فتح الهجوم الإسرائيلي على إيران -فجر اليوم- الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات بشأن مستقبل الصراعات في الشرق الأوسط، بعد نجاح 200 طائرة عسكرية إسرائيلية في ضرب نحو 350 هدفًا داخل إيران في 5 موجات متلاحقة، أحدثت بالفعل زلزالًا عسكريًّا في المنطقة كلها، بقتل رئيس الأركان، ورئيس الحرس الثوري الإيراني، و10 من كبار علماء الذرة الإيرانيين، وبات العالم أمام 10 حقائق عسكرية وسياسية، وهي:
أولًا- السيطرة على الأجواء الإيرانية
تكشف صور الأقمار الصناعية أن إسرائيل سيطرت بالكامل على الأجواء الإيرانية، وأرسلت 200 طائرة في 5 موجات، بمعنى دخول 1000 طائرة الأجواء الإيرانية دون أن تعترضها إيران، أو تسقط حتى طائرة واحدة، وهو ما يُشير إلى أن إيران تتحول تدريجيًّا إلى “النموذج السوري”، عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تذهب إلى أي مكان في سوريا في عهد الأسد. وفي عام 2023، شنت الطائرات الإسرائيلية نحو 250 غارة على سوريا، وهو سيناريو نراه يتكرر اليوم في إيران العاجزة عن وقف ضربات سلاح الجو الإسرائيلي.
ثانيًا- 3 أسلحة
لم تهاجم إسرائيل بالطائرات فقط؛ بل بالصواريخ التي جاءت من شرق البحر الأبيض المتوسط. والأخطر أن جيشًا من العملاء والجواسيس على الأرض (الموساد) أكملوا مهمة الطائرات الإسرائيلية، خاصةً ما يتعلق بقتل علماء البرنامج النووي الإيراني. ونشرت إسرائيل صورًا لعملائها وهم يثبتون أسلحة هجومية، منها تدمير قاعدة للطائرات المسيرة، ومسيرات مفخخة أُطلقت من داخل إيران نفسها، وهو ما يشير إلى أننا أمام اختراق مخابراتي ومعلوماتي غير مسبوق في الصراع الإيراني الإسرائيلي.
ثالثًا- الهجوم بدأ في أكتوبر
تقييم نتائج الهجوم الإسرائيلي لا يمكن النظر إليه من اليوم فقط؛ بل يجب التدقيق فيما قالته إسرائيل في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما أكدت أنها دمرت خطوط إنتاج الصواريخ التي تعمل “بالوقود الصلب”، التي تسهم في تصنيع الصواريخ الباليستية السريعة، وليس صواريخ كروز البطيئة، وهذا يعني أن إسرائيل دمرت جزءًا رئيسًا من منصات الدفاع الجوي، بما فيها من صواريخ، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما جعل الأجواء مفتوحة. وهذه النتائج التي لم تتعمق إسرائيل في شرحها كانت تهدف إلى منع كشف إيران لخطط إسرائيل المستقبلية. وتعود الحرية الإسرائيلية في التحرك في الأجواء الإيرانية إلى التدمير شبه الكامل للدفاعات الجوية الإيرانية، وعدم نجاح إيران في تعويضها خلال الشهور الماضية. كما أن تدمير الدفاعات الجوية الخاصة بسوريا يمكن أن يكون قد أسهم في حرية الحركة الإسرائيلية فوق سوريا ثم العراق، والوصول إلى الحدود الإيرانية دون أي عوائق، وهو ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إلى القول في شهر أبريل (نيسان) الماضي: “إيران باتت بلا حارس، وعلى إسرائيل أن تغتنم الفرصة”.
رابعًا- نتائج غير واضحة
المؤكد فقط هو استهداف مفاعل “نطنز”، لكن ماذا عن المفاعلات الأخرى، مثل مفاعل “فوردو”، و”أراك”، الذي يعمل بالبلوتونيوم والماء الثقيل، ومفاعل “بوشهر” على الخليج العربي، الذي يبعد عن الكويت بنحو 50 كم فقط؟ كما لم تصل الطائرات الإسرائيلية إلى مفاعل “أصفهان”. كما أن مستوى التدمير غير واضح في “مفاعل نطنز” الذي أعلنت إسرائيل وإيران استهدافه، فكل التقديرات الإيرانية، ومن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقول إن هناك ضررًا كبيرًا، لكن أكبر المفاعلات الإيرانية لم يُدمَّر، وهذا يعني أنه يصعب على إسرائيل القضاء على البرنامج النووي الإيراني الذي ينتشر على نحو 1.6 مليون كم² من الأراضي الإيرانية، خاصةً أن غالبية الضربات كانت في المحافظات الغربية من إيران، وهي المحافظات التي تنطلق منها الصواريخ والطائرات المسيرة باعتبارها أقرب نقطة في اتجاه الغرب ناحية إسرائيل.
خامسًا- لعبة الثعالب
نجحت إسرائيل في تمرير خطة تضليل ضخمة، خاصةً ما يتعلق بالخلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، حيث تعمدت إسرائيل نشر أخبار مسربة تشي بوجود خلافات بين ترمب ونتنياهو، وهو أمر تأكد للجميع أنه غير موجود. وفي النهاية، أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة قبل الهجوم.
سادسًا- مشاركة أمريكية غير مباشرة
لا يمكن تصور هجوم بهذا الشكل، وانتظار إسرائيل هجمات إيرانية تمتد إلى أيام، وربما أسابيع، دون أن تضمن تل أبيب الدعم الكامل وغير المشروط من جانب واشنطن لهذه الخطط. وسبق للرئيس ترمب -عندما كان مرشحًا للانتخابات- أن دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني. لكن إعلان واشنطن أنها لم تشارك في الهجوم قد يسمح باستئناف الحوار الأمريكي الإيراني في مرحلة لاحقة، وليس في الوقت الحالي، وينزع من إيران أي حجة لاستهداف القوات الأمريكية في الخليج أو سوريا والعراق؛ ولهذا قال وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو إن بلاده لم تمنح الضوء الأخضر لإسرائيل للهجوم على إيران، لكن لا يمكن تصور قيام الطائرات الإسرائيلية برحلة تزيد على 2000 كم دون دعم جوي، ومن الأقمار الصناعية الأمريكية.
سابعًا- العراق والأردن
نظرًا إلى لعدم وجود حدود برية مشتركة بين إيران وإسرائيل، فإن العراق والأردن باتا في عين العاصفة بعد أن شاركت مسيرات عراقية ضمن الرد الإيراني “الوعد الصادق 3”. كما أن الجيش الأردني أسقط الصواريخ والمسيرات التي دخلت الأجواء الأردنية باستخدام طائرات “إف- 16″، ويصعب وصول الصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى إسرائيل دون المرور على العراق والأردن. وهذا التوسع للحرب قد يشمل مناطق أخرى إذا ما استمرت الضربات والضربات المضادة، مثل الخليج العربي، والبحر الأحمر، حيث ينتشر في إقليم الشرق الأوسط نحو 42 ألف جندي أمريكي.
ثامنًا- الرد الإيراني
رغم الشكوك بقدرات إيران الصاروخية والعسكرية، فإن الإسراع بسد الفراغات في المناصب العسكرية، وتوحد الجبهة الداخلية، يُشيران إلى أن إيران سوف ترد على الهجوم الإسرائيلي، عاجلًا أو بعد تأنٍ. ومن المستبعد جدًّا أن تتوقف إيران عند القبول بالهجوم الإسرائيلي، خاصةً أن إسرائيل قالت إنها سوف تواصل العملية، وإن العملية لم تنتهِ بعد، وإنها بدأت بالفعل في استهداف مناطق أخرى غرب إيران، مثل مطار تبريز.
تاسعًا- تغيير العقيدة النووية
تتجه إيران نحو تغيير علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مثل الانسحاب الإيراني من معاهدة منع الانتشار النووي، وقد تنسحب من الوكالة الدولية نفسها؛ لأن مجلس محافظي الوكالة الدولية أدان إيران للمرة الأولى منذ 20 عامًا، وأعطى إسرائيل أقوى مبرر لسرعة الهجوم على إيران، وهو ما قد يدفع إيران إلى “تغيير العقيدة النووية” الإيرانية، والتوجه نحو امتلاك سلاح نووي، وعدم الاكتفاء ببرنامج نووي سلمي كما كانت تقول إيران في السابق.
عاشرًا- توقف المفاوضات
لا يمكن أن تُعقد الجولة السادسة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط أو غيرها في هذه المرحلة، لكن عندما تصمت البندقية، يمكن في وقت لاحق العودة إلى المسار الدبلوماسي. لكن في الوقت الحالي، فإن الصوت العالي فقط هو لطائرات “إف- 16″ و”إف- 35” الإسرائيلية.
في ظل الحقائق الحالية، يمكن رسم 3 سيناريوهات مستقبلية لهذا الصراع، وهي:
الأول- احتواء الضربات
ويقوم على احتواء إيران لهذه الضربات؛ لأن البرنامج النووي ينتشر على مساحة جغرافية كبيرة، وليس كما كان في البرنامجين النوويين العراقي أو السوري، وهذا قد يؤدي إلى حرب مفتوحة، ورد ورد مضاد لحين حفظ ماء الوجه للطرفين، ويدعي كل طرف أنه ألحق الهزيمة بالطرف الآخر، انتظارًا لجولة قادمة من الصراع. وسبق للإيرانيين أن استوعبوا الضربة الأولى في الحرب العراقية الإيرانية، وبعد ذلك تحولوا إلى الهجوم، واستمروا في الحرب نحو 8 سنوات كاملة.
الثاني- تدمير القدرات الإيرانية
والمقصود هو تدمير البرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، وهذا يعني نهاية المشروع الإيراني الذي بدأ في عام 1979. وقد يؤدي كل هذا إلى انكفاء إيران، وعدم السعي إلى التعاون مع أطراف وقوى في المنطقة، مثل الحوثيين، وحزب الله، والمجموعات المسلحة العراقية.
الثالث- العودة إلى المفاوضات
ويتحقق ذلك إذا اقتنعت تل أبيب وواشنطن أنهما حققتا كل شيء، وعدم السعي إلى إحراج النظام الإيراني وإضعافه، والإبقاء على النظام الإيراني ضمن معادلة التوازن في منطقة الخليج وغرب آسيا، بمعنى إضعاف النظام، وليس القضاء عليه.
المؤكد أن إسرائيل حققت نجاحًا مذهلًا في الضربة الأولى ضد إيران، وحتى كتابة هذه السطور كان رد الفعل الإيراني ضعيفًا وبطيئًا جدًّا، وكشف عن ثغرات في النظام الدفاعي والصاروخي الإيراني، وهو ما يفرض على إيران التفكير للخروج بأقل الخسائر، حتى لا تتعمق الخسائر، وتتدحرج الكرة وصولًا إلى سقوط النظام من الداخل.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.