إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

هل استخدمت إسرائيل السلاح النووي التكتيكي في اليمن؟


  • 8 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: alhurra

جاءت الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل في اليمن في 5 مايو (أيّار) 2025، عقب سقوط صاروخ باليستي حوثي في مطار بن غوريون، في لحظة حرجة من التفاعلات الإقليمية، حيث التصعيد المتزامن في أكثر من ساحة، من غزة إلى اليمن، مرورًا بالجبهة الشمالية مع حزب الله والتوترات المستمرة مع إيران، ومع تواتر الحديث عن سلوك نووي محتمل من إسرائيل، سواء على مستوى التهديد أو الاستخدام، جاءت لتطرح تساؤلات خطيرة تتجاوز مسألة الردع التقليدي، وتدخل في صميم معضلة الاستخدام المحتمل للسلاح النووي التكيتيكي. وبين تداول شعبي مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي، وصمت رسمي مطبق، يصبح من الضروري، بل لزامًا على الباحث المتابع، تقديم تحليل يستند إلى المعطيات الفنية والإستراتيجية والسياسية، مع تفكيك السيناريوهات الممكنة، وتقييم عواقب كل منها، بعيدًا عن العواطف والتهويل أو التهوين.

وإذا بدأنا بالحديث عن السلاح النووي التكتيكي نفسه، وكذلك عن تموضعه في العقيدة الإسرائيلية العسكرية، حسب المتاح من المعلومات التي يمكن الاعتماد على صحتها بالطبع، نجد أن السلاح النووي التكتيكي يصنف ضمن الأسلحة النووية المنخفضة القدرة (0.3 إلى 20 كيلوطن)، ويستخدم لتحقيق أهداف عسكرية مباشرة ومحددة على نطاق ميداني ضيق.

وإسرائيل لا تزال تُبقي على سياسة “الغموض البنَّاء” حيال قدراتها النووية، وهو ما يجعل تحليل أي استخدام محتمل يخضع لتقدير الأدلة غير المباشرة، كما يقول الخبراء، وذلك مثل كتلة التفجير، والآثار الإشعاعية، والبصمة الضوئية.

 العقيدة الإسرائيلية التقليدية ترتكز على الردع الإستراتيجي الشامل، لا على الاستخدام الفعلي للنووي، غير أن التحولات الأخيرة في طبيعة التهديدات غير المتماثلة، كتلك التي بات الحوثيون يمثلونها على خلفية عدوان إسرائيل غير الإنساني على غزة وأهلها، قد تجعلها تُعيد صياغة بض الأطر العملياتية، وإن بقي ذلك في إطار غير معلن.

وإذا انتقلنا إلى تحليل معطيات الضربة اليمنية، فتشير البيانات والمقاطع التي تُتداوَل إلى أنه قد رُصدت في ميناء الحديدة انفجارات ضخمة، صاحبها وميض ضوئي غير مألوف، وتبعها تأخر في حركة الإعلام الرسمي الحوثي؛ ما دفع بعض النشطاء والخبراء إلى ترجيح فرضية استخدام سلاح غير تقليدي.

في المقابل، لم تُسجل آثار إشعاعية معروفة، كما لم تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو أي مرصد بيئي مستقل -حتى اللحظة- مؤشرات نووية واضحة، مما يبقي هذه الفرضية في إطار الاحتمال التحليلي غير المؤكد.

إذن، لنفترض أن إسرائيل استخدمت النووي التكتيكي، فما السيناريوهات المحتملة وتداعياتها؟ وكيف نقيّمها؟

السيناريو الأول: ثبوت استخدام نووي تكتيكي. التحليل السياسي والإستراتيجي لذلك يفيد بما يلي:

– سيكون هذا أول استخدام نووي، مثبت، منذ هيروشيما وناغازاكي (إذا تغاضينا بالطبع عن اتهامات روسية غير رسمية للناتو بتجريب أسلحة نووية في قصف يوغوسلافيا نهاية التسعينيات)؛ ما يعني كسرًا لأحد أهم المحرمات الإستراتيجية عالميًّا.

– سيفقد الغرب، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، القدرة الأخلاقية على مطالبة إيران أو غيرها بضبط برامجها النووية.

– قد تستخدم الصين أو روسيا الحادث ذريعة لتوسيع مجال التسليح النووي في محيطاتها الإقليمية، خاصة في الظروف الراهنة، سواء مع حالة أوكرانيا فيما يتعلق بروسيا، أو بحر الصين الجنوبي وتايوان فيما يتعلق بالصين.

– ستجد السعودية نفسها مضطرة إلى اتخاذ موقف واضح، مما قد يضعف تحالفاتها التكتيكية مع إسرائيل.

– القيادة الإيرانية ستُمنح تفويضًا شعبيًّا واسعًا لدعم الحوثيين، وتصعيد العمليات عبر وكلائها المتبقين في سوريا والعراق ولبنان.

– احتمال ظهور سباق تسلح نووي “صامت” في المنطقة، خاصة من دول الخليج التي لديها الأموال الكافية لإطلاق هذه البرامج.

– احتمال تصعيد العمليات على الممرات المائية، مع استهداف مباشر لسفن أمريكية وإسرائيلية.

– تهديد متزايد لأمن الملاحة العاليمة؛ ما قد يدفع إلى تدخل دولي أوسع.

السيناريو الثاني: نفي مؤكد لاستخدام السلاح النووي. تقول لنا القراءة الإستراتيجية في هذه الحالة أن:

– إسرائيل، بالرغم من ذلك، نجحت في توجية ضربات عالية الدقة، تظهر كفاءتها العسكرية دون تجاوز عتبة النووي.

– يبقي ذلك على توازن الردع دون إثارة أزمة نووية شاملة، أو تحميل الدولة أعباء قانونية ودبلوماسية.

ولذلك بالطبع أثر في الحوثيين، وهو:

– ضعف سردية “العدوان النووي” سيفقد الجماعة إحدى أوراقها الدعائية المهمة.

– يمكن أن يؤدي إلى انقسامات داخلية في محور الممانعة بشأن جدوى التصعيد.

أما الموقف الدولي، ففي هذه الحالة سيستمر بالطبع الدعم الغربي لإسرائيل تحت ذريعة “حق الدفاع عن النفس”، مع دعوات محدودة إلى ضبط النفس.

كما سيُفقد هذا السيناريو روسيا والصين إمكانية استثمار الموقف لتوسيع نفوذهما في الشرق الأوسط.

إذن، ماذا تقول لنا الرؤية المستقبلية لهذه الحالة برمتها؟

بصرف النظر عن تحقق أي من الفرضيتين، فإن هذا الحدث في ذاته يسلط الضوء على خطورة هشاشة حدود الاستخدام النووي في صراعات غير متماثلة، وتعاظم دور “الرمزية النووية” بوصفها سلاحًا دعائيًّا، حتى في حال عدم الاستخدام الفعلي (ولنا في ثلاث سنوات من التلويح الروسي على خلفية أزمة أوكرانيا مثال صارخ)، بالإضافة إلى الحاجة إلى اتفاقيات إقليمية لضبط التسلح، ومنع عسكرة النزاعات المنخفضة الشدة بأسلحة غير تقليدية.

وقبل الختام، أود أن أعرج قليلًا على الترسانة النووية لإسرائيل، من واقع المتاح من معلومات بالطبع؛ فرغم إمتناع إسرائيل عن التصريح الرسمي، أو الاعتراف بحيازتها أسلحة نووية، فإن التقديرات الدولية شبه المُجمعة تؤكد امتلاك الكيان ترسانة نووية كبيرة، تجعلها القوة النووية الوحيدة غير المعلنة في الشرق الأوسط.

وتتنوع هذه الترسانة وحجمها؛ فوفق معهد SIPRI (بيانات عام 2023)، تمتلك إسرائيل من 80 إلى 90 رأسًا نوويًّا بعضها مصمم على شكل قنابل نووية تقليدية، وبعضها الآخر مهيأ للإطلاق عبر صواريخ باليستية، وطائرات مقاتلة.

وتشمل أنظمة ووسائل الإيصال الصواريخ الباليستية من طراز “أريحا 2″ و”أريحا 3” (بمدى يصل إلى 5 آلاف كم)، وقاذفات “إف-15″ و”إف-35” الأمريكية، إضافة إلى إمكانية تحميل رؤوس نووية على صواريخ بحرية تُطلق من غواصات “دولفين”.

أما الأسلحة النووية التكتيكية، فرغم عدم وجود تأكيد رسمي، فتشير بعض الدراسات إلى تطوير إسرائيل رؤوسًا نووية منخفضة القوة (أقل من 10 كيلوطن)، يمكن استخدامها كسلاح ردع “غير شامل” في مواجهة تحديات غير تقليدية.

بعد هذا العرض، من الواضح تمامًا أن هذا الانتشار خطير جدًّا في السياق الإقليمي، فهو مؤشر واضح على انعدام التوازن، فإسرائيل تظل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك سلاحًا نوويًّا خارج إطار معاهدة عدم الإنتشار؛ ما يشكل اختلالًا إستراتيجيًّا دائمًا، فضلًا عن خطورة قابلية الاستخدام في الأزمات غير المتكافئة.

نستنتج من ذلك كله أن فرضية استخدام إسرائيل سلاحًا نوويًّا تكتيكيًّا في اليمن في دائرة التحليل غير المؤكد، ولا تدعمها -حتى اللحظة- أدلة مادية قاطعة. ومع ذلك، فإن مناقشة هذا الاحتمال -بكل ما يحمله من أبعاد- تُعد -في رأيي- ضرورة إستراتيجية في اللحظة الراهنة الحرجة في المنطقة والعالم؛ وذلك لأنه -أي الاحتمال المفترض- يعكس التحديات المعقدة في بيئة إقليمية تعج بالمفاجآت، ويعيد طرح السؤال القديم الجديد: إلى أي مدى قد تذهب الدول في الدفاع عن أمنها وسط صعود الفواعل الدوليين؟

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع