النفط، واستقرار السوق. في الوقت نفسه، أطلقت المملكة حملة غير مسبوقة لجذب الاستثمار الأجنبي كجزء من إستراتيجيتها “رؤية 2030”. من خلال الابتعاد عن الاعتماد على النفط، وفتح الأبواب أمام التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع والخبرة العالمية، تهدف المملكة العربية السعودية إلى بناء اقتصاد تنافسي ومتنوع ومستدام على المدى الطويل.
  • سياسيًّا ودبلوماسيًّا: برزت المملكة العربية السعودية وسيطًا مهمًّا في الأزمات العالمية الكبرى، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية. من خلال استضافة مناقشات بين واشنطن وموسكو، وضعت المملكة نفسها طرفًا محاورًا لا غنى عنه في صراع يشكل ديناميكيات الأمن العالمي. يمثل هذا التحول تطورًا أوسع؛ فبدلًا من التركيز التقليدي للسياسة على الطاقة والاستقرار الإقليمي، تؤثر الرياض في الدبلوماسية الدولية والشؤون الأمنية.

أولوية الدفاع والصفقات الاقتصادية

تُعطي زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأولوية لتعميق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية. ومع ذلك، فإن الهدف السعودي الرئيس هو أيضًا السعي وراء اتفاق دفاعي شامل مع الولايات المتحدة، وهو تعهد معقد بسبب متطلبات موافقة الكونغرس. وقد أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن اتفاقًا كاملًا على مستوى المعاهدة قد لا يكون وشيكًا. وبدلًا من ذلك، يتم النظر في إطار عمل مشابه للترتيب الدفاعي التنفيذي الأخير مع قطر. يسمح هذا الترتيب للولايات المتحدة بمعاملة التهديدات ضد قطر -أو ربما المملكة العربية السعودية- كتهديدات للأمن الأمريكي، مع أنه يمكن تعديله أو إلغاؤه من جانب الإدارات المستقبلية.

أكد المحلل السياسي السعودي سالم اليامي أن المملكة تسعى إلى الحصول على قدرات دفاعية متقدمة مع الحفاظ على الاستقلال الإستراتيجي السيادي. وأشار إلى أن الرياض “تُبرم اتفاقيات مع دول، وليس أفرادًا”، في إشارة ضمنية إلى المشهد السياسي المتغير في واشنطن. كما أقر اليامي بأن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء استحواذ المملكة العربية السعودية على التكنولوجيا العسكرية من الصين وروسيا.

أحد العناصر الأساسية في الأجندة الدفاعية السعودية هو الحصول على 48 طائرة مقاتلة من طراز “F-35”. في حين أحرز البنتاغون تقدمًا داخليًّا بشأن الصفقة، لا تزال موافقة الكونغرس تشكل حاجزًا كبيرًا، لا سيما بسبب التزام الولايات المتحدة الطويل الأمد بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل. وتشمل التحديات الإضافية المخاوف الأمريكية بشأن الشراكة الأمنية المتنامية للمملكة العربية السعودية مع الصين، التي يحذر مسؤولو الاستخبارات الأمريكية من أنها قد تعرّض تقنيات F-35 الحساسة للخطر.

ومع ذلك، في ختام الزيارة، أكد القادة السعوديون والأمريكيون قوة شراكتهما. ووفقًا لبيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب “التزامهما العميق بالصداقة التاريخية والشراكة الاستراتيجية”، وناقشا سبل توسيع التعاون في جميع القطاعات.

أعلنت وزارة الدفاع السعودية ثماني مذكرات نوايا وُقِّعَت مع كبرى شركات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة الأمريكية كجزء من منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي. تغطي هذه الاتفاقيات مجالات تشمل تصنيع الطائرات، والأمن السيبراني، وأنظمة الاستخبارات والمراقبة، والذكاء الاصطناعي. إحدى الركائز الأساسية لهذه الصفقات هي التوطين، تماشيًا مع رؤية 2030. تهدف الاتفاقيات إلى توسيع التصنيع المحلي، ونقل تقنيات الدفاع المتطورة، وتطوير الكفاءات السعودية من خلال التدريب وتبادل المعرفة.

كشف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أن الشراكة السعودية الأمريكية ولّدت 575 مليار دولار من الصفقات والاستثمارات في عام 2025 وحده، منها 276 مليار دولار نابعة من الاتفاقيات الجديدة المعلنة خلال المنتدى، وشدد على أن هذا التعاون يسرّع النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل في كلا البلدين. أعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت توقيع عدة أطر عمل رئيسة لتعزيز التعاون الثنائي، واصفًا إياها بأنها جزء من “الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية التاريخية” التي أطلقها ترمب ضمن أجندة “أمريكا أولًا”.

واشنطن بوست: المملكة العربية السعودية حصلت على أكثر مما حصلت عليه الولايات المتحدة

في افتتاحية لها، ذكرت صحيفة “الواشنطن بوست” أن المملكة العربية السعودية حققت مكاسب كبيرة خلال الزيارة، بدءًا من الوصول إلى المنصات العسكرية المتقدمة إلى الشرعية السياسية وتوسيع فرص الاستثمار. ووفقًا للتحرير:

  • ستحصل الرياض على تصريح لشراء 48 طائرة F-35، و300 دبابة من طراز أبرامز.
  • صنّفت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية “حليفًا رئيسًا من خارج حلف الناتو”.
  • وافقت واشنطن على مشاركة تقنيات الذكاء الاصطناعي الرئيسة مع المملكة العربية السعودية.
  • في المقابل، تعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم الذي نوقش سابقًا، البالغ 600 مليار دولار.

ومع ذلك، أثارت الافتتاحية أيضًا مخاوف بشأن حقوق الإنسان والقمع السياسي داخل المملكة، مشيرة إلى إعدام الصحفي تركي الجاسر، وزيادة استخدام عقوبة الإعدام في عام 2025.

الآثار الإقليمية والإستراتيجية الأوسع

يرى المحللون أن الزيارة تعكس تقاربًا متعمقًا بين واشنطن والرياض بشأن القضايا التي تنطوي على الاستقرار الإقليمي، والحل الدبلوماسي للنزاعات، والتعاون الأمني. أشار الدكتور عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، إلى أن كلا البلدين استعرض القضايا الحرجة -من الأمن الإقليمي إلى أطر الدفاع والمشروعات الاقتصادية- مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية على التصعيد العسكري. وأضاف أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بذل جهدًا متعمدًا لتسليط الضوء على أهمية إعادة إعمار غزة خلال المناقشات مع القادة الأمريكيين.

شراكة مُعاد تعريفها

تؤكد زيارة الولايات المتحدة لعام 2025 الطبيعة المتطورة للعلاقات السعودية الأمريكية، وتكشف عن المملكة العربية السعودية أكثر ثقة بالنفس، وأكثر استقلالًا إستراتيجيًّا، وأكثر انخراطًا بعمق في الشؤون العالمية من أي وقت مضى في تاريخها الحديث. فيما يتعلق بواشنطن، تؤكد الزيارة مجددًا أن التعاون مع الرياض يظل ضرورة جيوسياسية، ضرورة لا ترتبط بأمن الطاقة فحسب؛ بل بالتكنولوجيا المتقدمة، والدفاع، والدبلوماسية الإقليمية، والترابط الاقتصادي العالمي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع