التقى الرئيس شي جين بينغ، يوم الخميس الماضي، بكلٍّ من رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بكين. وقد أكد اللقاء أن الاحترام المتبادل والحوار البنّاء يمكنان الطرفين من تعميق التعاون والتعامل السليم مع الخلافات، بما يعزز المصالح المشتركة، ويُسهم في الاستقرار العالمي.
قد تكون فون دير لاين مُحقة -إلى حد ما- في قولها إن العلاقات بين الجانبين قد بلغت “نقطة انعطاف”، غير أن مستقبل هذه العلاقات رهنٌ بمدى استعداد الاتحاد الأوروبي للقاء الصين في منتصف الطريق، والعمل معًا للحفاظ على العلاقة في مسارها الصحيح، والوقوف في الجانب الصائب من التاريخ.
وقد طرح الرئيس شي اقتراحًا من ثلاث نقاط لضمان تطور العلاقات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة للطرفين، ويسهم كذلك في السلام والاستقرار العالميين. إن تأكيد الطرف الأوروبي الأهمية الحيوية لهذا الاقتراح يدل بوضوح على التفاهم المشترك بين الجانبين بشأن أهمية العلاقة، وكيفية تعزيزها من خلال تعميق التعاون والإدارة السليمة للخلافات.
الكثير الآن يتوقف على الكيفية التي سيختار بها الاتحاد الأوروبي تفعيل هذا التفاهم المشترك. إن الاستجابة البنّاءة والمسؤولة والمستقبلية للفرص والتحديات ستساعد الجانبين على تجاوز هذه “المرحلة التاريخية” وفتح آفاق أكثر استقرارًا ووعودًا لمستقبل يقوم على الاحترام المتبادل والاستقلالية الاستراتيجية.
ويتوقف تحويل نتائج لقاء الخميس إلى خطوات فعلية لإعادة ضبط العلاقات الثنائية وإحيائها -بدرجة كبيرة- على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرًا على تبني تصور عقلاني تجاه الصين بوصفها شريكًا لا منافسًا، وعلى إدراكه أن طبيعة العلاقات الثنائية هي تعاونية وليست تنافسية.
الصين دولة محبة للسلام، تدعو إلى الانسجام والانفتاح والتعاون وتحقيق النتائج المربحة للطرفين. وموقفها من القضايا الساخنة قائم دائمًا على مبدأ التمييز بين الصواب والخطأ، وهي تدعو إلى السلام والحوار، وإلى معالجة الأعراض والأسباب الجذرية للمشكلات على حد سواء. وينبغي على الصين والاتحاد الأوروبي أن يدعما التسوية السلمية للنزاعات الدولية من خلال الوسائل السياسية.
وللحصول على رؤية موضوعية عن الصين، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن ينظر إليها بعدسة ملونة، أو أن يقيس مسار تنميتها بمسطرة الغرب. ومن الأسباب الجوهرية التي تمكّن الصين من التعامل مع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي من منظور إستراتيجي وطويل الأمد، قدرتها على النظر إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه قطبًا رئيسًا في عالم متعدد الأقطاب. ومن جانبها، تحتاج أوروبا إلى إدارة علاقاتها مع الصين بما يضمن استقلالية إستراتيجية حقيقية، لأن هذه العلاقة ليست موجهة ضد طرف ثالث، ولا تعتمد عليه، ولا تخضع له.
التحديات الراهنة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي لا تأتي من الصين، الشريك الذي لا تربطه به أي تناقضات جوهرية في المصالح، أو صراعات جيوسياسية؛ بل إن تعميق التعاون بين الجانبين لا يوسع فقط من قاعدة المصالح المشتركة، بل يوفر أيضًا مزيدًا من الوسائل والحيز والزمن لمعالجة ما يُسمى “الاختلال” في العلاقات، فضلًا عن تقديم مزيد من الأسباب التي تحث الجانبين على الامتناع عن تعريف علاقتهما من خلال الخلافات والمنافسة، التي تتضاءل باستمرار أمام التوافق والتعاون.
ينبغي أن يُدرك الطرف الأوروبي أن الترابط المتبادل ليس خطرًا، وأن المصالح المتقاربة ليست تهديدًا. وكما أشار الرئيس شي، فإن تعزيز التنافسية لا ينبغي أن يعتمد على بناء الجدران أو الحواجز؛ لأن فك الارتباط وقطع سلاسل التوريد لن يؤدي إلى سوى العزلة الذاتية.
وقد أوضح الرئيس شي أن “تقليل الاعتماد” لا ينبغي أن يؤدي إلى تقليص التعاون الصيني- الأوروبي، فالعلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، التي تتميز بطبيعتها التكميلية والمنفعة المتبادلة، قادرة فعليًّا على تحقيق توازن ديناميكي من خلال التنمية.
إن التنمية العالية الجودة، والانفتاح بمعايير رفيعة المستوى، اللذين تنتهجهما الصين، سيوفران فرصًا جديدة، ويوسعان آفاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أثبتته مجموعة القضايا التي ناقشها الجانبان، لا سيما التعاون في مجالات المناخ والتنمية الخضراء والتكنولوجيا المتقدمة، خلال القمة الصينية- الأوروبية الخامسة والعشرين التي عُقدت الخميس، برئاسة مشتركة بين رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ وقادة الاتحاد الأوروبي.
ولا يوجد سبب يحول دون تعميق الشراكات الصينية- الأوروبية في مجالي الاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي، وكذلك في التعاون المتبادل في مجال الاستثمار. ومن المأمول أن يظل الاتحاد الأوروبي سوقًا منفتحة للتجارة والاستثمار، وألا يلجأ إلى أدوات السياسات التقييدية، وأن يعمل على توفير بيئة أعمال سليمة للشركات الصينية المستثمرة والعاملة ضمن دول الاتحاد.
على مدار الخمسين عامًا الماضية، تطورت العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي لتصبح قوى بنّاءة تدعم التعددية والتعاون المنفتح. وكلما ازدادت حدة الأوضاع الدولية وتعقيدها، ازدادت حاجة الجانبين إلى تعزيز التواصل، وبناء الثقة المتبادلة، وتعميق التعاون.
وفي هذه المرحلة الحرجة، وكما قال الرئيس شي، ينبغي على قادة الجانبين أن يُظهرا مجددًا رؤيتهما ومسؤوليتهما، وأن يتخذا قرارات إستراتيجية تلبي تطلعات الشعوب، وتنجح في اختبار الزمن، وأن يتمسكا -بثبات- بالمسار الصحيح للعلاقات الصينية- الأوروبية، ويسعيا إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية