أبحاث ودراساتمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

ملف المقاتلين الأجانب يعود إلى الواجهة.. مقاتلو آسيا الوسطى في سوريا


  • 14 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: daryo

أثيرت التساؤلات من جديد عن مصير المقاتلين الأجانب في سوريا، لا سيما بعد التصريح الغامض للرئيس السوري الحالي أحمد الشرع خلال لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السابع من مايو (أيار) الجاري، ولعل ما يفاقم خطورة عودتهم على الأمن الإقليمي ما يرتبط بانخراط مقاتلي آسيا الوسطى في مختلف الفصائل السورية، وهو ما من شأنه الدفع بعدد من التكهنات عن جهود إعادة الإدماج التي تكشف عن التهديدات المزدوجة المتمثلة في الإرهاب والتطرف الأيديولوجي.

ونظرًا إلى المشهد الجيوسياسي المتقلب، الذي اتسم بتداعيات سقوط نظام بشار الأسد، والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وقدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، ومحاولات إحياء تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله بسوريا والعراق، والتطورات الأخيرة في جهاز الدفاع السوري الجديد، وضمه مقاتلين أجانب، على رأسهم الطاجيكي سيف الدين تاجباييف، كل هذا قد يحفز عودة الجهادية في المستقبل القريب إلى منطقة الشرق الأوسط على يد متطرفي آسيا الوسطى.

مؤشرات العودة

بتولي أحمد الشرع -ذي الخلفية الجهادية- رئاسة سوريا الجديدة، تغيرت معادلة المقاتلين الأجانب في سوريا، خاصةً مواطني آسيا الوسطى، ولعل أبرز شواهد تلك المعادلة تمثل فيما يلي:

  • تنامي تأثير الأداة الدعائية: سعى مجاهدو آسيا الوسطى إلى توظيف الأداة الدعائية باللغات الروسية ولغات آسيا الوسطى، وخاصة على تطبيق تيليغرام والمنصات المشفرة؛ للترويج للجهاد في سوريا. ومنذ أيام، وتحديدًا في الثامن والعشرين من أبريل (نيسان) المنصرم، نشر مسلحون من آسيا الوسطى، يدّعون أنهم تابعون لهيئة تحرير الشام، مقطع فيديو من سوريا باللغة الروسية، يشجعون فيه الناطقين بالروسية على السفر والقتال فيما سمّوه “الحرب الدينية ضد موسكو وطهران”، ويُظهر الفيديو مقاتلين أجانب يتدربون على القتال، ويزعمون تمثيلهم تحالفًا أوسع للجهاديين الدوليين في سوريا؛ ما يحمل معالم جديدة لخطة تجنيد المسلمين الناطقين بالروسية عبر الحدود، وقد جاء هذا بالتزامن مع تكثيف تنظيم داعش خطواته لاستهداف حكومة الشرع من خلال تكفيرها واعتبارها عدوًّا للتنظيم، ويجب الانشقاق عنها؛ لابتعادها عن الشريعة الإسلامية.
  • تدفق مواطني آسيا الوسطى إلى الأراضي السورية: شارك عدد كبير من مواطني آسيا الوسطى في الصراع السوري، خاصة بعد عام 2015، وانضموا إلى كيانات متباينة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، والمعارضة السورية، والتشكيلات الموالية لتركيا، وجيش نظام الأسد. ومع أن الأعداد الدقيقة لا تزال غير محددة، فإن كثيرًا من المقاتلين جلبوا عائلاتهم إلى مناطق النزاع، حيث أعلنت اللجنة الحكومية للأمن القومي في طاجيكستان أن نحو 1900 مواطن طاجيكي سافروا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف الجماعات الجهادية في السنوات الأخيرة، وانضم معظم المواطنين الطاجيك إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

 وبعد الهزائم العسكرية التي لحقت بالجماعات الجهادية هناك، بدأت عمليات إعادة هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم، وقد أطلق كثير من دول آسيا الوسطى، لا سيما أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان، برامج إعادة توطين وإعادة إدماج المقاتلين، غير أن تلك البرامج لم تنجح في إنهاء خطرهم، بل لا يزال الأفراد المتطرفون وشبكاتهم نشطين بعد عودتهم، إذ انتقل بعضهم إلى بلدان الصراع الأخرى مثل أفغانستان، في حين استأنف آخرون أنشطتهم السرية في بلدانهم الأصلية، ولا تزال فصائل مسلحة بارزة من آسيا الوسطى، مثل كتيبة التوحيد والجهاد، وكتيبة الإمام البخاري، تعمل تحت رعاية جماعات مثل هيئة تحرير الشام، خاصة بعد إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

  • تعيين مقاتلي آسيا الوسطى في هيكل الأمن السوري الجديد: في يناير (كانون الثاني) الماضي، أُعلن تعيين مقاتل من آسيا الوسطى، وتحديدًا من طاجيكستان، وهو سيف الدين تاجباييف، رئيسًا للمقر العملياتي في وزارة الدفاع السورية المُشكلة حديثًا، وكان تاجباييف -البالغ من العمر 41 عامًا، من مواليد منطقة سبيتمان في منطقة صغد بطاجيكستان- عضوًا في حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان المحظور، ولديه تاريخ في تجنيد المواطنين الطاجيك للأنشطة المسلحة، حيث انتقل إلى سوريا منذ 2013 ضمن قادة الجناح العسكري لجماعة التوحيد والجهاد، وهي جماعة متحالفة مع هيئة تحرير الشام الحاكمة، وتم الترويج لتعيين تاجباييف على أنه في إطار جهود الحكومة الانتقالية السورية لدمج مقاتلين أجانب ذوي خبرة في هيكلها الدفاعي، غير أن الواقع يشير إلى أن هذا التعيين يُمثل اعترافًا بأهمية إسهام أبناء آسيا الوسطى في هزيمة بشار الأسد، كما أفادت التقارير حينذاك بإسناد ستة من أصل خمسين منصبًا دفاعيًّا رفيعًا إلى مسلحين أجانب؛ ما أثار مخاوف بشأن عسكرة القادة المتطرفين، وشرعنتهم داخل مؤسسات الدولة، إذ يرجح أن يؤدي تعيين تاجباييف إلى إنشاء مراكز تدريب مقاتلين أجانب لمواطني آسيا الوسطى؛ بهدف محاربة القوات العسكرية الروسية التي لا تزال منتشرة على الساحل السوري.
  • تكثيف مشاركة مواطني آسيا الوسطي في العمليات الإرهابية: على مدار السنوات القليلة الماضية، تورط مقاتلون من آسيا الوسطي في عمليات مسلحة إرهابية إقليمية ودولية، كان من أبرزها اعتقال ألمانيا وهولندا في يوليو (تموز) 2023 ستة مواطنين طاجيكيين للاشتباه في تورطهم في الإرهاب، واشتُبه أيضًا -في يناير (كانون الثاني) 2024- في تورط مواطنين طاجيكيين في تنفيذ هجمات في كرمان وشيراز بإيران. وفي مارس (آذار) من العام نفسه، هاجم مهاجرون طاجيكيون -بناءً على تعليمات من عناصر داعش- مبنى بلدية كروكس بالقرب من موسكو، وفي الصيف الماضي قُبِضَ على ثمانية عناصر من طاجيكستان في الولايات المتحدة للاشتباه في صلتهم بتنظيم داعش، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، قُبض على ثلاثة مواطنين أوزبكيين في الإمارات العربية المتحدة للاشتباه في تورطهم في قتل الحاخام الإسرائيلي زفي كوغان.

تداعيات عودة مقاتلي آسيا الوسطى إلى سوريا على الأمن الإقليمي

تحمل عودة مقاتلي الجمهوريات الإسلامية إلى الساحة السورية تداعيات واسعة النطاق، ليس فقط على الأمن القومي السوري، أو أمن دول آسيا الوسطى؛ بل على أمن المنطقة كلها، كما يتضح من خلال:

  • سيطرة متطرفي آسيا الوسطى على مفاصل الدولة السورية: إن وجود جهاديين من آسيا الوسطى داخل الهياكل الحكومية الرسمية، أو يرتبطون بأعضاء هيئة تحرير الشام، مثل سيف الدين تاجباييف، يُضعف النزاهة العسكرية لقوات سوريا الجديدة، ويزيد احتمالية حدوث اضطرابات داخلية نتيجة لتباين أيديولوجيات الفصائل المسلحة، وقد يعزز هذا الشبكات الجهادية العابرة للحدود الوطنية في السنوات المقبلة؛ مما يحول أجزاء من شمال غرب سوريا إلى قواعد لشن هجمات على أهداف إقليمية، لا سيما على آسيا الوسطى.
  • استعادة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية: إن الصراع الأيديولوجي المستمر لتنظيم الدولة الإسلامية يضعف قدرة القيادة السورية الجديدة على دمج الفصائل المعارضة في السلطة؛ مما يدفع إلى مزيد من الهجمات الإرهابية والقتال بين الفصائل السورية المتباينة. وقد تتطور المرافق السابقة المرتبطة بهيئة تحرير الشام إلى ساحات تدريب لمقاتلين من آسيا الوسطى؛ مما يعزز القدرات العملياتية للمجموعة على المدى الطويل داخل سوريا وخارجها.
  • زعزعة استقرار دول آسيا الوسطى: يمكن للمقاتلين من آسيا الوسطى ذوي الخبرة القتالية العائدين من سوريا أن يزعزعوا استقرار بلدانهم الأصلية من خلال نشر خبراتهم العملياتية، وأيديولوجيتهم المتطرفة، خاصة طاجيكستان، التي تعاني هشاشة أمنية بسبب مجاورتها لأفغانستان؛ ما يسفر عن زيادة في عمليات التجنيد، وتغلغل الدعاية، والدعم اللوجستي للشبكات المتطرفة المتورطة حاليًا في سوريا، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى، وتعقيد إستراتيجيات مكافحة الإرهاب العالمية.
  • استغلال المظالم المحلية: قد يستغل المسلحون العائدون السخط الاجتماعي والاقتصادي في دول آسيا الوسطى، وخاصة في مناطق مثل إقليم غورنو- بادخشان الذاتي الحكم في طاجيكستان؛ لحشد الدعم المحلي للأنشطة المناهضة للحكومة؛ مما يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة على نحو أكبر.
  • استهداف المصالح الأجنبية: إن التدخل العسكري الخارجي المطول في سوريا قد يتحول إلى جهد طويل الأمد ومثير للمشكلات في مكافحة التمرد، خاصة إذا بدأ الجهاديون العابرون للحدود الوطنية، أو المقاتلون المنتمون في الماضي إلى هيئة تحرير الشام، بمهاجمة المنشآت العسكرية الأجنبية في البلاد، خاصة المرتبطة بروسيا وتركيا.
  • التداعيات الإقليمية: قد يستهدف المقاتلون نقاط ضعف في الدول المجاورة؛ مما يدفع إلى إضفاء طابع إقليمي على أنشطتهم، وقد يؤدي هذا إلى زيادة الاعتماد على القوى الخارجية لضمان الأمن؛ مما يُقوّض السيادة الإقليمية وتماسكها.

