مقالات المركز

التحديات اليونانية وردود الفعل المصرية والهندية

التحالف التركي- الباكستاني- الليبي


  • 9 أغسطس 2025

شارك الموضوع

يشهد البحر الأبيض المتوسط، هذا المسرح التاريخي للصراعات الجيوسياسية، تحولات عميقة تُعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية. يبدو أن قوسًا جيوسياسيًّة جديدة تتشكل بسرعة، تتمحور حول تعاون إستراتيجي غير مسبوق بين تركيا وباكستان والحكومتين الليبيتين المتنافستين: حكومة طرابلس الموالية لأنقرة، وحكومة بنغازي التي ارتبطت تقليديًّا بروسيا بقيادة الجنرال خليفة حفتر. هذا التحالف، الذي كان يُنظر إليه حتى وقت قريب على أنه غير محتمل بسبب التناقضات السياسية والإقليمية، يكتسب الآن زخمًا عملياتيًّا وإستراتيجيًّا؛ مما يثير قلقًا متزايدًا في اليونان التي تجد مصالحها الوطنية مهددة تهديدًا مباشرًا.

يُعد البحر الأبيض المتوسط مركزًا إستراتيجيًّا للطاقة والتجارة والأمن، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية. خلال العقد الماضي، تصاعدت التوترات في المنطقة بسبب التنافس على الموارد الطبيعية، وخاصة احتياطيات الغاز الطبيعي، فضلًا عن الصراعات بشأن ترسيم الحدود البحرية. اضطلعت تركيا بدور محوري في هذا السياق من خلال سياستها الخارجية الطموحة، التي تجسدت في عقيدة “الوطن الأزرق”، والتي تهدف إلى تعزيز النفوذ البحري التركي وتوسيع مناطقها الاقتصادية الخالصة. في المقابل، سعت اليونان إلى تعزيز تحالفاتها مع دول، مثل قبرص وإسرائيل ومصر، لمواجهة هذا التمدد التركي؛ مما أدى إلى تصعيد التوترات، خاصة بشأن قضايا التنقيب عن الغاز، وترسيم الحدود البحرية.

التعاون التركي- الباكستاني.. أسس ودوافع

يمثل التعاون بين تركيا وباكستان محورًا جديدًا في الديناميات الإقليمية لشرق المتوسط. تتشارك الدولتان علاقات تاريخية قوية، مبنية على أسس دينية وثقافية، إلى جانب تعاون عسكري واقتصادي متزايد. في السنوات الأخيرة، عززت تركيا وباكستان شراكتهما من خلال اتفاقيات دفاعية تشمل تبادل التكنولوجيا العسكرية، مثل تصنيع الطائرات المسيرة والسفن الحربية، التي أصبحت أدوات حاسمة في الصراعات الإقليمية. يُنظر إلى هذا التعاون على أنه استجابة للتحديات المشتركة التي تواجهها الدولتان، ومنها مواجهة النفوذ الهندي في المحيط الهندي، والضغوط الغربية على تركيا في إطار حلف الناتو.

في سياق شرق المتوسط، يبدو أن باكستان تسعى إلى أداء دور داعم لتركيا من خلال توفير الدعم اللوجستي والعسكري، بما في ذلك مشاركة خبراتها في العمليات البحرية. هذا التعاون يعزز قدرة تركيا على مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، خاصة في ظل التوترات مع اليونان وقبرص. بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن باكستان ترى في هذا التحالف فرصة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي خارج جنوب آسيا، مستفيدة من موقع تركيا بوصفها جسرًا بين آسيا وأوروبا.

من أبرز التطورات في هذه القوس الجيوسياسية هو قدرة تركيا على بناء علاقات مع كل من حكومة طرابلس وحكومة بنغازي، على الرغم من التناقضات السياسية بينهما. منذ توقيع مذكرة التفاهم البحرية عام 2019 مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، عززت تركيا نفوذها في غرب ليبيا من خلال تقديم دعم عسكري مباشر، شمل إمدادات بالطائرات المسيرة والمرتزقة، مما ساعد على صد هجمات قوات حفتر على العاصمة. هذه الخطوة لم تؤد فقط إلى تعزيز موقع حكومة طرابلس، بل سمحت لتركيا بالحصول على امتيازات اقتصادية، مثل عقود التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.

في الوقت نفسه، شهدت السنوات الأخيرة تقاربًا مفاجئًا بين تركيا وسلطات شرق ليبيا بقيادة حفتر، التي كانت تقليديًّا مدعومة من روسيا ومصر. هذا التقارب، الذي بدأ يتبلور منذ عام 2023، يعكس براغماتية تركيا في التعامل مع الأطراف الليبية المتنافسة. من خلال زيارات متبادلة ومفاوضات، تسعى تركيا إلى ضمان مصالحها الاقتصادية والأمنية في شرق ليبيا، بما في ذلك الحفاظ على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية. هذا التحول يعزز من قدرة تركيا على أداء دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين، مما يمنحها نفوذًا غير مسبوق في الملف الليبي.

يبدو أن هذه القوس الجيوسياسية تهدف إلى تحقيق عدة أهداف إستراتيجية؛ أولًا: يسعى إلى تعزيز النفوذ التركي في البحر الأبيض المتوسط من خلال تأمين مناطق اقتصادية خالصة تمكنها من استغلال الموارد الطبيعية، وتوسيع نفوذها البحري. ثانيًا: يهدف إلى مواجهة التحالفات المناهضة لتركيا، خاصة تلك التي تقودها اليونان وقبرص وإسرائيل بدعم من مصر والولايات المتحدة. ثالثًا: يسعى التعاون مع باكستان إلى إضفاء طابع دولي على هذه القوس، مما يعزز شرعيته، ويوفر دعمًا إضافيًّا في المحافل الدولية.

من جانب ليبيا، يوفر هذا التحالف لحكومة طرابلس دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا حاسمًا في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، في حين يمنح حكومة بنغازي فرصة لتنويع تحالفاتها بعيدًا عن الاعتماد الحصري على روسيا. فيما يتعلق بباكستان، فإن المشاركة في هذه القوس تتيح لها تعزيز صورتها بوصفها قوة إقليمية ناشئة، مع الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع تركيا.

التحديات التي تواجه اليونان

تشكل هذه القوس الجيوسياسية تحديًا مباشرًا للمصالح الوطنية اليونانية، خاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز. تعتمد اليونان على تحالفاتها مع قبرص وإسرائيل ومصر لتعزيز موقفها في شرق المتوسط، وتسعى إلى حماية حقوقها السيادية في المناطق البحرية المتنازع عليها، خاصة حول جزيرة كريت. اتفاقية تركيا مع حكومة طرابلس عام 2019، التي حددت حدودًا بحرية تتجاهل الجزر اليونانية، تُعد تهديدًا مباشرًا لهذه الحقوق. هذه الاتفاقية، التي حظيت بدعم متزايد من سلطات شرق ليبيا، تعزز مطالب تركيا بمناطق اقتصادية خالصة تتعارض مع المصالح اليونانية.

بالإضافة إلى ذلك، يثير التعاون التركي- الباكستاني قلق اليونان بسبب القدرات العسكرية المتزايدة لهذا التحالف. الطائرات المسيرة التركية، التي أثبتت فاعليتها في ليبيا، إلى جانب الدعم اللوجستي الباكستاني، قد يعززان الوجود العسكري التركي في المنطقة، مما يضع ضغوطًا إضافية على القوات البحرية اليونانية. كما أن التقارب التركي مع حكومة بنغازي يُضعف جهود اليونان لاستمالة سلطات شرق ليبيا لدعم موقفها ضد الاتفاقية البحرية التركية- الليبية.

تواجه اليونان هذه التحديات من خلال إستراتيجية متعددة الأوجه؛ أولًا؛ كثفت أثينا جهودها الدبلوماسية لتعزيز التحالفات مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، مستغلة عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للضغط على تركيا. ثانيًا: سعت إلى فتح قنوات حوار مع الأطراف الليبية، بما في ذلك زيارات دبلوماسية إلى طرابلس وبنغازي لمناقشة ترسيم الحدود البحرية. ومع ذلك، أظهرت هذه الجهود نجاحًا محدودًا حتى الآن، حيث تمسكت كل من حكومة طرابلس وبنغازي بموقف داعم للاتفاقية التركية.

على الصعيد العسكري، تعمل اليونان على تعزيز قدراتها البحرية من خلال تحديث أسطولها، وإجراء مناورات مشتركة مع حلفاء مثل فرنسا والولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التفوق العسكري التركي في مجال الطائرات المسيرة والتكنولوجيا البحرية يُشكل تحديًا كبيرًا. كما أن اليونان تواجه صعوبات في الحفاظ على وحدة الموقف الأوروبي، حيث تُظهر دول مثل إيطاليا مرونة أكبر في التعامل مع تركيا وليبيا لأسباب تتعلق بالهجرة والطاقة.

إن تشكل هذه القوس الجيوسياسية لا يقتصر تأثيره على اليونان فحسب، بل يمتد إلى الديناميات الإقليمية الأوسع. على سبيل المثال، يثير التقارب التركي مع حكومة بنغازي قلق روسيا، التي كانت تقليديًّا الداعم الرئيس لحفتر. هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تقييم روسيا لإستراتيجيتها في ليبيا، وربما إلى تصعيد التوترات مع تركيا في مسارح أخرى مثل سوريا. من جهة أخرى، قد تُعزز هذه القوس نفوذ تركيا في المحافل الدولية، خاصة إذا تمكنت من استمالة دعم باكستان في قضايا مثل ترسيم الحدود البحرية.

فيما يتعلق بليبيا، يوفر هذا التعاون فرصة لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولكنه يحمل مخاطر تعميق الانقسامات الداخلية إذا فشلت تركيا في تحقيق توازن بين دعمها للطرفين. أما باكستان، فإن دورها في هذه القوس قد يعزز مكانتها بوصفها لاعبًا إقليميًّا، ولكنه قد يعرضها أيضًا لضغوط من القوى الغربية المناهضة لتوسع النفوذ التركي.

رد الفعل الهندي: تحفظ دبلوماسي ومخاوف إقليمية

تتسم ردود الفعل الهندية تجاه التعاون التركي- الباكستاني- الليبي بالتحفظ، مع تركيز على الآثار الجيوسياسية الأوسع. الهند، التي تسعى إلى تعزيز دورها بوصفها قوة عالمية ناشئة، ترى في مشاركة باكستان في هذه القوس الجيوسياسية امتدادًا للتنافس التاريخي بين نيودلهي وإسلام آباد. باكستان، بوصفها حليفًا وثيقًا لتركيا، تُعد في الهند تهديدًا محتملًا لمصالحها في منطقة المحيط الهندي والشرق الأوسط، خاصة في ظل التعاون العسكري المتزايد بين أنقرة وإسلام آباد في مجالات مثل الطائرات المسيرة، والسفن الحربية.

من وجهة نظر الهند، يُمكن أن يُعزز هذا التحالف نفوذ باكستان خارج جنوب آسيا، مما يُعقد جهود الهند لتوسيع شراكاتها في الشرق الأوسط، خاصة مع دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية. التعاون التركي- الباكستاني في ليبيا، وهي منطقة ذات أهمية إستراتيجية لتجارة الطاقة وأمن الملاحة البحرية، يثير مخاوف الهند من أن يؤدي إلى تعزيز الوجود العسكري الباكستاني في البحر الأبيض المتوسط، مما قد يُشكل تهديدًا غير مباشر لخطوط الملاحة الهندية عبر قناة السويس.

تعمل الهند في ضوء هذه التطورات من خلال تعزيز تحالفاتها الإستراتيجية، خاصة في إطار مبادرة I2U2 (الهند، وإسرائيل، والإمارات، والولايات المتحدة)، التي تهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني والباكستاني في المنطقة. كما سعت نيودلهي إلى تعميق علاقاتها مع مصر، من خلال زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري، لدعم الجبهة المصرية- اليونانية ضد التمدد التركي. على سبيل المثال، عززت الهند تعاونها مع مصر في مجال الدفاع، بما في ذلك تدريب القوات البحرية المصرية، كجزء من إستراتيجيتها لموازنة النفوذ الباكستاني في المنطقة.

خلال زيارته إلى اليونان في أغسطس (آب) 2023، أجرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي محادثات مكثفة مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في أثينا؛ بهدف تعزيز العلاقات الثنائية ورفعها إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية. ركزت الزيارة، وهي الأولى لرئيس وزراء هندي إلى اليونان منذ 40 عامًا، على تعميق التعاون في مجالات التجارة، والدفاع، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، مع التركيز على التحديات الجيوسياسية في شرق المتوسط. شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات لتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وتسهيل التبادل الثقافي، مع تأكيد الجانبين أهمية الاستقرار الإقليمي في مواجهة التوترات. كما ناقش مودي قضايا الطاقة والأمن البحري؛ مما يعكس اهتمام الهند بتوسيع نفوذها في المنطقة، في حين أكدت اليونان دعمها لدور الهند بوصفها قوة عالمية صاعدة، مما يعزز التوازن الإستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية.

في الوقت نفسه، حافظت الهند على موقف دبلوماسي حذر تجاه تركيا، حيث تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة مع أنقرة بسبب العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. ومع ذلك، أعربت الهند عن قلقها من دعم تركيا المستمر لباكستان في قضايا مثل كشمير، مما يُعزز من حساسية نيودلهي تجاه أي تعاون تركي- باكستاني. على الصعيد الليبي، تُفضل الهند عدم التدخل المباشر في الشأن الليبي، لكنها تدعم جهود الاستقرار التي تقودها الأمم المتحدة، مع التركيز على حماية مصالحها الاقتصادية في شمال إفريقيا.

رد الفعل المصري على التقارب الباكستاني- التركي في شرق المتوسط

يُمثل التقارب الباكستاني- التركي في شرق المتوسط، خاصة في ظل التعاون الإستراتيجي المتزايد بين أنقرة وإسلام آباد والحكومتين الليبيتين في طرابلس وبنغازي، تحديًا جيوسياسيًّا معقدًا لمصر، التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الوطنية في منطقة ذات أهمية إستراتيجية. هذا التحالف، الذي يعزز النفوذ التركي في البحر الأبيض المتوسط بدعم لوجستي وعسكري باكستاني، يُثير مخاوف القاهرة من تهديد حقوقها البحرية، خاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي. في هذا السياق، تأتي زيارة الفريق أول ساهر شمشاد مرزا، رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية، إلى القاهرة في 29 يوليو (تموز) 2025، حدثًا بارزًا يعكس محاولات مصر لإدارة هذا التحدي من خلال إستراتيجية دبلوماسية وعسكرية مرنة، تهدف إلى تحييد التهديدات المحتملة، وتعزيز التعاون مع باكستان لتحقيق توازن إقليمي.

تأتي زيارة قائد الجيش الباكستاني في توقيت حساس، حيث تتصاعد التوترات في شرق المتوسط بسبب التنافس على الموارد الطبيعية، والحدود البحرية. التعاون التركي- الباكستاني، الذي يشمل تبادل التكنولوجيا العسكرية، مثل الطائرات المسيرة، والسفن الحربية، يُعزز قدرات تركيا في مواجهة التحالفات الإقليمية التي تقودها مصر واليونان وقبرص. مذكرة التفاهم البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس عام 2019، التي تدعمها سلطات بنغازي، تُعد في القاهرة تهديدًا مباشرًا للمصالح المصرية، حيث تتجاهل حقوق مصر واليونان في المناطق الاقتصادية الخالصة. في الوقت نفسه، يُثير الدور الباكستاني في هذا التحالف قلقًا إضافيًّا؛ نظرًا إلى قدرات إسلام آباد العسكرية المتقدمة، وخبرتها في العمليات البحرية، وصناعاتها الدفاعية.

تُظهر الزيارة، التي شملت لقاءات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع، حرص مصر على استكشاف آفاق التعاون العسكري مع باكستان، رغم التحفظات بشأن تحالفها مع تركيا. خلال اللقاء، نوقشت موضوعات ذات اهتمام مشترك، مع التركيز على تعزيز التعاون العسكري في مجالات مثل التدريب المشترك، وتبادل الخبرات، وتطوير الصناعات الدفاعية. هذه الخطوة تعكس إستراتيجية مصرية براغماتية تهدف إلى تحييد أي تهديد محتمل من التعاون الباكستاني- التركي من خلال بناء علاقات مباشرة مع إسلام آباد.

على الصعيد الدبلوماسي، تسعى مصر إلى استغلال العلاقات التاريخية الجيدة مع باكستان لتجنب تصعيد التوترات في شرق المتوسط. خلال الزيارة، نقل الفريق ساهر شمشاد مرزا تحيات رئيس الوزراء الباكستاني إلى الرئيس السيسي، الذي أشاد بالتطور المستمر في العلاقات الثنائية. هذا الحوار يعكس رغبة مصر في الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع باكستان؛ بهدف منع أي انحياز كامل من إسلام آباد لصالح تركيا في الصراعات الإقليمية. كما أن مصر، من خلال هذه الزيارة، تسعى إلى استكشاف إمكانات التعاون في الصناعات الدفاعية، إذ تُعد باكستان موردًا محتملًا لتكنولوجيا عسكرية بأسعار تنافسية، خاصة في ظل الخبرة الباكستانية في تصنيع الأسلحة، والطائرات المسيرة.

تحديات أوسع مِن الإقليم (اليونان- مصر- الهند)

تمثل القوس الجيوسياسية الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، القائمة على التعاون بين تركيا وباكستان والحكومتين الليبيتين، تطورًا إستراتيجيًّا معقدًا يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة. من خلال هذا التحالف، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها البحري والاقتصادي، مستفيدة من دعم باكستان العسكري واللوجستي، وقدرتها على استمالة الأطراف الليبية المتنافسة.

تشكل هذه القوس تحديًا مباشرًا للمصالح اليونانية، التي تجد نفسها في مواجهة تهديدات متزايدة لحقوقها البحرية وقدرتها على الحفاظ على تحالفاتها الإقليمية. في ظل هذه الديناميات، ستحتاج اليونان إلى إستراتيجية دبلوماسية وعسكرية متكاملة لمواجهة هذا التحدي، مع التركيز على تعزيز التعاون مع حلفائها الأوروبيين والدوليين. في المقابل، يظل نجاح هذه القوس الجيوسياسية مرهونًا بقدرة تركيا على إدارة التناقضات الداخلية في ليبيا، والحفاظ على التوازن مع باكستان في مواجهة الضغوط الدولية. إن المستقبل الجيوسياسي لشرق المتوسط يبدو محفوفًا بالتحديات والفرص، وسيكون لهذه القوس دور حاسم في تحديد ملامحه.

تُظهر ردود الفعل المصرية والهندية تباينًا في الأولويات والإستراتيجيات، لكنهما تتفقان في القلق من التوسع التركي- الباكستاني في البحر الأبيض المتوسط. فيما يتعلق بمصر، فإن التحدي مباشر ومرتبط بحماية مصالحها البحرية والإقليمية، مما يدفعها نحو تحالفات إقليمية ودولية قوية لمواجهة هذه القوس. أما الهند، فإن قلقها ينبع من الآثار غير المباشرة لهذا التحالف على نفوذ باكستان وتوازن القوى في الشرق الأوسط والمحيط الهندي.

على المدى الطويل، قد تؤدي هذه التطورات إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة. مصر قد تجد نفسها مضطرة إلى تقوية علاقاتها مع روسيا أو الصين لموازنة النفوذ التركي، خاصة إذا استمر التقارب بين أنقرة وبنغازي. من جانبها، قد تُكثف الهند تعاونها مع دول الخليج والولايات المتحدة للحد من نفوذ باكستان، مع الحفاظ على حياد دبلوماسي تجاه ليبيا. في كلتا الحالتين، تُظهر هذه القوس الجيوسياسية قدرة تركيا على إعادة تشكيل ديناميات المنطقة، مما يتطلب من مصر والهند إستراتيجيات مرنة ومتعددة الأوجه للحفاظ على مصالحهما.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع