تشكل الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، التي تصاعدت في يونيو (حزيران) 2025، حدثًا جيوسياسيًّا محوريًّا أثر في التوازنات الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يبرز التناول الإعلامي الهندي والباكستاني كعامل حاسم في تشكيل الرأي العام، ولا تعكس الروايات الإعلامية لكلا البلدين وجهات نظرهما الوطنية فقط؛ بل أيضًا تحالفاتهما الدبلوماسية ومصالحهما الإستراتيجية.
بدأت الحرب الإيرانية- الإسرائيلية بتصعيد عسكري حاد، حيث شنت إسرائيل ضربات جوية استهدفت منشآت عسكرية ونووية في إيران، ردت عليها طهران بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة. بحلول منتصف يونيو (حزيران) 2025، أثارت هذه المواجهات مخاوف دولية من اتساع نطاق الصراع، خاصة مع احتمال تورط قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا. يتأثر التناول الإعلامي لهذا الصراع في الهند وباكستان بعوامل متعددة، منها العلاقات الدبلوماسية مع إيران وإسرائيل، والتحالفات مع الغرب والصين، فضلًا عن التنافس الإقليمي بين نيودلهي وإسلام آباد.
يتميز الإعلام الهندي بتغطية متوازنة وحذرة للحرب الإيرانية- الإسرائيلية، تعكس سياسة الهند الخارجية التي تسعى إلى الحفاظ على علاقات قوية مع إيران وإسرائيل، مع تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة. تشمل المحاور الرئيسة للتغطية الهندية ما يلي:
التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية: تركز وسائل الإعلام الهندية، مثل “تايمز أوف إنديا”، و”ذي هندو”، على تأثير الصراع في المصالح الهندية في إيران، خاصة ميناء تشابهار، والممر الدولي للنقل “شمال- جنوب”. يُنظر إلى تشابهار على أنها بوابة إستراتيجية للوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى دون المرور عبر باكستان. تعبر التغطية عن قلق من أن يؤدي تصعيد الصراع إلى تعطيل هذه المشروعات؛ مما يهدد طموحات الهند الاقتصادية والجيوسياسية.
موقف دبلوماسي محايد مع ميل غربي: تعكس التغطية الموقف الرسمي للهند، الذي يدعو إلى ضبط النفس والحل الدبلوماسي. ومع ذلك، يظهر ميل خفي في بعض وسائل الإعلام لتجنب إدانة إسرائيل على نحو مباشر، وهو ما يتفق مع العلاقات الدفاعية والتكنولوجية الوثيقة بين الهند وإسرائيل. على سبيل المثال، ركزت تقارير على “التهديد الإيراني”؛ مما يتماهى مع الروايات الإسرائيلية والغربية.
القلق من دور باكستان: تُبرز التغطية الهندية مخاوف من استغلال باكستان للصراع لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة مع زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى واشنطن. تُصور بعض التقارير هذه الزيارة على أنها محاولة لإعادة إحياء التحالف الأمريكي-الباكستاني؛ مما يثير قلق الهند من أن تكتسب إسلام آباد دورًا دبلوماسيًّا أو عسكريًّا في المنطقة.
إجلاء الرعايا الهنود: تولي وسائل الإعلام الهندية اهتمامًا كبيرًا لجهود الحكومة في إجلاء الطلاب والرعايا الهنود من إيران؛ مما يعكس القلق الشعبي، ويبرز صورة الحكومة كجهة مسؤولة. هذه التغطية تتجنب الخوض في التفاصيل العسكرية للصراع، مركزة على الجوانب الإنسانية.
دلالات التناول الهندي: يكشف التناول الإعلامي الهندي عن محاولة للحفاظ على توازن دبلوماسي يحمي العلاقات مع إيران، بوصفها شريكًا اقتصاديًّا وإستراتيجيًّا، مع تجنب استعداء إسرائيل والولايات المتحدة. التركيز على باكستان يكشف عن التنافس الإقليمي، حيث تسعى الهند إلى منع إسلام آباد من استغلال الصراع لتعزيز موقعها. كما يعكس الحذر في التغطية حساسية الموقف الهندي تجاه التحالفات الغربية.
التناول الإعلامي الباكستاني.. التضامن الإسلامي والطموح الدبلوماسي
يتسم التناول الإعلامي الباكستاني بموقف أكثر وضوحًا في دعم إيران، مع التركيز على التهديدات الأمنية والفرص الدبلوماسية التي يطرحها الصراع. تشمل المحاور الرئيسة ما يلي:
إدانة العدوان الإسرائيلي: تُظهر وسائل الإعلام الباكستانية، مثل “جيو نيوز”، و”ذي نيشن”، إدانة حادة للضربات الإسرائيلية، واصفة إياها بـ”العدوان غير المبرر”. تعكس هذه اللغة الموقف الرسمي للحكومة الباكستانية، التي طالبت بوقف الأعمال العدائية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.
طموح الوساطة الدبلوماسية: تسلط التغطية الضوء على رغبة باكستان في أداء دور وساطة بين إيران وإسرائيل، مستندة إلى علاقاتها الوثيقة مع طهران. تصريحات وزير الخارجية الباكستاني عن استعداد إسلام آباد لتسهيل الحوار حظيت بتغطية واسعة، مع التركيز على أن هذا الدور قد يعزز مكانة باكستان بوصفها لاعبًا إقليميًّا.
المخاوف الأمنية الإقليمية: تركز التغطية على التداعيات الأمنية للصراع، خاصة على الحدود الباكستانية- الإيرانية. هناك قلق من تصاعد نشاط الجماعات الانفصالية، مثل المقاتلين البلوش، في حالة انهيار الاستقرار في إيران. كما تُبرز التغطية أهمية حماية ميناء جوادر، الذي يشكل ركيزة الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني.
نفي الشائعات: ترد وسائل الإعلام الباكستانية على تقارير، غالبًا ما تُنسب إلى مصادر هندية، تزعم تورط باكستان في تزويد إيران بأسلحة، أو دعم عسكري. تُصور هذه التقارير كجزء من “حملة تشويه” تهدف إلى تقويض مصداقية باكستان دوليًّا.
دلالات التناول الباكستاني: يعكس التناول الإعلامي الباكستاني هوية البلاد بوصفها دولة إسلامية تسعى إلى التضامن مع إيران في مواجهة ما يُصور على أنه “عدوان إسرائيلي مدعوم غربيًّا”. التركيز على الوساطة الدبلوماسية يكشف عن طموح باكستان لاستعادة نفوذها الإقليمي، خاصة بعد تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، يظهر الحذر في نفي التورط العسكري خوفًا من استعداء السعودية ودول الخليج، التي تمثل شركاء اقتصاديين حيويين.
انعكاس التحالفات الدبلوماسية على التغطية الإعلامية
تؤدي التحالفات الدبلوماسية دورًا محوريًّا في صياغة التغطية الإعلامية في الهند وباكستان، حيث تعكس الروايات الإعلامية الأولويات الإستراتيجية لكلا البلدين:
الهند.. التوازن بين الشرق والغرب
تسعى الهند إلى الحفاظ على علاقاتها مع إيران بسبب المصالح الاقتصادية، مثل ميناء تشابهار، لكنها تميل إلى دعم إسرائيل والولايات المتحدة على نحو غير مباشر. هذا التوازن يظهر في التغطية التي تتجنب انتقاد إسرائيل، مع التركيز على الحلول الدبلوماسية. العلاقات الدفاعية مع إسرائيل تجعل الإعلام الهندي حذرًا من تبني مواقف معادية لتل أبيب.
باكستان.. التضامن الإسلامي والحذر الدبلوماسي
تعكس التغطية الباكستانية التضامن مع إيران، لكنها تحافظ على حذر دبلوماسي بسبب العلاقات مع السعودية ودول الخليج. تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة يدفع الإعلام الباكستاني إلى إبراز دور إسلام آباد كوسيط، مما يعزز صورتها دوليًّا.
التنافس الهندي- الباكستاني: يظهر التنافس التاريخي بين البلدين في التغطية، حيث تحاول كل دولة تصوير الأخرى على أنها تهديد إقليمي. الإعلام الهندي يركز على مخاطر تقارب باكستان مع الغرب، في حين يتهم الإعلام الباكستاني الهند بنشر دعاية مضادة.
الدلالات العامة للتناول الإعلامي
يكشف التناول الإعلامي الهندي والباكستاني عن عدة دلالات رئيسة، منها:
تعزيز الهوية الوطنية: يعمل الإعلام في كلا البلدين على تعزيز الروايات التي تخدم الهوية الوطنية، سواء من خلال التركيز على المصالح الاقتصادية (الهند)، أو التضامن الإسلامي (باكستان).
تأثير التحالفات الدولية: تعكس التغطية مدى تأثير التحالفات في الروايات الإعلامية، حيث تتجنب الهند استعداء إسرائيل، في حين تسعى باكستان إلى التوازن بين دعم إيران وعلاقاتها مع الغرب والخليج.
التنافس الإقليمي: يبرز التنافس الهندي- الباكستاني بوصفه عاملًا رئيسًا، حيث تستغل كل دولة الصراع لتسليط الضوء على تهديدات الأخرى.
يعكس التناول الإعلامي الهندي والباكستاني للحرب الإيرانية- الإسرائيلية تعقيدات السياسة الإقليمية والدولية. تسعى الهند إلى الحفاظ على توازن دبلوماسي يحمي مصالحها مع إيران وإسرائيل، في حين تتبنى باكستان موقفًا داعمًا لإيران مع طموح لتعزيز نفوذها الدبلوماسي. تعكس هذه التغطية التحالفات الدبلوماسية والتنافس الإقليمي، مما يجعل الإعلام أداة لتشكيل الروايات الوطنية وخدمة الأجندات السياسية. مع استمرار الصراع، ستظل التغطية الإعلامية مرآة لتطورات السياسة الخارجية لكلا البلدين.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.