مقالات المركز

غورباتشوف… والخيانة التي لم يرتكبها!


  • 18 يونيو 2025

شارك الموضوع

في ظل الأجواء الحالية التي تعيشها المنطقة، ومع الظهور المتكرر لنجل الشاه الأخير محمد رضا بهلوي، ترددت المقولة ذاتها التي تُكرَّر في مثل هذه المواقف عن “غورباتشوف جديد” ينتظر إيران؛ وهي كناية عن القادة الذين يُستخدمون من قِبل القوى الغربية لـ”خيانة” أوطانهم وتفكيكها من الداخل، كما يُزعم أن غورباتشوف فعل الشيء نفسه في الاتحاد السوفيتي. لكن، هل هذه النظرية الشائعة صحيحة؟

لم يكن ميخائيل غورباتشوف خائنًا، ولم يدر في خلده في أي مرحلة من المراحل تفكيك الاتحاد السوفيتي، بل كان اشتراكيًا مؤمنًا بضرورة تطبيق “الاشتراكية ذات الوجه الإنساني”، ويميل إلى أفكار السياسة الاقتصادية الجديدة للزعيم الثوري نيقولاي بوخارين، مع سذاجة سياسية كانت نتاجًا طبيعيًا لسياسات القادة السوفيت منذ عهد يوسف ستالين، القائمة على نظرية: “لا يبقى بجوار الزعيم إلا فقط وحصرًا من هم أضعف”.

يُضاف إلى ذلك حالة الانتشاء التي وقع فيها نتيجة البروباغندا الغربية، التي بالغت في تمجيده ووصفه بكل صفات المديح الزائفة، واعتبرته يمثل القيادة الحكيمة والشجاعة التي أرسلها الرب لحماية شعبه، وبقية البشرية، من خطر الفناء عبر حرب نووية تهدد بها “الطغمة الحاكمة من الأشرار السوفيت المجانين في موسكو”، والذين يقمعهم “غورغي” الطيب النبيل.

المسؤول الأول عن تفكيك الاتحاد السوفيتي كان ضعف وفشل وغباء “لجنة الطوارئ السوفيتية” التي قامت بأفشل انقلاب سياسي وعسكري في التاريخ، لنفس ذات السبب: “نظرية البقاء للأضعف”، فكان أعضاؤها، رغم مواقعهم القيادية في الجيش وأمن الدولة وجهاز المخابرات الخارجية، شخصيات خاملة وساذجة، لا تتقن سوى تنفيذ الأوامر وحفظها دون فهم: “علم وينفّذ، تفاريش كاماندير”.

ساعد هذا كله ثلاثة سياسيين مخمورين وطامحين إلى سلطة شخصية، من روسيا وأوكرانيا وبيلاروس، في الاجتماع بإحدى غابات بيلاروس (غابة بيلوفيجسكايا)، وعلى رأسهم المخمور الأول بوريس يلتسن، واتخاذ قرار تفكيك الاتحاد السوفيتي، رغم تصويت غالبية الشعب على بقائه مع إجراء إصلاحات جادة وجذرية.

ثم، ليحموا أنفسهم وينالوا شرعية لقرارهم، بادروا بالاتصال بالرئيس الأمريكي جورج بوش لإبلاغه بالقرار، الذي شكّل مفاجأة لأمريكا، وعدّ من ضمن القرارات التي فشلت وكالة المخابرات الأمريكية في توقعها. وفي ظل حالة الضعف العام، وغياب روح المبادرة، وتولي الجبناء ممن لا رأي لهم مقاليد السلطة، استسلم الجميع لقرار هؤلاء الصعاليك المخمورين الثلاثة: بوريس يلتسن، وليونيد كرافشوك، وستانيسلاف شوشكيفيتش. وفككوا تلك الدولة العظمى، التي لم تحمِها قنابلها النووية من مصير الانحلال، ولم تضمن بقاء النظام. هذه هي “المؤامرة السوفيتية” لنظام حمل بذور فنائه منذ لحظات قيامه الأولى وفشل في إصلاح نفسه من الداخل على غرار الصين بعد ماو تسي تونغ. وتحمّل غورباتشوف وزر هذا الأمر، لا لشيء سوى أن القدر اختاره ليتولى مهمة القيادة في مرحلة كتابة تتر النهاية. ولو كان أي قائد آخر غيره، لما تغيّر شيء، لأن الأزمة كانت داخل النظام نفسه، ثم جاءت مخططات الغرب لتُسرّع العملية. فهل من متّعظ؟!

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع