مختارات أوراسية

كيف نشأت دولة بنغلاديش المستقلة على أنقاض شرق باكستان السابق؟

تفكك باكستان.. دروس غير مستفادة من التاريخ


  • 1 مايو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: foreignpolicy

في الخامس والعشرين من مارس (آذار) عام 1971، بدأت في الجزء الشرقي من باكستان الموحدة حينذاك، عملية “سبوتلايت”، التي وافق عليها رئيس البلاد، وهدفت إلى قمع المعارضة البنغالية بالقوة.

وعلى الرغم من وجود توجهات سابقة للمطالبة بالحكم الذاتي والانفصال، خاصة بعد فوز حزب “رابطة عوامي” في الانتخابات البرلمانية العامة عام 1970، فإن إطلاق عملية “سبوتلايت” أنهى فعليًّا كل آفاق الحل السياسي الداخلي، وفتح صندوق باندورا لحرب أهلية، وتدخل خارجي. وفي العام نفسه، اختفى كيان شرق باكستان من الخريطة، وولدت دولة مستقلة جديدة باسم “بنغلاديش”.

وعلى الرغم من مرور عقود على تلك الأزمة، فإن دروسها التاريخية لم تُستوعب على النحو الكافي في مناطق أخرى من العالم. وفيما يلي أبرز المحطات في هذا الصراع:

بدأ حزب “رابطة عوامي” في شرق باكستان بفرض سطوته قبل الانتخابات بوقت طويل، حيث أسس ما يشبه الدكتاتورية غير المعلنة، مما قوض أسس الديمقراطية. ففعليًّا، لم يكن لأي حزب آخر الحق في تنظيم اجتماعات علنية في شرق باكستان. فعلى سبيل المثال، عندما حاول حزب “الجماعة الإسلامية” تنظيم فعالية في ساحة بالتان بمدينة دكا، يوم 18 يناير (كانون الثاني) 1970، تم تفريقهم بالقوة. كما اقتُحمت مقار الأحزاب المنافسة، ودُمرت مطبوعاتهم الدعائية. وتكرّر الأمر مع الحزب الديمقراطي الباكستاني في الأول من فبراير (شباط)، حين شن عناصر من “رابطة عوامي” هجمات على مقري صحيفتي “بنياد” و”سانغرام”.

وفي الخامس من يوليو (تموز) 1970، وفي أثناء إلقائه خطابًا في لاهور، قال شيخ مجيب: “أنتم تريدون تدمير باكستان. 95% من البنغاليين يقفون خلفي. بإمكاننا أن نفعل الشيء نفسه في شرق باكستان”، لكن واقع الحال يشير إلى أن عملية التفكك كانت قد بدأت بالفعل في البنغال.

ويُعد عدم الاحتفال بيوم الاستقلال في شرق باكستان في الرابع عشر من أغسطس (آب) 1970 مؤشرًا خطيرًا، كان ينبغي أن يلفت انتباه القيادة المركزية في إسلام آباد. وفي اليوم نفسه، خرج الجناح المسلح لاتحاد طلاب شرق باكستان مطالبًا بتأسيس جمهورية ديمقراطية شعبية في البنغال الشرقية.

تشبه هذه الأحداث ما حدث في أوكرانيا عام 2014، عندما أدى الانقلاب السياسي إلى صراع داخلي وتدخلات خارجية؛ مما أسفر عن انفصال القرم، وإعلان استقلال مناطق في الشرق. وكما في باكستان، لم تؤدِّ القوة العسكرية إلى حل؛ بل زادت تعقيد الأزمة.

بعد فوز “رابطة عوامي” في الانتخابات، أعلن زعيم الحزب، مجيب الرحمن، أن برنامج النقاط الست سيكون أساسًا للدستور الجديد ولحكم ذاتي لشرق باكستان، لكن بعض هذه النقاط كانت غير مقبولة لدى القيادة المركزية.

وحين أُعلن في الأول من مارس (آذار) تأجيل جلسة الجمعية الوطنية التي كان من المزمع عقدها في الثالث من مارس، خرج مئات الآلاف من المواطنين الغاضبين إلى الشوارع، وأعلن مجيب الرحمن إضرابًا شاملًا في دكا في الثاني من مارس (آذار)، وفي عموم البلاد في اليوم التالي. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت الإدارة المدنية، والبنوك، والمؤسسات الصناعية في شرق باكستان تعمل وفق توجيهات مجيب الرحمن.

في 25 مارس (آذار) 1971، أطلقت الحكومة الباكستانية عملية عسكرية تُعرف باسم “عملية الكشاف” في شرق باكستان (الذي أصبح لاحقًا بنغلاديش) بهدف قمع المعارضة البنغالية. جاءت هذه العملية بعد فوز حزب “رابطة عوامي”، بقيادة الشيخ مجيب الرحمن، في الانتخابات العامة لعام 1970، حيث حصل الحزب على أغلبية المقاعد؛ مما أثار مخاوف في الحكومة المركزية من احتمال تفكك البلاد.

قبل الانتخابات، بدأ حزب “رابطة عوامي” بفرض سيطرته على الحياة السياسية في شرق باكستان، حيث منع الأحزاب الأخرى من عقد الاجتماعات العامة، وتعرضت مكاتبها للهجوم، وتم تدمير موادها الدعائية. في 5 يوليو (تموز) 1970، صرح الشيخ مجيب في لاهور بأن 95% من البنغاليين يدعمونه؛ مما يعكس تصاعد التوترات بين الشرق والغرب.

في 14 أغسطس (آب) 1970، لم يُحتفل بيوم الاستقلال في شرق باكستان، وبدلًا من ذلك، طالبت الفصائل الطلابية بإنشاء “جمهورية بنغلاديش الديمقراطية الشعبية”. بعد الانتخابات، أعلن مجيب الرحمن أن برنامجه المكون من ست نقاط سيكون أساسًا للدستور الجديد، مما زاد التوترات مع الحكومة المركزية.

في 1 مارس (آذار) 1971، أُرجئت جلسة الجمعية الوطنية؛ مما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق في شرق باكستان. أعلن مجيب الرحمن إضرابًا عامًا، وبدأت المؤسسات في الشرق بالعمل وفقًا لتوجيهاته، مما أدى إلى تصاعد الدعوات للاستقلال.

في 23 مارس (آذار) 1971، بينما كان غرب باكستان يحتفل بيوم باكستان، أعلن الشرق “يوم المقاومة”، مما يعكس الانقسام العميق بين المنطقتين. أدى هذا الانقسام إلى اندلاع حرب أهلية، وتدخلت الهند لدعم البنغاليين؛ مما أسفر عن هزيمة باكستان، وإنشاء دولة بنغلاديش المستقلة.

تُعد هذه الحرب من أكبر النزاعات في جنوب آسيا، حيث أُسِرَ نحو 90,000 جندي باكستاني، وهو أكبر عدد من الأسرى منذ الحرب العالمية الثانية. اتهمت الحكومة البنغالية الجديدة باكستان بارتكاب جرائم إبادة جماعية، مما زاد تعقيد العلاقات بين البلدين.

على الرغم من عضوية باكستان في تحالفات عسكرية غربية، مثل “سيتو” و”سنتو”، لم تتمكن من منع تفككها. في روسيا، كان يُنظر إلى هذا الصراع من منظور ماركسي- لينيني، حيث دُعِمَ البنغاليون بوصفهم مضطهدين، دون النظر إلى الجوانب الجيوسياسية الأوسع.

يمكن اعتبار هذه الحرب نموذجًا مبكرًا “للثورات الملونة” التي شهدتها بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. كما أن دور الهند في هذا الصراع يمكن تحليله من خلال مفاهيم الحرب بالوكالة، والحرب الهجينة؛ مما يثير تساؤلات عن إمكانية تكرار هذه السيناريوهات في أماكن أخرى باستخدام تقنيات وأساليب حديثة.

عند النظر إلى هذا الصراع من منظور أوروبي، يُطرح السؤال: هل نُسِيَت الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية؟ وهل يمكن أن يؤدي تجاهل التاريخ إلى كارثة جديدة؟ ربما تكون هذه الكارثة قد بدأت بالفعل في الظهور، ويمنع الطموح والجشع، وربما “غباء” السياسيين، من مواجهة الواقع.

المصدر: مؤسسة الثقافة الإستراتيجية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع