تقدير موقف

مواجهة تركية- إسرائيلية في كشمير


  • 17 يونيو 2025

شارك الموضوع

في مايو (أيار) 2025، شهدت منطقة جنوب آسيا تصعيدًا عسكريًّا خطيرًا بين الهند وباكستان، اندلع إثر هجوم مسلح استهدف سياحًا في كشمير. هذا الصراع، الذي أعاد إلى الأذهان نزاع كشمير المزمن، لم يكن معزولًا؛ بل امتدت تداعياته إلى أطراف إقليمية أخرى، منها تركيا وإسرائيل. لم تشهد أنقرة وتل أبيب مواجهة عسكرية مباشرة، لكن دعمهما طرفي النزاع -باكستان والهند على التوالي- أدى إلى مواجهة غير مباشرة عكست تعقيدات التحالفات الجيوسياسية.

تاريخيًّا، مرت العلاقات التركية- الإسرائيلية بمراحل متباينة. دعمت تركيا الموقف العربي خلال حرب يونيو (حزيران) 1967، مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. وخلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، رفضت تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها لتزويد إسرائيل بالأسلحة، في حين سمحت للاتحاد السوفيتي باستخدام مجالها الجوي لدعم مصر وسوريا، لكن في التسعينيات، شهدت تعاونًا إستراتيجيًّا بين تركيا وإسرائيل، خاصةً في المجالات العسكرية والاقتصادية، مدعومًا بمصالح مشتركة ضد خصوم إقليميين، مثل سوريا وإيران، لكن مع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا عام 2002، تغيرت الديناميكيات.

هذه المواقف عكست توجه تركيا نحو دعم القضايا الإسلامية، وهو ما أثّر في موقفها خلال الصراع الهندي- الباكستاني. وتفاقمت التوترات بعد أحداث مثل هجوم إسرائيل على غزة في 2008- 2009، وأزمة سفينة “مافي مرمرة” عام 2010؛ مما جعل العلاقات هشة وقابلة لمزيد من التصعيد في سياقات إقليمية، مثل الحرب الهندية- الباكستانية.

اندلعت المواجهة الهندية- الباكستانية في مايو (أيار) 2025 بعد هجوم مسلح في كشمير الهندية أسفر عن مقتل سياح؛ مما دفع الهند إلى شن غارات جوية على أهداف في باكستان. تصاعد الصراع بسرعة، حيث استخدمت الهند أسلحة متطورة، منها طائرات مسيرة إسرائيلية من طراز “هاروب”. أسقطت باكستان 25 من هذه المسيرات، مما أظهر قدراتها الدفاعية. كان الصراع “مختلفًا على نحو خطير”، وشهد استخدام أسلحة متقدمة، مما زاد حدته، وجذب انتباه القوى الإقليمية. كشمير، التي ظلت نقطة خلاف منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، كانت مركز الصراع، لكن تداعياته امتدت إلى ما هو أبعد من الحدود الهندية- الباكستانية.

إسرائيل اضطلعت بدور محوري في دعم الهند خلال هذه المواجهة. العلاقات العسكرية بين البلدين تعززت منذ التسعينيات، حيث أصبحت إسرائيل ثاني أكبر مورد أسلحة للهند بعد روسيا، واستخدمت الهند طائرات “هاروب” المسيرة، التي طورتها شركة “إسرائيل للصناعات الجوية”، في غاراتها على باكستان. الغارات الهندية اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على هذه المسيرات، مما يبرز الدور الإسرائيلي.

إسرائيل قدمت دعمًا مماثلًا خلال حرب كارجيل 1999، حيث زودت الهند بقذائف مدفعية موجهة بالليزر، وطائرات استطلاع بدون طيار. بحلول عام 2025، وقّعت إسرائيل عقودًا بقيمة 2.9 مليار دولار لتزويد الهند برادارات ومسيرات قتالية، وهذا الدعم عزّز قدرات الهند العسكرية، مما أثار قلق باكستان وحلفاءها، ومنهم تركيا.

تركيا، التي تربطها بباكستان علاقات تاريخية قوية تعود إلى منتصف القرن العشرين، اتخذت موقفًا داعمًا لإسلام آباد. فتح الصراع الهندي- الباكستاني “فصلًا جديدًا من المواجهة غير المباشرة” بين تركيا وإسرائيل. تركيا دعمت باكستان دبلوماسيًّا من خلال إدانة الغارات الهندية، ودعوة المجتمع الدولي إلى التدخل لتهدئة الوضع. باكستان حققت تفوقًا جويًّا باستخدام طائرات “جي 10 سي” الصينية الصنع؛ مما عزز الثقة بالتحالف الإقليمي الذي يضم تركيا والصين.

تركيا، التي طورت صناعة عسكرية متقدمة، منها طائرات “بيرقدار TB2” المسيرة، ربما أسهمت على نحو غير مباشر من خلال تبادل الخبرات التكنولوجية مع باكستان. العلاقات التركية- الباكستانية، المدعومة بتفاهمات مثل “محور إسلام آباد- أنقرة- بكين”، جعلت تركيا طرفًا حيويًّا في دعم باكستان ضد الهند المدعومة من إسرائيل.

المواجهة بين تركيا وإسرائيل خلال هذا الصراع لم تشمل اشتباكات مباشرة؛ بل تجسدت في دعم كل طرف لحليفه الإقليمي؛ فإسرائيل، من خلال تزويد الهند بأسلحة متطورة، عززت قدرات نيودلهي، في حين سعت تركيا إلى دعم باكستان سياسيًّا وإستراتيجيًّا. هذا التقاطب يعكس انقسامًا إقليميًّا أوسع، حيث تقف تركيا إلى جانب دول مثل باكستان والصين، في حين تتحالف إسرائيل مع الهند والولايات المتحدة. وأدت هذه المواجهة إلى تعقيد الديناميكيات الإقليمية، خاصةً مع استخدام أسلحة متطورة مثل المسيرات.

التوترات التجارية والدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، التي تفاقمت بعد عملية “طوفان الأقصى”، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، جعلت أنقرة حساسة تجاه أي دعم إسرائيلي لخصوم حلفائها. على سبيل المثال، فرضت تركيا قيودًا تجارية على إسرائيل في عام 2024؛ مما يعكس استعداء متبادلًا غذّى المواجهة غير المباشرة في سياق الصراع الهندي- الباكستاني.

المواجهة التركية- الإسرائيلية خلال الحرب الهندية- الباكستانية كشفت عن تعقيد التحالفات الإقليمية. دعم إسرائيل للهند عزّز قدرات الأخيرة، لكنه أثار قلق دول مثل باكستان والصين، في حين أسهم موقف تركيا في تعزيز التوازن الإقليمي من خلال دعم باكستان. هذا الصراع أبرز أيضًا الدور المتزايد للأسلحة المتطورة، مثل المسيرات، في الحروب الحديثة، مما زاد المخاطر الإقليمية.

على الصعيد الدولي، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار في 17 مايو (أيار) 2025، لكن التدخلات الإقليمية، مثل تلك التي قامت بها تركيا وإسرائيل، جعلت التهدئة صعبة. كما أن هذه المواجهة عززت الاستقطاب بين المحاور الإقليمية، مع احتمال تأثيرها في قضايا أخرى، مثل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أو العلاقات التركية- الأمريكية.

المواجهة التركية- الإسرائيلية خلال الحرب الهندية- الباكستانية في مايو (أيار) 2025 لم تكن مجرد صراع ثنائي؛ بل كانت انعكاسًا لشبكة معقدة من التحالفات والمصالح. دعم إسرائيل للهند، وتركيا لباكستان، أظهر كيف يمكن للصراعات المحلية -مثل نزاع كشمير- أن تمتد لتشمل أطرافًا بعيدة جغرافيًّا. في المستقبل، قد تستمر هذه المواجهة غير المباشرة في تشكيل العلاقات التركية- الإسرائيلية، لا سيما مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. التحدي الأكبر يتمثل في منع تحول هذه المنافسة إلى صراع مباشر، خاصة في ظل التقدم التكنولوجي العسكري، وزيادة الاستقطاب الإقليمي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع