جولات متعددة من الاجتماعات بين القادة الأمريكيين والسوريين على مدى اليومين الماضيين دفعت نحو دمج شرق سوريا مع دمشق، ومحاولة التوفيق بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من دمشق في أعقاب الاشتباكات الأخيرة.
تمثل هذه الاجتماعات تفاعلات رفيعة المستوى شملت الرئاسة السورية، وممثلي الولايات المتحدة، وقادة قوات سوريا الديمقراطية، مما يؤكد خطورة معالجة تعقيدات القطاعين السياسي والأمني في سوريا.
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، التقى الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، بالمبعوث الخاص السفير توماس باراك، والأميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية في الحسكة. كان على جدول الأعمال دمج شرق سوريا، وضمان استمرار القتال ضد تنظيم داعش.
ركز الأميرال كوبر على مبادرة تهدف إلى تفكيك جميع مراكز احتجاز ومعسكرات تنظيم داعش، وفي مقدمتها مخيم الهول في شرق سوريا. تتضمن هذه الخطة دمج “الجيش السوري الجديد” في التحالف الدولي لمحاربة داعش.
في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، واصلت الاجتماعات في دمشق الدفع نحو السلام والازدهار، حيث توجه عبدي وباراك وكوبر جميعًا إلى دمشق للقاء الحكومة الانتقالية السورية برئاسة الرئيس أحمد الشرع.
رافق عبدي في الاجتماع رئيسة دائرة العلاقات الخارجية إلهام أحمد، وقائدة وحدات حماية المرأة روهلات عفرين.
ركز الاجتماع على تنفيذ اتفاقية العاشر من مارس بين عبدي والشرع، التي دعت إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن التابعة للحكومة المركزية، وأن يتم ذلك قبل نهاية العام.
يؤكد الوجود الأمريكي في الاجتماعات المختلفة التزام واشنطن بإيجاد آليات تطبيق واقعية لاتفاقية العاشر من مارس (آذار)، التي ساعدت الولايات المتحدة على صياغتها ورعايتها، وورد أن هذه المشاركة مدعومة بمشاركة فرنسية وموافقة تركية كاملة.
تشير التقارير إلى أن الوفد الأمريكي أكد أنه بعد نهاية عام 2025، ستتوقف الولايات المتحدة عن أي تدخل سياسي أو عسكري إذا فشلت قوات سوريا الديمقراطية في تنفيذ بنود الاتفاقية.
وقد تورطت قوات الأمن السورية في اشتباكات طائفية على الساحل، وفي السويداء في وقت سابق من هذا العام. ويخشى بعض أفراد المجتمع الكردي من مستقبل تحت سيطرة قوات الأمن، وهذا عامل في مماطلتهم بشأن عملية الدمج.
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، اندلعت اشتباكات في حيين كرديين في حلب، هما الشيخ مقصود والأشرفية، وأسفرت عن سقوط ضحايا. وامتدت الاشتباكات إلى نقاط توتر أخرى، منها منطقة دير حافر، وسد تشرين في ريف حلب الشرقي، مما أدى إلى إغلاق المعابر بين مناطق سيطرة الطرفين في حلب، والرقة، ودير الزور.
تدرب الولايات المتحدة المقاتلين الأكراد وتزودهم بالمعدات. وتعد وحدات حماية المرأة أقوى وحدة قتالية، وتشتهر بكونها وحدة نسائية. في المقابل، فإن القوات السورية من الذكور.
حضر الاجتماعات في دمشق أيضًا وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد حسن الشيبياني، ووزير الدفاع مرحب أبو قصرة، ورئيس المخابرات العامة حسين السلامة.
في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، التقى قصرة وعبدي، مما أسفر عن إعلان وقف إطلاق نار بين قواته وقوات سوريا الديمقراطية.
في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول)، أجرت سوريا أول انتخابات برلمانية لها، ومع ذلك، لم تشمل شرق سوريا والسويداء لأنها لم تكن تحت سيطرة الحكومة المركزية.
أفادت “سكاي نيوز” أن مظلوم عبدي طلب من الشرع النظر في إقامة منطقة حكم ذاتي مماثلة لإقليم كردستان العراق، وهو طلب مرتبط بمناقشات أوسع بشأن اللا مركزية ودمج المؤسسات، حيث تبقى مسألة الشرطة الداخلية نقطة خلاف رئيسة.
أدارت المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، وهي حكومة ذات نمط اشتراكي، تشتهر بأيديولوجيتها العلمانية، والمساواة بين الجنسين، في حين تقوم الحكومة المركزية في دمشق على أساس إسلامي، وارتبطت بعدة اشتباكات تتعلق بعنف طائفي. ومع ذلك، اتخذت الحكومة المركزية إجراءات لضمان معاملة جميع الأديان والأعراق على قدم المساواة بموجب القانون.
تتزامن هذه المناقشات الأمنية مع المرحلة الأولية من الانسحاب العسكري الأمريكي المخطط من بغداد والمحافظات العراقية نحو إقليم كردستان العراق، تمهيدًا لانسحاب أمريكي كامل بحلول نهاية عام 2026، وهذا يتطلب إعادة انتشار وتركيز القوات الأمريكية في شرق سوريا، وهو ما بدأ بالفعل مع الانسحاب من حقل العمر النفطي، ومنشأة كونوكو للغاز في ريف دير الزور.
أفشل إصرار القيادة السورية الحازم على عقد الاجتماعات حصريًا في دمشق أي محاولات لنقل الحوار إلى عواصم إقليمية، أو دولية أخرى.
أُعلنت النتائج الرسمية لانتخابات مجلس الشعب السوري التي اختتمت مؤخرًا، وكانت نقطة جديرة بالملاحظة هي ضعف تمثيل النساء (أقل من 3٪)، وهو ما تعهد رئيس اللجنة العليا للانتخابات بمعالجته.
رفض “المجلس الديمقراطي السوري” الموالي لقوات سوريا الديمقراطية العملية الانتخابية، زاعمًا أنها “لا تعبر عن إرادة السوريين”.
لا تزال الاحتياجات الإنسانية الحرجة قائمة، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، وأكثر من 14 مليونًا يعانون انعدام الأمن الغذائي. وتتحول إستراتيجيات الإغاثة نحو مشروعات “الانتعاش المبكر” التي تركز على البنية التحتية المستدامة، مثل محطات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية، وترميم المخابز.
يبدو أن دمشق مصممة على تنفيذ اتفاقية العاشر من مارس (آذار)، ودمج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الأمن السورية الجديدة، في حين تبدو الولايات المتحدة أنها تدفع قوات سوريا الديمقراطية إلى الامتثال. المعرض للخطر هو أمن سوريا والمنطقة، حيث لا يزال تهديد داعش قائمًا، وإن كان على شكل خلايا أصغر؛ فمعسكرات سجون داعش، التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، بالغة الحساسية والإلحاح لكل من سوريا والمنطقة.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل القيادة الكردية المتمثلة بعبدي وأحمد على استعداد للتراجع عن مستوى السيطرة، والتنازل عن السلطة لدمشق بعد سنوات كثيرة من الحكم الذاتي؟
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير