يتبنى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية طموحة تُعرف باسم “رؤية 2030″، وهي تستند إلى ضرورة إرساء الاستقرار الإقليمي بوصفه عنصرًا أساسيًّا في البنية التحتية لهذه الرؤية.
وقد شهدت سوريا حالة من الفوضى، وحربًا أهلية دامية منذ عام 2011، لكن سقوط النظام السوري أتاح المجال لتحقيق السلام والاستقرار. وفي هذا السياق، مدّت المملكة العربية السعودية يد العون لسوريا من أجل التعافي والازدهار.
يمثل التزام المملكة بمبلغ 6.4 مليار دولار تجاه سوريا أكثر من مجرد استثمار مالي؛ فهو دليل على عزم الرياض منع تفكك سوريا وفق مخططات إسرائيلية تهدف إلى تقسيم البلاد إلى كيانات ضعيفة يسهل استغلالها لصالح تل أبيب.
في السادس والعشرين من يوليو (تموز)، زار وزير الطاقة السوري محمد البشير المملكة لإجراء مباحثات مع المسؤولين السعوديين بشأن تعزيز المبادرات المشتركة في مجالات النفط والكهرباء وإدارة المياه، فضلًا عن استكشاف فرص استثمارية جديدة.
وقد أُعلن تأسيس مجلس الأعمال السعودي- السوري خلال منتدى استثماري عُقد في دمشق يوم 24 يوليو (تموز)، وكشف رئيس المجلس محمد أبونيان عن خطة عمل مدتها خمس سنوات تهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأوضح أبونيان أن “المجلس يُنشَأ في توقيت حرج، حيث تستعد سوريا لدخول مرحلة جديدة تتطلب جهودًا مشتركة لإعادة بناء البلاد، واستعادة الأمان والاستقرار والازدهار للشعب السوري”.
وتشمل أهداف الفترة بين عامي 2025 و2030 تعزيز التعاون الاقتصادي، وتسليط الضوء على فرص الاستثمار، وبناء شراكات، وتسهيل التجارة والخدمات اللوجستية لتصدير السلع والخدمات السعودية إلى سوريا.
عقد وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، لقاءً مع نظيره السوري محمد البشير، حيث ناقشا فرصًا مشتركة في قطاع الطاقة، وخططًا لإحياء الموارد السورية التي أهملت خلال الحرب المستمرة منذ 14 عامًا، وتناول اللقاء مجالات مثل النفط، والكهرباء والطاقة المتجددة، وأساليب كفاءة الطاقة.
وقد أثمرت المباحثات توقيع مذكرة تفاهم لدعم التعاون في قطاع الطاقة بين البلدين، شملت مجالات مشتركة، مثل النفط والغاز والبتروكيماويات، والكهرباء والربط الكهربائي والطاقة المتجددة.
جاء التوقيع عقب اختتام منتدى الاستثمار السعودي السوري 2025 في دمشق، الذي شهد توقيع 47 اتفاقية بقيمة إجمالية بلغت 6.4 مليار دولار. ويصف المسؤولون المنتدى بأنه بداية فصل جديد في العلاقات الاقتصادية الثنائية.
أكّد المسؤولون السعوديون والسوريون أهمية التعاون في إستراتيجيات التحول في مجال الطاقة والتقنيات المتقدمة، إلى جانب تطوير رأس المال البشري وتعزيز الابتكار. وخلال زيارته، قام الوزير البشير بجولة في محطة سدير للطاقة الشمسية التابعة لشركة “أكوا باور”، التي تمتد على مساحة 36 كيلومترًا مربعًا، وتضم 3.3 مليون لوحة شمسية بقدرة إجمالية تصل إلى 1.5 جيجاواط، وأعرب البشير عن اهتمامه بتطبيق نموذج مشابه في سوريا.
شهدت الاستثمارات السعودية توسعًا في قطاعات متعددة، منها السياحة، والصناعات الثقيلة، والبناء، والاتصالات، والخدمات المالية:
– وقّعت مجموعة “بن داود القابضة” اتفاقية بقيمة مليار دولار مع وزارة السياحة السورية لإنشاء صندوق استثماري قابل للتوسع.
– أطلقت شركة “البادية للأسمنت” -بدعم سعودي- خطة توسعة تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 5 ملايين طن سنويًّا.
– افتتحت شركة “الفيحاء للأسمنت” أول مصنع للأسمنت الأبيض في سوريا بمدينة عدرا الصناعية، بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 150 ألف طن، واستثمارات قيمتها 100 مليون ريال سعودي.
– وقّعت شركة “الجوْف للأسمنت” عقد تصدير بقيمة 38 مليون ريال سعودي لمدة عام واحد.
كما جاءت زيارة وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، برفقة أكثر من 130 من رجال الأعمال السعوديين، لتؤكد التزام المملكة بضخ أكثر من 4 مليارات دولار في مشروعات سورية جديدة.
إضافةً إلى التوسع الصناعي، تهدف المشروعات السعودية إلى دعم مرحلة إعادة إعمار سوريا:
– التزمت مجموعة “المهيدب” السعودية بضخ 200 مليون دولار في مشروعات الصناعات الثقيلة.
– تم الكشف عن مشروعات ضخمة في دمشق، تشمل مدينة ثقافية (بقيمة 300 مليون دولار)، ومدينة طبية في قدسيا (900 مليون دولار)، وأبراج دمشق (400 مليون دولار).
– تعهدت شركة “الإباء” السعودية بإنشاء مجمع سكني وتجاري متعدد الاستخدامات في حمص، بأرباح اجتماعية مخصصة للمجتمعات السورية.
شهد القطاع الجوي توقيع اتفاقية لتحويل مطار المزة العسكري في دمشق إلى محطة مدنية بسعة 30 مليون مسافر سنويًّا. كما وُقِّعَت اتفاقيات في مجالات الأمن السيبراني والبنية التحتية الرقمية، بما في ذلك شراكات مع شركات “STC” و”إلم”، وتعاون مع مجموعة “تداول” لتكامل التقنيات المالية.
بلغت صادرات السعودية إلى سوريا عام 2024 نحو 558 مليون ريال سعودي، بزيادة سنوية بلغت 27%، فيما تراجعت صادرات سوريا بنسبة 10% لتصل إلى 685 مليون ريال سعودي. وشملت الصادرات السعودية المواد البلاستيكية، والسيراميك، والتوابل، والمواد الكيميائية، في حين تصدّرت المنتجات السورية مثل محضّرات الفواكه، والزيوت النباتية، ومنتجات الألبان والتوابل.
ومن المتوقع أن تؤدي الاتفاقيات الاستثمارية الجديدة إلى خلق 50,000 وظيفة مباشرة، و150,000 وظيفة غير مباشرة في مختلف القطاعات.
أشاد المسؤولون السعوديون بقانون الاستثمار الجديد في سوريا بوصفه محفزًا للنمو، وجاذبًا للمستثمرين الدوليين. وجدّد الوزير الفالح التزام المملكة بدعم سوريا في مسيرتها نحو التعافي والتنمية، واعدًا بفتح الأبواب أمام المستثمرين السوريين في المملكة.
تُظهر هذه الشراكة المتجددة أن سوريا أصبحت وجهة واعدة للاستثمار العربي والدولي، مما يعكس إيمانًا مشتركًا بإمكاناتها الاقتصادية على المدى الطويل.
في مايو (أيار)، وقّعت سوريا مذكرة تفاهم مع شركة “UCC Holding” القطرية لتنفيذ مشروعات لتوليد الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار، وتشمل أربع محطات غازية بتقنية الدورة المركبة، إضافةً إلى محطة شمسية بقدرة 1000 ميجاواط في جنوب سوريا.
وفي 18 يوليو (تموز)، أعلنت شركات أمريكية، منها “Baker Hughes”، “Hunt Energy”، و”Argent LNG”، إعداد خطة شاملة لقطاع الطاقة السوري، وفقًا لما صرّح به الرئيس التنفيذي لـ “Argent LNG”، جوناثان باس.
وتسعى الشركات الأمريكية إلى اقتناص فرص الاستثمار في الطاقة بسوريا، لكنها كانت تنتظر قرار رفع العقوبات الذي أعلنه الرئيس ترمب الشهر الماضي.
تشمل الخطة مناطق غرب نهر الفرات، وهي تحت سيطرة الحكومة السورية حاليًا. أما الحقول النفطية الكبرى فتقع شرق الفرات، وتخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن. وقد حثّت إدارة ترمب هذه القوات على الاندماج مع قوات الأمن المركزية التابعة للحكومة السورية، غير أن سلسلة من الحوادث المنسوبة إلى القوات الحكومية حالت دون حدوث أي اندماج حتى الآن.
تمتلك سوريا إمكانات ضخمة في قطاعات الطاقة والزراعة والصناعة، لكن المورد الأكبر غير المُستغل حتى الآن هو حقول الغاز البحرية، التي كُتب عنها منذ عام 2010. وتشير التقديرات إلى أنها من أكبر حقول الغاز في العالم، لتبقى التساؤلات عن الجهة التي ستوقع على ذلك العقد، وقيمته المحتملة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.