مستقبل جهود مكافحة الإرهاب في آسيا الوسطى

في السنوات الأخيرة، أعادت حكومات آسيا الوسطى مئات المقاتلين وأفراد عائلاتهم من العراق وسوريا، في محاولة لإعادة إدماجهم؛ لذا أطلقت الحكومات الخمس -بالتعاون مع شركاء دوليين- برامج إعادة إدماج، مثل مبادرة “مهر” في أوزبكستان، وبرنامج “جوسان” في كازاخستان، بهدف التخفيف من الخطر الذي يشكله العائدون. ومع ذلك، لا تزال إعادة تأهيل الجهاديين السابقين تثير مخاوف واسعة النطاق في آسيا الوسطى من محاولة إثارة اضطرابات خطيرة في الجمهوريات الخمس، لا سيما عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) المنصرم.

 واستجابة لهذا، خطت بلدان آسيا الوسطى خطوة تاريخية في مسار مكافحة الإرهاب، حيث استضافت أوزبكستان، في أبريل (نيسان) الماضي، أول اجتماع لرؤساء أجهزة الاستخبارات والأمن من دول آسيا الوسطى في طشقند، وخلال رئاسة أوزبكستان للاجتماع التشاوري لرؤساء دول آسيا الوسطى، تم التركيز على وضع إستراتيجية موحدة لمواجهة التهديدات الإقليمية، مثل الإرهاب، والاتجار بالمخدرات، والتطرف، وأخطار الأمن السيبراني. ولعل نقطة التحول في هذا الاجتماع المحوري ارتبطت بإنهاء -أو على أقل تقدير تقليص- الدور الخارجي في جهود مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين هذه الدول والقوى الإقليمية والدولية، حيث دعم منتدى طشقند إدراك قادة المنطقة قصور نماذج الأمن التقليدية المعتمدة على الخارج.

جاء هذا بالتزامن مع تفعيل منظمة معاهدة الأمن الجماعي برنامجها الذي يهدف إلى تعزيز حدود طاجيكستان الهشة مع أفغانستان، وتوجه الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى دوشنبه لإكمال المرحلة الأولى من البرنامج. وعلى صعيد متسق، أعلنت أوزبكستان وكازاخستان مبادرات جديدة لتحديث الدفاع، حيث أعلنت أوزبكستان خططًا لدمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطائرات المسيرة في جيشها، في حين أنشأت كازاخستان صندوقًا لتنمية الصناعات الدفاعية لتعزيز تصنيع الأسلحة محليًّا، وتقليل الاعتماد على المصادر الأجنبي، في حين ظلت طاجيكستان الحلقة الأضعف في سلسلة جهود مكافحة الإرهاب في آسيا الوسطى؛ نظرًا إلى محدودية الموارد والعتاد العسكري التي تُقيد البلاد على تحديث جيشها.

الخاتمة

مع أن ملف الأمن في آسيا الوسطى أصبح أكثر استقلالية، فإنه يظل هشًا وعرضة للصدمات الخارجية، وإذا اكتسب أنصار الخلافة العالمية نفوذًا كبيرًا في سوريا، فقد يدفع هذا إلى عودتهم إلى الأيام التي سعى فيها تنظيم الدولة الإسلامية إلى نشر أيديولوجيته في جميع أنحاء العالم من خلال الأعمال الإرهابية. وبالنسبة لمقاتلي آسيا الوسطى، فإن الوجهة الأكثر ترجيحًا لتحقيق هذا هي أفغانستان؛ إذ تنشط بالفعل فصائل داعش المتحالفة أيديولوجيًّا.

واستنادًا إلى هذا السيناريو، من المرجح أن تشهد الجمهوريات الخمس -على المدى القصير والمتوسط- توطيدًا مطّردًا لآليات التعاون الأمني ​​الإقليمي، مع تنامي جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مكافحة الإرهاب، بيد أن الاختلافات الوطنية ستظل تحديًا بارزًا لتلك الجهود، فبينما ستواصل أوزبكستان قيادة المبادرات الإقليمية، ستركز كازاخستان على بناء أسس دفاعية سيادية، أما طاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان، فسيستمر اعتمادها على القوى الإقليمية والدولية، مما يجعلها عرضة للتلاعب الخارجي.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع